أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-1-2019
2690
التاريخ: 12-6-2016
20957
التاريخ: 9-4-2017
15210
التاريخ: 5-4-2017
3484
|
يقتنع المشرع في بعض دول المقارنة بإيجاد وسائل بديلة لحل المنازعات الإدارية بين الأفراد والإدارة بطرق ودية وسهلة وسريعة نسبياً مقارنة بالإجراءات القضائية التي تسلكها المحاكم الإدارية، وهذا هو المنطلق نفسه لتبني نظام التظلم الإداري الذي أقره المشرع في تلك التشريعات، التي تهدف الى تخفيف العبء الواقع على كاهل القضاء، نظراً للعدد المتزايد من الدعاوى المطروحة أمامه، قد أقرة المشرع في الأنظمة المقارنة بشرط اللجوء الى لجان خاصة بفض المنازعات قبل اللجوء الى القضــــاء بعض الإداري وطرح النزاع أمامه.
ومن تطبيقاته في فرنسا المرسوم الصادر في 25 فبراير 1991 بشأن لجان التوفيق في منازعات الأشغال العامة، والقانون الصادر في 16 يوليو سنة 2000 في شأن التوفيق الخاص بالمنازعات التي تكون أطرافها الجماعات الرياضية والاتحادية، والقانون الصادر في 30 يونيو سنة 2000 في شأن المنازعات المتصلة بالأخطاء الشخصية للعسكريين المحالين الى التقاعد من الخدمة (1).
أما في مصر فقد أصدر المشرع قانون رقم 7 لسنة 2000 بإنشاء لجان التوفيق في بعض المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفاً فيها، فقد جاء في المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون " في نطاق اهتمام الدولة بتحقيق عدالة ناجزة، تصل بها الحقوق الي أصحابها دون الاضطرار الي ولوج سبيل التقاضي وما يستلزمه في مراحله المختلفة من الأعباء المادية والمعنوية، وما يصاحبه في أحيان كثيرة من إساءة استغلال ما وفره القانون من أوجه الدفاع والدفوع التي اتخذها سبيلاً للكيد وسيلة لإطالة أمد الخصومات على نحو يرهق كاهل القضاة ويخلق الظلم بالمتقاضين مادامت حقوقهم نتيجة تلك الإساءة لا تصل إليهم إلا بعد الأوان. " وكان ذلك بغرض التخفيف من عبء القضايا وكثرتها أمام جهات القضاء ، فقد رأى المشرع اتخاذ التوفيق وسيلة للتسوية الودية للمنازعات التي تكون الوزارات والهيئات الاعتبارية العامة طرفاً فيها . (2) ويمكن تعريف نظام التوفيق في المنازعات بأنه أحد أشكال الوساطة القانونية التي ينظمها القانون التسوية بعض المنازعات تسوية ودية من خلال التقريب بين وجهات النظر المتعارضة، ويكون اللجوء اليها إختيارياً أو إجبارياً حسب ما ينص عليه القانون وذلك قبل طرح النزاع على القضاء . (3) أما بانسبة للعراق وأقليم كوردستان، فلم نجد مثيلاً لهذا القانون سوى بعض تطبيقات قريبة منه في قوانين مختلفة.
ولاجل البحث في هذه الوسيلة المقررة في قانون رقم 7 لسنة 2000 المصري لتسوية المنازعات، نحاول أن نحدد بداية تشكيلة هذه اللجان ومن ثم إختصاصاتها وآلية عملها على القضايا المطروحة أمامها، وأخيراً نحاول أن نحدد الآثار التي قد تترتب نتيجة طرح النزاع أمامها على الإجراءات القضائية أمام المحاكم الإدارية، وهي كالآتي:
أولاً تشكيل لجان التوفيق: فقد جاء في المادة الأولى من قانون رقم 7 لسنة 2000، بأن تنشأ في كل وزارة أو محافظة أو هيئة عامة وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة لجنة أو أكثر، للتوفيق في المنازعات المدنية والتجارية والإدارية التي تنشأ بين هذه الجهات وبين العاملين بها، أو بينها وبين الأفراد والأشخاص الاعتبارية الخاصة، وهذا بأمر من وزير العدل. يكون للإدارة و الطرف الآخر من النزاع عضو في هذه اللجنة، وفي حالة تعدد أشخاص هذا الطرف فلهم أن يختارو نائباً واحداً عنهم، أما إذا تخالفو بشأن هذا النائب أجاز القانون أن يكون لكل شخص من أشخاص هذا الطرف نائب له في هذه اللجنة (4)، وهذا بأمر من وزير العدل، وهناك(5) من ينتقد هذا الموقف من المشرع بإعطاء صلاحية اختيار القضاة من قبل الوزير . ، بأنه السلطة التنفيذية وسيلة فعالة للتأثير في القضاة، وهذا يعد تدخلاً في عمل لجان التوفيق، والذي لانؤيده نحن، أن هذه اللجنة ذات طابع إداري وليس قضائي، حتى إن شارك فيها أعضاء السلطة يمنح القضائية إستعانة بخبراتهم وتأميناً للعدل وصوناً للحقوق ، فنرى أنه ليس من العدل أن نعد اختيار رئيس للجنة الإدارية من قبل السلطة التنفيذية نفسها تدخلاً وله تأثيرات سلبية على أعمال هذه اللجنة. وتكون لهذه اللجنة أمانة فنية في الجهة المشكلة فيها، وتضطلع هذه اللجنة بمهمة قلم الكتاب تقريباً في التنظيم القضائي الرسمي، حيث تتلقى طلبات التوفيق وقيدها، وإخطار الأطراف بمواعيد الجلسات وبالتوصيات الصادرة عن اللجنة وسائر الإجراءات الأخرى التي تتكون من عدد كاف من رجال القضاء وأعضاء الهيئة القضائية الحاليين والسابقين (6) .
يتبين مما سبق أن المشرع راعى في تشكيلة لجان التوفيق تمثيل طرفي النزاع، وكذلك إستعان بخبرة رجال القضاء تأميناً للعدل وصوناً للحقوق، وبهذا يتضح أن المشرع جعل تشكيل لجنة التوفيق ذا طبيعة خاصة تبرز تبنيه لسياسة حل المنازعات الخاضعة لأحكام هذا القانون. (7) وهذه اللجان لا تعد أن تكون لجاناً إدارية كما قضت المحكمة الدستورية العليا وذلك بنصها على أنه "... يغلب على تشكيلها العنصر الإداري ولا تتقيد بقواعد قانونية محددة سلفاً " وفي وصفها لطبيعة هذه اللجان قضت بأن " ... ومن ثم لا تتمتع هذه اللجان بالحيدة والكفاية والاستقلال اللازمة للفصل في النزاع المعروض عليها، ولا تؤكد التوصيات الصادرة عنها في الأنزعة المعروضة عليها الحقيقة القانونية ... ولا يغير من ذلك رئاسة أحد رجال القضاء لهذه اللجان، وأن تكون توصياتها مسببة، إذ لا يكفي ذلك لإضفاء الصفة القضائية على أعمالها ، مادام أنه لم يتوافر لها باقي العناصر الرئيسة للعمل القضائي ولا يتقيد بالمواعيد المحددة في قانون المرافعات إلا ما تعلق منها بالضمانات والمبادئ الأساسية للتقاضي )، فلا تعد جهة قضائية أو هيئة ذات إختصاص قضائي، ولا يعد ما يصدر عنها قضاء، ولا يمكن لها أن تحكم بعدم إختصاصها والإحالة الى المحكمة أو الجهة المختصة إذا عرضت عليها منازعة لا تدخل في نطاق إختصاصاتها ".(8) ثانياً إختصاصات لجان التوفيق وآلية عملها : لقد تبنى المشرع معياراً عضوياً في تحديد المنازعات التي تخضع لاختصاصها قوامه أن أي منازعة تثور بشأن أي نشاط يصدر عن أحد الأشخاص الاعتبارية العامة تخضع لاختصاص لجان التوفيق بصرف النظر عن طبيعتها فيستوي أن يكون منازعة إدارية أو مدنية أو تجارية (9).
وبدلالة نص المادة / من القانون المذكور ، أن اختصاص هذه اللجنة يحكمه قيدان أساسيان : أولهما صفة الخصوم أو الأطراف، حيث إختصاص هذه اللجان رهن أن يكون الطرف الأساسي في المنازعة أحدى الوزارات أو أحد الأشخاص الإعتبارية العامة، أما القيد الثاني فهو موضوع النزاع ، حيث لامجال لاختصاص هذه اللجان بالمنازعات ذات الطابع الجنائي، أو غيرها من المنازعات التي لا تقبل طبيعتها التوفيق (10).
فيقدم طلب التوفيق من ذوي الشأن إلى الأمانة الفنية للجنة المختصة، الذي يتضمن البيانات المتعلقة باسم الطالب والطرف الآخر في النزاع وصفة كل منهما وموطنه، إضافة الى موضوع الطلب وأسانيده، ويرفق به مذكرة شارحة وحافظة بمستنداته (11) ، علماً أن اللجوء الى هذه اللجان بغير رسوم. فإذا كان الطلب يتعلق بقرار إداري مما أشارت اليه الفقرة / ب من المادة / 12 من قانون مجلس الدولة المصري، ولم يسبقه تظلم صاحب الشأن أمام الجهة الإدارية، ليستوفي المدة المقررة للبت فيه، أو كان الطلب خارج المدة المقررة للطعن فيه بالإلغاء، تقرر اللجنة عدم قبوله، ففي غير ذلك يحدد رئيس اللجنة موعداً للنظر في الطلب بحضور أطراف النزاع أو وكلائهم، بحضور جميع أ أعضائها، وكل ذلك خلال مدة ثلاثين يوماً من تأريخ تقديم الطلب الى اللجنة (12).
تصدر اللجنة بعد مداولة سرية توصياتها بالاغلبية، المسببة في محضر لها، علماً أنه تستخلص نتيجة عمل اللجان في التوصيات الصادرة منها، ومن المعلوم أن التوصيات لا تعد تصرفاً قانونياً، ولا يمكن تعدادها من قبيل القرارات الإدارية، حيث لا ينشأ ولا يعدل في المراكز القانونية ولا يلغيها، ومن ثم لا يمكن الطعن فيها.
هذا إضافة الى أنه كما سبق أن بحثناه وهو أن هذه اللجان ليست ذات طابع قضائي ومن ثم ما يصدر عنها لا يعد حكماً قضائياً، فهنا يثار التساؤل حول الجدوى من اشتراط اللجوء الى هذه اللجان قبل الأخذ بمسلك قضائي لحل تلك المنازعات، وإذا لم يعد ما يصدر عنها قراراً إدارياً منشأ أو ملغياً أو حتى معدلاً للقرارات الإدارية على الرغم من الطابع الإداري لها، ولا حكماً قضائياً ذا صفة إلزامية على أطراف الدعوى، فهل يستحق محاولة للتوفيق، مرهون تنفيذ نتائجه بقبول أطراف النزاع(13)، وقطع مدة الطعن بهذا القرار لمدة ستين يوماً ؟ والأكثر من ذلك، وقف إجراءات النظر في الدعوى لمدة تسعين يوماً ؟
والذي نحن نرى أن هذا النظام في حالة بقائه في هذا الحال لا يكون سوى ضياع للوقت و وسيلة لاستثخار الوصول الى الحق من خلال إطالة المدة، وخصوصاً بالنسبة لحالة وقف الإجراءات أثناء النظر في الدعوى، هذا إضافة الى زيادة التكاليف على عاتق المدعي للحصول على حقه.
ثالثاً / آثار طلب التوفيق بالنسبة للإجراءات القضائية : أوجب المشرع المصري عرض بعض المنازعات التي تكون الدولة طرفاً فيها، على لجان التوفيق بغرض تسويتها ودياً دون اللجوء الى القضاء المختص، (14 ) إذ على صاحب الشأن أن يطرح منازعته بعد التظلم من القرار الإداري وإستيفاء المدة المقررة للبت فيها ، وأن يكون عرضه للنزاع أمام اللجنة خلال المدة المقررة للطعن فيها بالإلغاء، وبهذا يكون الطلب موقفاً لمدة التقادم كما قضت به المحكمة الإدارية العليا عند نصها " يجب على صاحب الشأن أن يقدم طلبه الى لجنة التوفيق ، إذا كان متعلقاً بطلب الإلغاء وإلا بات ملزماً على اللجنة أن توصي بعدم القبول، ومؤدى هذا أن الأثر الواقف لميعاد رفع الدعوى المترتب على تقديم الطلب الى لجنة التوفيق مرهون بأن يقدم الطلب خلال الميعاد المقرر لرفع دعوى الإلغاء وإنعدام أثره الذي رتبه القانون رقم 7 لسنة 2000 (15).
وعلى ذلك فإن مدة تقادم الحقوق ورفع الدعوى تكون موقوفة في المدة من تأريخ تقديم الطلب الى اللجنة حتى تأريخ إنتهاء الستين يوماً المقررة لإصدار التوصية خلالها وذلك في حالة عدم صدور التوصية، وكذلك من تأريخ تقديم الطلب حتى تأريخ إنقضاء المدة اللازمة لإبداء الطرفين أو أحدهما رأيه بالقبول أو الرفض خلالها . (16) وهذا يعني أن الأطراف لها الحرية الكاملة في الإلتزام بتوصيات اللجنة أو عدم الإلتزام بها، وأن طلب التوفيق لا يؤثر على حقهم في اللجوء الى المحكمة المختصة ما بعد إنتهاء أعمال اللجنة، على الرغم من أن هناك ، من يرى أن هذه اللجان أصبحت عائقة للعدالة تحول بين المتقاضي وبين قاضيه الطبيعي، وبسبب عدم إلزامية التوصيات فإنها تعد عقبة أمام ذوي الشأن والغرض منها إطالة أمد التقاضــــــي ، وبذل الجهد والمال والوقت بما يعني عزوف الأفراد أحياناً من اللجوء الى حق التقاضي المكفول للجميع بنص الدستور والقانون (17).
بإعتبار أن التوصية لا تفصل في النزاع بل هي تبصير وتوفيق وتقريب بين وجهات النظر المختلفة، فإذا ما إتفقوا عليها بإرادتهم الحرة تغيرت وظيفتها الى أنها تنهي النزاع ، وتتحول الى سند يجوز تنفيذه جبراً على الأطراف المتنازعة، حيث يترتب على قبول التوصية وجوب تنفيذها ، وإذا ما رأت الجهة الإدارية عدم تنفيذها بعد قبولها فإنها تكون في هذه الحالة ممتنعة عن تنفيذ حكم واجب التنفيذ وعليه يستطيع صاحب الشأن اللجوء الى القضاء الجنائي ضد المسؤول الإداري عن هذه الجهة وهذا ما قضت به الجمعية العمومية لقسمي الفتاوى والتشريع لقولها " ... ومن ثم فلا يكون لها الإمتناع عن تنفيذ التوصية بعد قبولها وتذييلها بالصيغة التنفيذية ... وأن قبول التوصية يتوقف على إرادة طرفي النزاع فلا يجوز لكل منهما العدول عما وافق عليه أو التحلل عما التزم به وإلا كان ذلك إهداراً للقوة التنفيذية التي رتبها المشرع على قبول التوصية وهو أمر غير جائز (18) ، أما إذا رأت الإدارة أن تنفذ التوصية فلا يجوز حينئذ النظر في النزاع أمام القضاء الخاص بالمنازعة. أما بالنسبة للمنازعات المطروحة أمام القضاء فيشترط في إمكانية طرحها على لجان التوفيق أن تكون قيد النظر ولم يقفل فيها باب المرافعة، فلصاحب الشأن أن يطلب إلى المحكمة التي تنظر الدعوى، وقف السير فيها لتقديم طلب التوفيق، فإذا قبل الطرف الآخر أمرت المحكمة بوقف السير في الدعوى لمدة تسعين يوما وإحالتها إلى اللجنة مباشرة وحددت ميعاداً لاستئناف السير فيها وغايته الثلاثون يوما التالية لانتهاء مدة الوقف، ويتم ضم ملف التوفيق الى أوراق الدعوى ، وإذا قدم إلى المحكمة ما يثبت حصول التوفيق في النزاع موضوع الدعوى حكمت بانتهاء الخصومة فيه. (19) و للقضاء رأي آخر وهذا ما نؤيده نحن بإعتباره أقرب الى الواقع وأكثر تقيداً بما تنظمه القوانين المتعلقة بالإجراءات والمواعيد، فقد قضت المحكمة الإدارية العليا أنه " اللجوء الى لجنة فض المنازعات في أثناء سير الدعوى وليس قبل رفعها يجعلها غير مقبولة، فاللجوء الى القضاء يحسم الالتزام بالإجراءات والمواعيد المقررة لرفع الدعوى فإذا إشترط المشرع اللجوء الى جهة معينة قبل إقامة الدعوى كإجراء شكلي جوهري فإنه يتعين إتخاذه قبل سلوك طريق الدعوى وإلا كانت دعواه غير مقبولة شكلاً. (20) أما بالنسبة للعراق وإقليم كوردستان، فعلى الرغم من إصدار المشرع العراقي لقانون الغاء النصوص القانونية التي تمنع المحاكم من سماع الدعاوي رقم 17 لسنة 2005 المعدل بقانون رقم 3 لسنة 2015، الذي ألغى النصوص القانونية التي تمنع المحاكم من نظر الدعوى، فإنه حصر أثر هذا القانون بتلك القوانين التي صدرت في الفترة ما بين 1968/7/17 و 2003/4/9، وبهذا تبقى النصوص التي تمنع المحاكم من النظر في الدعوى في القوانين اللاحقة لهذا التأريخ في العراق نافذة، وتبقى المسائل التي حددتها تلك القوانين خارجة على اختصاص المحاكم الإدارية على الرغم من كون الإدارة طرفاً فيها، وهذا ما اكدته المحكمة الإدارية العليا العراقي في قرار جديد لها (21) في 2016/6/16 بقولها " لا تختص محكمة القضاء الإداري بالنظر في صحة القرارات الإدارية التي لها مرجع قانوني للطعن"، أما بالنسبة لإقليم كوردستان فلم يمر هذا القانون ببرلمان كوردستان وبهذا لا يكون نافذاً في إقليم كوردستان، وهناك تشريعات خاصة ومنظمة لبعض المسائل المحددة في الإقليم وصادرة في العراق ما بعد 2003، تنص من خلالها على تشكيل لجان خاصة للتوفيق في المنازعات والخلافات التي قد تحدث ما بين الأفراد والإدارة بشأن تطبيق هذا القانون، أي أنه لا يوجد في العراق والإقليم قانون خاص لشؤون التوفيق في المنازعات التي تكون الإدارة طرفاً فيها، ومن تلك القوانين على سبيل المثال وليس الحصر ......ان قانون التقاعد الموحد رقم 9 لسنة 2014 النافذ في العراق، وقانون إطفاء وإفراز الأراضي داخل حدود البلديات رقم 3 لسنة 1998 لإقليم كوردستان، وكذلك قانون وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لإقليم كوردستان رقم 10 لسنة 2008(22)، فقد قضى مجلس شورى الإقليم في هذا الشأن .... أن الاختصاص ينعقد أولاً للجامعة في دعاوى منح ا الألقاب والشهادات العلمية والفخرية إستناداً الى أحكام المادة / 46 ... وذلك بتقديم الشكوى إليها".(23) وبالنظر الى هذه اللجان التي يشكلها القانون وهي الخاصة بشأن التوفيق في المسائل التي تكون الإدارة طرفاً فيها في العراق نلاحظ أنه : أولاً تختلف هذه اللجان عما هو المطبق في مصر من حيث تشكيلها، وذلك أن في العراق لا يوجد ممثل للمعترض أو صاحب الشأن في تلك اللجنة، ونرى أنه في هذه الحالة تخرج هذه اللجنة وعملها عن مفهوم التوفيق ويدخل في نطاق التماس إعادة النظر أو التظلم. ثانياً إن ما تصدره هذه اللجان في العراق ليس بتوصيات مرهون تنفيذها والالتزام بها بموافقة الأطراف، وإنما يكون قرارها في هذا الشأن ملزماً. ثالثاً تختص اللجان المشكلة في العراق بالنظر في الإعتراضات بشأن المسائل التي تحددها القوانين التي تشكل تلك اللجان وفقها دون غيرها من المسائل حتى في نطاق الوزارة نفسها التي تنتمي اليها اللجنة، وذلك على خلاف ما هو عليه لجان التوفيق في مصر. رابعاً يشترط اللجوء الى لجان التوفيق في مصر، قبل الطعن في القرارات الإدارية قضائياً، وذلك وفق القانون الخاص بلجان فض المنازعات المذكورة سابقاً، مع سكوت قانون مجلس الدولة المصري بهذا الصدد، في حين أقر قانون مجلس الدولة العراقي عدم اختصاص محكمة القضاء الإداري بالنظر في القرارات التي تم تعيين مرجع للطعن فيها (24)، وكذلك الأمر بالنسبة لإقليم كوردستان حيث استثني من اختصاص المحاكم الإدارية النظر في الطعون المقدمة بشأن القرارات الادارية التي رسم القانون طريقاً للتظلم منها او الاعتراض عليها او الطعن فيها. (25) وبهذا نصل الى أن المشرع في العراق والإقليم لم يعرفا نظام التوفيق بصورة دقيقة حتى يجعلانه شرطاً أو إجراء إجبارياً مسبقاً لقبول الدعوى الإدارية، وإنما اكتفيا بالتظلم المقدم الى الجهة الإدارية المختصة، على الرغم من وجود بعض جهات إدارية اختصت حصرياً بالنظر في الشكاوى التي تقدم في المسائل التي يحددها القانون نفسه الذي أنشأت اللجنة بموجبه. إلا اننا نرى أنه لا ضرر في وجود مثل هذه اللجنة وتنظيمها بقانون في العراق والإقليم، بما لهذه اللجنة من دور في حل النزاعات ما بين الأفراد والإدارة، بشرط أن يكون اللجوء اليها اختيارياً، وقراراتها عند اللجوء اليها ملزمة، لأنها في حالة ما إذا كانت على عكس ذلك، وهي ما عليها في مصر، لا نراه ذي جدوى، لكون تنفيذ نتائج أعمالها مرهوناً بقبول الإدارة.
______________________________
1- د. محمد أحمد عبد النعيم، مدى إخلال آلية التوفيق الإجبارية بحق التقاضي، دار النهضة العربية، 2006، ص 29.
2- المحكمة الإدارية العليا المصرية، الطعن رقم 11234 لسنة 48 ق - جلسة 2007/4/14 والطعن رقم 7955 لسنة 75ق-جلسة 2007/3/27 ،، ، نقلاً . عن عبدالناصر عبدالله أبو سمهدانة و د.حسين إبراهيم خليل موسوعة الإجراءات السابقة على رفع الدعاوى الإدارية، طا، المركز القومي لإصدارات القانونية - القاهرة، 2014 ص 16.
3- د.ثروت عبدالعال أحمد التوفيق في منازعات الأشخاص الاعتبارية العامة وفقاً لأحكام القانون رقم 7 لسنة 2000، دار النهضة العربية ، القاهرة، 2004 ، ص 28.
4- ويكون اختيار رؤساء هذه اللجان من بين القضاة وأعضاء الهيئات القضائية من بين المقيدين في الجداول المعدة لهذا الغرض، بعد موافقة المجلس الأعلى للهيئات القضائية المواد / 1 و 2 و 3 من قانون رقم 7 لسنة 2000 بإنشاء لجان التوفيق في بعض المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفاً فيها.
5- د. عبد الناصر عبدالله أبو ممهدانة و د.حسين ابراهيم خليل، لجان التوفيق ، ط 1 ، المركز القومي للإصدارات القانونية ، 2012 ، ص 68.
6- للمزيد حول آلية عمل في الأمانة الفنية أنظر أحمد هاني مختار، لجان التوفيق، ط2، بدون دار ومكان النشـــــر، 2004 ، ص 47 وما بعدها.
7- د. محمد أحمد عبد النعيم، مدى إخلال آلية التوفيق الإجبارية بحق التقاضي، دار النهضة العربية، 2006 ، ص 46.
8- الطعن رقم 125 لسنة 23 ق – جلسة 2003/12/14 والطعن رقم 3467 لسنة 68ق - جلسة 1999/9/22 نقلاً عن د. عبدالناصر عبدالله أبو مسمهدانة و د.حسين ابراهيم خليل، لجان التوفيق ، مصدر سابق،ص16.
9- د. ثروت عبدالعال أحمد التوفيق في منازعات الأشخاص الاعتبارية العامة وفقاً لأحكام القانون رقم 7 لسنة 2000، دار النهضة العربية ، القاهرة، 2004 ، ص85
10- د. محمد أحمد عبد النعيم، مصدر سابق، ص 52.
11- عبد الرحيم علي علي محمد قانون لجان التوفيق في بعض منازعات الدولة، ط1، بدون دار النشر ، القاهرة، 2000، ص 144.
12- حيث تم تنظيم العمل في لجان التوفيق في المنازعات وأمانتها الفنية بقرار وزير العدل المرقم 4212 لسنة 2000.
13- د. محمد محمد عبد اللطيف، قانون القضاء الإداري، ج 3، مسؤولية السلطة العامة، دار النهضة العربية، القاهرة، 2004، ص 636.
14- المادة / 11 من قانون رقم 7 لسنة 2000 بشأن لجان التوفيق في بعض المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الإعتبارية العامة طرفاً فيها، على أنه .. لا تقبل الدعوى التي ترفع ابتداء إلى المحاكم بشأن المنازعات الخاضعة لأحكام هذا القانون إلا بعد تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة المختصة وفوات الميعاد المقرر لإصدار التوصية، أو الميعاد المقرر لعرضها دون قبول....
15- الطعن رقم 14426 لسنة 1 دق - جلسة 2013/4/27 والطعن رقم 3427 لسنة 4 دق جلسة 2013/2/9 نقلاً عن د.جمال محمد معاطي، القرار الإداري ومنازعاته وإجراء الطعن فيه، دار الكتب والدراسات العربية ، الأسكندرية، 2008 ، ص 169.
16- د.عمرو أحمد حسبو، لجان التوفيق في المنازعات في ضوء أحكام القانون رقم 7 لسنة 2000، دار النهضة العربية، القاهرة، 2001 ، ص 82.
17- للمزيد بشأن الآراء المنتقدة لفكرة عمل لجان فض المنازعات ومبرراتهم أنظر د. جمال محمد المعاطي ، مصدر سابق، ص 170 وما بعدها و د. محمد أحمد إبراهيم المسلماني ، ، مصدر سابق، ص398 وما بعدها
18- الفتوى رقم 1065/3/86 جلسة 2005/10/26 نقلاً عن د. عبد الناصر عبدالله أبو سمهدانة و د.حسين ابراهيم خليل، موسوعة الإجراءات السابقة على رفع الدعوى الإدارية، مصدر سابق، ص 171.
19- المادة / 10 و 12 ، وعليه يشترط للتقدم الى لجان التوفيق في الدعاوى المنظورة ما يأتي: أ- ألا تكون الدعوى قد أقفل باب المرافعة أمام المحكمة -ب- أن تكون الدعوى مما يدخل في إختصاص لجان التوفيق ج- إتفاق طرفي النزاع على اللجوء الى لجان التوفيق.د. عدلي أمير خالد ، المرشد في أحكام وإجراءات لجان التوفيق، دار الفكر الجامعي الأسكندرية، 2013 ، ص 21.
20- الطعن رقم 1844 لسنة 3 دق - جلسة 2015/3/25 ، نقلاً عن د.جمال محمد المعاطي ، مصدر سابق، ص170.
21- قرار رقم 90 و 91 /قضاء إداري - تمييز / 2016 في 2016/6/16 نقلاً عن خميس عثمان خليفة المعاضيدي الهيتي، قضاء المحكمة الإدرية العليا ، طلا ، المكتبة القانونية، بغداد، 2020، ص 153.
22- المادة / 46 * تختص الجامعة والهيئة وحدها بالبت في الشكاوى التي تنشأ عن كل ما يتعلق بالقبول والانتقال والامتحانات والعقوبات الانضباطية التي تفرض على الطلبة والفصل بسبب الرسوب وتقويم الشهادات والدرجات العلمية العراقية والاجنبية التي تلي مرحلة الدراسة الثانوية ودعاوى منح الالقاب والشهادات العلمية والفخرية "
23- قرار رقم 41 الهيئة العامة إدارية / 2018 في 2018/4/11 ، غير منشور.
24- الفقرة رابعاً من المادة 7 من قانون مجلس الدولة العراقي
25- الفقرة ثانياً من المادة /16 من قانون مجلس شورى الإقليم.
.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|