أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-10-2014
1983
التاريخ: 27-09-2015
2029
التاريخ: 18-09-2014
1895
التاريخ: 2024-08-17
310
|
قال تعالى : {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج : 26 - 28] .ِ
هذه الآيات فتستعرض بناء الكعبة على يد إبراهيم الخليل (عليه السلام)، ووجوب الحجّ وفلسفته، وبعض أحكام هذه العبادة الجليلة. وبتعبير آخر : كانت الآية السابقة مقدّمة للأبحاث المختلفة التي تناولتها الآيات اللاحقة، إذ بدأت بقصّة تجديد بناء الكعبة : (وإذ بوّأنا لإبراهيم مكان البيت) أي تذكّر كيف أعددنا لإبراهيم مكان الكعبة ليقوم ببنائها.
وكلمة «بوّأ» مشتقة من بواء، أي الأرض المسطّحة، ثمّ أطلقت على إعداد المكان مطلقاً.
وتقصد هذه الآية حسبما يراه المفسّرون أنّ الله هدى إبراهيم (عليه السلام) إلى مكان الكعبة بعد أن هدمت بطوفان نوح وخفيت معالمها. إذ حدثت عاصفة فأزالت التراب وكشفت عن اُسس البيت، أو بعث الله سحابة ظلّلت مكان البيت، أو بأيّ أُسلوب آخر كشف الله لإبراهيم (عليه السلام) أسّس الكعبة، فقام هو وإبنه إسماعيل (عليهما السلام)بتجديد بناء بيت الله الحرام (1).
وتضيف الآية الكريمة أنّه عندما تمّ بناء البيت خوطب إبراهيم(عليه السلام) : {أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج : 26] (2).
فمهمّة إبراهيم (عليه السلام) كانت تطهير البيت وما حوله من أي نجس ظاهر أو باطن، ومن أي صنم أو مظهر للشرك، من أجل أن يوجّه عباد الرحمن قلوبهم وأبصارهم إليه تعالى وحده في هذا المكان الطاهر، وليقوموا بأهمّ العبادات في هذه البقعة المباركة، ألا وهو الطواف والصلاة في محيط إيمانيّ لا يخالطه شرك.
وأشارت الآية أيضاً إلى ثلاثة من الأركان الأساسيّة في الصلاة : القيام، والركوع، والسجود، بالترتيب، لأنّ الأركان الباقية تستظلّ بها، على الرغم من قول بعض المفسّرين : إنّ «القائمين» تعني هنا المقيمين بمكّة، ومع ملاحظة مسألة الطواف والركوع والسجود التي جاءت قبل كلمة القائمين وبعدها يتّضح لنا أنّ القيام هنا يعني قيام الصلاة وقد إختار هذا المعنى عدد كبير من مفسّري الشيعة والسنّة أو نقلوه باعتباره تفسيراً لها (3).
وكلمتا «ركّع» وهي جمع للراكع، و «السجود» وهي جمع ساجد، لم يرد بينهما واو العطف، بل ذكرتا وصفاً لتقارب هاتان العبادتان.
وبعد إعداد البيت للعبادة، أمر الله تعالى إبراهيم (عليه السلام) : (وأذّن في الناس بالحجّ يأتوك رجالا وعلى كلّ ضامر يأتين من كلّ فجّ عميق).
كلمة «أذّن» مشتقة من «الأذان» أي «الإعلان». و «رجال» جمع «راجل» أي «ماشي». و «الضامر» تعني الحيوان الضعيف. و «الفجّ» في الأصل تعني المسافة بين جبلين، ثمّ أطلقت على الطرق الواسعة و «العميق» تعني هنا «البعيد».
جاء في حديث رواه علي بن إبراهيم في تفسيره : عندما تسلّم إبراهيم (عليه السلام) هذا الأمر الربّاني قال : إنّ أذاني لا يصل إلى أسماع الناس، فأجابه سبحانه وتعالى (عليك الأذان وعليّ البلاغ)! فصعد إبراهيم (عليه السلام) موضع المقام ووضع إصبعيه في اُذنيه وقال : ياأيّها الناس كتب عليكم الحجّ إلى البيت العتيق فأجيبوا ربّكم. وأبلغ الله عزّوجلّ نداءه أسماع جميع الناس حتّى الذين في أصلاب آبائهم وأرحام اُمّهاتهم، فردّوا : لبّيك اللهمّ لبّيك! وإنّ جميع الذين يشاركون في مراسم الحجّ منذ ذلك اليوم وحتّى يوم القيامة، هم من الذين لبّوا دعوة إبراهيم (عليه السلام) (4).
وقد ذكرت الآية هنا الحجّاج المشاة أوّلا، ثمّ الراكبين، لأنّهم أفضل منزلة عند الله، بسب ما يتحمّلون من صعاب السفر أكثر من غيرهم، ولهذا السبب قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «للحاج الراكب بكلّ خطوة تخطوها راحلته سبعون حسنة، وللحاج الماشي بكلّ خطوة يخطوها سبعمائة حسنة» (5).
أو أنّ هذه المنزلة جاءت لتحديد أهميّة حجّ بيت الله الحرام، الذي يجب أن يتمّ بأي اُسلوب وبأيّة إمكانات. وأن لا ينتظر الحاج مركباً له.
أمّا عبارة «ضامر» فتعني الحيوان الضعيف، إشارةً إلى أنّ هذا الطريق يجعل الحيوان هزيلا، لأنّه يجتاز صحاري جافةً محرقة لا زرع فيها ولا ماء، وإستعداداً لتحمل الصعاب في هذا الطريق.
أو يكون المراد أنّ على الحاج إختيار جواد قوي سريع صابر، رشيق ضامر، متدرّب على السير في مثل هذه الطرق، ولا فائدة ترجى من الحيوان المنعم في هذا الطريق. (مثلما لا يمكن للرجال المترفين إجتياز هذا الطريق).
أمّا عبارة (من كلّ فج عميق) فهي إشارة إلى توجّه الحجاج إلى الكعبة، ليس فقط من الأماكن القريبة، بل يشمل ذلك الحجّاج من الأماكن البعيدة أيضاً. كلمة «كلّ» لا تعني هنا الإستغراق والشمول، بل الكثرة.
ويذكر المفسّر المشهور أبو الفتوح الرازي في تفسيره لهذه الآية حياة مثيرة لرجل يدعى «أبو القاسم بشر بن محمّد» فيقول : رأيت حين الطواف شيخاً هزيلا بدت عليه آثار السفر، ورسم التعب علائمه على جبينه. تقدّمت إليه وسألته من أين أنت؟ أجاب : من فجّ عميق طال قطعه خمسة أعوام! فأصبحت شيخاً هزيلا من شدّة تعب السفر وآلامه، فقلت : والله لهي مشقّة، إلاّ أنّها طاعة خالصة وحبّ عميق لله تعالى.
فسّره ذلك ثمّ أنشد :
زر من هويت وإن شطّت بك الدار وحال من دونه حجب وأستار! (6) .
لا يمنعنّك بُعد من زيارته إنّ المحبّ لمن يهواه زوّار!
حقّاً إنّ جاذبية بيت الله هي بدرجة تجعل القلوب الطافحة بالإيمان تهوى إليه من جميع الأنحاء، قربت أم بعدت، تجذب الشاب والشيخ والصغير والكبير، من كلّ اُمّة ومكان، بعيداً أم قريباً، الكل يلبّون الله يأتونه عشّاقاً ليروا مظاهر ذات الله الطاهرة في تلك الأرض المقدّسة بأعينهم، ويشعروا برحمته التي لا حدود لها من أعماق وجودهم (7).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ يراجع للإطلاع على كيفية بناء الكعبة تفسير الآية (127) من سورة البقرة. كما تناولنا ذلك بشرح مسهب في تفسير الآية (96) من سورة آل عمران.
2 ـ في هذه الآية جملة محذوفة تقديرها «أوحينا» وقد أشار إلى ذلك عدد كبير من المفسّرين.
3 ـ يراجع تفسير الآية موضع البحث في تفاسير الميزان، وفي ظلال القرآن، والتبيان، ومجمع البيان، والتّفسير الكبير للفخر الرازي.
4 ـ بتلخيص، عن تفسير علي بن إبراهيم حسبما نقله تفسير نور الثقلين، المجلّد الثّالث، 488.
والآلوسي في روح المعاني، والفخر الرازي، في التّفسير الكبير في تفسير الآية موضع البحث مع بعض الفارق.
5 ـ تفسير «روح المعاني»، و «مجمع البيان»، و «الفخر الرازي".
6 ـ تفسير روح الجنان ، ذيل الآية مورد البحث .
7 ـ يقول العالم الفاضل العلاّمة الشعراني (رضي الله عنه) : إنّ ذلك ليس عجيباً بالنسبة للذين يأتون إلى مكّة من الاندلس أو المغرب أو من أنحاء نائية في الصين أو من استرالية. حيث يستغرق سفرهم زمناً طويلا يصل إلى عدّة أشهر نظراً لوسائط النقل التي كانت تستعمل آنذاك وإفتقاد الطرق للأمن (إضافةً إلى ذلك كان البعض من المتولّهين ببيت الله يتعرّضون إلى السرقة في الطريق فيضطرون إلى العمل من أجل إعداد مؤنة باقي الطريق إلى بيت الله الحرام).
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
مكتب المرجع الديني الأعلى يعزّي باستشهاد عددٍ من المؤمنين في باكستان
|
|
|