أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-1-2023
1483
التاريخ: 2023-03-21
1374
التاريخ: 2024-05-08
651
التاريخ: 25-11-2015
2397
|
العبادة هدف الخلق وطريق اليقين
إن القرآن الكريم عندما يبين علاقة العبد بالعبادة فهو يعد العبادة هدف الخلق: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] ، فالإنسان كالبذرة التي هدفها المتوسط هو أن تكون شجرة، وهدفها الأعلى هو أن تكون مثمرة ولها أهداف أخرى أمامها أيضا.
وصحيح أن بعض آيات القرآن الكريم تؤكد على أن العبادة هي الهدف من خلق الإنسان، لكن هذا هدف متوسط وليس هدفا نهائيا وأخيرة، لأن الهدف الأعلى من العبادة والذي تعتبر العبادة وسيلة لتحقيقه هو بلوغ اليقين {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } [الحجر: 99] ومهما يكن فإن العبادة هي هدف المخلوق وليست هدفا للخالق. فليس الأمر كما يتوهم بأن الله خلق البشرية ليصل إلى هدف معين كأن يكون معبودة، حتى إذا عصاه العاصون لم يتحقق له هدفه، وذلك لأن الله سبحانه غني محض ويستحيل على الغني المحض أن يفعل فعلا ليحقق به هدف ما. ولهذا يصح القرآن الكريم بأن الناس جميعا وسائر العباد في الأرض لو كفروا بالله فإنه لا يحط من كبريائه مثقال ذرة: {وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ } [إبراهيم: 8].
توضيح ذلك: إن كل فاعل يأتي بالفعل لأجل تحقيق كمال ما. وذلك الكمال إذا لم يكن مطلقة فهو يتطلع إلى كمال أعلى، وهكذا تستمر السلسلة إلى أن تنتهي بالهدف الذي هو الكمال المطلق. وحينئذ فإذا صدر من الكامل المحض المطلق فعل ما، فلا يتصور أنه بذلك الفعل ما يبغي تحقيق كمال ، لأنه الكمال المحض وهو الهدف الوحيد والأخير الجميع السالكين نحو الكمال. فإذا فعل فعلا كي يحصل على الكمال المفقود لديه، فهذا يعني أنت ما فرضناه كمالا محضا لم يكن كمالا محضا، بل إنه موجود محدود ولذلك يعمل من أجل رفع ما لديه من نقص لكي يصل إلى الكمال المفقود. وليس هناك خارج الكمال المطلق كمال حتى يحققه بواسطة فعل ما. ولهذا يصف القرآن الكريم الله سبحانه بأنه المبدإ الفاعلي والهدف النهائي للخلق: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ} [الحديد: 3]. فكما أنه لا يوجد فاعل آخر معه كذلك لا يوجد هدف آخر وراءه.
وخلاصة القول هي أن العبادة من وجهة نظر القرآن الكريم هدف الخلق، وحيث إنه في كل لحظة يصل فيض الخالق إلى ما سواه: {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29] ، فالعبادة أيضا لاحد لها، وكما أن حدوث العبادة اقترن بحدوث الخلق، فبقاؤها أيضا مرتبط ببقاء الخلق، والإنسان الذي يترك العبادة أثناء مسيره نحو الكمال، فهو مثل الشجرة التي تتوقف عن النمو والرشد، وكما سبق ذكره بنحو مجمل فإن العبادة ليست هدف نهائي لخلق الإنسان، كما أن صيرورة الشيء شجرة ليست هدفة نهائية للبذرة بل هي هدف متوسط، والهدف النهائي لها هو الإيناع والإثمار، والعبادة أيضا بالنسبة للإنسان هدف متوسط لانهائي، والهدف منها أيضا هو الوصول الى اليقين: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99](1) فالعبادة هي الطريق لنيل اليقين، والإنسان ما لم يصل إلى اليقين فهو معرض لخطر الزوال والتغيير، لكن عندما يصل إلى اليقين فهو يستقر ويطمئن.
والإنسان بواسطة العبادة يتبوأ المقام الشامخ لليقين، ومادام مرتبطا بالعبادة فهو من أهل اليقين، ولو ترك العبادة لحظة لتدنس بالمعصية ولو أنكر العبادة لكفر وارتد، ووقع في الحرمان الأبدي. فمعنى قوله: {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين}ليس هو أن من وصل إلى اليقين فقد استغنى عن العبادة، لأن كلمة (حتى) في هذه الآية الكريمة لأجل بيان منفعة وبركة العبادة وليس لبيان حلها حتى يقال: إن العبادة تتوقف عند الوصول إلى اليقين. فالآية توضح طريق الوصول إلى نعمة اليقين.
فالعبادة التي هي هدف الخلق هي العبادة التي لها ثمرة كاليقين، والعابدون الذين لا نصيب لهم من صفاء الباطن ونورانية الشهود، فليس لديهم مثل هذه العبادة. وإنهم كمثل الشجرة التي نمت وأزهرت، لكنها ما أينعت ولا أثمرت، وحول هؤلاء يقول القرآن الكريم: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} [الماعون: 4] ، فالذي يصلي لأجل رفع التكليف مبتلى بهذا الويل، وأما التاركون للصلاة فلهم ويل أشد وخلاصة القول: إن معنى الهدف النهائي ليس هو أن ببلوغه يترك أصل العبادة، وذلك لأن هذا الهدف الأصيل قائم على أساس العبادة. إذن فكيف يبقى ذلك الهدف السامي مع ترك العبادة؟ كثمر الشجر الذي بقاؤه ببقاء الشجرة، فلا يعني كون الفاكهة هدفا نهائيا للشجرة أنت الشجرة تزول وتقطع إذا ظهرت عليها الفاكهة، وعند التمييز بين (الحد العدمي) و(الهدف) يتضح أصل الموضوع جيدة. نعم إذا كان المقصود من كلمة (حتى) في الآية المذكورة هو (الحد العدمي) فإن المراد من اليقين حينئذ هو الموت قطعة. وبهذا التحليل يتضح معنى الأحاديث الواردة في هذا الباب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. سورة الحجر، الآية 99. استشهد بعض المفسرين بالآية: {حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} [المدثر: 47] وحاول تفسير اليقين في آية {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} بمعنى الموت، فقال أن الآية تقول واعبد ربك إلى الموت في حين ان اليقين ليس معناه الموت وإن كان الموت من الأمور اليقينية والحتمية، وبعده أيضا يحصل للإنسان اليقين، ولهذا يمكن أن يطبق اليقين على الموت.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|