أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-03-01
1094
التاريخ: 8-7-2022
1688
التاريخ: 5-1-2022
1772
التاريخ: 29-11-2016
3904
|
يترك النموذج تأثيره على الناس أكثر من ألف تعليمة وألف حكمة، ولعل أفضل طريقة لهداية الآخرين أن يكون صاحب الدعوة نموذجاً جيداً للالتزام بالقيم التي يدعو إليها.
ولكي يصبح كذلك فهو بحاجة إلى أن يقتدي بالصالحين في الحياة. فللقدوة الحسنة دور كبير، وإن كان خفياً، في التأثير على وعي الناس وثقافتهم، فإذا كانت القدوة حسنة كان التأثير حسناً، وإن كانت سيئه كان التأثير سيئاً، مع قطع النظر عن الكلام الجميل أو المظهر الأنيق.
من هنا فإن الأمم العظيمة تبجل رجالها الماضين الذين خلفوا وراءهم إرثاً معنوياً للأجيال، وكل شعب ناجح يتخذ قدواته من تاريخه، يستلهم منهم روح الشجاعة والبسالة، ودروس التضحية والفداء أو ما أشبه ذلك.
ومع أن وسائل الدعاية كانت متخلفة في العصور الماضية، إلا أنها كانت مؤثرة في إبراز مآثر الشخصيات التاريخية. وكان الناس يتناقلون قصصهم وملاحم بطولاتهم باستمرار، بحيث كان لها وقع خاص في قلوب السامعين.
ولكن مع تطور وسائل الإعلام ووقوعها في أيدي غير أمينة، فإن هذه الوسائل بدأت تحيك بطولات زائفة، بحيث إن القدوات التي تعرض على الناس هم (أبطال) في اللهو واللعب والقتل والجريمة والتسلط والإرهاب وما شابه ذلك، حتى إن أفلام الكارتون أيضاً تعرض للأطفال صوراً «لأبطال» ينتصرون على أعدائهم من خلال التحايل، والدجل أو استخدام القوة وما أشبه ذلك.
ويحاول الإعلام أحياناً أن يصنع للأمم أبطالاً أسطوريين من غير بيئتهم، وغرباء عن ثقافتهم، وبعيدين عن مبادئهم. وهنا تكمن أهمية إبراز القدوات الحسنة من الرجال المؤمنين الصادقين، والملتزمين بالعمل الصالح، والعاملين لصالح الناس في حياتهم.
إن أهمية اختيار النموذج تأتي من أن الناس ليس بإمكانهم اختيار آبائهم وأمهاتهم وبيئتهم التي يولدون فيها، بل أحياناً لا يستطيعون اختيار معلميهم في الطفولة ومن يمكن أن يكونوا قدوات طيبة في حياتهم، ولكنهم قادرون على اختيار القدوة الكبرى في حياتهم بعد أن يكبروا.
فأنت لا يمكنك أن تبدل أبويك، أو تغير الطفولة التي مررت بها، والبيئة التي عشت فيها، والعائلة التي
كبرت معها ولكنك قادر أن تختار من تريد نموذجاً تقتدي به في حياتك، وقدوة تحذو حذوه في أعمالك.
وقد يتساءل البعض عن الحاجة إلى اختيار قدوة حسنة، وربما يظن أن اختيار (القدوة) يعني سلب حريته، حيث عليه أن يقلد أحداً في طريقته، بدل أن يجرب حظه في الحياة، أو يحاول أن يكون هو قدوة للآخرين.
غير أننا في مجال الصلاح والخير لا يمكن أن نستغني عن هدى الذين سبقونا، أو لا نحاول تكرار النموذج الصالح الذي كانوا عليه. فمن يرفض الاقتداء بالذين سبقو فإن عليه، على أقل التقادير، أن يبدأ الحياة من نقطة الصفر.
بينما باستطاعة الإنسان أن يتجاوز الكثير من المراحل، باتخاذه قدوة حسنة في حياته.
لنفترض أنك ترغب في أن تصبح خطيباً ناجحاً، فالطريق إلى ذلك لا يبدأ من تجربة حظك في كل صغيرة وكبيرة من أمور الخطابة من دون الاقتداء بالآخرين، فهنالك من سبقك في هذا المجال وسلك الطريق ونجح فيه، وربما لم ينجح إلا بعد أن قضى فترة من عمره في تجربة الطرق الخاطئة. فلماذا تريد أن تكرر الأخطاء ذاتها التي كررها غيرك، وعرف بالتجربة إنها لا تنفع؟
إن البشرية إنما تقدمت في الحياة لأنها استطاعت ان تحتفظ بتجارب الآخرين، وتستفيد منها، وتبني على نتائجها.
ولو افترضنا أن كل جيل أراد أن يجرب حظه في كل مجالات الحياة منذ البداية، فلا شك أننا لم نكن قد أحرزنا أي تطور في أي مجال من مجالات الحياة.
هنا قد يخلط البعض بين (القائد) و(القدوة) فيظن أن المطلوب هو أن يكون هناك دائماً من يقوده في كل صغيرة وكبيرة.
إن القائد هو من يمارس دور القيادة الفعلية لمن فوضوا إليه إتخاذ القرار، لكن القدوة تختلف عن القائد. لأن القدوة هو ذلك البطل الذي قام بدور بطولي في الحياة، وساهم في إعلاء قيم الحق، ومبادئ الخير، وشارك في إغناء التجربة الإنسانية.
ومن كان في مثل هذا المقام، فهو يستحق أن يتخذ نموذجاً وقدوة، ومثالاً يحتذى من قبل الآخرين. إن مثل القدوة كمثل النصيحة الطيبة والحكمة الفاضلة التي هي ضالة كل عاقل، فكم من عظيم إرتشف من معين حكمة سمعها من فم فلاح، وكم من ناجح اتخذ الناجحين قدوة فنجح في الحياة.
فالعظماء والحكماء والأبطال هم من يجوز أن نتخذهم قدوات في حياتنا، ونسلك الدرب الذي سلكوه، ونقتفي آثارهم في أعمالنا، لأنهم عملوا الصحيح فيما مضى.
واتخاذ القدوة في الحياة هو مثل أن يحمل أحدنا مشعلاً عندما يجوب مجاهيل الغابة في الليل، إذ من دون أن يمتلك الإنسان وسيلة تنير له الدرب، فهو لا محالة واقع في مطبات الطريق.
فالقدوة الحسنة ليست للماضي، بل هي للمستقبل، لأنها تفتح علينا باب الآتي على مصراعيه لتنير دروب الخير والبطولة والمعرفة. بالإضافة إلى أن القدوات الحسنة تلهم الإنسان الصبر والحكمة، وتدفعه إلى أن يعمل الصحيح في المواقف الحرجة.
وكم هناك من رجال يعلقون صور من سبقوهم على جدران غرفهم، أو يكتبون أسماء العظماء، أو كلماتهم الحكيمة في بيوتهم، فإذا حان الوقت لاتخاذ القرار المناسب، تأملوا الصورة، أو فكروا في صاحب الاسم، أو استنجدوا بالحكمة التي علقوها في غرفهم ليستطيعوا اتخاذ الموقف الصحيح، مستلهمين من قدواتهم الحكمة والعزيمة والشجاعة.
وكم من رجال يستلهمون البطولة من خلال تصور أحد أبطالهم حياً وفي مكانهم ليتخذوا الموقف الذي يتصورون أنه لو كان حيا لاتخذه. ويمكننا أن نتنبأ بالقرار الذي سيتخذه البطل الذي أصبح جزءاً من التاريخ من خلال مواقفه التي اتخذها في السابق، وأن نقلده في اتخاذ ذات الموقف وبنفس الطريقة في الوقت الحاضر.
إن عنصر الضعف في الإنسان هو أنه لا يعلم الكثير فيما يرتبط بنتائج مواقفه في المستقبل، ولتجاوز هذا الضعف فإن بإمكانه أن يختار القدوة الصالحة في مجال عمله، لأن نتائج أعماله واضحة للعيان.
ولابد هنا من التنويه إلى أن المطلوب هو الاقتداء بالرجال العظام، وليس محاولة تقمص شخصياتهم، فأنت ولدت بإرادة خاصة من بارئك، ولك دورك المميز في الحياة، كما أن لك جسمك الخاص بك، ورغباتك المميزة التي لا يشاركك فيها أحد.
ودورك قد يشابه أدوار الآخرين، أو يختلف عنها، إلا أنه ليس متداخلاً فيها. إنك قد تجد عشرين مهندساً يقوم كل واحد منهم بما يجب عليه في عملية التخطيط لإقامة بناء كبير، إلا أن كل واحد منهم يؤدي دوراً لا يؤديه غيره، فالتماثل هنا في المهنة لا يعني الذوبان.
فعندما نؤكد على ضرورة إتخاذ القدوة الحسنة في الحياة، فإنما نعني بذلك التعرف على العظماء، وتفهم طريقتهم في العمل، ودوافعهم في الحياة، لكي نستقي العناصر الإيجابية من شخصياتهم، حتى نعمل كما عملوا، أو نتخذ المواقف السليمة كما فعلوا، ولكن من دون أن ننسى أن لكل واحد منا دوره الخاص في الحياة.
ما أنّ له خصوصياته التي قد تختلف، بوجه أو بآخر، عن الذين يريد تقليدهم. فمن غير الممكن - على كل حال - أن تكون أنت نسخة طبق الأصل عن غيرك، بل إن التشابه مهما كان شديداً، فلابد أن يختلف في بعض التفاصيل عن الآخرين، لأن الكون ليس جهاز استنساخ كبير حتى يكون الناس على شكل واحد.
ولو أن أحداً أراد أن يكون صورة مستنسخة عن غيره فهو حتماً لن يكون الأصيل، بل سيكون صورة مزيفة عنه، لأن المستنسخ قد يشابه الأصل ولكنه ليس مثله في القيمة. فمن يحاول أن يستنسخ صور الآخرين في ذاته، من دون أن يضيف عليها خصوصياته الإنسانية سيكون صورة منسوخة عن غيره، ولا قيمة لمثل هذه الصورة.
***
ثم إن تقليد العظماء يجب أن يبدأ منذ الساعات الأولى التي بدأوا فيها مسيرتهم الرائدة، فمن يريد تقليد أحد شخصيات التأريخ فلابد أن يقلده في مقدمات نجاحه وليس في نتائجه، لأن محاولة تقليد النجاح بعد
وقوعه امر مستحيل من دون مقدماته.
فلو أن أحد الشباب مثلاً أراد أن يصبح مثل أحد أبطال الملاكمة، فإن الذي يحتاج إليه ليس هو أن يقفز على الحلبة ويحرك يديه ورجليه كما يفعل ذلك الملاكم، وإنما لابد أن يقوم بالتدريبات الشاقة التي قام بها الملاكم قبل أن يصعد الحلبة.
ومن أراد أن يصبح مؤلفاً ناجحاً، فلابد أن يتعلم الأدب والبلاغة مثلما فعل قدوته، أما أن يقلده في طريقة جلسته وراء الطاولة، وكيفية إمساكه بالقلم، وما شابه ذلك فلن يؤدي به إلى النجاح، فللنجاح أسبابه. وللعظمة متطلباتها..
ومن أراد أن يقتفي أثر الناجحين فإن الطريق مفتوح أمامه، ولكن بشرط أن يهيئ المقدمات اللازمة، ويدفع الثمن، فكما أن العظيم يدفع ثمناً باهضاً لعظمته فإن على من يريد أن يحتذي به أن يدفع ذات الثمن.
وهكذا فإن باستطاعتك التربع على القمة، ولكن بشرط أن تحمل نفسك على الحركة وتتسلق الجبل، كما فعل غيرك ووصل؛ مستفيداً من طاقاتك الخاصة وإمكانياتك المميزة. فأنت كائن فريد في هذا الكون ولك شخصيتك المتفردة تماماً، كما هو الأمر بالنسبة إلى النباتات والورود، فلكل نبتة شخصيتها ولكل وردة خصوصيتها.
فكن أنت كما أنت، مع محاولة أن تتعلم من غيرك، وتقتدي به. من هنا فإن الذوبان في الآخرين ليس ممكناً كما أنه ليس مطلوباً، فلا أحد يطلب منك أن «تموع» ذاتك وأن تمسخ شخصيتك لكي تصبح غيرك.
من هنا فإن المحاولة وبذل الجهد، وسلوك الطريق القويم، واتخاذ المواقف الصعبة، وسهر الليالي في سبيل المعالي، هي الخطوات الضرورية التي توصل الإنسان إلى المكانة اللائقة بالعظماء.
يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "والله لأن أبيت على حسك السعدان مسهداً، وأجر في الأغلال مصفداً، أحب إلي من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد وغاصباً لشيء من الحطام.. وكيف أظلم أحداً لنفس يسرع إلى البلى قفولها، ويطول في الثرى حلولها"(1).
فمن أراد العظمة فلابد أن يكون له صفاء مثل هذا الصفاء، وإرادة بحجم هذه الإرادة، وأن يتحمل في سبيل ذلك بمقدار ما يستطيع.
وقد لا يكون بالإمكان أن نفعل مثلما فعل أمير المؤمنين عليه السلام، ولكن علينا أن نسعى لذلك، وكما قال عليه السلام: ((ألا وإن لكل مأموم إماماً يقتدي به ويستضيء بنور علمه، ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد))(2).
ولقد صدق الشاعر الذي يقول:
فمن طلب العلى سهر الليالي يغوص البحر من طلب اللئالي
___________________________________
(1) بحار الأنوار، ج 41، ص 162، باب 107.
(2) شرح نهج البلاغة، ج 16، ص 205.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
مركز الثقافة الأسرية ينظم برنامج (ربيع الثقافة المعرفي) لطالبات ثانوية الزهراء في بغداد
|
|
|