أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-1-2022
3134
التاريخ: 5-10-2021
1705
التاريخ: 16-5-2022
1516
التاريخ: 2023-03-01
843
|
نظريات القوة البرية:
لقد استمرت سيطرة القوة البحرية لفترة طويلة، ولكن التطورات العلمية والسياسية بدأت تغير من هذه النظرة منذ بداية القرن العشرين, فإن الاستراتيجية الرومانية التي كانت تجمع بين بناء السفن وشق الطرق والقدرة العظيمة على تحرك قواتها البحرية وسفنها الحربية ساعدت روما على التفوق العسكري على معظم شعوب العالم.
ونفس الشيء حدث للدولة الإسلامية التي استطاعت بفنونها العسكرية ومهارتها في الفروسية أن تحقق لجيوشها التفوق على جيوش أعدائها مثل الرومان ذوى القوة العسكرية البرية والبحرية, وفي الحرب البروسية - الفرنسية عام 1870 استطاعت بروسيا أن تنقل قواتها إلى الحدود الفرنسية بالقطار مما حقق لها عنصر المبادأة والمفاجأة للقوات الفرنسية.
وكانت القوة البحرية تعتمد على السفن الشراعية في البداية قبل استخدام السكك الحديدية منذ عام ١٨٣٠ التي تعد أسرع وسيلة للنقل, ومع نهاية القرن التاسع عشر كانت السكك الحديدية قد فرضت نفسها وتفوقت في حركتها على الاستراتيجية البحرية فنازعت إنجلترا في سيادتها العالمية التي أسستها بطريق القوة البحرية. ولقد كان هذا التفوق راجعا إلى السكك الحديدية التي حلت محل القوة البحرية وجعلت منها مفتاحا للسيطرة العالمية.
فقد لعبت السكك الحديدة دورا هاما في دمج جزء كبير من آسيا بواسطة سكك حديد قامت بمدها روسيا، فقد أنشأت سكك حديد إستراتيجية ربطت بين روسيا الأوربية من ناحية وبين كل من طشقند، ومرو، وكوشكا، وأشخاباد، فوصلت بذلك بين حدود أفغانستان وإيران، وكذلك الخط الحديدي المار عبر سيبيريا الذى دعم سيطرة روسيا على مساحات سيبيريا الشاسعة ووضع قواتها البرية على سواحل بحر اليابان وبحر الصين ثم المحيط الهادي, وقد ترتب على القوة البرية الروسية نتيجة استخدام السكك الحديدية ضغط متزايد على حدود بريطانيا الاستراتيجية في منطقة الشرق الأدنى والأوسط، وهذا الضغط لا تستطيع التنظيمات التقليدية التي تمتلكها بريطانيا كقوة بحرية أن تقف أمامه.
وقد استطاعت بريطانيا أن تتحاشى الخطر الروسي، لكنها لم تستطع تفادى الخطر الذى يواجه قوتها البحرية من قبل ألمانيا التي فكرت في مد خط حديد الأناضول الذى يمتد حتى بغداد لنقل قوات ألمانيا البرية إلى الخليج العربي، والخط الحديدي الذى كان يربط الأناضول بالشرق الأدنى وشبه الجزيرة العربية، وبذلك انتقل تهديد القوة البرية الألمانية حليفة تركيا إلى جوار قناة السويس مباشرة, وقد اضطر هذا التهديد بريطانيا عام ١٩١٤ لأن تقف في وجهه ومجابهته في فلسطين والعراق بقوات برية واسعة النطاق تكبدت في نقلها نفقات كبيرة, وقد كان هذا التهديد سببا أجبر بريطانيا على الدخول في ميدان القوة البرية بعد أن لمست أهميتها وخطورتها ومن هنا بدأ الاهتمام بالقوة البرية من قبل الكثيرين أمثال ماكندر ومينج وفيزجريف وسبايكمان، الذين أتوا بالنظريات التي تعبر عن وجهات نظرهم في هذا المجال.
نظرية القوة البرية لماكندر:
ماكندر عالم جغرافي إنجليزي الأصل كتب الكثير في مجال الجغرافية السياسية، وكان أستاذا في جامعتي أكسفورد ولندن، وشغل الكثير من المناصب الحكومية. وقد تأثر بالأحداث التي مرت في حياته، وبالنظريات التي كانت تهتم بدراسة النزاع الدائم بين الدول لتحقيق السيطرة العالمية مثل نظرية القوة البحرية لماهان التي أشرنا إليها من قبل. كما تأثر بالحروب التي دارت بين روسيا واليابان في منشوريا، وبالحرب بين بريطانيا والبوير في جنوب أفريقيا.
ومن دراسته لهذه الأحداث استطاع ماكندر أن يتوصل إلى نوع من العلاقات بين الأحداث التاريخية وبين العوامل الجغرافية، فوضع نظريته المشهورة « قلب الأرض heart land)) والتي يعبر عنها «بنظرية القوة البرية».
وقد وردت هذه النظرية في بحث تقدم به للجمعية الجغرافية الملكية البريطانية في عام ١٩٠٤م بعنوان (the geographical pivot of history) أى الركيزة الجغرافية للتاريخ. ولم يثر أى بحث اهتمام المهتمين بالشئون الاستراتيجية والعلوم الجغرافية مثلما أثار هذا البحث. فقد دار حوله الجدل والنقاش وما زال حتى الآن، وأصبحت نظريته تدرس كموضوع أساسي من موضوعات الجغرافية السياسية والجيوبوليتيك التي أثرت بالتالي في الاستراتيجية الألمانية, وقد ساهمت هذه النظرية مساهمة فعالة في ميدان الجغرافية السياسية والجيوبولتيك، حيث استطاعت أن تقيم القوى السياسية في العالم في ضوء العوامل الجغرافية الإقليمية، وعلى أساس توزيع اليابس والماء على وجه الكرة الأرضية، وحينما وضع ماكندر نظريته كان يعتقد بأن مصير الصراع المستمر لتحقيق النصر سيكون في النهاية لصالح القوة البرية. فقد لاحظ أن نحو ثلاثة أرباع مساحة سطح الكرة الأرضية مغطى بالمياه، وأن نحو ثلثي اليابس تشغله قارات أوربا وآسيا وأفريقيا. كما لاحظ أن البحار والمحيطات متصلة ببعضها البعض ، فوصفها بالوحدة الطبيعية المتكاملة، و أطلق عليها المحيط العالمي بدلا من أسماء المحيطات الهادي والأطلنطي والمتجمد والهندي كما نظر إلى القارات (آسيا وأوربا وأفريقيا) كوحدة طبيعية أطلق عليها« جزيرة العالم » وهذه تشغل نحو السدس من مساحة العالم، كما تضم هذه المساحة نحو90 من سكان العالم.
وقد لاحظ أيضا وجود سهول داخلية واسعة ضمن كتلة أوراسيا تتمتع بحماية طبيعية من مختلف الجهات، وهي السهول الممتدة من البرزخ الواقع بين بحر البلطيق شمالا والبحر الأسود جنوبا. وتمتاز هذه الأراضي السهلية بأنها ذات إمكانيات اقتصادية هائلة، وهذا السهل هو الذى أطلق عليه ماكندر في البداية منطقة الارتكاز ثم غير هذا الاسم إلى قلب الأرض لما يتمتع به من الخصائص الجغرافية التي تجعله في حماية من أى عدوان خارجي.
وتتميز أنهار هذا القلب بالتصريف الداخلي مثل أنهار أوب وينسى ولينا التي تتجه شمالا نحو المحيط المتجمد الشمالي، ومثل نهر القرلجا الذي يصب في بحر قزوين، ونهرى سيحون وجيحون اللذين يصبان في بحر آرال، وهذا يعنى أن هذه الأنهار ليست في متناول المواصلات البحرية والنهرية لأنها تنصرف نحو بحار مغلقة.
والمنافذ المائية الوحيدة التي يمكن للقوات البحرية المعادية أن تقتحم هذا القلب عن طريقها هي بحر البلطيق والبحر الأسود، رغم أن بحر البلطيق يتجمد شتاء نحو ثلاثة شهور. كما أن الحدود البرية لهذا القلب في مأمن من أى هجوم خارجي، لوجود حواجز جبلية وهضاب تحول دون ذلك في الشمال الشرقي من هذا القلب، ومن الجنوب يحد هذا القلب جبال هندكوش وهضاب أفغانستان وإيران والجبال الممتدة بين بحر قزوين والبحر الأسود، ثم يلى هذه الجبال هضبة أرمينيا. وفي الجنوب الغربي توجد جبال الكربات التي تشكل حاجزا دفاعيا طبيعيا. وفي الجنوب الشرقي توجد سلاسل جبلية ضيقة أهمها جبال التاى وتيان شان التي تمتد عبرها صحارى إقليمي منغوليا وسنكيانج. ثم في الشمال يحدها المحيط المتجمد الشمالي الذى يمتد لمسافة طويلة والذى يتميز ببعده عن خطوط الملاحة وبتجمده معظم السنة باستثناء فترة قصيرة جدا خلال الصيف، وهي المجاورة للساحل فقط. والمنطقة الغربية هي التي تعد مصدر الخطر لهذا القلب، وخصوصا المنطقة الواقعة بين جبال الكربات وبحر البلطيق التي استخدمت عدة مرات للعدوان على هذه المنطقة.
كما يتميز هذا القلب بسهولة اتصاله بين القارات الثلاث، فلا يفصل آسيا عن أوربا سوى جبال آرال قليلة الارتفاع التي تعوق الصلة بين القارات حيث شمال وجنوب جبال آرال فتحتان تساعدان على الاتصال بينهما؛ كما تتصل آسيا بأفريقيا برا عن طريق سيناء، وترتبط أفريقيا بأوربا عن طريق مضيق جبل طارق والجزر المنتشرة في البحر المتوسط، والبحر المتوسط الذى يفصل أوربا عن أفريقيا أشبه ببحيرة داخلية بين القارتين ولم يكن يمثل عقبة بينهما عبر التاريخ الطويل, وتوجد مجموعة من الجزر الكبرى تحيط بالجزيرة العالمية ممثلة في أمريكا وأستراليا بالإضافة إلى جزر شرقي وجنوب شرقي آسيا.
كما تصور ماكندر منطقة ارتكاز أخرى تعد قلبا ثانويا لأنها تقل أهمية عن السابقة أطلق عليها ((القلب الجنوبي)) وتضم هذه المنطقة أفريقيا جنوب الصحراء ويضم هذا القلب أنهار الكونغو والنيجر والزمبيري، وأنهار أخرى أصغر منها كالأورانج واللمبوبو، وجميع هذه الأنهار تنبع من الداخل، ويصلح بعضها للملاحة في مجاريها العليا، ولكن الشلالات تقف عقبة أمام الملاحة في مجاريها الدنيا. ويتصل القلبان ببعضهما البعض عن طريق بلاد العرب الممتدة من النيل غربا إلى الفرات شرقا، وهي مسافة تبلغ نحو 800 ميل، ومن سفوح جبال طوروس في الشمال إلى خليج عدن في الجنوب أى مسافة تبلغ نحو ١٨٠٠ ميل، وتضم هذه المنطقة ثلاثة طرق مائية هي: البحر الأحمر والخليج العربي ونهري دجلة والفرات ونهر النيل، كما يعد اليابس طريقا بريا يربط بين القلبين الشمالي والجنوبي.
وقد أطلق ماكندر على المنطقة الساحلية التي تتخذ شكل قوس يحيط بمنطقة قلب الأرض «الهلال الداخلي» ويتألف هذا القوس من سواحل أوربا الغربية، وصحراء شبه الجزيرة العربية، والأقاليم الموسمية في آسيا كالهند وجنوب شرقي آسيا، والجزء الأكبر من الصين, ويمتاز جزء من الهلال الداخلي بأنه بحري والآخر بأنه يرى.
وتمتاز أنهار الهلال الداخلي بأنها صالحة للملاحة مثل أنهار الراين والألب والدانوب ويانجتسى ، تلك الأنهار التي تنصرف نحو البحار المفتوحة للملاحة العالمية، يضاف إلى ذلك تميزه بخصوبة التربة وغزارة الأمطار بما أدى إلى ازدحام بالسكان.
ويضم الهلال الداخلي من الدول الساحلية كلا من: فرنسا وألمانيا وإيطاليا، واعتبرت كل من بريطانيا واليابان جزرا متاخمة لسواحل غرب أوربا وشرق آسيا. وقد وجد ماكندر أن هناك علاقة متينة بين قلب الأرض ومنطقة الهلال تتمثل في الضغط من جانب القلب نحو الهلال وسواحله، وسوف يزداد هذا الضغط عند مد السكك الحديدية التي ستساعد على سهولة الحركة والسيطرة على أقاليم الهلال في المستقبل.
وقد ميز ماكندر بين الهلال الداخلي وقوس خارجي يحيط به أطلق عليه اسم ((الهلال الخارجي)) ويتألف هذا القوس من معظم الدول التي تعتمد على القوة البحرية أمثال دول أمريكا الشمالية واللاتينية وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وأستراليا وبريطانيا واليابان.
ولم يعط ماكندر أهمية تذكر للولايات المتحدة الأمريكية عندما صاغ نظريته عام ١٩٠٤، لكنه عدل من ذلك في عام ١٩٤٣ بعد أن وجد الولايات المتحدة الأمريكية قد حددت مصير الحربين العالميتين وأصبحت القوة العالمية الكبرى، كما أصبحت دول غرب أوربا شبه تابعة لها، مما دعا ماكندر إلى القول بأن الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الوحيدة التي يمكنها أن تصبح منافسة لقلب الأرض استنادا إلى إمكانياتها الكبيرة ولكنه يميل إلى انتصار الدول البرية باعتبار أن أهمية الدول البحرية قد تضاءلت مع نهاية الكشوف الجغرافية.
وقد نظر ماكندر إلى القوة الجوية كسلاح مكمل للقوة البرية، وليس إلى جانب القوة البحرية، وذلك لأن الموقع الجغرافي لقلب الأرض يعطيه ميزة كبيرة في الحرب الجوية. وعلى هذا الأساس سوف يصبح استخدام البحار المحيطة بقلب الأرض مستحيلا دون الحصول على موافقة قوى البر، لأن هذه القوى تستطيع أن تغلق الطرق الملاحية البحرية بواسطة القوى الجوية المقامة في قواعدها.
والذى يتأمل في أفكار ماكندر، يمكنه أن يدرك المخاوف التي كانت تساور العالم من نشوء دولة قارية كبرى في منطقة قلب الأرض، فهي بذلك تملك القدرة على التوسع في المناطق المجاورة لها في أوراسيا، إذ أن كثرة الموارد وتنوعها في هذه المنطقة القارية تكون كفيلة ببناء أكبر قوة حربية في العالم تكفي لتحقيق فكرة الإمبراطورية العالمية، وبذلك سوف تصبح جزيرة العالم مسرحا كبيرا وقاعدة ضخمة للقوى البحرية والبرية والجوية يمكنها إخضاع بقية أجزاء العالم.
وقد اقترح ماكندر لتكوين هذه الدولة الكبرى أن يقوم اتحاد بين روسيا وألمانيا سواء كان ذلك بالاتفاق أو بالغزو، وكان الاعتقاد أن ألمانيا ربما تحاول غزو قلب الأرض والسيطرة عليه وبالتالي السيطرة على العالم كله، وذلك لعدم وجود عوائق طبيعية تقف أمامها. ولكنه عندما رأى تفوق الاتحاد السوفيتي في الحرب العالمية الثانية أشار إلى أن الاتحاد السوفيتي يمكنه إذا خرج منتصرا على ألمانيا في هذه الحرب أن يصبح أكبر دولة برية على سطح الأرض لأنه ستكون له السيطرة على قلب الأرض، وبذلك تكون الفرصة متاحة له للسيطرة على جزيرة العالم، والعالم الجديد في هذه الحالة يكون محاصرا من الغرب ومن الشرق كجزيرة أقل وزنا وقوة بين ذراعي الجزيرة العالمية، وعلى هذا الأساس وضع نظريته على الشكل التالي :
(١) من يحكم شرق أوربا يسيطر على الهارتلاند (قلب الأرض).
(٢) من يحكم الهارتلاند يسيطر على العالم.
(٣) من يحكم جزيرة العالم يسيطر على العالم.
ويقصد ماكندر تلك الحلقة المتصلة من اليابس وهي أوربا وآسيا وأفريقيا، وبقصد بشرق أوربا تلك المنطقة المتسعة من أوربا التي تسكنها العناصر الثلاثية وهي التي تمتد من شرق شبه جزيرة «جتلند» حتى نهرى الدانوب والفولجا وبحر آزوف ، كما تشغل السويد شمالا وآسيا الصغرى في الجنوب الشرقي، وتقع برلين وفيينا على أطرافها الغربية، أما الهارتلاند فتحدي الجغرافي معقد بعض الشيء، وينظر ماكندر إليه على أنه يضم مناطق الصرف الداخلي في أوراسيا، وعلى أنه يضم المناطق التي يصعب على القوى البحرية الوصول إليها وقتها، إذ يعتبر أن المحيط القطبي شرق البحر الأبيض الروسي عقبة طبيعية للتحركات البشرية، وأما بحر قزوين وبحر آرال وبحيرة بيكال فهي مياه مغلقة لا تتصل بالبحار الخارجية والطرق العالمية. وعلى هذا الأساس فإن الهارتلاند أى قلب العالم يعد إقليما واحدا قاريا تفصله مناطق انتقالية عن الأقاليم الهامشية البحرية في أوربا وآسيا، وعلى هذا الأساس كانت عزلة الهارتلاند.
وقد وضعت هذه النظرية في وقت لم يكن فيه التطور العلمي والتكنولوجي قد وصل إلى مراحل متفوقة، ولذلك فإن ماكندر أخذ يرقب التحولات التي حدثت ويرى آثارها، إلى أن اتضحت له بعض الحقائق التي دفعته إلى إجراء بعض التعديلات في نظريته.
التعديل الأول كان في عام ١٩١٩ وكان مضمونه إضافة منطقة إستراتيجية أخرى تقع جنوب الصحراء الكبرى التي أطلق عليها (القلب الجنوبي) أو القلب الثانوي التي أشرنا إليها.
أما التعديل الثاني فجاء في عام ١٩٤٣ متأثرا بالتطورات التي حدثت خلال الحرب العالمية الثانية، عندما لاحظ ماكندر أن التهديد الحقيقي يأتي من الاتحاد السوفيتي وليس من ألمانيا، وهنا استحدث ماكندر مصطلحا جديدا هو «الحوض الأوسط» الذى يقصد به المنطقة المحددة شمال المحيط الأطلسي وشرق الولايات المتحدة الأمريكية وغرب أوربا، وافترض أن يقوم وسط وشرق أوربا الذى هو النطاق الألماني بدور الفصل بين الحوض الأوسط من جهة وقلب الأرض من جهة أخرى، ومن أجل القضاء على القوة الألمانية المتمركزة في الوسط كانت دعوة ماكندر إلى ضرورة التعاون بين القلب ودول الحوض الأوسط، وهذا ما حدث فعلا خلال الحرب العالمية الثانية عندما اتحدت فرنسا وبريطانيا وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية مكونين جبهة ضد ألمانيا سميت «جبهة الحلفاء».
وفي ضوء أحداث الحرب فإن ماكندر كان يرى أن الاتحاد السوفيتي لو خرج من الحرب منتصرا على ألمانيا فإنه سيصبح أقوى قوة برية في العالم، وسيكون بذلك القوة الدولية التي تقع في المنطقة الدفاعية الاستراتيجية القوية، وأن قلب الأرض سيكون أكبر قلعة فيها، وسيكون للاتحاد السوفيتي لأول مرة في التاريخ جيش قوى يمتاز بالتفوق العددي والكفاية الحربية، ولذلك فإن التهديد الحقيقي لقلب الأرض سوف يأتي من الاتحاد السوفيتي وليس من ألمانيا. وهذا الرأى جاء متأثرا بالهزائم التي تكبدتها ألمانيا من جراء غزوها للاتحاد السوفيتي عام ١٩٤١.
وفي الواقع إن ماكندر قد وجد ما يؤيد نظريته من خلال الأحداث التاريخية، فتحركات رعاة الخيل إلى أوربا وآسيا الصغرى والهند ومنشوريا والصين شاهد على الضغط الذى يخرج من القلب إلى المناطق الهامشية. ولكن إذا كان التاريخ يؤيد نظريته، فإن التاريخ نفسه شاهد على أن هناك قوى استطاعت التوغل في منطقة القلب. فالروس راكبو القوارب الذين يبحثون عن الفراء استطاعوا التوغل في سيبريا، وكانوا أول الروس الذين عمروا سيبيريا، كما أن هناك بعضا من سكان شمال غربي سيبيريا وصلوا إليها من شمال روسيا وفنلند، كما تمكن اليابانيون حديثا من التوغل في منشوريا ومنغوليا الداخلية.
وقد انتقد البعض نظرية ماكندر لأنها لم تأخذ بعين الاعتبار التطور التكنولوجي الذى حدث، وبما يمكن أن يسفر عنه هذا التطور من تغير في موازين القوى. ومن أخطر التطورات التي حدثت ما طرأ على الأسلحة الحربية من زيادة في مداها وفي سرعتها وقوتها ودقة تهديفها وتخطيها للعقبات لكى تصل إلى أهدافها، كما أن بناء القاعدة الصناعية في قلب القارة أو في منطقة جزرية هي أساس القوة، لأن المهم هو أن من يمتلك القدرة الفنية والتكنولوجية يكون باستطاعته السيطرة والتفوق على الآخرين، كما أن السلاح الجوي والنووي عمل على كشف قلب الأرض للغزو وسلبه مناعته الطبيعية وعمقه الاستراتيجي الذى يتميز به .
كما لوحظ أن نظرية ماكندر لم تضع في حسابها التغيرات الأيديولوجية التي طرأت بعد الحرب العالمية الثانية، فقد خرجت الأيديولوجية الاشتراكية من قلب الأرض باتجاهات مختلفة وأحدثت تغيرات جذرية في الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية دون غزو عسكري مباشر من قبل الاتحاد السوفيتي، فقد قامت ثورات شيوعية في بعض دول العالم على نمط ثورة الاتحاد السوفيتي مثل ثورة الصين فيعام١٩٤٩، وفيتنام الشمالية عام ١٩٥٤، وكوبا عام ١٩٦٠, ولا شك أن قيام هذه الثورات في الهلالين الداخلي والخارجي من شأنه تدعيم موقف قلب الأرض الذى يتفق في نفس الفكر مما يناصر دولته، وفي نفس الوقت يضعف القوى البحرية.
وعلى الرغم من أن ماكندر قدم نظرية إستراتيجية رائعة، إلا أن أهميتها لم تظهر إلا بعد أن اكتشفتها القوى البرية، ثم تبعتها الدول البحرية التي بدأت تهتم بهذه النظرية، وما زال النقاش دائرا حول هذه النظرية رغم كل المتغيرات التي حدثت.
ويعد ماكندر أول من استطاع أن ينظر إلى العالم بشكل عام في ضوء وحدة الأرض، وعلى أن العالم قد صار عالما واحدا، وبالتالي نظاما سياسيا واحدا، ويعد ماكندر أول من وضع الجغرافية في خدمة السياسة والاستراتيجية. كما اهتم ماكندر بالنظرة الإقليمية التي تمثلت في تقسيمه الأرض إلى قلب الأرض والهلال الداخلي ثم الهلال الخارجي، وتعد هذه أول محاولة لتقسيم العالم إلى أقاليم سياسية.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|