أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-6-2016
1656
التاريخ: 13-2-2017
1248
التاريخ: 2023-05-27
1098
التاريخ: 2023-05-06
670
|
اجتمع أمران في بلاد العرب؛ الحرارة الشديدة، والثراء اللغوي الهائل؛ لذلك لن نستغرب أن تأتي ألفاظهم المتعلقة بالحرارة غَنِيَّة غنىً لم نجده لدى أية أمة سابقة أو لاحقة؛ إذْ يزخر قاموس مفردات الإنسان العربي بالكلمات التي ترتبط بالحرارة سواء من ناحية درجاتها، أو أنواعها أو تغيُّرها مع الزمان والمكان. ويرى الباحث عابد الجابري أنَّ «اللغة لا تعكس الظروف الطبيعية وحسب، بل تحمل معها هذا الانعكاس نفسه لتنشره على أمكنة وأزمنة مختلفة، فتكون بذلك عاملا أساسيًا، وأحيانًا حاسمًا، في تحديد وتأطير نظرة أصحابها إلى الأشياء.» 21
جاء في معجم العين – وهو أول معجم لغوي عربي – للفراهيدي (توفي 172هـ / 786م): «حر: حر النَّهار يَحِرُّ حَرًّا. والحَرُورُ: حَرُّ الشمس، وحَرَّتْ كَبِدُه حَرَّةً، ومصدره: الحَرَرُ، وهو يُبْسُ الكَبِد. والكَبِدُ تَحَرُّ من العطش أو الحزن.»22
وورد في تكملة المعاجم العربية للباحث دوزي: «حَرَّ: يُستعمل بمعنى حار، يُقال اليوم حر أي اليوم حارٌّ واليومَ الشمس حرٌّ؛ أي الشمس حارة اليوم. الأرض الحَرَّة: بمعنى الحَارَّة والصواب فيه السوداء بدل السود.» 23 وفي المعجم الوسيط: «حَرَارة: اسم فاعل من حر، والجمع: حُرُورٌ والحَرَّارُ: صَانعُ الحَرير أو بائِعُ الحَرير، وتأتي الحرارة بمعنى: السخونة، وإذا أضيف حرف الجر (بحرارة) فإنها تعني بعاطفة ملتهبة وحماسة، وإذا أضيف كلمة حرارة إلى كلمة الشباب أصبحت تعني فورته واندفاعه، وحَرَّ الرجل: عَطِشَ، وشعر بالحرارة، وحرَّتْ كبده : يبست من عطَش أو حُزْن، وحَرَّ النهارُ: اشتدَّ حرُّه، سَخْن، ارتفعت درجة حرارته، وحرَّ الماءَ : سخنه، وحرَّ القتالُ : اشتد ، وحَرَّ الْأَرْضَ: سَوَّاها، وحَرتِ الْمَرْأَةُ: طَبَخَتِ الحَرِيرَة.» 24
وفي «مقاييس اللغة» لابن فارس تُوفي 395هـ / 1004م: الحرُّ «خِلَافُ الْبَرْدِ، يُقَالُ هَذَا يَوْمٌ ذُو حَقٌّ، وَيَوْمٌ حَارٌّ، وَالْحَرُورُ: الريحُ الْحَارَّةُ تَكُونُ بِالنَّهَارِ وَاللَّيْلِ. وَمِنْهُ الْحِرَّةُ، وَهُوَ الْعَطَشُ. وَيَقُولُونَ فِي مَثَلِ: حِرَةٌ تَحْتَ قِرَّةٍ.» 25 وهذا يعني أنَّ دلالة كلمة «الحرارة» لغويًّا تُفيد مُغَايرة البرودة، وانتقال الجسم نحو السخونة، بغض النظر عن المصدر الحراري، وإن دَلَّنَا هذا الغنى على شيء، فإنه يدلنا على الفهم العميق لدلالة لمفهوم الحَرَارة من قبل اللغويين والناطقين بلغة الضَّاد، ولذلك سيكون للعلماء والفلاسفة والحكماء العرب؛ فقد كانت لهم آراء متطوّرة جدًّا على أفكار اليونانيين.
لقد بدأت دراسة ظاهرة الحرارة من الناحية العلمية عند العرب منذ القرن (3هـ / 9م)؛ إذْ قدَّم لنا جابر بن حيان (تُوفي 200هـ / 815م) تعريفه لعلم الحرارة، وهو أوَّل تعريف موثق تمكَّنَّا من العثور عليه. وعندما نقول إنه وضع «تعريفا» فهذا يعني أنه قام بعملية تحديد لمعنى هذا العلم، وأنه بات لهذا العلم قواعد محددة مضبوطة يمكن تَعَلُّمها ومُمارستها في أي مكان وزمان. ولم نجد من العلماء العرب والمسلمين من أخذ بتعريف جابر سوى إخوان الصفا (القرن 4هـ / 10م).
أَمَّا بقية العُلماء فَبَعْضُهم تأثر بمفهوم أرسطو كالكندي (تُوفّي 256هـ / 870م) وابن سينا (تُوفَّي 428هـ / 1036م) وسيف الدين الآمدي (تُوفِّي 631هـ/1233م) ونصير الدين الطوسي (تُوفّي 672هـ / 1274م) والتفتازاني (تُوفّي 793هـ/1390م) والأحمد نكري تُوفِّي في القرن (12هـ / 18م). وبعضُهم حاول شرح الظاهرة بطريقته الخاصة بشكل مستقل عن التأثر بأرسطو مثل أبي علي الجُبَّائي (تُوفِّي 303هـ / 915م) والفارابي (339هـ / 950م) وابن ملكا البغدادي (تُوفّي 560هـ/1165م) وابن رشد تُوفَّي 595هـ /1198م) وفخر الدين الرازي (تُوفّي 606هـ /1209م) وابن كمونة (تُوفَّي 683هـ / 1285م) والجلدكي (تُوفِّي 742هـ /1342م) والإيجي (تُوفَّي 735هـ/1355م). وهذا الفريق حاوَلَ أن يُبرز رأيه الناقد وشخصيَّته العلمية من جوانب أخرى لم يتطرق إليها التعريف الأرسطي للظاهرة الحرارية.
_______________________________________
هوامش
21 الجابري، محمد عابد، تكوين العقل العربي، ط4، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1989م، ص 88.
22 الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين، ط 1، ج 3، المحقق: د مهدي المخزومي، د إبراهيم السامرائي، دار ومكتبة، الهلال، بيروت، 1999م، ص 24 –25.
23 دوزي، رينهارت بيتر آن، تكملة المعاجم العربية، ج3، نقله إلى العربية وعلق عليه: ج 8-1: محمد سليم النعيمي، ج 10-9: جمال الخياط، ط1، وزارة الثقافة والإعلام الجمهورية العراقية، من عام 1979 – 2000م، ص 104.
24 المعجم الوسيط، مدخل «حرر».
25 ابن فارس، أحمد بن زكرياء القزويني الرازي أبو الحسين، معجم مقاييس اللغة، ج2، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، دار الفكر، بيروت، 1979م، ص7.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|