الموقع وشرايين النقل

يعتبر الطريق سابقاً على نشوء المدن بوجه عام. ولولا شرايين النقـل مـا كـانـت هناك عقد الحركة (المدن) وإذا لم تستخدم هذه الشرايين مـن قبـل الإنسان تصبح

عديمة الجدوى ولهذا يؤكد الأستاذ سميليـز على أن المدن ليست نتيجة الأودية والخلجان والمصبات الخليجية، ولكنها نتـاج استخدام الإنسان لهذه الظواهر ببنـاء الطرق لها, وعليه، إذا كانت التضاريس هي التي تتحكم في تركز الطرق وكثرة عقـد النقـل ومن ثم نشوء المدن، فإن تلك الطرق تبقى رهن استخدام الإنسان لها.

ولذلك، فلو تحولت طرق النقل عن هذه المدن التي أوجدتها الطرق، فإنهـا مـا تلبث أن تنكمش وتفقد أهميتها التي اكتسبها من قبل. فقد أدى تطور الملاحة البحرية خلال القرنين 16م و17م إلى إعادة توجيه التجارة العالمية، بعـد اكتشـاف كريستوفر كولومبس 1492م للأميركتين، واكتشـاف فاسجودي غاما الهنـد عـن طـريـق رأس الرجاء الصالح عام 1497م. ففتحت بذلك آفاقاً واسعة للثراء أمـام مـوانئ المحيط الأطلسي في أوروبا مثل لشبونة ومدريد وأمستردام وباريس ولنـدن. ، وبالتالي أدت إلى اضمحلال موانئ البحر المتوسط مثل نابلي والبندقية وجنوة والتي كانت مزدهـرة من قبل حينذاك، خاصة في العصور الوسطى. ولكـن بعـد فـتـح قـنـاة السويس عـام 1869، عادت لهذه الموانئ أهميتها من جديد مثل ميناء الإسكندرية ومرسيليا ونابولي والبندقية وجنوة.

كما تأثرت المدن الأمريكية، التي كانت قائمة على طول نهر المسيسبي وروافـده العديدة. فقد كانت عبارة عن مراكز عمرانية رئيسية، أثناء مراحل التوسع الأوروبي نحو الغرب الأمريكي. ودانت في رخائها وازدهارها إلى التجارة التي كانت تمتد على النهر وفروعه، مستخدمة تلك الموانئ النهرية. ولكـن بعـد ظهـور خطوط السكك الحديدية في النصف الثاني من القرن 19م، فقدت هذه الموانئ النهرية أهميتها، فيما عدا بعضها الذي مرت به السكك الحديدية، وأصبح في موقع يـؤدي للنقـل الـبري والنهري.

الموقع والموضع الجغرافي للمدينة كما مهد القطار الطريق، أمام انتشار العمران المدني القديم، في أوروبا والشـرق الأوسط وجنوب آسيا وغربها. فقد أكد خط سكة حديد كراتشي لاهـور - راولبنـدي على أهمية موقع تلك المدن في شبه القارة الهندية في منتصف القرن الـ19م.