أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-03-2015
2410
التاريخ: 25-09-2015
2938
التاريخ: 26-03-2015
1553
التاريخ: 25-09-2015
1479
|
هو من
الثوب المسهم، وهو الذي يدل أحد سهامه على الذي يليه، لكون لونه يقتضي أن يليه لون
مخصوص له، بمجاورة اللون الذي قبله أو بعده.
وهذا
الباب عرفه من تقدمني بأن قال: وأن يكون ما تقدم من الكلام دليلاً على ما يتلوه،
ورأيت هذا التعريف وإن روعي فيه الاشتقاق لا يخص هذا الباب من البديع، بل يدخل معه
غيره. والذي عندي أن هذا الباب من مشكلات هذا الفن، ويصلح أن يعرف بقول القائل هو
أن يتقدم من الكلام ما يدل على ما تأخر منه، أو يتأخر منه ما يدل على ما تقدم
بمعنى واحد أو بمعنيين، وطوراً باللفظ، كأبيات جنوب أخت عمرو ذي الكلب، فإن الحذاق
ببنية الشعر وتأليف النثر يعلمون أن معنى قولها [متقارب]:
فأقسم
يا عمرو لو نبهاك
يقتضي
أن يكون تمامه:
إذا
نبها منك داء عضالا
وليثاً
غضوباً أفعى قتولاً، وموتاً ذريعاً، وسماً وحياً، وغضباً صقيلاً، كرباً شديداً،
وغماً طويلاً، إلى أشياء يعز حصرها، لكن معنى البلاغة تقتضي اقتصارها من ذلك كله
على الأول، لكونه أبلغ، وإنما قلت: إنه أبلغ، لأن الليث الغضوب، والأفعى القتول،
يمكن مغالبتهما وغلبهما، والسيف الصقيل يمكن التوقي منه، والحيدة عنه، وما كل جريح
يتوقع موته، ولا ييأس من برئه، والكرب الشديد، والغم الطويل، يرجى انكشافهما،
والسم الوحي، والموت الذريع، يريحان صاحبهما، فأشد من الجميع الداء العضال الذي لا
يميت فيريح، ولا يأمل صاحبه مداواته فيستريح، فلذلك علم الحذاق باختيار الكلام
وبنيته أن قولها:
فأقسم
يا عمرو لو نبهاك
يقتضي
أن يكون تمامه:
إذاً
نبها منك داء عضالا
دون
كل ما ذكرت وما لم أذكر، فإن ما ذكرت هو دليل على ما لم يذكر، إذ لا يخرج ما لم
يذكر عن أن يكون أمراً يمكن مغالبته وغلبه، أو شيئاً يرجى انكشافه وزواله، أو
شيئاً يريح بسرعة كالسم الوحي، والموت الذريع وكما يدل الأول على الثاني كما ذكرت
كذلك، يدل الثاني على الأول، فإنه لو قيل لحاذق بما يصلح أن يوطأ لقولها إذا نبها
منك داء عضالاً فإنه لا يجد إلا قولها: فأقسم يا عمرو لو نبهاك، فهذا ما يدل الأول
فيه على ما بعده دلالة معنوية.
وأما
ما يدل فيه الأول على الثاني دلالة لفظية فقولها:
إذن
نبها ليث عريسة ... مفتياً مفيداً نفوساً ومالا
فإن
العارف ببنية الشعر إذا سمع قولها: مفيتا مفيداً، تحقق أن هذا اللفظ يوجب أن يتلوه
قولها نفوساً ومالاً، وكذلك قولها:
وخرق
تجاوزت مجهوله ... بوجناء حرف تشكي الكلالا
فكنت
النهار به شمسه ... وكنت دجى الليل فيه الهلالا
والبيت
الثاني أردت، وإن كان البيت الأول فيه من التسهيم ما فيه لكن الثاني أوضح، لأن
قولها، يقتضي أن يتلوه:
فكنت
النهار به شمسه ... وكنت دجى الليل فيه الهلالا
ومن
جيد أمثلة التسهيم قول عمرو بن كلثوم [وافر]:
ونوجد
نحن أحماهم ذماراً ... وأوفاهم إذ عقدوا يمينا
واستخراج
التسهيم من هذا البيت عسر جداً، وهو مما ينبغي أن يسأل عنه من يتعاطى هذه الصناعة،
وطريق استخراجه منه أن يقال: لما قدم في صدر بيته الفخر بصفات المدح في الحرب،
أوجبت عليه البلاغة أن يكمل الفخر بصفات المدح في السلم، والسلم لا يكون إلا
بالعهود والأيمان، وهذان لا يمدح الإنسان فيها إلا بالوفاء بهما، إذ ليس من المدح
أن تقول: حلف فلان ولا استحلف بل تقول: فلان وفى بعهده ويمينه، فلما اقتضى المعنى
تكميل المدح في حالة السلم بالأمر الذي هو أس السلم وأصله، كما مدح في حالة الحرب
بما هو من صفات المدح في الحرب، اقتضى اللفظ أيضاً أن يكون ما يأتي به من الألفاظ
مناسباً لما قدمه، وقد قال في صدر البيت: ونوجد نحن أحماهم، فتعين لمراعاة
المناسبة أن يقول في العجز وأوفاهم، لا سيما وهي تعطي المعنى الذي يكمل به المدح،
وقال: إذا عقدوا يميناً يريد الحالة التي هي أشد أحوال الحالف، فإنه لو قال: إذا
حلفوا لم يعط من المعنى البليغ ما يعطيه عقدوا إذ الحالف قد يحلف لغواً، وتعقيد
اليمين يدل على النية والتصميم، قال الله سبحانه: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ
الْأَيْمَانَ) فقد اقتضى صدر هذا البيت من جهة اللفظ والمعنى أن يكون تمامه ما
ذكره والله أعلم.
ومن
أمثلة هذا الباب للمحدثين قول البحتري، وهو مما جاءت دلالته لفظية أيضاً [طويل]:
فليس
الذي حللته بمحلل ... وليس الذي حرمته بحرام
وكقول
الآخر [خفيف]:
من
غصون كأنهن قدود ... وقدود كأنهن غصون
وهذا
البيت لا يصلح أن يكون شاهداً للتسهيم، لكون أوله لا يقتضي آخره لأنه لو قال:
من
غصون كأنهن قدود ... ذات نور مثل الثغور العذاب
أو
ذات ورد كأنه الوجنات، حسن أن يكون تماماً له، ومتى كان التقدير كذلك انخرم ضابط
التسهيم، وإنما ذكرته سهواً كما سها من ذكره قبلي ثم فطنت لذلك بعد إثباته.
والفرق
بين التسهيم والتوشيح من ثلاثة أوجه: أدها أن التسهيم يعرف به من أول الكلام آخره،
ويعلم مقطعه من حشوه من غير أن تتقدم سجعة النثر ولا قافية الشعر، والتوشيح لا
تعرف السجعة والقافية منه إلا بعد أن تتقدم معرفتهما. والآخر أن التوشيح لا يدلك
أوله إلا على القافية فحسب، والتسهيم يدل تارة على عجز البيت وطوراً على ما دون
العجز، بشرط الزيادة على القافية، وما حكيناه عن ابن العباس رضي الله عنه في بيت
عمر بن أبي ربيعة، وعن الفرزدق في بيت عدي بن الرقاع فنادر لا يقاس عليه.
والثالث
أن التسهيم يدل تارة أوله على آخره، وطوراً آخره على أوله بخلاف التوشيح.
وقد
جاء من التسهيم في الكتاب العزيز قوله تعالى: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ
نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) وقوله: (أَفَرَأَيْتُمُ
الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ) إلى آخر الآية.
فانظر
إلى اقتضاء أول كل آية آخرها اقتضاء لفظياً ومعنوياً، وائتلاف الألفاظ مع معانيها،
ومجاورة الملائم بالملائم، والمناسب بالمناسب، لأن ذكر الحرث يلائم الزرع، وذكر
الحطام يلائم التفكه ومعنى الاعتداد بالزرع يقتضي الاعتداد بصلاحه وعدم فساده،
فحصل التفكه، وكذلك في بقية الآيات، فإذا علمت ذلك بهرج النقد عندك ما تقدم من
الأشعار الفصيحة. والمعاني البليغة.