المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17639 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05



علم الأخلاق  
  
3565   05:03 مساءاً   التاريخ: 10-10-2014
المؤلف : محمد حسين الطباطبائي
الكتاب أو المصدر : تفسير الميزان
الجزء والصفحة : ج1 ، ص308-318 .
القسم : القرآن الكريم وعلومه / قضايا أخلاقية في القرآن الكريم /

علم الأخلاق وهو الفن الباحث عن الملكات الإنسانية المتعلقة بقواه النباتية والحيوانية والإنسانية ، وتميز الفضائل منها من الرذائل ليستكمل الإنسان التحلي والاتصاف بها سعادته العلمية ، فيصدر عنه من الأفعال ما يجلب الحمد العام والثناء الجميل من المجتمع الإنساني يظفر ببحثه أن الأخلاق الإنسانية تنتهي إلى قوى عامة ثلاثة فيه هي الباعثة للنفس على اتخاذ العلوم العملية التي تستند وتنتهي إليها أفعال النوع وتهيئتها وتعبيتها عنده ، وهي القوى الثلاث : الشهوية والغضبية والنطقية الفكرية ، فإن جميع الأعمال والأفعال الصادرة عن الإنسان إما من قبيل الأفعال المنسوبة إلى جلب المنفعة كالأكل والشرب واللبس وغيرها ، وإما من الأفعال المنسوبة إلى دفع المضرة كدفاع الإنسان عن نفسه وعرضه وماله ونحو ذلك ، وهذه الأفعال هي الصادرة عن المبدأ الغضبي كما أن القسم السابق عليها صادر عن المبدأ الشهوي ، وإما من الأعمال المنسوبة إلى التصور والتصديق الفكري ، كتأليف القياس وإقامة الحجة وغير ذلك ، وهذه الأفعال صادرة عن القوة النطقية الفكرية ، ولما كانت ذات الإنسان كالمؤلفة المركبة من هذه القوى الثلاث التي باتحادها وحصول الوحدة التركيبية منها يصدر أفعال خاصة نوعية ، ويبلغ الإنسان سعادته التي من أجلها جعل هذا التركيب ، فمن الواجب لهذا النوع أن لا يدع قوة من هذه القوى الثلاث تسلك مسلك الإفراط أو التفريط ، وتميل عن حاق الوسط إلى طرفي الزيادة والنقيصة ، فإن في ذلك خروج جزء المركب عن المقدار المأخوذ منه في جعل أصل التركيب وفي ذلك خروج المركب عن كونه ذاك المركب ولازمه بطلان غاية التركيب التي هي سعادة النوع.

و حد الاعتدال في القوة الشهوية - وهي استعمالها على ما ينبغي كما وكيفا - يسمى عفة ، والجانبان في الإفراط والتفريط الشره والخمود ، وحد الاعتدال في القوة الغضبية هي الشجاعة ، والجانبان التهور والجبن ، وحد الاعتدال في القوة الفكرية تسمى حكمة ، والجانبان الجربزة والبلادة ، وتحصل في النفس من اجتماع هذه الملكات ملكة رابعة هي كالمزاج من الممتزج ، وهي التي تسمى عدالة ، وهي إعطاء كل ذي حق من القوى حقه ، ووضعه في موضعه الذي ينبغي له ، والجانبان فيها الظلم والانظلام.

فهذه أصول الأخلاق الفاضلة أعني : العفة والشجاعة والحكمة والعدالة ، ولكل منها فروع ناشئة منها راجعة بحسب التحليل إليها ، نسبتها إلى الأصول المذكورة كنسبة النوع إلى الجنس ، كالجود والسخاء ، والقناعة والشكر ، والصبر والشهامة

و الجرأة والحياء ، والغيرة والنصيحة ، والكرامة والتواضع ، وغيرها ، هي فروع الأخلاق الفاضلة المضبوطة في كتب الأخلاق وهاك شجرة تبين أصولها وتفرع فروعها وعلم الأخلاق يبين حد كل واحد منها ويميزها من جانبيها في الإفراط والتفريط ، ثم يبين أنها حسنة جميلة ثم يشير إلى كيفية اتخاذها ملكة في النفس من طريقي العلم والعمل أعني الإذعان بأنها حسنة جميلة ، وتكرار العمل بها حتى تصير هيئة راسخة في النفس.

مثاله أن يقال : إن الجبن إنما يحصل من تمكن الخوف من النفس ، والخوف إنما يكون من أمر ممكن الوقوع وعدم الوقوع ، والمساوي الطرفين يقبح ترجيح أحد طرفيه على الآخر من غير مرجح والإنسان العاقل لا ينبغي له ذلك فلا ينبغي للإنسان أن يخاف.

فإذا لقن الإنسان نفسه هذا القول ثم كرر الإقدام والورود في المخاوف والمهاول زالت عنه رذيلة الخوف ، وهكذا الأمر في غيره من الرذائل والفضائل.

فهذا ما يقتضيه المسلك الأول على ما تقدم في البيان وخلاصته إصلاح النفس وتعديل ملكاتها لغرض الصفة المحمودة والثناء الجميل.

ونظيره ما يقتضيه المسلك الثاني ، وهو مسلك الأنبياء وأرباب الشرائع ، وإنما التفاوت من حيث الغرض والغاية ، فإن غاية الاستكمال الخلقي في المسلك الأول الفضيلة المحمودة عند الناس والثناء الجميل منهم ، وغايته في المسلك الثاني السعادة الحقيقية للإنسان وهو استكمال الإيمان بالله وآياته ، والخبر الأخروي وهي سعادة وكمال في الواقع لا عند الناس فقط ، ومع ذلك فالمسلكان يشتركان في أن الغاية القصوى والغرض فيها الفضيلة الإنسانية من حيث العمل.
و أما المسلك الثالث المتقدم بيانه فيفارق الأولين بأن الغرض فيه ابتغاء وجه الله لا اقتناء الفضيلة الإنسانية ولذلك ربما اختلف المقاصد التي فيه مع ما في المسلكين الأولين فربما كان الاعتدال الخلقي فيه غير الاعتدال الذي فيهما وعلى هذا القياس ، بيان ذلك أن العبد إذا أخذ إيمانه في الاشتداد والإزدياد انجذبت نفسه إلى التفكير في ناحية ربه ، واستحضار أسمائه الحسنى ، وصفاته الجميلة المنزهة عن النقص والشين ولا تزال تزيد نفسه انجذابا ، وتترقى مراقبة حتى صار يعبد الله كأنه يراه وأن ربه يراه ، ويتجلى له في مجالي الجذبة والمراقبة والحب فيأخذ الحب في الاشتداد لأن الإنسان مفطور على حب الجميل ، وقد قال تعالى : {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ } [البقرة : 165] ، وصار يتبع الرسول في جميع حركاته وسكناته لأن حب الشيء يوجب حب آثاره ، والرسول من آثاره وآياته كما أن العالم أيضا آثاره وآياته تعالى ، ولا يزال يشتد هذا الحب ثم يشتد حتى ينقطع إليه من كل شيء ، ولا يحب إلا ربه ، ولا يخضع قلبه إلا لوجهه فإن هذا العبد لا يعثر بشيء ، ولا يقف على شيء وعنده شيء من الجمال والحسن إلا وجد أن ما عنده أنموذج يحكي ما عنده من كمال لا ينفد وجمال لا يتناهى وحسن لا يحد ، فله الحسن والجمال والكمال والبهاء ، وكل ما كان لغيره فهو له ، لأن كل ما سواه آية له ليس له إلا ذلك ، والآية لا نفسية لها ، وإنما هي حكاية تحكي صاحبها وهذا العبد قد استولى سلطان الحب على قلبه ، ولا يزال يستولي ، ولا ينظر إلى شيء إلا لأنه آية من آيات ربه ، وبالجملة فينقطع حبه عن كل شيء إلى ربه ، فلا يحب شيئا إلا لله سبحانه وفي الله سبحانه.

و حينئذ يتبدل نحو إدراكه وعمله فلا يرى شيئا إلا ويرى الله سبحانه قبله ومعه ، وتسقط الأشياء عنده من حيز الاستقلال فما عنده من صور العلم والإدراك غير ما عند الناس لأنهم إنما ينظرون إلى كل شيء من وراء حجاب الاستقلال بخلافه ، هذا من جهة العلم ، وكذلك الأمر من جهة العمل فإنه إذا كان لا يحب إلا لله فلا يريد شيئا إلا لله وابتغاء وجهه الكريم ، ولا يطلب ولا يقصد ولا يرجو ولا يخاف ، ولا يختار ، ولا يترك ، ولا ييأس ، ولا يستوحش ، ولا يرضى ، ولا يسخط إلا لله وفي الله فيختلف أغراضه مع ما للناس من الأغراض وتتبدل غاية أفعاله فإنه قد كان إلى هذا الحين يختار الفعل ويقصد الكمال لأنه فضيلة إنسانية ، ويحذر الفعل أو الخلق لأنه رذيلة إنسانية.

وأما الآن فإنما يريد وجه ربه ، ولا هم له في فضيلة ولا رذيلة ، ولا شغل له بثناء جميل ، وذكر محمود ، ولا التفات له إلى دنيا أو آخرة أو جنة أو نار ، وإنما همه ربه ، وزاده ذل عبوديته ، ودليله حبه.

روت لي أحاديث الغرام صبابة.             بإسنادهـــا عن جيـــــرة العــــلم الفــــرد.

وحدثني مر النسيم عن الصبـا.              عن الدوح عن وادي الغضا عن ربى نجد.

عن الدمع عن عيني القريح عن الجوى.     عن الحزن عن قلبي الجريح عن الوجد.

بأن غرامي والهوى قد تحالفا.                على تلفي حتى أوسد في لحدي.

وهذا البيان الذي أوردناه وإن آثرنا فيه الإجمال والاختصار لكنك إن أجدت فيه التأمل وجدته كافيا في المطلوب وتبين أن هذا المسلك الثالث يرتفع فيه موضوع الفضيلة والرذيلة ، ويتبدل فيه الغاية والغرض أعني الفضيلة الإنسانية إلى غرض واحد ، وهو وجه الله ، وربما اختلف نظر هذا المسلك مع غيره فصار ما هو معدود في غيره فضيلة رذيلة فيه وبالعكس.
بقي هنا شيء وهو أن هاهنا نظرية أخرى في الأخلاق تغاير ما تقدم ، وربما عد مسلكا آخر ، وهي أن الأخلاق تختلف أصولا وفروعا باختلاف الاجتماعات المدنية لاختلاف الحسن والقبح من غير أن يرجع إلى أصل ثابت قائم على ساق ، وقد ادعي أنها نتيجة النظرية المعروفة بنظرية التحول والتكامل في المادة.

قالوا : إن الاجتماع الإنساني مولود جميع الاحتياجات الوجودية التي يريد الإنسان أن يرفعها بالاجتماع ، ويتوسل بذلك ، إلى بقاء وجود الاجتماع الذي يراه بقاء وجود شخصه ، وحيث إن الطبيعة محكومة لقانون التحول والتكامل كان الاجتماع أيضا متغيرا في نفسه ، ومتوجها في كل حين إلى ما هو أكمل وأرقى ، والحسن والقبح وهما موافقة العمل لغاية الاجتماع أعني الكمال وعدم موافقته له - لا معنى لبقائهما على حال واحد ، وجمودهما على نهج فارد ، فلا حسن مطلقا ، ولا قبح مطلقا ، بل هما دائما نسبيان مختلفان باختلاف الاجتماعات بحسب الأمكنة والأزمنة ، وإذا كان الحسن والقبح نسبيين متحولين وجب التغير في الأخلاق ، والتبدل في الفضائل والرذائل ومن هنا يستنتج أن الأخلاق تابعة للمرام القومي الذي هو وسيلة إلى نيل الكمال المدني والغاية الاجتماعية ، لتبعية الحسن والقبح لذلك فما كان به التقدم والوصول إلى الغاية والغرض كان هو الفضيلة وفيه الحسن ، وما كان يدعو إلى الوقوف والارتجاع كان هو الرذيلة ، وعلى هذا فربما كان الكذب والافتراء والفحشاء والشقاوة والقساوة والسرقة والوقاحة حسنة وفضيلة إذا وقعت في طريق المرام الاجتماعي ، والصدق والعفة والرحمة رذيلة قبيحة إذا أوجب الحرمان عن المطلوب ، هذه خلاصة هذه النظرية العجيبة التي ذهبت إليها الاشتراكيون من الماديين ، والنظرية غير حديثة ، على ما زعموا ، فقد كان الكلبيون من قدماء - اليونان - على ما ينقل على هذه المسلك ، وكذا المزدكيون وهم أتباع مزدك الذي ظهر بإيران على عهد كسرى ودعا إلى الاشتراك كان عملهم على ذلك ، ويعهد من بعض القبائل الوحشية بإفريقية وغيرهم.

وكيف كان فهو مسلك فاسد والحجة التي أقيمت على هذه النظرية فاسدة من حيث البناء والمبنى معا.

توضيح ذلك : أنا نجد كل موجود من هذه الموجودات العينية الخارجية يصحب شخصية تلازمه ، ويلزمها أن لا يكون الموجود بسببه عين الموجود الآخر ويفارقه في الوجود ، كما أن وجود زيد يصحب شخصية ونوع وحدة لا يمكن معها أن يكون عين عمرو ، فزيد شخص واحد ، وعمرو شخص آخر ، وهما شخصان اثنان ، لا شخص واحد ، فهذه حقيقة لا شك فيها وهذا غير ما نقول : إن عالم المادة موجود ذو حقيقة واحدة شخصية فلا ينبغي أن يشتبه الأمر.

وينتج ذلك : أن الوجود الخارجي عين الشخصية ، لكن المفاهيم الذهنية يخالف الموجود الخارجي في هذا الحكم فإن المعنى كيف ما كان يجوز العقل أن يصدق على أكثر من مصداق واحد كمفهوم الإنسان ومفهوم الإنسان الطويل ، ومفهوم هذا الإنسان القائم أمامنا ، وأما تقسيم المنطقيين المفهوم إلى الكلي والجزئي ، وكذا تقسيمهم الجزئي إلى الإضافي والحقيقي فإنما هو تقسيم بالإضافة والنسبة ، إما نسبة أحد المفهومين إلى الآخر وإما نسبته إلى الخارج ، وهذا الوصف الذي في المفاهيم - وهو جواز الانطباق على أكثر من واحد - ربما نسميه بالإطلاق كما نسمي مقابله بالشخصية أو الوحدة.

ثم الموجود الخارجي ونعني به الموجود المادي خاصة لما كان واقعا تحت قانون التغير والحركة العمومية كان لا محالة ذا امتداد منقسما إلى حدود وقطعات ، كل قطعة منها تغاير القطعة الأخرى مما تقدم عليها أو تأخر عنها ، ومع ذلك فهي مرتبطة بها بوجودها ، إذ لو لا ذلك لم يصدق معنى التغير والتبدل لأن أحد شيئين إذا عدم من أصله ، والآخر وجد من أصله لم يكن ذلك تبدل هذا من ذاك ، بل التبدل الذي يلازم كل حركة إنما يتحقق بوجود قدر مشترك في الحالين جميعا.

ومن هنا يظهر أن الحركة أمر واحد بشخصه يتكثر بحسب الإضافة إلى الحدود ، فيتعين بكل نسبة قطعة تغاير القطعة الأخرى ، وأما نفس الحركة فسيلان وجريان واحد شخصي ، ونحن ربما سمينا هذا الوصف في الحركة إطلاقا في مقابل النسب التي لها إلى كل حد حد ، فنقول : الحركة المطلقة بمعنى قطع النظر عن إضافتها إلى الحدود.

و من هنا يظهر أن المطلق بالمعنى الثاني أمر واقعي موجود في الخارج ، بخلاف المطلق بالمعنى الأول فإن الإطلاق بهذا المعنى وصف ذهني لموجود ذهني ، هذا.
ثم إنا لا نشك أن الإنسان موجود طبيعي ذو أفراد وأحكام وخواص وأن الذي توجده الخلقة هو الفرد من أفراد الإنسان دون مجموع الأفراد أعني الاجتماع الإنساني إلا أن الخلقة لما أحست بنقص وجوده ، واحتياجه إلى استكمالات لا تتم له وحدة ، جهزه بأدوات وقوى تلائم سعيه للاستكمال في ظرف الاجتماع وضمن الأفراد المجتمعين ، فطبيعة الإنسان الفرد مقصود للخلقة أولا وبالذات والاجتماع مقصود لها ثانيا وبالتبع.

وأما حقيقة أمر الإنساني مع هذا الاجتماع الذي تقتضيه وتتحرك إليه الطبيعة الإنسانية إن صح إطلاق الاقتضاء والعلية والتحرك في مورد الاجتماع حقيقة فإن الفرد من الإنسان موجود شخصي واحد بالمعنى الذي تقدم من شخصيته ووحدته ، وهو مع ذلك واقع في الحركة ، متبدل متحول إلى الكمال ، ومن هنا كان كل قطعة من قطعات وجوده المتبدل مغايرة لغيرها من القطعات ، وهو مع ذلك ذو طبيعة سيالة مطلقة محفوظة في مراحل التغيرات واحدة شخصية ، وهذه الطبيعة الموجودة في الفرد محفوظة بالتوالد والتناسل واشتقاق الفرد من الفرد - وهي التي نعبر عنها بالطبيعة النوعية - فإنها محفوظة بالأفراد وإن تبدلت وعرض لها الفساد والكون ، بمثل البيان الذي مر في خصوص الطبيعة الفردية ، فالطبيعة الشخصية موجودة متوجهة إلى الكمال الفردي ، والطبيعة النوعية موجودة مطلقة متوجهة إلى الكمال.

وهذا الاستكمال النوعي لا شك في وجوده وتحققه في نظام الطبيعة ، وهو الذي نعتمد عليه في قولنا : إن النوع الإنساني مثلا متوجه إلى الكمال ، وإن الإنسان اليوم أكمل وجودا من الإنسان الأولى ، وكذا ما تحكم به فرضية تحول الأنواع ، فلولا أن هناك طبيعة نوعية خارجية محفوظة في الأفراد أو الأنواع مثلا لم يكن هذا الكلام إلا كلاما شعريا.

والكلام في الاجتماع الشخصي القائم بين أفراد قوم أو في عصر أو في محيط ، ونوع الاجتماع القائم بنوع الإنسان المستمر باستمراره والمتحول بتحوله لو صح أن الاجتماع كالإنسان المجتمع حال خارجي لطبيعة خارجية! نظير القول في طبيعة الإنسان الشخصية والنوعية في التقييد والإطلاق.

فالاجتماع متحرك متبدل بحركة الإنسان وتبدله وله وحدة من بادئ الحركة إلى أين توجه بوجود مطلق - وهذا الواحد المتغير بواسطة نسبته وإضافته إلى كل حد حد تصير قطعة قطعة ، وكل قطعة شخص واحد من أشخاص الاجتماع ، وأشخاص الاجتماع مستندة في وجودها إلى أشخاص الإنسان ، كما أن مطلق الاجتماع بالمعنى الذي تقدم مستند إلى مطلق الطبيعة الإنسانية ، فإن حكم الشخص شخص الحكم وفرده ، وحكم المطلق مطلق الحكم لا كلي الحكم ، فلسنا نعني الإطلاق المفهومي فلا تغفل ونحن لا نشك أن الفرد من الإنسان وهو واحد له حكم واحد باق ببقائه ، إلا أنه متبدل بتبدلات جزئية بتبع التبدلات الطارئة على موضوعه الذي هو الإنسان فمن أحكام الإنسان الطبيعي أنه يتغذى ويفعل بالإرادة ويحس ويتفكر - وهو موجود مع الإنسان وباق - ببقائه وإن تبدل طبق تبدله في نفسه ، وكذلك الكلام في أحكام مطلق الإنسان الموجود بوجود أفراده.

ولما كان الاجتماع من أحكام الطبيعة الإنسانية وخواصها فمطلق الاجتماع نعني به الاجتماع المستمر الذي أوجدته الطبيعة الإنسانية المستمرة من حين وجد الإنسان الفرد إلى يومنا هذا من خواص النوع الإنساني المطلق ، موجود معه باق ببقائه ، وأحكام الاجتماع التي أوجدها واقتضاها هي مع الاجتماع موجودة بوجوده ، باقية ببقائه ، وإن تبدلت بتبدلات جزئية مع انحفاظ الأصل مثل نوعها ، وحينئذ صح لنا أن نقول : إن هناك أحكاما اجتماعية باقية غير متغيرة ، كوجود مطلق الحسن والقبح ، كما أن نفس الاجتماع المطلق كذلك ، بمعنى أن الاجتماع لا ينقلب إلى غير الاجتماع كالانفراد وإن تبدل اجتماع خاص إلى آخر خاص ، والحسن المطلق والخاص كالاجتماع المطلق والخاص بعينه.

ثم إنا نرى أن الفرد من الإنسان يحتاج في وجوده وبقائه إلى كمالات ومنافع يجب له أن يجتلبها ويضمها إلى نفسه ، والدليل على هذا الوجوب احتياجه في جهات وجوده وتجهيز الخلقة له بما يقوى به على ذلك ، كجهاز التغذي وجهاز التناسل مثلا ، فعلى الإنسان أن يقدم عليه ، وليس له أن لا يقدم قطعا بالتفريط فإنه يناقض دليل الوجوب الذي ذكرناه ، وليس له أن يقدم في باب من أبواب الحاجة بما يزيد على اللازم بالإفراط ، مثل أن يأكل حتى يموت ، أو يمرض ، أو يتعطل عن سائر قواه الفعالة ، بل عليه أن يتوسط في جلب كل كمال أو منفعة ، وهذا التوسط هي العفة ، وطرفاه الشره والخمود ، وكذلك نرى الفرد في وجوده وبقائه متوسطا بين نواقص وأضداد ومضار لوجوده يجب عليه أن يدفعها ، والدليل عليه الاحتياج والتجهيز في نفسه فيجب عليه المقاومة والدفاع على ما ينبغي من التوسط ، من غير إفراط يضاد سائر تجهيزاته أو تفريط يضاد الاحتياج والتجهيز المربوطين ، وهذا التوسط هي الشجاعة ، وطرفاها التهور والجبن ونظير الكلام جار في العلم ومقابليه أعني الجربزة والبلادة ، وفي العدالة ومقابليها وهما الظلم والانظلام.

فهذه أربع ملكات وفضائل يستدعيه الطبيعة الفردية المجهزة بأدواتها : العفة والشجاعة ، والحكمة ، والعدالة - وهي كلها حسنة - لأن معنى الحسن الملاءمة لغاية الشيء وكماله وسعادته ، وهي جميعا ملاءمة مناسبة لسعادة الفرد بالدليل الذي تقدم ذكره ، ومقابلاتها رذائل قبيحة ، وإذا كان الفرد من الإنسان بطبيعته وفي نفسه على هذا الوصف فهو في ظرف الاجتماع أيضا على هذا الوصف ، وكيف يمكن أن يبطل الاجتماع - وهو من أحكام هذه الطبيعة - سائر أحكامها الوجودية؟ وهل هو إلا تناقض الطبيعة الواحدة ، وليس حقيقة الاجتماع إلا تعاون الأفراد في تسهيل الطريق إلى استكمال طبائعهم وبلوغها إلى غاية أمنيتها؟.

وإذا كان الفرد من الإنسان في نفسه وفي ظرف الاجتماع على هذا الوصف ، فنوع الإنسان في اجتماعه النوعي أيضا كذلك ، فنوع الإنسان في اجتماعه يستكمل بالدفاع بقدر ما لا يفسد الاجتماع وباجتلاب المنافع بقدر ما لا يفسد الاجتماع ، وبالعلم بقدر ما لا يفسد الاجتماع ، وبالعدالة الاجتماعية - وهي إعطاء كل ذي حق حقه ، وبلوغه حظه الذي يليق به دون الظلم والانظلام - وكل هذه الخصال الأربع فضائل بحكم الاجتماع المطلق يقضي الاجتماع الإنساني بحسنها المطلق ويعد مقابلاتها رذائل ويقضي بقبحها.

فقد تبين بهذا البيان : أن في الاجتماع المستمر الإنساني حسنا وقبحا لا يخلو عنهما قط وأن أصول الأخلاق الأربعة فضائل حسنة دائما ، ومقابلاتها رذائل قبيحة دائما ، والطبيعة الإنسانية الاجتماعية تقضي بذلك ، وإذا كان الأمر في الأصول على هذا النحو فالفروع المنتهية بحسب التحليل إليها حكمها في القبول ذلك ، وإن كان ربما يقع اختلاف ما في مصاديقها من جهة الانطباق على ما سنشير إليه.

إذا عرفت ما ذكرنا ظهر لك وجه سقوط ما نقلنا من قولهم من أمر الأخلاق وهاك بيانه.

أما قولهم : إن الحسن والقبح المطلقين غير موجودين ، بل الموجود منهما النسبي من الحسن والقبح وهو متغير مختلف باختلاف المناطق والأزمنة والاجتماعات ، فهو مغالطة ناشئة من الخلط بين الإطلاق المفهومي بمعنى الكلية والإطلاق الوجودي بمعنى استمرار الوجود ، فالحسن والقبح المطلقان الكليان غير موجودين في الخارج لوصف الكلية والإطلاق ، لكنهما ليسا هما الموجبين لما نقصده من النتيجة ، وأما الحسن والقبح المطلقان المستمران بمعنى استمرارهما حكمين للاجتماع ما دام الاجتماع مستمرا باستمرار الطبيعة فهما كذلك ، فإن غاية الاجتماع سعادة النوع ، ولا يمكن موافقة جميع الأفعال الممكنة والمفروضة للاجتماع كيف ما ، فرض فهناك أفعال موافقة ومخالفة دائما فهناك حسن وقبح دائما.

وعلى هذا فكيف يمكن أن يفرض اجتماع كيف ما فرض ولا يعتقد أهله أن من الواجب أن يعطى كل ذي حق حقه أو أن جلب المنافع بقدر ما ينبغي واجب أو أن الدفاع عن مصالح الاجتماع بقدر ما ينبغي لازم أو أن العلم الذي يتميز به منافع الإنسان من غيرها فضيلة حسنة؟ وهذه هي العدالة والعفة ، والشجاعة ، والحكمة التي ذكرنا أن الاجتماع الإنساني كيف ما فرض لا يحكم إلا بحسنها وكونها فضائل إنسانية ، وكذا كيف يتيسر لاجتماع أن لا يحكم بوجوب الانقباض والانفعال عن التظاهر بالقبيح الشنيع ، وهو الحياء من شعب العفة أو لا يحكم بوجوب السخط وتغير النفس في هتك المقدسات وهضم الحقوق ، وهو الغيرة من شعب الشجاعة ، أو لا يحكم بوجوب الاقتصار على ما للإنسان من الحقوق الاجتماعية ، وهو القناعة أو لا يحكم بوجوب حفظ النفس في موقعها الاجتماعي من غير دحض الناس وتحقيرهم بالاستكبار والبغي بغير الحق ، وهو التواضع؟ وهكذا الأمر في كل واحد واحد من فروع الفضائل.

وأما ما يزعمونه من اختلاف الأنظار في الاجتماعات المختلفة في خصوص الفضائل وصيرورة الخلق الواحد فضيلة عند قوم رذيلة عند آخرين في أمثلة جزئية فليس من جهة اختلاف النظر في الحكم الاجتماعي بأن يعتقد قوم بوجوب اتباع الفضيلة الحسنة وآخرون بعدم وجوبه بل من جهة الاختلاف في انطباق الحكم على المصداق وعدم انطباقه مثل أن الاجتماعات التي كانت تديرها الحكومات المستبدة كانت ترى لعرش الملك الاختيار التام في أن يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، وليس ذلك لسوء ظنهم بالعدالة بل لاعتقادهم بأنه من حقوق السلطنة والملك فلم يكن ذلك ظلما من مقام السلطنة بل إيفاء بحقوقه الحقة بزعمهم.

ومثل أن العلم كان يعير به الملوك في بعض الاجتماعات ، كما يحكى عن ملة فرنسا في القرون الوسطى ، ولم يكن ذلك لتحقيرهم فضيلة العلم ، بل لزعمهم أن العلم بالسياسة وفنون إدارة الحكومة يضاد المشاغل السلطانية.

ومثل أن عفة النساء بمعنى حفظ البضع من غير الزوج ، وكذا الحياء من النساء وكذا الغيرة من رجالهن ، وكذا عدة من الفضائل كالقناعة والتواضع أخلاق لا يذعن بفضلها في بعض الاجتماعات ، لكن ذلك منهم لأن اجتماعهم الخاص لا يعدها مصاديق للعفة والحياء والغيرة والقناعة والتواضع ، لا لأن هذه الفضائل ليست فضائل عندهم.

والدليل على ذلك وجود أصلها عندهم ، فهم يمدحون عفة الحاكم في حكمه والقاضي في قضائه ، ويمدحون الاستحياء من مخالفة القوانين ، ويمدحون الغيرة للدفاع عن الاستقلال والحضارة وعن جميع مقدساتهم ، ويمدحون القناعة بما عينه القانون من الحقوق لهم ، ويمدحون التواضع لأئمتهم وهداتهم في الاجتماع.

وأما قولهم : بدوران الأخلاق في حسنها مدار موافقتها لغاية المرام الاجتماعي واستنتاجهم ذلك من دوران حسنها مدار موافقة غاية الاجتماع ففيه مغالطة واضحة فإن المراد بالاجتماع الهيئة الحاصلة من عمل مجموع القوانين التي قررتها الطبيعة بين الأفراد المجتمعين ولا محالة تكون موصلة إلى سعادتهم لو لا الإخلال بانتظامها وجريها ، ولا محالة لها أحكام : من الحسن والقبح والفضيلة والرذيلة ، والمراد بالمرام مجموع الفرضيات التي وضعت لإيجاد اجتماع على هيئة جديدة بتحميلها على الأفراد المجتمعين ، أعني أن الاجتماع والمرام الاجتماعي متغايران بالفعلية والقوة ، والتحقق وفرض التحقق ، فكيف يصير حكم أحدهما عين حكم الآخر ، وكيف يكون الحسن والقبح ، والفضيلة والرذيلة التي عينها الاجتماع العام باقتضاء من الطبيعة الإنسانية متبدلة إلى ما حكم به المرام الذي ليس إلا فرضا من فارض ؟ .

ولو قيل : أن لا حكم للاجتماع العام الطبيعي من نفسه بل الحكم للمرام ، وخاصة إذا كانت فرضية متلائمة لسعادة الأفراد عاد الكلام السابق في الحسن والقبح ، والفضيلة والرذيلة ، وأنها تنتهي بالآخرة إلى اقتضاء مستمر من الطبيعة.

على أن هاهنا محذورا آخر وهو أن الحسن والقبح وسائر الأحكام الاجتماعية - وهي التي تعتمد عليها الحجة الاجتماعية وتتألف منها الاستدلالات - لو كانت تابعة للمرام ، ومن الممكن بل الواقع تحقق مرامات مختلفة متناقضة متباينة أدى ذلك إلى ارتفاع الحجة المشتركة المقبولة عند عامة الاجتماعات ، ولم يكن التقدم والنجاح حينئذ إلا للقدرة والتحكم ، وكيف يمكن أن يقال : إن الطبيعة الإنسانية ساقت أفرادها إلى حياة اجتماعية لا تفاهم بين أجزائها ولا حكم يجمعها إلا حكم مبطل لنفس الاجتماع؟ وهل هذا إلا تناقض شنيع في حكم الطبيعة واقتضائها الوجودي ؟




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .