أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-3-2021
2145
التاريخ: 9-5-2017
1493
التاريخ: 9-3-2016
1311
التاريخ: 2024-09-01
247
|
ثمة مشكلات بشأن هذا السيناريو، من بينها السؤال: من أين أتت كل هذه الطاقة الحرارية؟ علاوة على ذلك، نحن نعرف من واقع خبرتنا بالتغيرات الطورية في فيزياء المواد المكثفة أن هذه التغيرات لا تكون تامة السلاسة مطلقا. على سبيل المثال، حين يبرد المعدن ليكون المغناطيس، تتفاوت شدة المغناطيسية من منطقة لأخرى، مشكلة ما يسمى «نطاقات» منفصلة من المغناطيسية. هناك مواطن خلل وعدم اتساق في كل أجزاء المعدن. من المفترض أن يكون الأمر قد جرى على هذا النحو في الكون حين مر بعملية التحول الطوري، متسببا في وجود ظواهر مثل جدران الطاقة أو الأوتار الكونية، سمها ما شئت. لكن في كل حدث، لم يكن هناك أي مشاهدة واضحة لأي من هذه الظواهر العجيبة. أيضا، تقترح هذه النظرية أنه من شأن تتابع الأحداث هذا أن يجعل تطور الكون سريعا للغاية بحيث لا يتجاوز عمره أكثر من بضع عشرات الألوف من الأعوام وليس مليارات الأعوام. يمكن حل هذه التناقضات من خلال فكرة آلان جوث وبول شتاينهارت اللذين اقترحا أن كوننا ما هو إلا نطاق موجود داخل كون جامع أكبر. وفق هذه النظرية، والمعروفة باسم نظرية التضخم، فإن كوننا جاء نتيجة تضخم هائل لواحد من هذه «النطاقات» الميكروسكوبية. للوهلة الأولى يبدو هذا مستحيلًا لأنه يتطلب أن تتطاير المادة في جميع الأرجاء على نحو تلقائي، وهو ما لن يحدث في ظل وجود قوة جذب كونية. ومع ذلك، في نظرية النسبية العامة، لا يسهم تكافؤ المادة والطاقة والزخم وحدهما في الأمر، بل الضغط أيضا، وإذا كان الضغط سالبا وهيمن على المادة والطاقات الحرارية، يمكن أن تكون النتيجة تمددا سريعا، أشبه بتأثير «مضاد للجاذبية».
ما لاحظه آلان جوث هو أنه لو احتوى الفراغ الحقيقي على مجال هيجز، فهناك إمكانية لأن تكون منطقة ما من الكون في حالة فراغ غير مستقر أو «زائف». (الفراغ الزائف أشبه بالحالة التي يكون فيها القلم واقفا على سنه، والفراغ الحقيقي هو حين يسقط القلم على المائدة). كما تذكر فإن إضافة مجال هيجز إلى الفراغ الزائف من شأنه أن «يخفض» الطاقة. في الفراغ الزائف تتناسب الطاقة الإجمالية مع الحجم، وثمة حاجة للعمل من أجل زيادة ذلك الحجم. وبسبب حالة الطاقة المنخفضة في فراغ هيجز، تكون النزعة الطبيعية لمثل هذا الفراغ هي أن ينكمش، وفي حالة فراغ هيجز الحقيقي ستكون حالة الفراغ الزائف هي الحالة التي يكون فيها الضغط سالبا. وبهذا إذا حدث التذبذب في منطقة من الفراغ الزائف، يستطيع التأثير الجذبوي للضغط السالب أن يتغلب على ذلك الخاص بالمادة، وهو ما يؤدي إلى التمدد. وبينما يتحول الكون من الفراغ الزائف إلى فراغ هيجز في هذه الصورة، من الممكن أن يحدث تضخم هائل في فترة قصيرة للغاية. ثمة أمثلة في فيزياء المواد المكثفة على الأنظمة فائقة التبريد. ويحدث هذا حين يظل النظام في الطور «الخطأ» كما يحدث حين يظل الماء سائلا تحت نقطة التجمد الاسمية. ربما حدث أمر مشابه للفراغ الكوني. يحدث تذبذب في الفراغ الزائف ويستمر، ثم لاحقا يتحول الكون إلى الفراغ الحقيقي. وقد بينت الحسابات أنه في مثل هذه الظروف يمكن لأي منطقة من الكون أن يتضاعف حجمها كل 10-34 ثوان!
بعد حقبة التضخم، يطلق التحول إلى الفراغ الحقيقي طاقة، على غرار انبعاث الطاقة الكامنة حين يتجمد الماء. أنتجت هذه الطاقة جسيمات المادة التي شكلت في نهاية المطاف المجرات والنجوم والبشر. لقوى الجذب طاقة وضع سالبة تعادل هذه الطاقة، وهو ما يجعل الطاقة الإجمالية مقاربة للصفر.
إن تأثير هذا التضخم مفاجئ بحق. تبلغ مساحة كوننا القابل للرصد نحو 1026 أمتار عرضا. وبالعودة بالزمن إلى الوراء، حين كانت درجة حرارة الكون 1028 درجات، وذلك حين انتهى التضخم، كان من شأن كوننا المستقبلي أن يكون حجمه مجردبضعة سنتيمترات. كان من شأن حقبة التضخم أن تسبب تمدد الكون بنسبة 1050، وهو ما يعني أن كرة التضخم المبدئية بلغت من الحجم 10-52 أمتار فقط، وهو ما يتوافق على ما يعني نحو طيب مع حجم التذبذبات التي يمكن للمرء توقعها في الجاذبية الكمية.
إبان التضخم كان هناك تمدد جامح وقع بصورة أسرع من ذلك. بلغ التمدد من السرعة ما جعل بعض الأجسام التي كانت قريبة بعضها من بعض بما يمكنها من تبادل المعلومات، على غرار الإشعاع، تقذف بعيدا إلى أجزاء منفصلة من الكون بحيث صارت بعيدة إلى درجة تمنعها من تبادل المعلومات الآن. على سبيل المثال، هناك مجرات تبعد عنا بنحو 10 مليارات سنة ضوئية في مناطق متقابلة من السماء، وهو أنها بعيدة بعضها عن بعض بما يفوق 14 مليار سنة ضوئية، وهي مسافة أكبر من تلك التي يستطيع الضوء أن يقطعها خلال عمر الكون. ومع ذلك تطيع تلك المجرات قوانين الفيزياء عينها، وأطياف عناصرها – الأشبه برسائل الفاكس الآتية من بعيد وتكشف عن العناصر وعن خصائصها تبدو واحدة في شتى أرجاء الكون القابل للرصد. وإشعاع الخلفية الكوني له نفس الحرارة والشدة في كل أرجاء الكون بدرجة تطابق قدرها جزء واحد في العشرة آلاف جزء. ومن السذاجة الاعتقاد بأن كل هذا الاتساق جاء وليد الصدفة. لا بد أن كوننا القابل للرصد بأكمله كان مرتبطا على نحو في نقطة ما من الماضي، وفي غياب التضخم سيكون ذلك أمرا متناقضا.
هناك الكثير من الجهود الرياضية المبذولة حاليا بشأن الكيفية التي يمكن أن تتصرف بها المجالات في نظرية الكم. أحد الاستنتاجات التي جرى التوصل إليها تقضي بأنه من المستحيل تقريبا تجنب التضخم، وهو أمر طيب يعين على تفسير الكون، لكنه يجعل عملية تحديد الآلية الفعلية أمرا صعبا. كل ما يسعنا فعله حاليا العمل انطلاقا هو مما نراه اليوم في الكون، عائدين بالزمن إلى الوراء، وأن نجري حساباتنا كي نصل إلى الشكل الذي كان عليه التضخم، ثم نرى هل يمكننا اختبار النتائج. تعمل التذبذبات الصغيرة في بنية الزمكان في حقبة الجاذبية الكمية كمصدر جذب لتجميع المادة، التي نمت في نهاية المطاف لتصير بذور المجرات. وإذا أجرينا محاكاة حاسوبية لسلوك الكون، مع الوضع في الاعتبار بنيته وجاذبيته الحاليتين، ثم عدنا بالزمن إلى الوراء فسنجد أن شدة تذبذبات الفراغ لا بد أنها بلغت نسبة تقارب الجزء من كل 10 آلاف جزء. النتيجة المثيرة للاهتمام هي أن هذه الآثار كانت حاضرة في إشعاع الخلفية الكوني قبل تكون المجرات. في السنوات القليلة الأخيرة تأكد هذا على نحو حاسم من خلال
شكل 9-1: تفاوتات في إشعاع الخلفية الميكروي الكوني كما رصدها القمران الصناعيان COBE وWMAP. (1)
قياسات الإشعاع المأخوذة بواسطة الأقمار الصناعية: القمر الصناعي COBE (مستكشف الخلفية الكونية) والقمر الصناعي WMAP (مسبار ويلكينسون لقياس اختلاف الموجات الراديوية). تظهر القياسات تفاوتات على مستوى بضعة أجزاء لكل عشرة آلاف جزء في درجة الحرارة. وتحديدا، يقيس هذان المسباران هذه التذبذبات على مستويات دقة متعددة، أو زوايا صغيرة أو امتدادات أكبر، ثم تجد السلوك الكسري، وكلما زادت دقة الرصد تظهر تفاصيل أكثر على نحو متكرر، يبدو أن هذه الظواهر تتماشى مع المتوقع إذا كانت متخلفة فعلًا عن التضخم. ولا عجب أن منحت جائزة نوبل في الفيزياء في عام 2006 للقائمين على هذا البحث.
إذن، تتفق أفضل بياناتنا مع النظرية القائلة إن كوننا الفسيح تمدد على نحو مفاجئ بفعل التضخم. ولو صح هذا، قد يكون لدينا إجابة عن السؤال «من أين أتينا؟» فكل شيء يتوافق مع صورتنا الحالية عن الكون المبنية على الرصد والعلم التجريبي ومع أن هذه الصورة تقدم إجابات لسؤالي الأساسي، فإن هذا يتحقق على حساب إثارة المزيد من الأسئلة التي يمكن أن تكون أكثر عمقا. لقد حل التضخم بعد الحقبة التي هيمنت فيها قوة الجاذبية. لقد ألمحنا إلى السمات الغريبة التي اتسم بها الزمكان والمتمثلة في وجود التذبذبات في نسيجه، ورأينا حتى إن إشعاع الخلفية الكوني يظهر ما يبدو وكأنه آثار حفرية لمثل هذه التذبذبات. ولا يوجد سبب وحيد يدعونا للاعتقاد بأن كوننا المتضخم كان، أو لا يزال، حدثا فريدا لم يتكرر. فمن الممكن أن تكون أكوان مماثلة عديدة قد ظهرت على نحو مشابه لكوننا، لكنها خارج نطاق إدراكنا. وفي مواجهة النطاق المذهل من المصادفات في طبيعة القوى، وكتل الجسيمات الأساسية، بل حتى وجود: أبعاد للمكان، التي لولاها لما أمكن للظروف المواتية للحياة أن تتوافر، يجد المرء نفسه مجبرا على التساؤل عن سبب ملاءمة الكون على هذا النحو للبشر. من الأفكار الشائعة بين العلماء فكرة وجود أكوان متعددة، قد يكون عددها لانهائيا، لها معاملاتها وأبعادها الخاصة، وأن أحد هذه الأكوان تصادف أنه ملائم لاستضافة الحياة، وأننا تطورنا بهذا الكون. مرحبا بك إذن إلى مفهوم الكون المتعدد، مع أنني أتشكك في إمكانية إخضاع مثل هذه الفرضية للاختبار العلمي.
هوامش
(1) NASA/WMAP Science Team
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|