المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

إسحاق بن عمار بن حيان.
28-12-2016
التحلل الضوئي Photodisintegration
9-12-2021
طريق العبودية إلى الله
2024-07-25
معنى التقوى ومراتبها
2024-06-01
إنّا أعطيناك الخير الكثير
3-12-2015
اصلاح ذات البين
13-11-2014


ملامح عصر الإمام الهادي ( عليه السّلام )  
  
1678   03:47 مساءً   التاريخ: 2023-04-17
المؤلف : المجمع العالمي لأهل البيت ( ع ) - لجنة التأليف
الكتاب أو المصدر : أعلام الهداية
الجزء والصفحة : ج 12، ص 119-130
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام علي بن محمد الهادي / قضايا عامة /

1 - الحالة السياسية العامّة

مارس الإمام الهادي ( عليه السّلام ) مهامّه القيادية في حكم المعتصم سنة ( 220 ه ) واستشهد في حكم المعتزّ سنة ( 254 ه ) وخلال هذه السنوات الأربعة والثلاثين قد عاصر ستة من ملوك بني العباس الذين لم يتمتّعوا بلذة الحكم والخلافة كما تمتّع آباؤهم حيث تراوحت فترة خلافة كل منهم بين ستة أشهر وخمسة إلى ثمان سنوات سوى المتوكل الذي دام حكمه خمسة عشر عاما .

ويعتبر عهد المتوكل العباسي بدء العصر العباسي الثاني وهو عصر نفوذ الأتراك ( 232 - 334 ه ) واعتبره البعض بدء عصر انحلال الدولة العباسية ، الذي انتهى بسقوطها على أيدي التتار سنة ( 656 ه ) .

وكان لسياسة المتوكل وأسلافه الأثر البالغ في انفصال بعض أمصار الدولة واستقلالها عن السلطة المركزية بالتدريج ، حيث نشأت دويلات صغيرة وكيانات متنافسة فيما بينها ، كالسامانية والبويهية والحمدانية والغزنوية والسلجوقية بعد هذا العصر[1].

وكما كان لهذه الدويلات تأثير في تقدم الحضارة الإسلامية باعتبار انفتاح بعض الامراء على العلم والعلماء لكنّها أضعفت كيان الدولة العباسية سياسيّا لأنها قد ساهمت في ايجاد شرخ في وحدة الدولة الإسلامية الكبرى .

وقد يعزى هذا الانفصال وتشكيل هذه الدويلات - إضافة إلى الاضطهاد وتعسف سلاطين الدولة العباسية - إلى استخدام الأتراك في مناصب الدولة الحساسة ، واعتمادهم كقوة رادعة ضد معارضي الدولة العبّاسية إذ أصبح الجيش يتكون منهم قيادة وأفرادا ، بينما ابعد العرب وسواهم عن تلك المناصب مما أثار حفيظة العرب ضد السلوك السياسي للدولة العبّاسية وبالتالي أدى إلى الانفصال عنها .

وكان المعتصم أوّل الخلفاء العباسيين الذين استعانوا بالاتراك وأسندوا إليهم مناصب الدولة وأقطعوهم الولايات الإسلامية[2].

وقد انتهج المتوكل سياسة العنف تجاه العلويين وشيعة أهل البيت ( عليهم السّلام ) فضلا عن أهل البيت ( عليهم السّلام ) أنفسهم وتجلّى ذلك بوضوح في أمره بهدم قبر الإمام الحسين بن علي ( عليه السّلام ) وما حوله من الدور بل أمر بحرثه وبذره وسقي موضع القبر ومنع الناس من زيارته وتوعّد بالسجن على من زاره[3].

وقد أثار المتوكل بهذه السياسة حفيظة المسلمين بشكل عام ، وأهل بغداد بشكل خاصّ وقد ردوا على الإهانات التي ألحقها بالعلويين فسبّوه في المساجد والطرقات[4].

وفي زمن المتوكل أصابت مدن العراق مجاعة شديدة وهلك كثير من الناس ، وانتهز الروم فرصة ضعف الدولة فاستأنفوا غاراتهم على أراضيها فأغاروا على دمياط وفتكوا بأهلها وأحرقوا دورهم ، ثم غزوا فيليفيا جنوبي آسيا الصغرى وهزموا أهلها هزيمة منكرة[5].

وفي عام ( 235 ه ) عهد المتوكل إلى أولاده الثلاثة المنتصر والمعتز والمؤيد ، بيد أنه رأى أن يقدّم المعتز على أخويه لمحبته أم المعتز ( قبيحة ) ولكن المنتصر غضب لذلك فدبّر مع أخواله الأتراك مؤامرة لاغتيال أبيه ، وحاول بعض الأتراك في دمشق اغتيال المتوكل غير أنّ محاولتهم تلك باءت بالفشل بفضل ما عمله بغا الكبير والفتح بن خاقان[6].

ولم ينج المتوكل من الاغتيال فقد قتل فيما بعد ، بعد اتفاق بغا الصغير وباغر التركي للتخلص منه وتنصيب ابنه المنتصر عام ( 247 ه ) .

وكان المنتصر يحسن للعلويين مخالفا بذلك سياسة أبيه ، وتجلّت سياسته في إزالة الخوف عنهم والسماح لهم بزيارة قبر الحسين ( عليه السّلام ) .

ولم يدم حكم المنتصر طويلا فقد تآمر عليه الأتراك وقتلوه عن طريق طبيبه طيفور في سنة ( 248 ه )[7] « 3 » .

وبعد مقتل المنتصر تولى كرسيّ الخلافة المستعين باللّه سنة ( 248 ه ) وأرجع عاصمته إلى بغداد غير أن الأتراك لم يأمنوا جانبه ، فاتفق باغر التركي مع جماعته على خلع المستعين ونصب المعتز مكانه[8].

ووقعت بينهما حرب دامت عدة اشهر انتهت بابعاد المستعين إلى واسط ثم قتله غيلة[9].

كما أن المعتز لم ينج من أعمال العنف والتعسف التي قام بها قوّاد الدولة العباسية من الأتراك فقتل شرّ قتلة على أيديهم وذلك سنة ( 255 ه ) .

وكان اغتيال الإمام الهادي ( عليه السّلام ) في حكم المعتزّ في سنة ( 254 ه ) .[10]

إنّ ضعف شخصيّة الحكّام هو أحد عوامل التفكك والانهيار الذي أصاب الدولة الإسلامية ، وقد رافقه نفوذ زوجاتهم وامّهاتهم إلى جانب سيطرة الأتراك الذين اعتمدوا عليهم للتخلّص من نفوذ الإيرانيين والعرب ، كما كان لظلم الامراء والوزراء دوره البالغ في زعزعة ثقة الناس بالحكّام وإثارة الفتن والشغب داخل بلاد المسلمين[11]. تمرّدا على ظلم الظالمين ونهب ثروات المسلمين والاستهتار بالقيم الإسلامية والتبذير في بيت مال المسلمين .

إنّ ضعف شخصيّة الحكّام أدّى إلى سقوط هيبتهم عند الولاة ممّا دعاهم إلى الاتّجاه نحو الاستقلال بشكل تدريجي لعلمهم بضعف مركز الخلافة وانهماك الحكام بالملاهي والملذّات .

وقد شجّع الحكّام الامراء وعمّالهم على الاهتمام بجمع الأموال وارسالها إلى الخليفة ونيل رضاه واتّقاء تساؤلاته عن تصرّفات الامراء .

وأدّت هذه الظاهرة إلى طغيان المقاييس المادّية واستقرارها في مختلف الشرائح الاجتماعية .

وقد ساعدت الفتوحات - التي كانت أشبه بالغزو لإحكام السيطرة على الأراضي بدل فتح القلوب والعقول - على استحكام المقاييس المادية لأنها كانت تدرّ الأموال والغنائم على الجيش الفاتح فكانت مصدرا من مصادر الثروة التي يفكّر بها الحكّام والامراء .

2 - الحالة الثقافية

كان لترجمة الكتب اليونانية والفارسية والهندية إلى العربية أثر كبير في ثقافة هذا العصر ، وكانت ظاهرة الترجمة قد ابتدأت منذ أيام المأمون ، وقد أسهمت في رفد الثقافة الإسلامية من جهة والانفتاح على الثقافات الأخرى التي قد تتقاطع مع ما أفرزته الحضارة الإسلامية من اتجاهات فكرية وثقافية من جهة أخرى .

كما كان لارتحال المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أثر كبير في التبادل والتعاطي الثقافي بين شرق البلاد الإسلامية وغربها وأنتج ذلك نشاطا ثقافيا متميّزا وحركة فكرية ، أعطت للعلماء والفقهاء دورا كبيرا وموقعا مرموقا عند الخلفاء والحكام حتى عدّ القرن الرابع الهجري فيما بعد العصر الذهبي للحضارة الإسلامية .

وقد حظي الشعراء والأدباء بمكانة رفيعة عند الامراء ممّا أدى إلى ازدهار الأدب في هذا العصر .

ولا ينبغي أن نغفل عن محنة خلق القرآن وما رافقها من توتّر في المجتمع الإسلامي طيلة عقود ثلاثة[12].

3 - الحالة الاقتصادية

إن الاضطرابات السياسية والصراع على السلطة وبدء انفصال أجزاء عن الدولة العباسية واستقلالها قد أثّر في تدهور الوضع الاقتصادي .

وكان لظهور الطبقية في المجتمع الإسلامي آثار سلبية أدّت إلى سرعة الانهيار الاقتصادي فضلا عن المجاعة وارتفاع الأسعار ، مما كان له أثر كبير في اضطراب الأمن وفقدان السيطرة من قبل الدولة ، وقد تجلّى ذلك في قصر فترة حكم الخلفاء إلى جانب انتقال إدارة الدولة إلى القواد الأتراك بدل الخلفاء وهو دليل واضح على ضعف شوكتهم وفقدان هيبتهم أمام قوّاد الجيش ووزرائهم وكتّابهم[13].

4 - الموقع الاجتماعي والسياسي للإمام الهادي ( عليه السّلام )

إن حادثة إشخاص الإمام ( عليه السّلام ) من قبل المتوكل من المدينة إلى سامراء وإيكال ذلك الامر إلى يحيى بن هرثمة ، وما نقله يحيى هذا عن حالة أهل المدينة المنورة ، وما انتابهم وما أحدثوا من ضجيج واضطراب لإبعاد الإمام ( عليه السّلام ) عنهم يصوّر لنا مدى تأثر أهل المدينة بأخلاقية الإمام ( عليه السّلام ) المثلى وحسن سلوكه وتعامله معهم وشدة اندماجه في حياتهم ، ولا غرو فهو سليل دوحة النبوة وثمرة شجرة الإمامة التي هي فرع النبوة ، فالإمام هو حجة اللّه سبحانه على خلقه وهو المثل والقدوة التي يقتدى بها وهو القيم والحافظ لرسالة الاسلام .

وهذا عبيد اللّه بن خاقان المعاصر للإمام الحسن العسكري ( عليه السّلام ) كان يصف الإمام الهادي لرجل قائلا له :

لو رأيت أباه - اي الإمام الهادي ( عليه السّلام ) - لرأيت رجلا جليلا نبيلا خيّرا فاضلا[14].

وكان للإمام ( عليه السّلام ) نفوذ في عمق البلاط بحيث نجد امّ المتوكل تبعث بصرّة للإمام ( عليه السّلام ) بعد التوسّل به لتوصيف دواء لداء المتوكل وهو كاشف عن إيمانها بمكانة هذا الإمام عند اللّه تعالى .

وقد شاع خبره وذاع صيته عند أصحاب البلاط فضلا عن عامّة الناس ، في الوقت الذي كان المتوكل قد أحكم الرقابة الدقيقة على تصرّفات الإمام ( عليه السّلام ) وارتباطاته لئلا يتّسع نفوذه وتمتدّ زعامته ، بل كان يخطط لسجنه واغتياله .

وتكفي نظرة سريعة على ما صدر من معاصريه من تصريحات حول مكانته وسمو منزلته لتقف عند الموقع الاجتماعي المتميز للإمام ( عليه السّلام ) بالرغم من كل محاولات التسقيط.

5 - العباسيون والإمام الهادي ( عليه السّلام )

تدرّجت سياسة الحكّام العباسيين في مناهضة أهل البيت ( عليهم السّلام ) بعد أن عرفوا موقعهم الديني والاجتماعي المتميّز وأنهم لا يداهنون من أجل الحكم والملك بل إنهم أصحاب مبدأ وعقيدة وقيم ، فكانت سياسة السفّاح والمنصور والرشيد تتلخص في الرقابة المشدّدة والتضييق مع فسح المجال للتحرك المحدود ورافقها خلق البدائل العلمية لئلا ينفرد أهل البيت ( عليهم السّلام ) بالمرجعية العلمية والدينية في الساحة الاجتماعية فكان الدعم المباشر من الحكّام لأئمة المذاهب وتبنّي بعضها والدعوة إليها في هذا الطريق .

ولكن كل هذه الأساليب لم تفلح في التعتيم الاعلامي وتوجيه الأنظار عن أهل البيت ( عليهم السّلام ) إلى غيرهم فكانت سياسة المأمون هي سياسة الاحتواء التي نفّذها مع الإمام الرضا ( عليه السّلام ) .

غير أن المأمون حين أدرك عدم امكان احتواء الإمام ( عليه السّلام ) قضى عليه ، لكنه بتزويجه لابنته أم الفضل من الإمام الجواد ( عليه السّلام ) قد أحكم الرقابة على ولده الإمام الجواد ( عليه السّلام ) بشكل ذكي جدا ، ولم يسمح المعتصم للإمام الجواد ( عليه السّلام ) - وهو في ريعان شبابه - ليبقى في مدينة جدّه بل استدعاه وقضى عليه بالسم لأنه قد أدرك أيضا عدم امكان احتوائه بل عدم امكان احكام الرقابة عليه من داخل بيته وخارجه .

وهنا جاء دور المتوكل ومن تبعه لسجن الإمام والتضييق عليه بأنحاء شتّى ، فتمّ استدعاء الإمام الهادي ( عليه السّلام ) وعرّض لأنواع الاحتقار والتسقيط والتضييق - كما لاحظنا - وأحكمت الرقابة على كل تصرفاته داخل البيت وخارجه ، بنحو قد تجنّبوا فيه إثارة الرأي العام حيث تظاهروا بإكرام الإمام واحترامه واعزازه ( عليه السّلام ) ، بينما وصلت الرقابة إلى أبعد حدّ . وكانت قضية الإمام المهدي المنتظر ( عليه السّلام ) من الأسباب المهمة التي دعت السلطة لإحكام الرقابة عليه لئلّا يولد الإمام المهدي ( عليه السّلام ) إن أمكن أو للاطلاع على وجوده إن كان قد ولد ، ومن ثم القضاء عليه .

وقد بقي الإمام الهادي ( عليه السّلام ) تحت رقابة الحكّام العباسيين مدة طويلة تزيد على العشرين عاما[15] ، وهي فترة طويلة جدا إذا ما قسناها مع فترة ولاية العهد للإمام الرضا ( عليه السّلام ) أو فترة بقاء الإمام الجواد ( عليه السّلام ) في بغداد في زمن المعتصم .

وفي هذا مؤشر واضح لتغيير العباسيين سياستهم العامة تجاه أئمة أهل البيت ( عليهم السّلام ) .

6 - اضطهاد أتباع أهل البيت ( عليهم السّلام )

إذا استثنينا سياسة المنتصر التي لم تدم سوى ستة أشهر والتي تمثّلت في اللين مع العلويين وشيعة أهل البيت ( عليهم السّلام ) فإنا نجد السياسة العباسية العامة هي مناهضة أهل البيت ( عليهم السّلام ) وأتباعهم ، وممارسة سياسة العنف معهم بالرغم من اتّساع رقعة التشيّع بعد تظاهر المأمون باحترامه الخاص للإمام الرضا ( عليه السّلام ) .

إن حرمان أهل البيت ( عليهم السّلام ) وأتباعهم من الوضع المعيشي اللائق بهم إنّما كان باعتبار قلقهم من توظيف المال للإطاحة بملكهم . ومن هنا كانت سياسة التقشف بالنسبة لهم سياسة عامة قد سار عليها عامة ملوك بني العباس ، وهم أعرف بالمكانة الاجتماعية لأهل البيت ( عليهم السّلام ) في قلوب المؤمنين .

وكان الحرمان يمتدّ إلى إخراجهم من الوظائف الحكومية إن عثروا على موال لأهل البيت ( عليهم السّلام ) كان قد حظي بوظيفة حكومية ، بل تعدّى ذلك إلى تحديد أملاكهم وغلمانهم حتى بان الفقر والحرمان على كثير من العلويين في هذا العصر .

7 - انتفاضات العلويين :

لقد تمادى المتوكل في ايذاء العلويين ومنعهم حقوقهم التي منحهم اللّه إيّاها حتى أشرفوا على الهلاك من شدّة الفقر بل تمادى في الجور عليهم حتى قدّم دعوى غير العلوي على دعوى العلوي إذا تحاكما عند القضاة .

ولم نجد من العباسيين عامة إلّا العداء والبغض لأهل البيت ( عليهم السّلام ) لأسباب شتى ، منها : تفرّد أهل البيت ( عليهم السّلام ) بالنصّ عليهم من قبل جدّهم الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) وتفرّدهم بالزعامة الروحية والعلمية ، وتأثيرهم على قلوب المسلمين ووجدانهم ، والاهتمام بشؤونهم ، وايثارهم للدين على الدنيا ، والموت في سبيل اللّه على الحياة مع الذل والهوان في غير طاعة اللّه .

إن عواطف المسلمين وقلوبهم قد اتّجهت نحو أبناء الرسول ( عليهم السّلام ) وشيعتهم الذين يحذون حذوهم ، وأخذت هذه الظاهرة تنمو وتظهر على الساحة الإسلامية وهذا مما لا يرتاح له الحكّام العباسيون وعملاؤهم الذين جلسوا على موائدهم التي جسّدت أفضع أنواع التبذير في بيت مال المسلمين .

وأهل البيت ( عليهم السّلام ) بعد ثورة الحسين ( عليه السّلام ) وإن لم يتصدّوا للثورة المسلحة ضد الطغاة لأسباب تعود إلى سياستهم المبدئية لمعالجة أنواع الانحراف في المجتمع الإسلامي ، لكنّهم قد فتحوا الطريق أمام الثوّار العلويين للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالسيف والسلاح حين لا يثمر الكلام والحجاج .

ومن هنا لم تخل الساحة الإسلامية من الثورات التي قام بها قادة علويون على طول الخط بعد ثورة الحسين ( عليه السّلام ) .

وقد استمرت هذه الثورات حتى عصر الغيبة وانتهت فيما بعد إلى تأسيس دويلات وإمارات يحكمها قادة علويون أو علماء يحملون ثقافة أهل البيت ( عليهم السّلام ) ويحاولون تجسيد قيمهم وسيرتهم في الحياة الإسلامية .

ولم تكن اغتيالات الخلفاء للأئمة من أهل البيت ( عليهم السّلام ) إلّا باعتبار دعمهم لهذه الثورات المسلّحة وتأييدهم لها من قريب أو من بعيد .

وهذا الخط الثوري في هذه الظروف الحرجة يعد أحد الأسباب التي حتّمت على الإمام الثاني - عشر باعتباره آخر القادة المعصومين - أن يتستّر بستار الغيبة لئلّا تخلو الأرض من حجج اللّه وبيّناته .

وقد خرج على حكّام هذا العصر من العلويين مجموعة تمثّل استمرار الخط الثوري ضد الظلم والظالمين وإليك قائمة بأسمائهم مع ذكر تاريخ ومنطقة تحرّكهم وخروجهم :

1 - محمد بن القاسم بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهم السّلام ) ، خرج في حكومة المعتصم واعتقل في سنة ( 219 ه ) وروي أنه قتل بالسمّ .

2 - محمد بن صالح بن عبد اللّه بن موسى بن عبد اللّه بن حسن بن حسن ابن علي بن أبي طالب ( عليهم السّلام ) خرج على المتوكل في المدينة وأسر وسجن في سامراء .

3 - يحيى بن عمر بن يحيى بن حسين بن زيد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب ( عليهم السّلام ) . خرج على المستعين في الكوفة سنة ( 250 ه ) ، ارتضاه أهل بغداد وليّا للأمر كما بايعه جملة من أهل الحل والعقد في الكوفة .

وضجّ الناس لقتله وحزنوا عليه حزنا لم ير مثله .

4 - الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن حسن بن زيد بن حسن ابن حسن بن علي بن أبي طالب ( عليهم السّلام ) ، خرج في طبرستان سنة ( 250 ه ) واستولى على الري وآمل وامتد نفوذه إلى جرجان في سنة ( 257 ه ) واستمر في الحكم حتى سنة ( 270 ه ) ثم خلفه أخوه محمّد بن زيد وكان فقيها أديبا وجوادا .

5 - محمد بن جعفر بن حسن ، خرج في الري سنة ( 250 ه ) ودعا أهل الري إلى حكم الحسن بن زيد الذي كان قد سيطر على طبرستان .

6 - الحسن بن إسماعيل بن محمد بن عبد اللّه بن علي بن حسين بن علي ابن أبي طالب ( عليهم السّلام ) ثار في قزوين سنة ( 250 ه ) .

7 - الحسين بن محمد بن حمزة بن عبد اللّه بن حسن بن علي بن أبي طالب ( عليهم السّلام ) ثار في الكوفة سنة ( 251 ه ) .

8 - إسماعيل بن يونس بن إبراهيم بن عبد اللّه بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب ( عليهم السّلام ) ثار في مكة سنة ( 251 ه ) .

9 - أحمد بن محمد بن عبد اللّه بن إبراهيم بن طباطبا ثار في سنة ( 255 ه ) بين برقة والإسكندرية .

10 و 11 - عيسى بن جعفر العلوي ، ثار مع علي بن زيد في الكوفة سنة ( 255 ه ) .

12 - علي بن زيد بن حسين بن عيسى بن زيد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب ( عليهم السّلام ) ثار في الكوفة سنة ( 256 ه ) للمرة الثانية .

13 - إبراهيم بن محمد بن يحيى بن عبد اللّه بن محمد بن علي بن أبي طالب ( عليهم السّلام ) المعروف بابن الصوفي ثار في مصر سنة ( 256 ه )[16].

هذه صورة موجزة عن الحركات المناهضة للحكّام الذين تربّعوا على كرسيّ الخلافة وحكموا باسم الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) وهم بعيدون كل البعد عن هديه وسننه .

وفي مثل هذه الظروف السياسية العامة والفتن الدينية التي أجّجها الخلفاء وسقتها الثقافات المستوردة ، ماذا كانت تتطلبه الساحة الإسلامية العامة من معالجات ؟ وماذا كانت تتطلبه الساحة الخاصة باتباع أهل البيت ( عليهم السّلام ) الذين أخذوا يقتربون من عصر الغيبة الذي أخبر عنه الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) والأئمة من أهل البيت ( عليهم السّلام ) وبدأت تتكشف علائمه وتتهيّأ أسبابه ؟

 


[1] تاريخ الاسلام السياسي : 3 / 1 بتصرف .

[2] تاريخ الإسلام السياسي : 3 / 2 ويراجع تاريخ الطبري : 7 حول ازدياد نفوذ الأتراك في عصر المعتصم

[3] تاريخ الطبري : 11 / 44 .

[4] تاريخ الإسلام السياسي : 3 / 5 .

[5] تاريخ الإسلام السياسي : 3 / 5 .

[6] مروج الذهب : 2 / 390 .

[7] تاريخ الطبري : 7 أحداث عام 248 ه .

[8] مروج الذهب : 2 / 407 - 408 .

[9] الكامل في التاريخ : 7 / 50 وما بعدها .

[10] تاريخ اليعقوبي : 2 / 503 .

[11] لقد توالت حوادث الشغب في بغداد من سنة ( 249 ه ) وتجدّدت أربع مرات حتى سنة ( 252 ه ) وبدأت مشاغبات الخوارج من سنة ( 252 ه ) واستمرت إلى سنة ( 262 ه ) . ورافقها ظهور صاحب الزنج سنة ( 255 ه ) ، وهذه سوى ما سيأتي من انتفاضات العلويين خلال النصف الأوّل من القرن الثالث الهجري .

[12] تاريخ الاسلام السياسي : 3 / 332 وما بعدها .

[13] يراجع تاريخ الطبري : ج 7 ، أحداث السنوات 247 - 254 ه .

[14] كمال الدين للشيخ الصدوق : 1 / 42 .

[15] وقد عرفت أن بعض المصادر صرّحت بأن مدة إقامته ( عليه السّلام ) في سامراء عشر سنوات وأشهر .

[16] راجع مقاتل الطالبيين : 478 - 536 ومروج الذهب : 4 / 50 - 180 ، والكامل في التاريخ ، الجزء السابع .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.