أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-10-2015
3712
التاريخ: 16-12-2014
3678
التاريخ: 16-12-2014
3263
التاريخ: 16-12-2014
3589
|
البيت الوحيد الذي كان يضمّ بين جدرانه زوجين معصومين مطهّرين منزّهين عن ارتكاب الذنوب واكتساب المآثم ، يتصفان بالفضائل الأخلاقية والكمال الإنساني هو بيت علي وفاطمة ( عليهما السّلام ) .
فعليّ ( عليه السّلام ) نموذج الرجل الكامل في الإسلام ، وفاطمة نموذج المرأة الكاملة في الإسلام ، ترعرعا في ظلّ النبي الأكرم ( صلّى اللّه عليه واله ) وغذّاهما بالعلم وسائر الفضائل ، واستأنست آذانهما الواعية منذ الصغر بالقرآن الكريم وهما يسمعان النبيّ ( صلّى اللّه عليه واله ) يرتّله ليلا ونهارا وفي كلّ آن ، وأطلّا على الغيب وارتشفا العلوم والمعارف الإسلامية من معينها الأصيل ومنبعها العذب ، ورأيا الإسلام يتحرّك في شخص رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) فكيف إذن لا تكون اسرتهما النموذج الأمثل للأسرة المسلمة ؟ .
كان بيت عليّ وفاطمة ( عليهما السّلام ) أروع نموذج في الصفاء والإخلاص والمودّة والرحمة ، تعاونا فيه بوئام وحنان على إدارة شؤون البيت وإنجاز أعماله ، وقضى رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) بخدمة فاطمة دون الباب وقضى على عليّ ( عليه السّلام ) بما خلفه .
قالت فاطمة ( عليها السّلام ) : « فلا يعلم ما داخلني من السرور إلّا اللّه ، بكفايتي رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) تحمّل رقاب الرجال »[1].
إنّ الزهراء خرّيجة مدرسة الوحي ، وهي تعلم أنّ معقل المرأة من المواقع المهمّة في الإسلام ، وإذا ما تخلّت عنه وسرحت في الميادين الأخرى عجزت عن القيام بوظائف تربية الأبناء كما ينبغي ، ومن هنا تهلّل وجهها بالبشر وداخلها السرور بما قضى به الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) .
لقد كانت بنت النبيّ الأكرم تبذل قصارى جهدها لإسعاد أسرتها ، ولم تستثقل أداء مهام البيت رغم كلّ الصعوبات والمشاق ، حتى أنّ عليّا أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) رقّ لحالها وامتدح صنعها ، وقال لرجل من بني سعد : « ألا احدّثك عنّي وعن فاطمة ؟ إنّها كانت عندي وكانت من أحبّ أهله ( صلّى اللّه عليه واله ) إليه ، وإنّها استقت بالقربة حتى أثّر في صدرها ، وطحنت بالرحى حتى مجلت يداها ، وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها ، وأوقدت النار تحت القدر حتى دكنت ثيابها ، فأصابها من ذلك ضرر شديد فقلت لها : لو أتيت أباك فسألتيه خادما يكفيك ضرّ ما أنت فيه من هذا العمل ، فأتت النبيّ ( صلّى اللّه عليه واله ) فوجدت عنده حدّاثا[2] فاستحت فانصرفت » .
قال علي ( عليه السّلام ) : « فعلم النبيّ ( صلّى اللّه عليه واله ) أنّها جاءت لحاجة ، قال ( عليه السّلام ) : فغدا علينا رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) ونحن في لفاعنا ، فقال ( صلّى اللّه عليه واله ) : السلام عليكم ، فقلت : وعليك السلام يا رسول اللّه ادخل ، فلم يعد أن يجلس عندنا ، فقال ( صلّى اللّه عليه واله ) : يا فاطمة ، ما كانت حاجتك أمس عند محمّد ؟ قال ( عليه السّلام ) : فخشيت إن لم تجبه أن يقوم ، فأخبره عليّ بحاجتها ، فقلت : أنا واللّه أخبرك يا رسول اللّه إنّها استقت بالقربة حتى أثّرت في صدرها وجرّت بالرحى حتى مجلت يداها وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها وأوقدت النار تحت القدر حتى دكنت ثيابها ، فقلت لها : لو أتيت أباك فسألتيه خادما يكفيك ضرّ ما أنت فيه من هذا العمل ، فقال ( صلّى اللّه عليه واله ) : أفلا اعلّمكما ما هو خير لكما من الخادم ؟ إذا أخذتما منامكما فسبّحا ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين وكبّرا أربعا وثلاثين » .
وفي رواية : أنّها لمّا ذكرت حالها وسألت جارية بكى رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) فقال : « يا فاطمة والذي بعثني بالحقّ ، إنّ في المسجد أربعمائة رجل ما لهم طعام وثياب ولولا خشيتي لأعطيتك ما سألت ، يا فاطمة وإنّي لا أريد أن ينفك عنك أجرك إلى الجارية ، وإنّي أخاف أن يخصمك علي بن أبي طالب ( عليه السّلام ) يوم القيامة بين يدي اللّه - عز وجل - إذا طلب حقّه منك ، ثم علّمها صلاة التسبيح » .
فقال أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) : « مضيت تريدين من رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) الدنيا فأعطانا اللّه ثواب الآخرة »[3].
وفي ذات يوم دخل رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) على عليّ ( عليه السّلام ) فوجده هو وفاطمة ( عليها السّلام ) يطحنان في الجاروش ، فقال النبيّ ( صلّى اللّه عليه واله ) : « أيّكما أعيى ؟ » فقال عليّ ( عليه السّلام ) : « فاطمة يا رسول اللّه » فقال ( صلّى اللّه عليه واله ) : « قومي يا بنية » ، فقامت وجلس النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) موضعها مع علي ( عليه السّلام ) فواساه في طحن الحبّ[4].
وروي عن جابر الأنصاري أنّه رأى النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) فاطمة وعليها كساء من أجلة الإبل وهي تطحن بيديها وترضع ولدها ، فدمعت عينا رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) ، فقال : « يا بنتاه ، تعجّلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة » فقالت : « يا رسول اللّه ، الحمد للّه على نعمائه ، والشكر للّه على آلائه » ، فأنزل اللّه وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى[5].
وعن أبي عبد اللّه الصادق ( عليه السّلام ) قال : « كان أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) يحتطب ويستقي ويكنس ، وكانت فاطمة ( عليها السّلام ) تطحن وتعجن وتخبز »[6].
وعن أنس : أنّ بلالا أبطأ عن صلاة الصبح ، فقال له النبيّ ( صلّى اللّه عليه واله ) : « ما حبسك ؟ » قال : مررت بفاطمة تطحن والصبي يبكي ، فقلت لها : إن شئت كفيتك الرحى وكفيتني الصبي ، وإن شئت كفيتك الصبي وكفيتني الرحى فقالت : « أنا أرفق بابني منك » .
فذاك الذي حبسني ، قال ( صلّى اللّه عليه واله ) : « فرحمتها ، رحمك اللّه »[7] .
وعن أسماء بنت عميس عن فاطمة بنت رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : « أنّ الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) أتى يوما فقال : أين ابناي ؟ » يعني حسنا وحسينا ، قالت : « أصبحنا وليس عندنا في بيتنا شيء يذوقه ذائق » . فقال عليّ ( عليه السّلام ) : « اذهب بهما إلى فلان » ؟ ، فتوجّه إليهما رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) فوجدهما يلعبان في مشربة بين أيديهما فضل من تمر فقال ( صلّى اللّه عليه واله ) : « يا عليّ ، ألا تقلب إبنيّ قبل أن يشتدّ الحرّ عليهما ؟ » فقال عليّ ( عليه السّلام ) : « أصبحنا وليس في بيتنا شيء ، فلو جلست يا رسول اللّه حتى أجمع لفاطمة تمرات » ، فلمّا اجتمع له شيء من التمر جعله في حجره ثم عاد إلى البيت[8].
وعن عمران بن حصين قال : كنت مع النبيّ ( صلّى اللّه عليه واله ) جالسا إذ أقبلت فاطمة فوقفت بين يديه فنظر إليها وقد غلبت الصفرة على وجهها ، وذهب الدم من شدّة الجوع ، فقال : « ادني يا فاطمة » فدنت ثم قال : « ادني يا فاطمة » فدنت حتى وقفت بين يديه ، فوضع يده على صدرها في موضع القلادة وفرج بين أصابعه وقال : « اللهمّ مشبع الجاعة ورافع الوضعة لا تجع فاطمة بنت محمّد »[9].
هذه هي الدنيا في عين فاطمة بنت الرسول مواجهة للمعاناة وتألّم من الجوع وانهيار من التعب ، ولكن كلّ ذلك يبدو ممزوجا بحلاوة الصبر وندى الايثار ، لأنّ وراءه نعيما لا انتهاء له ، حصة يوم يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب .
إنّ إلقاء نظرة فاحصة على حياة الزهراء ( عليها السّلام ) توضّح لنا أنّ حياتها الشاقة لم تتغيّر حتى بعد أن أصبحت موفورة المال ، في سعة من العيش - خصوصا بعد فتح بني النضير وخيبر وتمليكها فدكا وغيرها - عمّا كانت عليه قبل ذلك رغم غلّتها الوافرة ، إذ روي أنّ فدكا كان دخلها أربعة وعشرين ألف دينار ، وفي رواية سبعين ألف دينار سنويا[10].
فالزهراء لم تعمر الدور ولم تبن القصور ولم تلبس الحرير والديباج ولم تقتن النفائس ، بل كانت تنفق كلّ ذلك على الفقراء والمساكين وفي سبيل الدعوة إلى اللّه ونشر الإسلام . . وهكذا كان حال زوجها عليّ ( عليه السّلام ) الذي أوقف على الحجاج مائة عين استنبطها في ينبع[11] وقد بلغت صدقات أمواله في السنة أربعين ألف دينار[12] وكانت صدقاته هذه كافية لبني هاشم جميعا إن لم نقل إنّها تكفي أمة كبيرة من الناس من غيرهم ، إذا لاحظنا أنّ ثلاثين درهما كانت كافية لشراء جارية للخدمة ، وكان الدرهم يكفي لشراء حاجات كثيرة حينذاك .
[1] بحار الأنوار : 43 / 81 .
[2] أي : جماعة يتحدّثون معه .
[3] بحار الأنوار : 43 / 85 .
[4] المصدر السابق : 43 / 50 .
[5] المصدر السابق : 3 / 86 .
[6] المصدر السابق : 151 .
[7] ذخائر العقبى : 61 .
[8] المصدر السابق : 59 .
[9] نظم درر السمطين : 191 .
[10] سفينة البحار : 7 / 45 .
[11] المناقب : 2 / 123 ، وبحار الأنوار : 41 / 32 .
[12] كشف المحجة : ص 133 ، وأنساب الأشراف : 2 / 117 ، ومجمع الزوائد : 9 / 123 ، وبحار الأنوار : 41 / 43 ، وأسد الغابة : 4 / 23 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|