المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
نقل تماثيل الملك «رعمسيس الرابع»
2024-11-24
الصحافة الأدبية في دول المغرب العربي
2024-11-24
الصحافة الأدبية العربية
2024-11-24
الصحافة الأدبية في أوروبا وأمريكا
2024-11-24
صحف النقابات المهنية
2024-11-24
السبانخ Spinach (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-24



فطرة البحث عن الله  
  
1429   02:46 صباحاً   التاريخ: 2023-05-04
المؤلف : الأستاذ مظاهري
الكتاب أو المصدر : تربية الطفل في الاسلام
الجزء والصفحة : ص126 ــ 135
القسم : الاسرة و المجتمع / التربية والتعليم / التربية الروحية والدينية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-7-2022 1581
التاريخ: 14-6-2017 2477
التاريخ: 4-1-2017 4769
التاريخ: 21/11/2022 1834

علينا ان ننتبه أكثر حسب رأي العلم والقرآن وروايات اهل البيت (عليه السلام)، فان الانسان يملك غريزة الدين اي ان الانسان منذ البداية يبحث عن الله وعن الاسلام يقول القرآن: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30]، وهذه الآية تثبت لنا ان فطرة البحث عن الله وعن الدين تكون معه منذ البداية وعلينا ان ننتبه على غريزته هذه. نقرأ في الروايات: (كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهوّدانه وينصرانه)(1)، فعلى أثر بعض العوامل قد يصبح الإنسان يهودياً أو دهرياً فتتغطى الفطرة الصحيحة لديه ولكنها لا تزول. يقول القرآن: {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: 30]، اي ان الفطرة لا تزول لذلك قد تطغى عند الحاجة. {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت: 65]، يكون ملحداً لكن ما ان تعصف به رياح البحر او تخرب طائرته في الجو حتى يرفع صوته بالاستغاثة ومناجاة الله عزوجل. يقول أحد الأصدقاء: اعرف طبيباً كان ينكر وجود الله عز وجل وكنا نجلس كثيراً مع بعض ونتناقش الا انه كان يرفض الاعتقاد بالله. الى انه احتاج ابنه الوحيد إلى عملية جراحية فأخذ الطبيب يبكي خارج الغرفة ويستغيث بالله. فدنوت منه وقلت له: لكنك لا تعتقد بوجود الله قال دعني وشأني لقد انكسر قلبي دعني اطلب من الله ان يعيد إلي ولدي. هذه هي الفطرة حسب قول القرآن، وهي من غرائز الانسان التي تكون حية بمجرد تولده لذلك يأمرون بالآذان في اذنه اليمنى والاقامة في اذنه اليسرى وعلى الوالدين ان يحافظا على فطرته ويحيوها ويقووها لدى الطفل، والأمر الذي يجب ان يعلمه الجميع انه لا يمكن احياء هذه الفطرة بالعلم او الاستقلال او برهان النظم والصديقين وبرهان الحدوث والامكان عند الفلاسفة ان جميع هذه الأمور لا تحي هذه الفطرة مع انها في محلها جيدة وعلينا جميعا وحسب قابليته (ان يقدر على اثبات وجود لله واثبات النبوة والامامة والمعاد). بحثنا اليوم عن الفطرة حيث لا تتقوى الا عن طريق المنبر والمحراب لذلك عليكم جميعاً ان تحضروا إلى المساجد والدروس والأهم من ذلك ان يحضر ابناءكم. فاذا كنت تريد ان تنقذ ولدك وابنتك من الفساد والكفر والالحاد وان ينجحوا في حياتهم فعليهم ان يجالسوا العلماء ويرتبطوا بالمساجد. فهذه الفطرة يقويها الارتباط بالله عز وجل. وعليك ان تهتم بصلاتهم. الصلاة في اول الوقت ومع الجماعة. صلاة مؤدبة وبخشوع والا فاعلم ان ابنك شقي بقول القرآن: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59]،فان كنت تخشى انحراف ابنك فعليك ان تعلقه بالصلاة وتبعده عن اللهو والغناء والموسيقى وان كنت تريد ان يكونوا قرة عينك بل المجتمع ايضاً عليك ان تنشط غريزة الدين لديهم وتقويها وذلك يلزمه العبادة كما يقول القرآن: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]، اي اذا كنت تريد ان يكمل ايمانك فلن يفيد العلم بالله والعلم بالمعاد فجميعنا نعلم ان الله موجود والمعاد موجود لكن لماذا نرتكب الآثام ونكرر المعاصي في حياتنا ؟ لأنه لا يقين لدينا ولان ايمان العلم غير الايمان العاطفي وغير اليقين، اليقين يتعلق بالقلب والعلم يتعلق بالعقل.

قد تثبتون بواسطة برهان النظم وجود الله عز وجل وذلك بأربعين دليل وكذلك ان القرآن والمعاد حق. لكن تستمرون بالكذب. لماذا؟ لأن الايمان العلمي لا يفيد. وجوده ضروري ولكن لا يفيد لماذا؟ لأنه المفيد هو الايمان العاطفي والقلبي الذي يرسخ في القلب ويصدقه ان يصدق القلب ان هناك خالق ومعاد هذا ما يسمى باليقين.

الآية الشريفة تقول إذا كنت تريد ان يصدق قلبك ان هناك خالق، وان تسقي فطرتك اي ان تقوي الغريزة الدينية التي ولدت معك من بطن أمك. فـ {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]، كلما قويت العلاقة بالله عز وجل يتقوى الايمان. صيام شهر رمضان المبارك والصلاة في الليل ومساعدة الفقير. وخدمة المجتمع والاهتمام بالصلاة جميع هذه الأمور تقوي العلاقة بالله عزوجل وتنمي هذه الغريزة وعندئذ يتيقن القلب ان هناك خالق ومعاد. وهذا ما يفيد.

يقول القرآن. لو ان القلب حصل على هذه المراحل الأولية فقط مخرج الذنب من حياة الانسان. ولم يتعلق بالدنيا. وهذا ما تتحدث عنه سورة: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر: 1]، اي اعمل على تحصيل المرتبة الأولى من الايمان القلبي لك ولأبنائك فان سائر الأمور تتحسن ولا يبقى ذنب في حياتك. بسم الله الرحمن الرحيم {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر: 1، 2]، تكون نائماً مدة سبعين عاما ولا تنتبه من نومك الا على حافة قبرك.

يقول النبي (صلى الله عليه وآله): (الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا).

اي يلتف حول نفسه شرانق التجارة والمال والبيت وهذه الدنيا المزخرفة. كدودة القز. إلى ان يخنق نفسه فجأة أي يموت. {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} [التكاثر: 3 - 5]، يكرر ثلاث مرات قول: ليتهم كانوا يملكون المرتبة الأولى من اليقين، فالإيمان العاطفي وتقوي الغرائز هذه المرحلة الأولى تدعى (تعلم اليقين)، وهناك عين اليقين وحق اليقين التي هي آخر مرتبة. وقد اشارت في سورة التكاثر إلى هذه المراحل الثلاث.

المرتبة الأولى ان يتيقن القلب ان الله موجود وانه في محضر الربوبية.

وان يصدق هذه الآية: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق: 14]، يقول القرآن ليتهم كانوا يملكون هذه المرتبة الأولى من اليقين {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} [التكاثر: 6].

إذا تيقن الانسان فانه يرى والرؤية قسمين: الرؤية بالعين العادية ولا أهمية لها والرؤية بالقلب، فما معناها؟ مثلاً الآن أنتم صائمين وترون الجوع والعطش لكن بأية عين؟ اي انكم تدركونها بقلوبكم. قد يصل الانسان أحياناً ان يدرك الله بقلبه كما يدرك العطشان العطش. او يدرك جهنم كما يدرك الجائع الجوع. كان زيد بن حارثة في المسجد، فرآه النبي وقد غرق في عالم الملكوت فسأله (صلى الله عليه وآله): (يا زيد كيف أصبحت) قال: (أصبحت موقنا) فسأله (صلى الله عليه وآله): وما دليلك، قال: إني أرى الجنة والنار واعلم اصحابها فهل أخبرك بهما.

هذا الشاب لم يكن فيلسوفاً ولا عارفاً ولا فقيهاً او متكلماً وحتى لم يكن يعرف برهان النظم، أو الصديقين بل تيقن قلبه بوجود الله عز وجل وبوجود جهنم. وقول الآية الشريفة لو كانت عندك المرتبة الأولى من اليقين لرأيت جهنم: لكنك (تراها الآن وستراها بعين اليقين: {ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} [التكاثر: 7]، اي عندما تصبح أنت نار جهنم وهل تعرف ماذا يعني ان تصبح نار جهنم لا أعني انت بل الذي سيذهب إلى النار: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]، {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الأنبياء: 98]، ثم يسألون نار جهنم اي هؤلاء {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر: 8]، يسألونه الم تكن تملك عقلا الم تكون معافاً الم تكن مسلماً وشيعياً فلم لم تستغل هذه النعم ولم تجالس العلماء ولم تحضر إلى المسجد. لماذا اصبحت من اهل جهنم وما هو الجواب؟ الحسرة والندامة.

ماذا تقول لنا هذه الآية الشريفة والسورة المباركة: إذا حصلت على المرتبة الأولى من الايمان فلن يكون هناك ذنباً في حياتك ولن تكون من اهل جهنم. تقول ايها الآباء والأمهات عليكم ان تحبوا هذه المرتبة من الايمان في قلوب ابناءكم وستتجنبوا فسادهم بذلك. وانتبهوا لفطرة الدين لديهم اسقوها وقووها حيث يصبح قرة عيونكم وقرة عين المجتمع ايضاً والعالم.

نجد في الروايات ان الطفل منذ سبعة اعوام يجب ان يصلي، صلاة حسنة طبعاً.

انتبه الى صيام اولادك اجعلهم يستمتعون بالصيام واليوم وقد مر اربعة عشر يوماً من شهر رمضان المبارك عليك ان تتحسر وتندم على مضيهم انه من واجبنا ومن واجبهم ايضاً وأقول لكم لا شيء يضبط الانسان الا الايمان.

في أحد جلسات البحث التي كنت أقدمه مرة في الاسبوع ايام تحصيلي عن اي شيء يضبط الانسان كل من الحاضرين اجاب شيئاً أحدهم قال العقل والثاني العلم والآخر قال الوجدان الأخلاقي ثم عددوا التربية والقانون والرقابة والايمان فقلت ان جميع هذه الأمور غير صحيحة، شيء واحد فقط يقوم بهذه المهمة الايمان العاطفي والإيمان العقلي هذا ما يضبط الانسان مائة في المائة. والا فلن يتمكن اي شيء من ان يسيطر عليك او على ابنك. فهل شهادة الطب تستطيع ذلك. إذا كان يملك ايماناً عاطفياً فسيخدم المجتمع والفقراء بعلمه والا فآخر شيء يفكر به هو الفقراء والمساكين. العلم والتخصص شيء ممتاز لكن لماذا لم تصنع منه انساناً ولماذا قضت على عاطفته بحيث يمتص يوميا ثلاثة او اربعة آلاف توماناً من دم هذه الأمة ولا يعالج فقيراً لأن لا إيمان عاطفي لديه. فلو سعيت وركضت وراء جمع المال بالمخادعة والاحتكار وغيره لترفه ولدك وابنتك. هل تستطيع الأن ان تسيطر على اعمالهم او شخصياتهم؟ لا المال ولا الشخصية يستطيعان ذلك.

فرغم الاهتمام والشخصية المحترمة التي قدمتها لابنك قد لا تستطيع انقاذه من مراكز الفساد. فالشيء الوحيد الذي يمكن ان يجعل من ابنائك قرة عين لك. الايمان العاطفي فحسب. {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]، وما يستطيع ضبطك والسيطرة عليك انت وولدك، الحضور إلى المسجد ومجالسة العلماء ومطالعة الكتب الدينية. فلا مبالاة الوالدين وعدم اكتراثهم للفطرة الدينية تجلب الشقاء، الميول والغرائز انها يجب ان تشبع والا فستورث الانسان عقداً، فان هذه الغريزة ايضاً قد تموت وتولد عقدة لدى الانسان فيصبح معقدا من الدين والعلماء. نرى الآن ان الحاج يكون حاضراً في الصف الأول في المسجد والسيدة ترتدي أفضل حجاب، بينما ابنهم من ألد اعداء الدين لماذا؟. لأن الأهل كانوا يفكرون بأنفسهم فقط وليس بأولادهم. كانوا يفكرون بدنياهم وليس بآخرتهم. ولم يكترثوا لإشباع هذه الفطرة لديهم. أن النبي (صلى الله عليه وآله) نظر إلى الأولاد وتأثر فقال (بما معناه) الويل لأولاد آخر الزمان من آبائهم: فقالوا: لماذا يا رسول الله: فقال يفكرون بدنياهم ويدعون آخرتهم. فانا بريء منهم وهم بريئون مني.

اقول لكم إذا ملكتم ابناءكم الدين فلن يخطفه أحد. والا يقيناً سيجذبوه ان لم يكن اليوم فغداً حيث تختلف اساليب الجذب. رأى أحدهم الشيطان (ولدينا رواية في هذا الصدد) والنبي موسى كان قد رأى مثل هذا المنام. رأى ان الشيطان جاء ومعه مجموعة حبال على كتفه. فسأله ما هذا: قال ألجم فيه الناس لأجرهم إلى النار، فرآها مختلفة الألوان فسأله لماذا مختلفة بعضها البعض فأجاب: لا أستطيع ان اجرهم بنفس الطريقة فلكل واحد طريقة خاصة فسأله عن الزنجير الذي بيده أجاب: هذا للسيد رضى لقد قيدته ثلاث مرات ولكنه فكّها.

الشيطان يجذب كل على طريقته. وكذلك اعوان الشيطان. وقد يجذب شياطين الانس ابناءكم بطرق واساليب عديدة. لكن بالدين لا يمكن ان يجذبه المال ولا الجاه ولا الشهوة. هذا الدين الذي اعنيه الدين والايمان العاطفي الذي يحصل من العبادة. والناتج عن المنبر والمحراب. وان لم يكن الدين موجوداً فأي شيء يجذبه حتى بالتعصب والعناء فالجملة التي قالها علي (عليه السلام) في نهج البلاغة قد قالها لكم ولم يقلها لنفسه فان مقامه (عليه السلام) أعظم بكثير من هذا المقام وهذه الجملة لبحثنا يريد ان يقول فيها (عليه السلام) ايها الشاب ان كنت تملك ايماناً عاطفياً فلن تستطيع الدنيا ولو ساندت بعضها البعض ان تخطفك. وحتى لو قدمت لك جميع ما تملك. لكن ان لم تكن تملك ايماناً عاطفياً فستذهب بحرف واحد بطرفة عين. يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (والله لو اعطيت الأقاليم السبعة وما تحت أفلاكها على ان أعصي الله في أنملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت)(2)، ويقول ايضاً (عليه السلام) في نهج البلاغة: (والله لأن ابيت على حسك السعدان سهماً وأجر في الاغلال مصفداً، أحب إلي من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد)(3). ما يقوله علي (عليه السلام) يقوله لنا وليس لنفسه، ويعني بذلك الآباء والأمهات ايضاً اذا نشأ ابناءكم على الدين وقوى علاقته بالصلاة والصيام والعبادة وحصل على الايمان العاطفي وتيقن قلبه بوجود الله فعندما يحصل على مقام سيفكر بالفقير والضعيف وسيعمل على حل مشاكل المسلمين وقضاء حاجتهم وسيكون راضياً من ذلك. وعكس ذلك صحيحاً فالدين يريد من الانسان ان يفكر بالآخرين سأنقل لكم رواية من التاريخ.

جاء هارون الرشيد الى مكة فطلب منه أهل مكة ان يعين لهم قاضياً. فقال لهم: انا لا أعرف الناس هنا انتخبوا شخصاً لأعينه لكم. فأحضروا شاباً إلى هارون.

قال علي ان امتحنك. فأجاب الشاب: امتحن قال هارون: تنازعت ويحيى على قضية وأخبره اياها وطلب الحل فقال الشاب: لا أستطيع ذلك. فإن قاعدة القضاوة تقتضي بأن أجلس مكانك وتجلس أنت ويحيى مقابلي لأرى من منكم المدعي ومن المنكر. وكان يتكلم بثقة. فجلس هارون ويحيى في مقابله.

وكان المدعي هارون فقال الشاب: احضر شاهداً فقال ليس لدي شاهد فأجاب الشاب: اذن لن يكون هناك شيئاً من حقك. وعندما رآه هارون الرشيد شاباً مؤمناً واثقاً من نفسه قال سأجعلك قاضي القضاة في بغداد فتغير لون الشاب والتمس ان يدعه وشأنه لكن لم يقبل فعين في هذا المنصب المهم ولم يمض ثلاثة او اربعة ايام كان يحكم بين الناس في النهار وفي الليل يبدأ عذابه والصراع فتضغط عليه فطرته ووجدانه الأخلاقي لأنه من يعمل تحت لواء الظلم {فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [هود: 113]، وأخذ يفكر بيوم الحساب وانه سيحشر مع هارون الرشيد في جهنم فضاق به الهم ومات.

أخذ هارون الرشيد يبحث عن خلف له مشهور بالتدين والفضيلة فأجبروا ثلاثة على الحضور فأخذوا يفكرون ماذا نفعل لنتخلص من هذا الأمر وهل تدرون ماذا يعني هذا؟ انهم كانوا يفكرون ماذا يفعلون ليخلصوا من الثروة والجاه والشهرة. ليعودوا الى الفقر والعزلة. فوجدوا ان أفضل حل ان يتظاهروا بالجنون.. سأل هارون الشخص الأول: ما اسمك. قال: محب الدنيا. ما كنيتك (ابو الهوى) ثم سأله: ما نقش خاتمك: قال: (المجنون) وسأل الثاني ما نقش خاتمك، أجاب (مالي لا أرى الهدهد) فطردهم هارون.

فاعترض هارون على هؤلاء فأجابه يحيى انهم علماء لكنهم تظاهروا بذلك ليتخلصوا من العمل تحت ولايتك، حتى ان بهلول كان عالماً عظيماً ذو شخصية عالية وكان من أقارب هارون وأراد هارون ان يعينه بالقوة فشاور بهلول الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) فأجابه تظاهر بالجنون. فخرج في اليوم الثاني وهو يركب على عصا ويلعب مع الصبية. لكن بهلول نفسه كان يفهم هؤلاء انه هو العاقل وهم المجانين. وكانوا يسمحون له بالدخول إلى البلاط، جاء ذات يوم ووضع درهماً في يد هارون.

وذهب فناداه هارون وقال ما هذا أجابه: كانت لدي حاجة فنذرت ان اعطي درهماً إلى أفقر وأشقى وأتعس الناس (لا تظنوا انه كان يكذب لا والله لم يكن بهلول ليفعل ذلك) ولم أجد غيرك بهذه الصفات.

ان بهلول صاحب دين. وهو حاضر ان يقدم شخصيته ومكانته وكل ما يملك من اجل الدين. ويعتبر ان الذي لا يقدم شيئاً هو أحقر الناس وهو المجنون.

ذات يوم رأى هارون بهلولاً وهو يلعب فقال له: ماذا تفعل؟! أجاب أبني بيتاً، كان يبني البيوت من الطين ويلعب مع الأطفال فقال له هارون: تباً لك من رجل لقد تركت الدنيا وما فيها. فقام بهلول وأجابه: انا لست رجلاً بل انت تبا لك من رجل لقد تركت الآخرة.

ولدينا الكثير الكثير من هذه النماذج وهل تدرون ماذا يعني ذلك؟. ايها الآباء والأمهات احيوا هذه الغريزة فيكم وفي اولادكم واسقوها وقووا علاقتهم بالله ما استطعتم. ما ألطف هذه الجملة التي عند العوام ان العبادة في الشباب عصا الشيخوخة. فإنه كلام عظيم جداً. ايها الشباب ثبتوا علاقتكم بالله (عز وجل) لتحل عناية الله عليكم. ولن تقفوا في طريق مسدود ولن يخطفكم أحد. فالقرآن يقول بصراحة تامة ان الشيطان يجذب من يكون تحت لواءه: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [النحل: 99].

وكم يؤكد في هذه الآية. الذين يدرسون الأدب يعرفون انه قد أكد ثلاث او أربع مرات. حتماً ويقيناً ان شياطين الانس والجن لن تتسلط على من تيقن الله والمعاد. {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل: 99، 100].

فانه يتسلط على من لا يملك دنيا عاطفياً وعلى من كان تحت لواءه ولم يتمكن من تحصيل الايمان العاطفي بواسطة ذنوبه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1ـ سفينة البحار، مجلد2، ص373.

2ـ نهج البلاغة، خطبة224.

3ـ المصدر السابق. 




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.