أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-12-18
979
التاريخ: 2023-12-18
984
التاريخ: 8-11-2016
6290
التاريخ: 9-11-2016
1760
|
كانت الحالة الدينية في بلاد الحجاز قبل البعثة النبوية متعددة النواحي؛ ففيها الحمس الحنفاء، وفيها المشركون، وفيها الزنادقة، وفيها المعطلون، وكان لكل فريق طقوسه وتقاليده التي أخذها عن رجال دينه وأسلافه، إلا أنهم كانوا جميعًا يجمعون على شيء واحد وهو تقديس الكعبة واحترام مشاعرها، فقد جعلوا لها حرمًا مقدسًا يحيط بمكة من دخله كان آمنا، وحده من جهة المدينة دون «التنعيم» عند بيوت بني نفار على ثلاثة أميال، ومن جهة العراق على ثنية جبل بالمنقطع على سبعة أميال، ومن طريق «الجعرانة» بشعب أبي عبد الله بن خالد على تسعة أميال، ومن طريق «الطائف» على عرفة، ومن بطن «غرة» على سبعة أميال، ومن طريق «جدة» عند منقطع العشائر على عشرة أميال(1) ، وقد كان الناس منذ أقدم عصور «الجاهلية» يُقدِّسون هذه البقعة فلا يسفكون فيها الدماء، ولا يقطعون الشجر والقصب، ولا يطردون الصيد، ولا يقتلون الطير. قال ياقوت: ومن شرفها أنها كانت لقاحًا لا تدين لدين الملوك ... ومما زاد في فضلها أهلها ومباينتهم للعرب أنهم كانوا حلفاء متآلفين ومتمسكين بكثير من شريعة إبراهيم، ولم يكونوا كالأعراب الأجلاف، ولا كمَن لا يوقره دين ولا يزينه أدب(2). والحمس هم المتشدّدون في الدين وحفظ التقاليد الموروثة عن إبراهيم – عليه السلام - وهم بنو «خزاعة» و«كنانة» و «جديلة قيس»، و«ثقيف» و «عامر بن صعصعة»، وكان من سنة الحمس أن لا يخرجوا أيام المواسم إلى عرفات، وإنما يكتفون بالوقوف عند المزدلفة، ولا يشتكون ولا يأقطون ولا يرتبطون عنزا ولا بقرة، ولا يغزلون صوفًا ولا وبرا، ولا يدخلون بيتًا من الشعر والمدر، إنما يكتنون بالقباب الحمر في الأشهر الحرم، ثم إنهم فرضوا على العرب قاطبة أن يطرحوا أزواد الحل إذا دخلوا الحرم، وأن يخلوا ثياب الحل ويستبدلوها بثياب الحرم، إما شرى وإما عارية وإما هبة فإن وجدوا ذلك وإلا طافوا بالبيت عرايا، وفرضوا على نساء العرب مثل ذلك، وكلفوا العرب أن تفيض من مزدلفة، وكانت تفيض من عرفة أيام كان الملك في جرهم وخزاعة، وصدرًا من أيام قريش، فلولا أنهم أمنع حي في العرب لما أقرتهم على هذا العز والإمارة مع نخوة العرب في إبائها(3). يقول العلامة الألوسي: كانت قريش ابتدعت رأي الحمس رأيًا رأوه وأرادوه، فقالوا عن بني إبراهيم وأهل الحرمة وولاة البيت وقطان مكة وسكانها، فليس لأحد من العرب مثل حقنا ولا مثل منزلتنا، ولا تعرف له العرب مثل ما تعرف لنا، فلا تعظموا شيئًا من الحل كما تعظمون الحرم، فإنكم إن فعلتم ذلك استخفَّت العرب بحرمتكم، وقالوا قد عظموا من الحل مثل ما عظموا من الحرم، فتركوا الوقوف بعرفة والإفاضة منها، وهم يعترفون ويُقرون أنها من المشاعر والحج ودين إبراهيم، ويرون لسائر العرب أن يقفوا عليها وأن يفيضوا منها، إلا أنهم قالوا: نحن أهل الحرم، فليس ينبغي لنا أن تخرج من الحرمة ولا تعظم غيرها كما نعظمها نحن الحمس(4) . وقد كانت قريش وبطونها والحمس وقبائلها يقومون بالشعائر الدينية التي تربط جميع من كانوا يقصدون البيت الحرام برباط ديني وثيق على اختلاف قبائلهم، وما ذلك إلا لمكانة مكة وقدسية الكعبة واحترامهم لقريش التي كانت تتمتع بمكانة مرموقة كانت بينهم، وكان للعرب أشهُرُ مقدسة حُرُم يعقدون فيها الأسواق التجارية حول الحرم، وهي: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، فكان لا يجرؤ أحد على الإخلال بحرمة تلك الأشهر. ومما تجدر الإشارة إليه أن العرب على الرغم من احتفاظهم ببعض الطقوس الدينية الحنيفية الموروثة عن إبراهيم وإسماعيل، فإن الوثنية قد دخلت عليهم وامتزجت بديانتهم، ويُقال إن عمرو بن لحي الخزاعي هو أول من أدخل عبادة الأوثان مع الطقوس الدينية العربية، وإنه نقلها حينما زار الشام، وإنه وضع بعض الأصنام في الكعبة. يقول الشهرستاني في الملل والنُّحل: «أول من وضع فيه – أي في البيت الحرام – الأصنام؛ عمرو بن لحي لما ساد قومه بمكة، واستولى على أمر البيت ثم سار إلى مدينة البلقاء بالشام، فرأى قوما يعبدون الأصنام، فسألهم عنها، فقالوا: هذه أرباب نتخذها على شكل الهياكل العلوية والأشخاص البشرية، نستنصر بها فننصر ، ونستسقي فنُسقى. فأعجبه ذلك، وطلب منهم صنما من أصنامهم، فدفعوا إليه «هُبل»، فسار به إلى مكة ووضعه في الكعبة. ويُقال إن هُبل كان من العقيق على هيئة إنسان، وقد كثرت الأصنام في بلاد العرب عامة وفي الكعبة خاصة، حتى إن المسلمين أخرجوا منها يوم فتح مكة (360) صنما (5).وكان إلى جانب هؤلاء «نصارى» جاءتهم النصرانية من بلاد الشام وشبه جزيرة سيناء، وأشهر القبائل التي دخلتها النصرانية: بنو تغلب وطي، وبعض عرب الحجاز، وقد أثرت النصرانية في البيئة العربية تأثيرات واضحة وأوجدت بعض الفكرات التي كان لها علاقة بالنصرانية، مثل فكرة اتخاذ الله البنين والبنات ومثل فكرة الشفاعة والشفعاء، ومثل فكرة الرهبنة وطقوسها وكان في العرب نفر من المتهودة كانوا يسكنون في «فدك» و«وادي القُرى»، و«تيماء»، و«المدينة»(6)، وقد أثر هؤلاء المتهودة في بعض العرب، فأخذوا عنهم بعض الطقوس الدينية كالختان واعتزال النساء في المحيض، وبعض المعلومات التاريخية والدينية والأخبار والقصص. وكان في العرب مجوس أخذوا المجوسية عن الفرس في رحلاتهم التجارية إلى فارس، وكان فيهم «الحنفاء» أو «الصابئة» الذين نزّهوا أنفسهم عن أوضار الوثنية، واستخلصوا لأنفسهم مذهبا نقيًّا أخذوه من اليهودية والنصرانية والحنيفية، فكانوا يستقبحون عبادة الأصنام ووأد البنات وشرب الخمر ولعب الميسر والمقامرة، ويؤمنون بوجود إله واحد عادل يحاسب الناس على أعمالهم في يوم القيامة، ومن هؤلاء: أمية بن أبي الصلت الشاعر، وورقة بن نوفل، وقس بن ساعدة، وزيد بن عمرو بن نفيل، وعثمان بن الحويرث وغيرهم (7). وكان فيهم مُعطّلون دهريون يقولون: ما هي إلا حياتنا الدنيا، نموت ونحيي، وما يُهلكنا إلا الدهر؛ فأنكروا الخالق سبحانه، ونفوا البعث، ولم يقروا بالحشر، وقالوا بالطبع المحيي والدهر المفني. وكان فيهم زنادقة وثنوية، وكانت الزندقة منتشرة في قريش قال ابن قتيبة في كتاب المعارف: «وقد كانت الزندقة في قريش أخذوها من الحيرة (8). والمراد بزندقة قريش أن الزنادقة فيها كانوا يُنكرون الحشر، ولا يؤمنون بالآخرة، ويثبتون أكثر من إله، وقد يُنكرون الألوهية. وعلى الرغم من هذا التعدد الديني عند العرب قبل الإسلام، فقد كانوا مشتركين في أمور، وكأنهم قد ورثوها عن أبيهم إبراهيم، فمن ذلك تعظيم الكعبة – كما أسلفنا – ومن ذلك تقديس الأشهر الحرم، ومنه محافظتهم على طهارات الفطرة التي ابتلي بها إبراهيم، وهي: المضمضة والاستنشاق وقص الشارب والفرق والسواك والاستنجاء، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط، وحلق العانة والختان، ومنه الاغتسال من الجنابة، وتغسيل الموتى وتكفينهم والصلاة عليهم ،ورثاؤهم، وصوم عاشر المحرم، والحج والعمرة، والإحرام، والطواف، ومسح الحجر الأسود، والسعي بين الصفا والمروة والتلبية، وكانوا يقفون المواقف كلها، ويهدون الهدي، ويرمون الحجار وغير ذلك من مشاعر الحج، وكانوا يصلبون قاطع الطريق، ويقطعون السارق، ويحكمون باعتزال الحائض ... وأمور أخرى
كثيرة أقرها الإسلام (9). وهناك أمور دينية أخرى اشترك العرب جميعًا في الاعتقاد بها على الرغم من تباين مذاهبهم الدينية، ويمكننا إجمال ذلك في النقاط الآتية:
الملائكة: اعتقد العرب بوجود الملائكة، وقالوا إنها بنات الله، وإن الله سبحانه قد أصهر إلى الجن فكانت الملائكة بناته منهم، وإنهم أجسام نورانية يرسلها الله إلى الناس رسلًا مبشرين ومنذرين، وقد غالى بعض العرب فعبد الملائكة تقربا إلى الله. وذهب آخرون إلى أنهم أجسام كاللات والعزى ومناة، وأنها رموز وهياكل مادية تجسدت فيها الملائكة، وقد أشار القرآن إلى بعض هذه الاعتقادات الجاهلية بقوله: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم (10)، وقوله: ﴿وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ * سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ﴾ (11)
الجن: كان العرب يعتقدون بوجود الجن والمردة (12) ويزعمون أنهم مخلوقات هوائية لطيفة قادرة على التشكل بما تريد، ويرون أنهم أقوياء يفعلون ما يعجز عنه البشر كأنهم شركاء الله، فخافوهم وعبدوهم، وفي القرآن الكريم والشعر القديم كثير من الأقوال التي تؤيد اعتقاد العرب بالجن، وتُبيّن طرفًا من اعتقاداتهم فيهم، ففي القرآن: ﴿وَجَعَلُوا اللَّهَ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ (13)، وفيه: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَلْتَ لَنَا﴾(14)، وقال راجزهم:
من قد استعدنا بعظيم الوادي من شر ما فيه من الأعادي
فلم يُجرنا من هزبر عادي
وكان من عاداتهم في «الجاهلية» إذا ركب أحدهم مفازة، وخاف على نفسه من الجن والشياطين أن يُنيخ راحلته إلى واد ذي شجر، ويقول: أعوذ بصاحب هذا الوادي أو عظيمه. وقال آخر:
قد بت ضيفا بعظيم الوادي المانعي من سطوة الأعادي
راحلتي في جاره وزادي
وكانوا يعتقدون أن الجن والشياطين هم أصحاب نفوذ قوي وأعمال عجيبة، وأن لهم صلات ببعض بني الأنس من السحرة والكهان والشعراء، وأنهم كانوا يفعلون الأعمال الخارقة، ويَعْلَمون الأمور المغيبة، وربما سمى العرب الملائكة «جِنَّا» لاستتارهم، كما يسمونهم «حنا». بالحاء، وفي القرآن الكريم والأدب الجاهلي، والخُرافات والأساطير الموروثة، كثير من أخبار الجن والشياطين والمردة وأحوالهم واعتقادات العرب فيهم (14).
...................................................
1- راجع بلوغ الأرب للألوسي ،253:1.
2- راجع معجم البلدان، مادة (مكة).
3- راجع معجم البلدان، مادة (مكة).
4- بلوغ الأرب للألوسي، 2 :320.
5- بلوغ الأرب للألوسي، 2: 212، 381.
6- فجر الإسلام لأحمد أمني، ص27؛ وعصر النبي لعزة دروزة، ص436.
7- بلوغ الأرب للألوسي، 2 :368؛ وعصر النبي، ص419.
8- بلوغ الأرب للألوسي، 2 :316.
9- راجع بلوغ الأرب للألوسي، 2 :316.
10- سورة سبأ، آية 40.
11- سورة الزخرف، آية 19.
12- بلوغ الأرب للألوسي، 2 :360.
13- سورة الأنعام، آية 100.
14-سورة الأنعام، آية 128.
15- نقل العلامة الألوسي في بلوغ الأرب، 2 :319، عن ابن عبد البر الأندلسي أن من عقائدهم في الجن أنهم ً إذا ذكروا الجن خالص ُ ا قالوا «جني»، فإن أرادوا أنه ممن يسكن مع الناس قالوا: «عامر»، والجمع عَّمار، فإن كان ممن يعرض للصبيان قالوا «روح»، والجمع أرواح، فإن خبث ولؤم قالوا: «شيطان»، فإن زاد ِّ على ذلك قالوا «مارد»، فإن زاد على ذلك وقوي أمره قالوا «عفريت»، فإن طهر ولطف وصار خيرا فهو (ملك).
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|