المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر



الشعر صناعة  
  
5405   02:02 مساءً   التاريخ: 4-10-2015
المؤلف : شوقي ضيف
الكتاب أو المصدر : الفن ومذاهبه في الشعر العربي
الجزء والصفحة : ص13-14
القسم : الأدب الــعربــي / النقد / النقد القديم /

الشعر ليس عملًا سهلًا ساذجًا كما يعتقد كثير من الناس؛ بل هو عمل معقد غاية التعقيد، هو صناعة تجتمع لها في كل لغة طائفة من المصطلحات والتقاليد، ما يزال النقاد منذ أرسططاليس يحاولون أن يصفوها بما يقيمون عليها من مراصد ومقاييس، وقد يكون من الغريب أن نجعل الشعر صناعة، ولكنه الواقع، فكلمة شاعر عند اليونان القدماء معناها صانع(1)؛ ولذلك كنا نراهم يقرنون في أبحاثهم الشعر إلى الصناعات والفنون الجميلة من نحت وتصوير ورقص وموسيقى.
وكلمة شاعر عندنا في اللغة العربية تقترب من معناها في اليونانية، فالشاعر معناها العالم والشعر معناه العلم(2)، والعلم -كما هو معروف- يدخل في باب الصنائع. وتناثر في أشعار العرب القدماء؛ ما يدل على أنهم كانوا يحسنون بأن الشعر ضرب من الصناعات؛ فقد جعلوه كبرود العَصْب(3) وكالحلل والمعاطف والديباج والوَشْي وأشباه ذلك(4). فهو -في رأيهم- يشبه صناعة الثياب، فيه الملون وغير الملون، فيه الوشي وغير الوشي، بل إننا لنراهم يسمونه صناعة، فقد رَوَى الجاحظ أن عمر بن الخطاب قال: خير صناعات العرب أبيات يقدمها الرجل بين يدي حاجته(5)؛ فالشعر في رأي العرب -كما هو في رأي اليونان- صناعة، وهي صناعة معقدة تخضع لقواعد دقيقة صارمة في دقتها بحيث لا ينحرف عنها صناع الشعر إلا ليضيفوا إليها قواعد أخرى ما تزال تنمو مع نمو الشعر وتتطور مع تطوره.
__________

1- J.M.D Meikle John  ، English literature. P2.2-انظر مادة شعر في لسان العرب.
3- برود العصب: برود يمانية.
4- البيان والتبيين: طبعة مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر 1/ 222.
5- البيان والتبيين: 2/ 101.
 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.