أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-2-2017
1482
التاريخ: 2024-03-26
701
التاريخ: 5-3-2017
1434
التاريخ: 23-3-2022
2185
|
صارت فكرة أن الانفجار العظيم هو أصل الكون معروفة لدرجة أنها باتت فكرة عادية. حتى إنها كانت تُستخدم في المملكة المتحدة للإشارة إلى التحرير المفاجئ للأسواق المالية الذي حدث في عهد مارجريت تاتشر. لكن فكرة وجود بداية للكون مستبعدة كثيرا لدرجة أن العلماء لم يتطرقوا إليها حتى إلا منذ مائة عام، ولم تترسّخ إلا منذ نحو 50 عامًا.
كان الكون في نظر القدماء، الذين كانوا ينظرون في سماء الليل، يبدو سرمديا ولا يتغير. وحتى عشرينيات القرن العشرين كان يُعتقد أن ما نعرفه الآن باسم مجرة درب التبانة – وهي جزيرة تضم بضع مئات المليارات من النجوم – هو الكون بأكمله، يمكن أن تولد فيه نجوم منفردة، وتحيا وتموت، ولكن الشكل العام ظل دوما على ما هو عليه، مثل غابة تنمو فيها الأشجار فرادى، وتموت من دون أن يتغيَّر شيء في شكلها العام. كانت فكرة الكون الذي لا يتغيَّر مترسخة في الأذهان بقوة، لدرجة أن حتى ألبرت أينشتاين الذي يميل عادة إلى الخروج بأفكار جديدة، تقبلها دون أي اعتراض أو تردُّد. وعندما طبق معادلات نظريته العامة في النسبية كي يصف سلوك الكون بأكمله (في المكان والزمان)، وجد أن الرياضيات تقول إن الكون لا يمكن أن يكون ثابتا بل لا بد أنه يتمدد أو ينكمش. بدا له هذا الاحتمال مستبعدًا لدرجة أنه أضاف عاملا إضافيًا إلى المعادلات، أطلق عليه الثابت الكوني؛ كي يُبقي كل شيء ثابتًا على ما هو عليه.
في بداية عشرينيات القرن العشرين، أدَّت تقنيات التصوير الفوتوغرافي وأجهزة التلسكوب المطورة إلى اكتشاف أن مجرة درب التبانة ليست هي الكون بأكمله، ولكنها مجرد جزيرة واحدة من النجوم من بين جزر أخرى متناثرة عبر أنحاء الفضاء الفسيح. ولكن في البداية، ظلت هذه الفكرة تبدو متناسبة مع فكرة الكون الثابت، وإن كان على نطاق أوسع. بعد ذلك، في أواخر عشرينيات القرن العشرين، اكتشف كلٌّ من جورج لوميتر وإدوين هابل (بناءً على تأثير الانزياح نحو الأحمر الشهير) أن المجرات (أو تحريًا للدقة، عناقيد المجرات) يتحرَّك بعضها بعيدًا عن بعض؛ أي إن الكون يتمدد. فسر هذا الاكتشاف على أنه راجع إلى تمدد الفضاء، وهذا ما يتطابق تماما مع معادلات أينشتاين «بدون» الثابت الكوني. وفيما بعد وصف إدخال ذلك الثابت بأنه «الخطأ الأفدح» في حياته المهنية. فبقدر ما بدا ذلك مستبعدًا كان الكون يتمدد بالفعل.
ولكن هل يعني ذلك أن الكون كانت له بداية؟ ليس بالضرورة. فقد ذهب بعض علماء الكونيات إلى أن المجرات ما دامت تتحرك بعيدًا بعضها عن بعض اليوم، فقد كانت مجتمعة معًا منذ زمن بعيد في كتلة واحدة، أشبه ببيضة كونية، انفجرت مكوّناتها وانفصلت بعضها عن بعض. ولكن ثمة مدرسة فكرية أخرى تعتقد أنه بما أن المجرات كانت تتحرك بعيدًا بعضها عن بعض، فإن الحيّز الفارغ بينها قد امتلأ بمجرات جديدة نشأت بفعل طاقة بدائية. لم تكن فكرة استمرار خلق المادة تبدو أقل استبعادًا من فكرة أن المادة في الكون خُلقت جميعها دفعة واحدة فيما يشبه بيضة كونية. فالخلق المستمر من شأنه أن يتيح للكون أن يصبح سرمديًّا وثابتًا في شكله العام على الرغم من تمدده. وحَظِي نموذج الحالة الثابتة هذا بتأييد فريد هويل، الذي صاغ مصطلح «الانفجار العظيم» في بث إذاعي عبر هيئة الإذاعة البريطانية لإبراز الفرق بين الفكرتين.1 يرى هويل وغيره من أنصار فكرة الحالة الثابتة أن فكرة وجود بداية محدَّدة للكون تبدو مستبعدة إلى الحد الذي يحول دون أخذها على محمل الجد. وتبين فيما بعد أنهم ليسوا وحدهم في هذا الرأي. فبعد اكتشاف تمدُّد الكون بفترة وجيزة، وجّه ألبرت أينشتاين في عام 1931 اهتمامه لتداعيات هذا الاعتقاد. فكتب مُسَوَّدة لبحث توصل فيه إلى الفكرة نفسها التي صاغها هويل بالضبط قبل عقد ونصف العقد؛ إذ كتب يقول:
إذا تأمل المرء كتلة ذات حدود مادية، فسيجد جسيمات المادة تتركها باستمرار. وكي تظل الكثافة ثابتة، لا بد أن تتكون جسيمات المادة باستمرار في الكتلة من الفراغ.
غير أنه انصرف إلى عمل آخر ولم ينته من البحث حتى ينشره. ومِن ثُم ظل البحث مهملًا في الأرشيفات حتى عثر عليه كورماك أورايفرتاي وبريندان ماكان، بمعهد ووترفورد للتكنولوجيا، بعد ثمانية عقود بطريق المصادفة، وترجماه ونشراه بالإنجليزية في عام 2014. لذا إذا تساءل أحد من أول شخص توصَّل إلى فكرة الحالة الثابتة/الخلق المستمر، فإن الإجابة هي أينشتاين.
احتدم السجال بين المعسكرين على مدى عقد الخمسينيات من القرن العشرين واستمر إلى الستينيات من القرن نفسه. وتطلب الأمر إجراء اختبار للتمييز بين تنبؤات الفكرتين، وظهرت فكرة لواحد بالفعل – ولكن لم تُنفَّذ في البداية – تقريبًا في الوقت الذي ظهرت فيه فكرة الحالة الثابتة لأول مرة. اعتمد الاختبار في المقام الأول على فكرة أنه لو كان الكون أصغر حجمًا في الماضي، وسُحق كل ما فيه معًا بإحكام، فلا بد أن حرارته أيضًا كانت أشد حينذاك، مثلما تشتد حرارة الهواء في مضخة الدراجة عند ضغطه. وبناءً على المبادئ الفيزيائية الأساسية، حسب باحثان أمريكيان شابان هما رالف ألفر وروبرت هيرمان، الحرارة المفترضة للكون عندما كان في كثافة نواة الذرة وقت الانفجار العظيم،2 ومدى الحرارة المفترضة اليوم للإشعاع الذي خلَّفه الانفجار العظيم. وفي عام 1984، نشرا الاستنتاج الذي توصلا إليه، والذي مفاده أن درجة حرارة الكون في الوقت الحاضر قد تبين أنها تساوي نحو 5 درجات على مقياس كلفن، وهو ما يساوي 268 درجة مئوية تحت الصفر. وحظيت فكرتهما بدعم زميلهما الأكبر سنًا جورج جاموف الذي غالبًا ما يرتبط اسمه بالمعادلة الحسابية لدرجات الحرارة، على الرغم من أنه لم ينفّذها عمليًّا.
دخل هذا التنبؤ في طي النسيان إلى حد بعيد في خمسينيات القرن العشرين، ولكن في أوائل ستينيات القرن نفسه؛ أي منذ أقل من 60 عاما، اكتشف كل من أرنو بنزياس وروبرت ويلسون، وكانا يعملان على تلسكوب راديوي تمتلكه مختبرات بيل – عن طريق الصدفة – أن الكون مليء ببحر من الإشعاع الميكروي تبلغ درجة حرارته نحو 3 درجات كلفن، وتحددت فيما بعد بمزيد من الدقة بمقدار نحو 2.7 درجة كلفن. وكانت المفاجأة التي وجداها مزدوجة؛ لأنهما لم يكونا على دراية بعمل ألفر وهيرمان، فضلًا عن أن كليهما كانا من أنصار فكرة الحالة الثابتة. لكنهما استبعدا تلك الفكرة عن طريق الخطأ واعتبراها مستحيلة. وسرعان ما أدركا أنه لا بد أن هذا الإشعاع هو ما تنبأ به ألفر وهيرمان، وأن ثمة انفجارًا عظيمًا قد حدث بالفعل، على الرغم من أن العديد من علماء الفلك كانوا لا يزالون يعتبرونه مستبعدًا. إذن، «متى» وقع الانفجار العظيم؟ كم يبلغ عمر الكون؟ اعتمدت الطريقة الأساسية لحساب ما مر من الزمن منذ حدوث الانفجار العظيم على قياس السرعة التي تتحرك بها المجرات بعيدًا عنا (الجزء السهل)، وقياس بعدها (الجزء الصعب) بحيث يتمكّن علماء الفلك من التحرُّك بصورة عكسية لمعرفة متى كان كل شيء مجتمعًا في مكان واحد هذه عملية حسابية تافهة؛ فإذا كانت سيارة تسير على طريق سريع مستقيم بسرعة 60 ميلًا في الساعة، وتبعد عن نقطة الانطلاق بمسافة 30 میلا، فمنذ متى انطلقت السيارة؟ تقاس «السرعة» مباشرة من الانزياح نحو الأحمر، وهو عبارة عن تمدُّد للضوء ناتج عن تمدُّد الكون. وهذا الانزياح ليس تأثير دوبلر على الرغم مما قد تذكره بعض الروايات؛ لأنه لا يقيس السرعة عبر الفضاء، بل يقيس السرعة التي يتمدد بها الفضاء نفسه، حاملا المجرات خلال مسيرته. يصعب قياس المسافات إلى المجرات، ويعتمد القياس على معرفة أو تخمين عدة عناصر، مثل مدى لمعان المجرات حتى يمكن تقدير المسافة من مقدار الإعتام الذي تبدو عليه لنا؛ مثل قياس المسافة إلى نهاية الشارع عن طريق قياس مدى ضعف الضوء المنبعث من أحد مصابيح الشارع. ويتم التعبير عن العلاقة بين السرعة والمسافة من خلال عدد يسمى ثابت هابل، أو ثابت H. كلما ازداد ثابت H، زادت سرعة تمدُّد الكون، وقل الزمن الذي مر منذ الانفجار العظيم.
التلسكوب الراديوي الذي استخدمه بنزياس وويلسون لاكتشاف إشعاع الخلفية الكوني الميكروي. (وكالة ناسا).
عندما بدأت حياتي المهنية في ستينيات القرن العشرين باعتباري عالم فلك، كانت صعوبة حساب المسافات إلى المجرات (مقياس المسافة) تعني أن أفضل ما يمكن أن يستنتجه علماء الفلك أن قيمة ثابت H ينبغي أن تتراوح بين 50 و100، وربما تكون حوالي 75 عندما يكون الثابت 100، فهذا يعني أن عمر الكون أقل من 9 مليارات عام بقليل، بينما يشير الثابت 50 إلى أن عمر الكون ضعف القيمة الأولى؛ أي نحو 18 مليار عام. غير أن علماء الفيزياء الفلكية كانوا يعكفون على نحو منفرد تمامًا على تطوير تقنيات لتقدير أعمار النجوم، واكتشفوا أن أقدم النجوم المعروفة يتجاوز عمرها 9 مليارات سنة بكثير، ما جعل أعلى قيمة اقترحها علماء الكونيات لثابت H مستحيلة.
على مدى العقود القليلة التالية تحددت قيمة ثابت هابل بمزيد من الدقة بفضل عمليات قياس مطورة قائمة على الأسلوب التقليدي، تُوجت بدراسات أُجريت باستخدام تلسكوب هابل الفضائي، لتصبح 72 ± 8 (أي ما بين 64 و80)، وكان ذلك في عام 2001. ولكن في الوقت نفسه، تمكّن أسلوب مختلف تمامًا يستخدم رصد إشعاع الخلفية الكوني الميكروي من فهم وتوضيح ثابت هابل.
عندما تعرّف علماء الفلك على إشعاع الخلفية لأول مرة وقاسوا درجة حرارته، اكتشفوا أن درجة الحرارة واحدة في كل مكان رصدوه؛ أي إن درجة حرارة السماء واحدة في كل الاتجاهات. وهذا يتطابق مع أبسط تنبؤات الحسابات الكونية الخاصة بالانفجار العظيم، ويؤكِّد من بين أشياء أخرى، أننا لا نعيش في مكان خاص في الكون؛ إذ إن هذا النوع من النمط أو بالأحرى غياب النمط من شأنه أن يبدو بالشكل نفسه من أي مكان في الكون. ولكن مع تحسن قياساتهم وعدم اكتشاف نمط محدد، بدأ هذا في إثارة هاجس مزعج من القلق في أذهان علماء الكونيات. لقد وصفت تلك الحسابات الكونية الشديدة البساطة، في الواقع، سلوك التمدُّد الموحد للزمكان من دون أي صعوبة. يحتوي الكون الفعلي على مجرات من النجوم، ولا بد أن هذه المجرات قد نشأت من أشكال غير منتظمة كانت موجودة منذ زمن طويل حينما كان الكون عبارة عن كرة نار ملتهبة، وكان إشعاع الخلفية أشد وأقوى بكثير. حينذاك، كانت كرة النار تحتوي على بحر من الإلكترونات والبروتونات والجسيمات المشحونة بالكهرباء التي تتفاعل مع الإشعاع الكهرومغناطيسي لكرة النار، ومن ثم اعتمدت درجة حرارتها في أي بقعة منها على كثافة المادة في ذلك الموقع. بعد ذلك، عندما انخفضت درجة حرارة الكون إلى بضعة آلاف درجة (أي نفس درجة حرارة سطح الشمس في الوقت الحاضر تقريبًا، ولكن في كل أرجاء الكون، احتجزت البروتونات والإلكترونات في ذرات متعادلة كهربيًّا، ومن ثُم «انفصل» الإشعاع. ظل الكون متأثرًا بتلك التقلُّبات البدائية، ولكنه لم يعد يتفاعل بقوة مع المادة بسبب استمرار انخفاض درجة الحرارة حتى وصلت إلى 2.7 درجة كلفن.
لا بد أن تلك الأشكال غير المنتظمة الأولية تركت أثرًا على درجة الحرارة من أجزاء مختلفة في السماء، كان من الممكن اكتشافها اليوم لو توافرت أدوات ذات حساسية كافية لقياسها ولكن كان سينبغي أن تكون شديدة الحساسية. ومن خلال العمل بترتيب عكسي ابتداءً من قياسات أحجام المجرات وعناقيد المجرات اليوم، تمكن علماء الفلك من حساب مدى التفاوت في الكون بعد الانفجار العظيم مباشرة، في وقت الانفصال. وكان هذا يعني أنهم عرفوا حجم التقلُّبات في درجة حرارة إشعاع الخلفية من مكان إلى مكان حينذاك؛ ومن ثم استطاعوا معاودة العمل بترتيب طبيعي مرة أخرى لحساب كم يجب أن يكون حجم الاختلافات اليوم في درجة الحرارة من جزء ما من السماء إلى آخر. وتبيَّن انه جزء من 100 ألف. وبناءً على أن متوسط درجة الحرارة يبلغ 2.7 درجة كلفن، كان هذا يعني أنه تعيَّن على الأدوات أن تكتشف تقلبات قدرها 0.00003 درجة كلفن، أي 30 جزءًا من المليون من درجة.
كان هذا مستبعدا؛ فهذه القياسات التي أجريت بتلك الدقة أُجريت باستخدام قمر صناعي يسمى مستكشف الخلفية الكونية (COBE)، أطلقته وكالة ناسا في نوفمبر عام 1989. وبعدها مباشرة تمكنت الأجهزة في القمر الصناعي مستكشف الخلفية الكونية من قیاس متوسط درجة حرارة إشعاع الخلفية بدقة أكبر من أي وقت مضى، وكانت النتيجة 2.725 درجة كلفن، وأُعلن عنها في الاجتماع الذي عقدته الجمعية الفلكية الأمريكية في يناير 1990. ولكن هذه كانت مجرَّد البداية. فعلى مدى أكثر من عام، فحصت الأجهزة على متن القمر الصناعي مستكشف الخلفية الكونية السماء بأكملها باستخدام ثلاثة أجهزة كشف منفصلة. التقطت الأجهزة 70 مليون قياس منفصل لدرجات الحرارة، وهو ما اضطر الفريق المسؤول عن البعثة حينذاك إلى تحليلها بطرح متوسط درجة الحرارة من أجل رسم خريطة أوضحت الفروق الدقيقة في درجة الحرارة من بقعة في السماء إلى بقعة أخرى. اكتملت الخريطة في عام 1992، وكشفت عن وجود تموجات في إشعاع الخلفية مع وجود بقع في السماء تزيد درجة حرارتها عن المتوسط بمقدار 30 جزءًا من المليون، وبقع أخرى تنخفض درجة حرارتها عن المتوسط بمقدار 30 جزءًا من المليون. لكن تذكر أن المتوسط يساوي 2.725 درجة كلفن فقط؛ ومن ثم فإن «البرودة» و«السخونة» ما هما إلا مصطلحان نسبيان. وقد اكتُشفت آثار لأشكال غير منتظمة تحوّلت تحت تأثير الجاذبية إلى مجرات، ما يمثل دليلًا آخر يدعم فكرة الانفجار العظيم. ولكن هذا وحده لم يقدم قياسًا مستقلا دقيقًا لعمر الكون.
هوامش
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|