أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-06-12
860
التاريخ: 30-12-2020
1835
التاريخ: 18-7-2017
2036
التاريخ: 2023-06-01
947
|
رغم أن الفهم الملائم لحالة هارتل - هوكينج يتطلب الإلمام بالرياضيات المتقدمة، فإنه يمكن توصيل الفكرة العامة عن طريق إحدى الصور من الخصائص الأساسية للحالة المختارة هي الطريقة التي «يشوه» بها عدم اليقين الكمي الزمان والمكان، فبتطبيق عدم اليقين الكمي على جسيم كالإلكترون سنجد أن هذا يعني أن موضعه وحركته يتعذر تحديدهما بدقة. وعند تطبيق عدم اليقين الكمي على الزمكان ينبئنا بأن المكان والزمان نفسيهما سيتعذر تحديدهما بدقة؛ أي إن النقاط المكانية والزمانية ستتشوه. لكن الأدهى من ذلك هو أن ذلك التشوه الكمي سيؤثر على الهوية المستقلة لكل من الزمان والمكان. دعني أوضح لك ما أعنيه بهذا: في الحياة اليومية الزمان زمان والمكان مكان - فلا يوجد خلط بينهما - حتى رغم أن المكان والزمان يعنيان نفس الشيء «تقريبا»؛ لكونهما الجزأين المكونين للزمكان. لكن في العالم الكمي لن تكون هوية أي منهما مستقلة بهذا الشكل؛ إذ ستتصرف بعض الفترات الزمانية مثل المسافات المكانية، والعكس بالعكس؛ فيصير الزمان أشبه بالمكان والمكان أشبه بالزمان. إن أزمة الهوية الناجمة عن هذا الأمر - التقلبات الكمية للزمان والمكان - طفيفة للغاية، بل في الواقع هي منحصرة فقط في إطار أطوال بلانك وأزمانه. لكن في سياق نشأة الكون. سيكون لها أهمية عظيمة.
لفهم كيف تشتمل الحالة الكمية لهارتل - هوكينج على تشوه زماني ومكاني، انظر إلى الشكل 3-4 هذا تمثيل تخطيطي مبسط لتمدد الكون يمثل فيه الزمان عموديا والمكان أفقيًا. تخلصت في الشكل من بعدين مكانيين، تاركا بعدًا واحدا فقط مبينًا على صورة دائرة (أي فضاء مغلق). يمكننا أن نرى على الفور أن الكون يتمدد لأن قطر الدائرة يزداد مع مرور الوقت وعلى العكس في الماضي كان ينقص، وصولاً إلى لحظة بداية الزمان المشار لها بالقيمة Z = صفر، حيث يصل إلى لا شيء، وهذه هي نقطة التفرد الكوني الخاصة بالانفجار العظيم. في هذه الصورة يبدو الزمكان كالمخروط المقلوب، وباستثناء الرأس المستدق الحاد القاعدة، لا ينبغي وضع أهمية كبيرة على الشكل نفسه. يعمل عدم اليقين الكمي على تغيير بنية المخروط قرب قاعدته، بحيث تبدو الرأس أشبه بالنحو المبين في الشكل 3-5 إن النقطة الحادة اللانهائية، التي تمثل نقطة التفرد الزمكاني، تُستبدل بقاعدة كقاعدة الإناء. يبلغ قطر هذه الدائرة حوالي واحد طول بلانك، وهو طول دقيق للغاية بالمعايير البشرية، لكن ليس صفرًا، وهذا أمر شديد الأهمية. وعلى هذا لم تعد هناك نقطة تفرد في هذا الوصف.
شكل 3-4: نقطة التفرد عند مولد الكون. في نموذج الانفجار العظيم القياسي، والمبني على نظرية النسبية العامة لأينشتاين المصحوبة بافتراض التطابق التام، ينشأ الكون في حالة متفردة ذات كثافة لانهائية وتقوس زمكاني لانهائي، والمبين هنا من خلال رأس المخروط المقلوب. ولتسهيل عملية التخيل أظهرت المكان هنا بشكل أحادي البعد ومغلق على شكل دائرة تمثل كرة فائقة ثلاثية الأبعاد المنطقة أسفل المخروط، والمشار إليها بكلمة «لا شيء»، التي تبدو أنها تقع «قبل الانفجار العظيم، لا توجد كمكان فعلي في هذا النموذج. إن المكان والزمان يبدآن في نقطة التفرد.
بترجمة هذا إلى لغة الزمكان مع استخدام تقنيتنا المألوفة لعرض الفيلم الكوني للخلف، نجد أن هذا الشكل يصف كونًا ينكمش بشكل حثيث صوب قطر يبلغ الصفر، وهو القطر المقدر الوصول إليه في وقت محدد متوقع، لكن قبيل وقوع هذا الحدث النهائي مباشرة (حوالي واحد زمن بلانك قبله)، يبدأ الزمن نفسه في التشوه، ويمر بأزمة هوية، ويبدأ في اكتساب سمات أشبه بالمكانية. لا يتحول الزمان إلى مكان على حين غرة، إذ يحرص نموذج هارتل هوكينج الرياضي المقترح على هذا، بل يذوي تدريجيا بصورة مستمرة في «قاعدة الإناء» يصير الزمان شبيهًا بالمكان تمامًا. بالنظر للأمر من الخلف للأمام نقول إنه في البداية كانت هناك في الواقع أربعة أبعاد للمكان، تحول أحدها إلى الزمن. لم يكن هذا التحول «مفاجئًا»، كما اقترح أوجستين، مع أنه بالمعايير البشرية قد يبدو سريعًا بما يكفي، حيث استمر فقط مدة زمن بلانك واحد (أو بالأحرى كان سيستغرق هذه الفترة لو كان للزمن وجود). لكن أهم ما في الأمر هو أنه لم يكن لحظيًّا. فبدلا من المنشأ المتفرد للكون، الحدث الذي وقع دون سبب والذي يضع نشأة الكون خارج إطار العلم، أصبح في هذه النظرية منشأ آخر سلس، يتوافق مع قوانين الفيزياء في كل مكان.19
شكل 3-5: المنشأ الكمي للكون. في هذه الصورة المبسطة للغاية، والمبنية على النموذج الذي اقترحه هارتل وهوكينج، فإن الكون كان له حد في الماضي، لكن لا توجد نقطة منشأ ظهر الزمن فيها بشكل مفاجئ، بل يصير الزمن أكثر شبها بالمكان بالقرب من البداية، وذلك نتيجة تأثيرات ميكانيكا الكم.
إلى أي مدى يمكننا أن نأخذ توصيف هارتل - هوكينج لنشأة الكون بجدية؟ ليس بجدية كبيرة في رأيي. إن قيمته تكمن بالأساس في توضيحه لنا كيف يمكن وضع نظرية فيزيائية عن مولد الكون من لا شيء حرفيًّا. وسواء كانت هذه النظرية بصورتها هذه صحيحة أم لا، فإنها تبين لنا كيف يمكننا أن نجتاز برشاقة ما يبدو كأنه معضلة مستحيلة الحل قبل إسهام هارتل وهوكينج كان يُفترض إما أن الكون كان موجودًا للأبد بصورة أو بأخرى، أو أنه كانت هناك لحظة محددة من الوقت؛ نقطة معينة «بدأ» فيها الزمن دون سبب. إلا أن كون هارتل هوكينج تشوبه مشكلة عويصة؛ لأنه يحتوي على خاصيتين متعارضتين بشكل واضح؛ فمن ناحية، هذا الكون محدود بزمن معين في الماضي - أي إن الزمن لا يمتد للوراء إلى الأبد - ومن ناحية أخرى لا توجد لحظة محددة بدقة بدأ فيها الكون أيضًا. إن قاعدة الإناء في الشكل 3-5 تمثل بشكل ما الحد الماضي للزمن، حيث أنها ليست اللحظة الأولى له.
دعني أكرر أن اقتراح هارتل - هوكينج «لا يصف» كونًا موجودا على الدوام؛ فهناك انفجار عظيم، ولم يوجد أي كون قبله، ولو حتى بميكروثانية واحد. إن محاولات تحديد اللحظة الأولى محكوم عليها بالفشل؛ حيث تضيع في عدم اليقين العام لميكانيكا الكم. إن التساؤل عما وجد قبل الانفجار العظيم - ماذا يقع أسفل الإناء؟ – لا جدوى منه، وعلى حسب تعبير هوكينج هو أشبه بالتساؤل عما يوجد شمال القطب الشمالي. إن الإجابة هي لا شيء، ليس لأن هناك أرضًا غامضة من اللاشيء هناك، بل لأن الفترة الزمنية «السابقة على الانفجار العظيم» تشبه المنطقة الواقعة شمال القطب الشمالي، أي إنها ببساطة غير موجودة من الأساس.
لكن رغم أن هذا التقدم كان محل ترحاب لأنه أبطل فكرة المنشأ السحري للكون دون الوقوع في مشكلة الكون السرمدي، فإن نظرية هارتل هوكينج، شأن غيرها من المحاولات العديدة لوصف الكون استنادًا إلى ميكانيكا الكم، تواجه مشكلة أخرى عويصة من حيث المبدأ وهي إما أن نشأة الكون حدث طبيعي، أو أنه حدث خارق للطبيعة. (وأعني بخارق للطبيعة أنه لا يمكن تفسيره في نطاق العلم وحده.) لكن كيف لنا أن نبرر الزعم بأنه حدث طبيعي رغم أنه لم يقع سوى مرة واحدة وحسب؟ إن الحدث الطبيعي يقع بالاتفاق مع قوانين الطبيعة في ظل احتمالية أكبر من الصفر. يعني هذا أنه يمكننا القول إنه إذا ظهر الكون للوجود من لا شيء، وفق قوانين الطبيعة، فبالإمكان حدوث ذلك مرة أخرى ... وأخرى. وكما أوضح الفيلسوف الكندي جون ليزلي فإنه سيكون من المستغرب بشدة أن تحمل العمليات الفيزيائية التي أفضت إلى وجود كوننا ملصقًا يقول: هذه الآلية نجحت في عملها مرة واحدة فقط.20 بعبارة أخرى، مهما تكن النظرية الفيزيائية التي يمكن أن يخرج بها الشخص لوصف نشأة الكون، فإن نفس النظرية تصف نشأة «العديد من» الأكوان، في الحقيقة عدد لا محدود من الأكوان. وفي حقيقة الأمر يمكن أن تنشأ مثل هذه النظرية من سيناريو الكون المتضخم.
هوامش
(19) Hawking’s own account can be found in his book A Brief History of Time (New York: Bantam, 1988).
(20) John Leslie, Universes (New York: Routledge, 1989), p. 95.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|