القرآن والسنّة هما سبيل الخلاص من براثن الفتنة
المؤلف:
الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي
المصدر:
أصلحُ الناسِ وأفسدُهُم في نهج البلاغة
الجزء والصفحة:
ص 277 ــ 279
2025-12-08
54
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} [الأنعام: 112، 113].
يكشف الله في الآية أعلاه عن سُنّة المواجهة بين الحق والباطل، ومحاربة الشياطين الدائمة للأنبياء ولسبيلهم، ووفقا لمفاد هذه الآية، فدائما هناك أشخاص يضعون الموانع أمام الحق ومسير الهداية، وهذه المواجهة بين الحق والباطل تهيئ الأرضية لامتحان الناس، والوسيلة للنجاح في هذا الاختبار الصعب هي الانتباه إلى محتوى الأفكار والسلوكيات التي تكون أمام الإنسان، وإلى جذورها وتقييمها وفقا للمعايير الإسلامية الأصيلة.
إذن لا ينبغي الانخداع بظاهر الأفكار والطروحات: لأن الأفكار المنحرفة تعرض بظاهر مخادع، وبما أن الأناس العاديّين عاجزون عن تشخيص الحق وتمييزه عن الباطل يقعون في مزالق الأفكار المنحرفة، فإن تحديد عيار الذهب وتعيين الخالص من غير الخالص ليس أمرا يسيرا بالنسبة لأي شخص، بل الخبير بالذهب، وحده - يستطيع تحديد عيار الذهب وأن يشخص الخالص من غيره، كذلك عندما يختلط الحق بالباطل. يصبح من الصعب تشخيص الحق وتمييزه من الباطل، ولا يمكن تمييز الحق من الباطل ولا الأفكار الأصيلة من غير الأصيلة إلا من خلال معيار القرآن وعرض الأفكار عليه، فيعثر بذلك على السبيل الصحيح في طوفان الفتنة حينما يعتلي الغبار صفحة الحق، ولذا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (فإذا التبسَتْ عَلَيْكُمُ الْفِتَن كقطع الليلِ الْمُظْلِمُ فَعَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ) (1).
إذن عند مواجهة الانحرافات التي تهدد إيمان الإنسان ودينه وحينما يخيم ظلام الباطل على القلوب، لا بد من الاستعانة بنورانية القرآن ليشق أمواج الأفكار المنحرفة الحالكة من أجل الوصول إلى طريق النجاة والسعادة، ولا بد - أيضا - من الاستعانة عند السير في مسير التعالي والوصول إلى الكمال بسنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل البيت (عليهم السلام) اللتين حازتا على اعتبارهما من القرآن، كما يجب الانتباه إلى أن الوصول إلى السعادة ومعرفة الحق دون اتباع النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته والتعلق بالسنّة هو أمر ممتنع وبالنظر إلى هذه الحقيقة، وهي أن القرآن والسنة من معايير معرفة الحق وتمييزه عن الباطل وكونهما سبب في نجاة الإنسان وسعادته، يقول الله (عز وجل): {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران: 132].
وكذلك يقول الله تعالى في آية أخرى عن ضرورة اتباع رسوله والعمل بما أتى به: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7].
يعتبر بعض الجهلة أن أحكام الدين بالية، لا تناسب هذا العصر، ويتهموننا بالتمسك بالقديم، ويسعون إلى التجديد في الدين وطرح أحكام وقوانين جديدة فيه، ويفتخرون بتدمير الدين بنيويا، فقد تم عقد مؤتمر قبل بضع سنوات في إسطنبول في تركيا، وهناك تمت دعوة مفكر حداثوي مصري مشهور للتحدث، وهو ممن ترجمت بعض كتبه إلى الفارسية، لقد قال في كلمته: لقد ابتليت ثقافتنا الإسلامية بالتمسك بالقديم، وإن العديد من التعاليم الإسلامية في مجالات متعددة أصبحت قديمة ومهترئة، ونحن في حاجة إلى فقه وحديث جديدين، وبعد ذلك تعرض عدة مرات للتحديث والتجديد في ساحات الدين المتنوعة، فلم يتمكن هذا العبد من التحمل أكثر من ذلك، وخلافا للعادات المرسومة قمت وقلت له: قل بالمرة: إننا نريد دينا جديدا ونبيا جديدا، وإذا كنت تعتقد أننا ينبغي أن نطرح عقائد وأحكام جديدة، فلماذا تتكلم عن الإسلام؟! قل إننا نريد ديانة جديدة ونبياً جديدا وإلها جديداً!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ج 92، الباب 1، الصفحة 17، الحديث 16.
الاكثر قراءة في التربية الروحية والدينية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة