أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-09-2015
5702
التاريخ: 26-09-2015
4737
التاريخ: 25-09-2015
1612
التاريخ: 24-09-2015
2728
|
وهو
أن يقصد المادح أن يفرد ممدوحه بصفة مدح لا يشركه فيها غيره، فينفيها في أول كلامه
عن جميع الناس، ويثبتها لممدوحه بعد ذلك، كقول الخنساء في أخيها [طويل]:
وما
بلغت كف امرئ متناولاً ... من المجد إلا والذي نلت
أطول
وما
بلغ المهدون للناس مدحة ... وإن أطنبوا إلا الذي فيك
أفضل
فقصد
أبو نواس أخذ معنى الثاني من البيتين فلم يتهيأ له أخذه إلا في بيتين، وقصر عنه
بعد ذلك تقصيراً كثيراً، وناهيك بأبي نواس، وذلك أنه قال [طويل]:
إذا
نحن أثنينا عليك بصالح ... فأنت كما نثني وفوق الذي
نثني
وإن
جرت الألفاظ يوماً بمدحةٍ ... لغيرك إنساناً
فأنت الذي نعني
أما
كون معنى البيتين من معنى البيت الثاني من شعر الخنساء فلأن حاصل بيتي أبي نواس
أنك فوق ثنائنا الصالح عليك، وإن مدحنا غيرك كان له لفظ المدح ولك معناه، وهذا كله
هو عين قول الخنساء:
وما
بلغ المهدون للناس مدحة
لأن
حاصل قولها إن مدح المادحين فيك أفضل من مدحهم للناس، وإن أطنبوا في مدح الناس هو
قول أبي نواس في بيته الأول [طويل]:
فأنت
كما نثني وفوق الذي نثني
وقصر
أبو نواس عن لحاقها في الزيادة التي هي قولها: وإن أطنبوا، وقولها: وما بلغ
المهدون للناس فكل هذه المبالغات قصر عنها أبو نواس، وأما قول أبي نواس في
بيته الثاني فأنت الذي نثني هو عين قولها إلا الذي فيك أفضل فإن
مفهومه أن كل من يهدي مدحاً لأحد من البشر له فيك فضل مما أهدى لغيرك، ووجه تقصير
أبي نواس في هذا المعنى أنه جعل ممدوحه يمدح بالنية دون القول، وبالتأويل دون
التصريح، والخنساء جعلت أخاها ممدوحاً من جميع الناس بالتصريح والمعنى بأفضل ما
مدح به كل الناس، فبين المعنيين من البون ما تراه.
ومن
هذا الباب ما يقع في التشبيه والإخبار وغيرهما بحيث يكون للمشبه أو المخبر عنه
صفات فينفي بعضها ليثبت بعضها وينفي واحدة ليوجب أختها، أو يسلبها ويوجب غيرها،
كقول رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم لعلي عليه السلام أما ترضى أن
تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي فسلب النبوة ليوجب بقية
المنازل التي كانت لهارون من موسى عليهما السلام.
ومن
ذلك قول الشاعر [طويل]:
فصرت
كأني يوسف بين اخوتي ... ولكن تعدتني النبوة والحسن
فسلب
نفسه هاتين الصفتين من صفات يوسف عليه السلام ليثبت ما عداهما مما امتحن به يوسف
من إخوته، وهذا البيت وإن كان من شواهد الاستدراك فهو مما يليق أن يستشهد به
هاهنا.
ومن
ذلك قول ابن الرومي [طويل]:
كأنا
مع الجدران في جنباته ... دمى في انقطاع الرزق لا
في المحاسن
لما
كانت الدمى موصوفة بهاتين الصفتين، وكانت إحداهما لائقة بالمعنى الذي قصده، أثبتها
ونفى ما عدها من الصفة التي لا تليق بغرضه، والله أعلم.