أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-7-2020
1305
التاريخ: 3-3-2022
1449
التاريخ: 24-3-2022
2485
التاريخ: 6-2-2017
1721
|
إذا كان الكون في وقت ما ذا كثافة عالية فمن المؤكد أنه كان شديد الحرارة أيضا؛ نظرا لأن المواد ترتفع حرارتها عند الضغط وتبرد عند التمدد. لكن المادة ذات الحرارة العالية تطلق إشعاعا حراريا (فكر في الحرارة المنبعثة من الشمس أو الجمر المتقد)، وعلى هذا يمكننا أن نتوقع من الحرارة المتخلفة عن مولد الكون أن تغمر الفضاء في وقتنا الحالي على صورة وهج إشعاعي طفيف. وهذا هو الحال بالفعل. في عام 1967 اثنان من مهندسي اللاسلكي – وهما أرنو بينزياس وروبرت ويلسون، اللذان كانا يعملان على اتصالات الأقمار الصناعية في معامل بيل في الولايات المتحدة – عثرا بالصدفة على إشعاع قادم من الفضاء سرعان ما تم التعرف عليه بوصفه أثرا متبقيا للانفجار العظيم. كان هذا الاكتشاف نقطة تحول جعلت العلماء ينتبهون لأهمية نظرية الانفجار العظيم. إن هذا الإشعاع موزع بشكل متساو عبر السماء في درجة حرارة1 تبلغ 2.725 كلفن، أي حوالي سالب 270 مئوية، لذا لا تتوقع أن ترى السماء وهي تتوهج بضوء أحمر باهت. الإشعاع في درجة حرارة كهذه يقع بالأساس في منطقة الموجات الميكروية على مدرج الطيف الكهرومغناطيسي، ولهذا تعرف الحرارة المنبعثة من الانفجار العظيم بإشعاع الخلفية الميكروني الكوني Cosmic Microwave Background Radiation، الذي يعرف اختصارا بإشعاع الخلفية (CMB).
مع أنه من العسير تخيل ما الذي يمكن له، خلافا لانفجار كوني، أن ينتج إشعاع الخلفية هذا، فإن الدليل الدامغ على حدوث الانفجار العظيم ظهر حين تمكن علماء الفلك من قياس الطيف الدقيق لهذا الإشعاع (انظر الشكل 2-2). إذا نظرت إلى جسم متوهج، كشعلة لهب أو نجم، فسترى أنها تطلق الطاقة عبر نطاق من الألوان، أو الأطوال الموجية. وإذا رسمت هذا التوزيع على شكل بياني فستحصل على طيف لها. إن طيف الضوء أو الحرارة المنبعثة من الشمس، أو لهب الشمعة، معقد للغاية، إذ يمتلئ بالقمم والقيعان على الرسم البياني. إلا أن الطيف الخاص بنوع معين من الإشعاع الحراري له شكل بسيط مميز عام؛ ذلك الصادر عن فرن وصلت حرارته الداخلية إلى درجة متجانسة وهو تجانسا دقيقا. يطلق علماء الفيزياء على هذا اسم طيف الجسم الأسود، لأن الجسم الذي لا يعكس أي موجات ضوء قط (والذي سيبدو أسود اللون في درجات الحرارة المنخفضة) سيشع الحرارة بهذا التوزيع الخاص من الطاقة عبر مختلف الأطوال الموجية. وعلى وجه الخصوص يملك إشعاع الخلفية طيف الجسم الأسود هذا، ما أكدته مشاهدات المسبار WMAP وغيره من أدوات المراقبة. وفي الحقيقة، يعد إشعاع الخلفية أفضل مثال على طيف الجسم الأسود في العلوم؛ لأن تصنيع جسم أسود على كوكب الأرض، وتوصيله لدرجة حرارة متساوية متجانسة يعد أمرا مستحيلًا. وبما أن طيف الجسم الأسود ينتج من خلال نظام في حالة من التوازن الديناميكي الحراري،2 يصير معنى إشعاع الخلفية جليا: أن مادة الكون المبكر لا بد أنها موزعة بالتساوي عبر الفضاء بنفس الكثافة ودرجة الحرارة في كل مكان. كان طيف الجسم الأسود هو الدليل الدامغ على أن الكون بدأ في حالة من الحرارة والكثافة والتجانس، ومن هذه الحالة تمدد وبرد حتى وصل إلى حالته الحالية.
لقد تغافلت عن جزء مهم من القصة؛ بما أن كوكبنا يدور حول الشمس، والشمس بدورها تدور حول المجرة، والمجرة تسبح وسط جيرانها، فإن الأرض تندفع عبر إشعاع الخلفية بسرعة تبلغ حوالي 600 كيلومتر في الثانية. وبسبب هذه الحركة النسبية تبدو السماء أكثر حمرة في الاتجاه الذي نتحرك صوبه عما هو الحال عليه في الجانب المقابل من السماء. لكن عند إسقاط هذا التأثير نجد أن الإشعاع يصير متجانسًا. ولحوالي جزء من كل 100 ألف جزء، لا يوجد تباين في الإشعاع عبر السماء.
إلا أن علماء الكونيات كانوا يعرفون طوال الوقت أنه ليس بالإمكان أن يكون إشعاع الخلفية موزعا بتجانس «تام» عبر الكون كله، وذلك لأن الكون نفسه ليس موزعا بتجانس تام؛ فالمادة تتجمع على صورة مجرات، والمجرات بدورها مرتبة على صورة عناقيد مجرية وعناقيد مجرية فائقة. تكشف لنا خرائط توزيع المجرات، التي وضعها بعناء علماء الفلك مستخدمين التلسكوبات البصرية عبر العشرين عاما الماضية، عن وجود تكتلات من جميع الأحجام، ربما باستثناء الهائلة منها. وعند أخذ متوسط لكل مليار سنة ضوئية يبدو الكون متماثلا في كل مكان، لكن على نطاق كل مائة مليون سنة ضوئية أو أقل يكون الأمر مختلفا؛ إذ تبرز تجمعات للمجرات بشكل واضح. إذا كان الكون المبكر مكونا من غاز موزع بتساو تام، فلم يكن بالإمكان ظهور مثل هذه التركيبة.
شکل 2-2: طيف الجسم الأسود. يبين المنحنى، المبني على القياسات المأخوذة من المسبار WMAP كيف أن الطاقة الحرارية المتخلفة عن الانفجار العظيم موزعة عبر نطاق من الأطوال الموجية. شكل هذا مميز، ويماثل تماما طيف الإشعاع الناتج عن نظام له درجة حرارة متماثلة. هذا يعني أن إشعاع الخلفية الكوني نشأ من حالة من التوازن الديناميكي الحراري في الماضي، تتناسب المشاهدات مع النظرية تناسبا دقيقا حتى إن أخطاء القياس أصغر من سمك الخط المرسوم في الشكل. (بإذن من ناسا.)
لكن مع الوقت، حتى أصغر مواطن الشذوذ في الغاز الأصلي كانت ستتضخم تضخمًا هائلًا بفعل تأثير الجاذبية. إن أي منطقة كانت أكثر كثافة - ولو بشكل ضئيل في بداية الكون – كانت ستجذب إليها المادة من المناطق المجاورة لها، وبهذا تزيد من كتلتها بشكل أكبر، وتسرع من عملية تعاظمها. كان من شأن الانفجار الداخلي البطيء للغازات الأولية إلى كتل أن يتحول إلى انهيار كارثي لولا حقيقة أن الكون يتمدد، وهو ما يعمل على تخفيف الغاز ويعادل آثار الميل نحو التجمع. تشير الحسابات التي أجريت على هذه الآثار المتعارضة إلى أنه من أجل تكوين مجرات موزعة على النحو الذي نرصده، لا بد أن يكون الكون قد بدأ بتفاوت في الكثافة يبلغ جزءا واحدا في كل 100 ألف جزء. ولأن الغاز الأكثر كثافة يكون مضغوطا بشكل أكبر تكون حرارته أعلى، وبهذا يترجم التفاوت في الكثافة إلى تفاوت في درجة الحرارة. وعلى هذا، إذا صحت نظرية الانفجار العظيم فلا بد أن يكون تفاوت الحرارة في الكون المبكر طفيفا للغاية، وهو بالضبط ما وجده المسبار WMAP.
وعلى هذا تصير القصة على النحو الآتي: بدأ الكون منذ حوالي 13.7 مليار عام بانفجار عظيم. كان الكون في بداياته غازا متمددا يتسم بارتفاع هائل في الكثافة، ودرجة الحرارة، والتأين،3 والإعتام، ومغمور بالإشعاع الحراري. توزع الغاز في أرجاء الكون بتجانس شبه مثالي. بعد الانفجار العظيم بحوالي 380 ألف عام هدأت حرارة الكون بمقدار بضع آلاف من الدرجات، وعند هذه النقطة توقف الغاز عن التأين (أي إن النويات والإلكترونات اتحدت لتصير ذرات) ونتيجة لذلك صار شفافا. ومنذ ذلك الحين فصاعدا ظل الإشعاع الحراري غير متأثر بمروره عبر المادة، ومنذئذ وهو يسافر بحرية في أرجاء الكون.4 لذا، حين ينظر علماء الفلك إلى إشعاع الخلفية فهم في واقع الأمر ينظرون إلى الكون بعد حدوث الانفجار العظيم بحوالي 380 ألف عام. وبناء على ذلك يمدنا إشعاع الخلفية بلمحة عن الكون حين كان عمره أقل من 0.003 بالمائة من عمره الحالي. إن التفاوتات الدقيقة في درجات الحرارة التي اكتشفها المسبار WMAP تمثل بذور البنية الكونية التي من دونها لم تكن ستوجد المجرات أو النجوم أو الكواكب أو حتى علماء الفلك. هذه إذن حقيقة أخرى من الحقائق «الملائمة» التي تجعل الكون مناسبا لظهور الحياة، وحقيقة أخرى تحتاج لتفسير.
هوامش
(1) K is the symbol for the unit of temperature called the Kelvin. A temperature interval of one degree Kelvin is the same as an interval of one degree Celsius, but the Kelvin scale starts from absolute zero, or about −273°C.
(2) Roughly speaking, this is the final state into which a closed system settles, following which no large-scale changes occur. For a simple gas, it is a state of uniform pressure and density.
(3) An ionized gas, also called a plasma, is one in which the atoms are dissociated into electrons and nuclei, as is caused by extreme heat. I shall describe the primordial gas in more detail in Chapter 3.
(4) The subsequent scattering of the CMB from early clumps of gas produced subtle effects in the polarization of the radiation, effects that have also been detected by WMAP.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|