المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
ميعاد زراعة الجزر
2024-11-24
أثر التأثير الاسترجاعي على المناخ The Effects of Feedback on Climate
2024-11-24
عمليات الخدمة اللازمة للجزر
2024-11-24
العوامل الجوية المناسبة لزراعة الجزر
2024-11-24
الجزر Carrot (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-24
المناخ في مناطق أخرى
2024-11-24

سليم مولى طربال كوفي.
17-11-2017
القرآن الكريم
22-11-2015
تـنظيـم وظيـفـة تـصميـم المـنتـوج
2023-12-18
آثار الامتناع عن القبول في الكمبيالة
26-4-2017
الاستعمالات والتأثير الطبي للبن (القهوة)
2024-03-11
التفاسير الشيعية في قفص الاتّهام
27-11-2014


أسعد بن المهذب بن أبي المليح مماتي  
  
3311   04:56 مساءاً   التاريخ: 21-06-2015
المؤلف : ياقوت الحموي
الكتاب أو المصدر : معجم الأدباء (إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب)
الجزء والصفحة : ج2، ص178-192
القسم : الأدب الــعربــي / تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-08-2015 2434
التاريخ: 11-3-2016 3192
التاريخ: 19-06-2015 9713
التاريخ: 30-12-2015 3601

أحد الرؤساء الأعيان الجلة، والكتّاب الكبراء المنزلة، ومن تصرف بالأعمال وولي رياسة الديوان وله أدب بارع وخاطر وقاد مسارع وقد صنف في الأدب وعرف ومات بمدينة حلب في الثامن عشر من جمادى الأولى، سنة ست وستمائة على ما نذكره إن شاء الله تعالى. وأصله من نصارى أسيوط بليدة بصعيد مصر قدموا مصر وخدموا وتقدموا وولوا الولايات وهو مع ذلك من أهل بيت في الكتابة عريق المستولي وهو كالمستولي على الديار المصرية ليس على يده يد والمسمون بالخلافة محجوبون ليس لهم غير السكة والخطبة وكان إلى مماتي كثير من الأعمال فحدثني الصاحب الكبير الوزير الجليل جمال الدين الأكرم أبو الحسن علي بن يوسف الشيباني القفطي حرس الله علاه بمدينة حلب قال: بلغني أن بعض تجار الهند قدم إلى مصر ومعه سمكة مصنوعة من عنبر قد تنوق فيها وأجيدت وطيبت ورصعت بالجواهر فعرضها على بدر الجمالي ليبيعها منه فسامها من صاحبها فقال لا أنقصها عن ألف دينار شيئا فأعيدت إليه فخرج بها من دار بدر فقال له أبو المليح أرني هذه السمكة فأراه إياها فقال له كم سمت فيها فقال لا أنقصها عن ألف دينار درهما واحدا فأخذ بيده وقبض ألف دينار من ماله وتركها عنده مدة فاتفق أن شرب أبو مليح يوما وسكر وقال لندمائه قد اشتهيت سمكا هاتم المقلى والنار حتى نقليه بحضرتنا فجاءوه بمقلى حديد وفحم وتركوه على النار وجاء بتلك السمكة العنبر فتركها في المقلى فجعلت تتقلى وتفوح روائحها حتى لم يبق بمصر دار إلا ودخلتها تلك الرائحة وكان بدر الجمالي جالسا فشم تلك الرائحة وتزايدت فاستدعى الخزان وأمرهم بفتح خزائنه وتفتيشها خوفا من حريق قد يكون وقع فيها فوجدوا خزائنه سالمة فقال ويحكم انظروا ما هذا ففتشوا حتى وقعوا على حقيقة الخبر فاستعظم الأمر وقال هذا النصراني الفاعل الصانع قد أكل أموالي واستبد بالدنيا دوني حتى أمكنه أن يفعل مثل هذا. وتركه إلى الغداة فلما دخل إليه وهو مغضب قال له ويحك أستعظم أنا وأنا ملك مصر شرى سمكة من العنبر فأتركها استكثارا لثمنها فتشتريها أنت ثم لا يقنعك حتى تقليها وتذهب في ساعة ألف دينار مصرية ما فعلت هذا إلا وقد نقلت بيت أموالي إليك وفعلت. فقال له: والله ما فعلت هذا إلا غيرة عليك ومحبة لك فإنك اليوم سلطان نصف الدنيا وهذه السمكة لا يشتريها إلا ملك فخفت أن يذهب بها إلى بعض الملوك ويخبره بأنك استعظمها ولم تشترها فأردت أن أعكس الأمر وأعلمه أنك ما تركتها إلا احتقارا لها وأنها لم يكن لها عندك مقدار وأن كاتبا نصرانيا من كتابك اشتراها وأحرقها فيشيع بذلك ذكرك ويعظم عند الملوك قدرك. فاستحسن بدر ذلك منه وأمر له بضعفي ثمنها وزاد في رزقه. وكان مماتي مع ذلك كريما ممدحا قد مدحه الشعراء فذكر أبو الصلت في كتاب الرسالة المصرية له أن أبا طاهر إسماعيل بن محمد النشاع المعروف بابن مكنسة كان منقطعا إليه فلما مات مماتي رثاه ابن مكنسة بقصيدة منها: [مجزوء الكامل]

 (ماذا أرجي من حياتي ... بعد موت أبي المليح)

 (ما كان بالنكس الدنيـ ... ي من الرجال ولا الشحيح)

 (كفر النصارى بعد ما ... غدروا به دين المسيح)

 كذا قال ولعلهم اغتالوه أو قتلوه.

 ولما ولي الأفضل ابن أمير الجيوش بدر الجمالي بعد أبيه دخل إليه ابن مكنسة مادحا فقال له ذهب رجاؤك بموت أبي المليح فما الذي جاء بك إلينا وحرمه ولم يقبل مديحه. وأما المهذب والده وكان يلقب بالخطير فإنه كان كاتب ديوان الجيش بمصر في أواخر أيام المصريين وأول أيام بني أيوب مدة فقصده الكتاب وجعلوا له حديثا عند السلطان فهم به صلاح الدين يوسف بن أيوب أو أسد الدين شيركوه وهو يومئذ المستولي على الديار المصرية فخاف المهذب فجمع أولاده ودخل على السلطان وأسلموا على يده فقبلهم وأحسن إليهم وزاد في ولاياتهم وجب الإسلام ما قبله.

 ووجدت على ظهر كتاب من تصانيف ابن مماتي مكتوبا كان المهذب أبوه المعروف بالخطير مرتبا على ديوان الإقطاعات وهو على دين النصرانية فلما علم أسد الدين شيركوه في بدء أمره بمصر أنه نصراني وأنه يتصرف في عمله بلا غيار نهاه وأمره بغيار النصارى ورفع الذؤابة وشد الزنار وصرفه عن الديوان فبادر هو وأولاده فأسلموا على يده فأقره على ديوانه مدة ثم صرفه عنه فقال فيه ابن الذروي: [مجزوء الكامل]

 (لم يسلم الشيخ الخطير ... لرغبة في دين أحمد)

 (بل ظن أن محاله ... يبقي له الديوان سرمد)

 (والان قد صرفوه عنه ... فدينه فالعود أحمد)

 قال ووجدت بخط ابن مماتي:  

 (صح التمثل في قديم ... الدهر أن العود أحمد)

 ولما أمر شيركوه النصارى بلبس الغيار وأن يعمَّموا بغير عذبة قال عمارة اليمني: [السريع]

 (يا أسد الدين ومن عدله ... يحفظ فينا سنة المصطفى)

 (كفى غيارا شد أوساطنا ... فما الذي يوجب كشف القفا)

 وجرى معه حديث النحويين وأن أحدهم ينقد عمره فيه ولا يتجاوزه إلى شيء من الأدب الذي يراد النحو لأجله من البلاغة وقول الشعر ومعرفة الأخبار والاثار وتصحيح اللغة وضبط الأحاديث. فقال الأسعد: هؤلاء مثلهم مثل الذي يعمل الموازين وليس عنده ما يزن فيه فيأخذها غيرهم فيزن فيها الدر النفيس والجوهر الفاخر والدنانير الحمر والجواهر البيض. وهذا عندي من حسن التمثيل.

أنشدنا سعيد بن أبي الكرم بن هبة الله المصري قال أنشدني الخطير أبو سعيد بن مماتي لنفسه في أبي سعيد بن أبي اليمن النحال وزير العادل وكان نصرانيا وأسلم وكان أملح الناس وجها أعني ابن النحال: [السريع]

 (وشادن لما أتى مقبلا ... سبحت رب العرش باريه)

 (ومذ رأيت النحل في خده ... أيقنت أن الشهد في فيه)

 وأنشدنا سعيد بن أبي الكرم المذكور قال أنشدني الخطير أبو سعيد بن مماتي في ابن النحال أيضا وكان يسكن ابن النحال في أول الدرب وكان في اخر الدرب صبي مثله في الحسن يعرف بابن زنبور: [الطويل]

 (حوى درب نور الدين كل شمردل ... مشددة أوساطهم بالزنانير)

 (فأوله للشهد والنحل منزل ... وآخره يا سادتي للزنابير)

 ومن عجيب ما جرى للخطير أنه كان يوما جالسا في ديوانه في حجرة موسومة بديوان الجيش من قصر السلطان بمصر وكانت حجرة حسنة مرخمة منمقة فجاءه قوم وقالوا له قم من ههنا فقال لهم ما الخبر فقالوا قد تقدم الملك العادل أبو بكر بن أيوب بأخذ رخام هذه الحجرة وأن يعمر به موضعا اخر فخرج منكسرا كاسفا فقيل له في ذلك فقال قد استجيبت فينا دعوة وما أظنني أجلس في ديوان بعدها أما سمعتم إذا بالغوا في الدعاء علينا قالوا خرب الله ديوانه وما بعد الخراب إلا اليباب ثم دخل منزله أو حم فلم  يخرج منه إلا ميتا فلما مات خلفه ابنه الأسعد هذا على ديوان الجيش وتصدر فيه مدة طويلة ثم أضيف إليه في الأيام الصلاحية والعزيزية ديوان المال وهو أجل ديوان من دواوين مصر وتصدر فيه واختص بصحبة القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي البيساني ونفق عليه وحظي عنده وكرم لديه فقام بأمره وأشاع من ذكره ونبه على فضله وصنف له عدة تصانيف باسمه ولم يزل على ذلك إلى أن ملك الملك العادل أبو بكر بن أيوب الديار المصرية وكان وزيره والمدبر لدولته الصفي عبيد الله بن علي بن شكر وكان بينه وبين الأسعد ذحل قديم أيام رياسته عليه ووقعت من الأسعد إهانة في حق ابن شكر فحقدها عليه إلى أن تمكن منه فلما ورد مصر أحضر الأسعد إليه وأقبل بكليته عليه وفوض إليه جميع الدواوين التي كانت باسمه قديما وبقي على ذلك سنة كاملة ثم عمل له المؤامرات ووضع عليه المحالات وأكثر فيه التأويلات ولم يلتفت إلى أعذاره ولا أعاره طرفا لاعتذاره فنكبه نكبة قبيحة ووجه عليه أموالا كثيرة وطالبه بها فلم يكن له وجه لأنه كان عفيفا ذا مروءة فأحال عليه الأجناد فقصدوه وطالبوه وأكثروا عليه واذوه واشتكوه إلى ابن شكر فحكمهم فيه .

 فحدثني المؤيد إبراهيم بن يوسف الشيباني قال سمعت الأسعد يقول علقت في المطالبة على باب داري بمصر على ظهر الطريق في يوم واحد إحدى عشرة مرة فلما رأوا أنني لا وجه لي قيل لي تحيل ونجم هذا المال  عليك في نجوم فقلت أما المال فلا وجه له عندي ولكن إن أطلقت وملكت نفسي استجديت من الناس وسألت من يخافني ويرجوني فلعلي أحصل من هذا الوجه فأما من وجه حاصل فليس لي بعد ما أخذتموه مني درهم واحد فنجم المال علي وأطلقت وبقيت مديدة إلى أن حل بعض نجوم المال علي فاختفيت واستترت وقصدت القرافة وأخفيت نفسي في مقبرة الماذرائيين وأقمت بها مدة عام كامل وضاق الأمر علي فهربت قاصدا للشام على اجتهاد من الأستاذ فلحقني في بعض الطريق فارس مجد فسلم علي وسلم إلي مكتوبا ففضضته وإذا هو من الصفي بن شكر يذكر فيه لا تحسب أن اختفاءك عني كان بحيث لا أدري أين أنت ولا أين مكانك فاعلم أن أخبارك كانت تأتيني يوما يوما وأنك كنت في قبور الماذرائيين بالقرافة منذ يوم كذا وأنني اجتزت هناك واطلعت فرأيتك بعيني وأنك لما خرجت هاربا عرفت خبرك ولو أردت ردك لفعلت ولو علمت أنك قد بقي لك مال أو حال لما تركتك ولم يكن ذنبك عندي مما يبلغ أن أتلف معه نفسك وإنما كان مقصودي أن أدعك تعيش خائفا فقيرا غريبا ممججا في البلاد فلا تظن أنك هربت مني بمكيدة صحت لك علي فاذهب إلى غير دعة الله. قال وتركني القاصد وعاد فبقيت مبهوتا إلى أن وصلت إلى حلب.

 فحدثني الصاحب جمال الدين الأكرم أدام الله علوه لما ورد إلى حلب نزل في داري فأقام عندي مدة وذلك في سنة أربع وستمائة وعرف الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين بن أيوب رحمه الله خبره فأكرمه وأجرى عليه في كل يوم دينارا صوريا وثلاثة دنانير أخرى أجرة دار فكان يصل إليه في كل ثلاثة أشهر ثلاثون دينارا غير بر وألطاف ما كان يخليه منها وأقام عنده على قدم العطلة إلى سنة ست وستمائة كما ذكرنا ومات فدفن بظاهر حلب بمقام بقرب قبر أبي بكر الهروي. وله تصانيف كثيرة يقصد بها قصد التأدب وفي معرض وقائع تجري ويعرضها على الأكابر لم تكن مفيدة إفادة علمية إنما كانت شبيهة بتصانيف الثعالبي وأضرابه فمن ذلك كتاب تلقين التفنن في الفقه كتاب سر الشعر كتاب علم النثر كتاب الشيء بالشيء يذكر وعرضه على القاضي فسماه سلاسل الذهب لأخذ بعضه بشعب بعض كتاب تهذيب الأفعال لابن ظريف كتاب قرقرة الدجاج في ألفاظ ابن الحجاج كتاب الفاشوش في أحكام قراقوش كتاب لطائف الذخيرة لابن بسام كتاب ملاذ الأفكار وملاذ الاعتبار كتاب سيرة صلاح الدين يوسف بن أيوب كتاب أخاير الذخائر كتاب كرم النجار في حفظ الجار عمله للملك الظاهر لما قدم عليه كتاب ترجمان الجمان كتاب مذاهب المواهب كتاب باعث الجلد عند حادث الولد كتاب الحض على الرضى بالحظ كتاب زواهر السدف وجواهر الصدف كتاب قرص العتاب كتاب درة التاج كتاب ميسور النقد كتاب المنتخل كتاب أعلام النصر كتاب خصائص المعرفة في المعميات. وكان علم الدين بن الحجاج شريكه في ديوان الجيش وكان بينهما ما يكون بين المتماثلين في العمل فعمل فيه الكتاب المتقدم ذكره وهجاه بعدة أشعار منها: [مجزوء الوافر]

 (حكى نهرين ما في الأر ... ض من يحكيهما أبدا)

 (ففي أفعاله ثورى ... وفي ألفاظه بَرَدَى)

وكان له نوادر حسنة حادة منها ما حدثني به الصاحب القاضي الأكرم قال ركبنا وخرجنا يوما نسير بظاهر حلب فكان خروجنا من أحد أبوابها ودرنا سور البلد جميعه ثم دخلنا من ذلك الباب فقال اليوم تسييرنا تدليك قلت كيف قال من برا برا.

 وكان السديد بن المنذر وهو رجل فقيه اتصل بالسلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بعض الاتصال فجعل لنفسه بذلك سوقا واستجلب بما يمت به من ذلك وإن كان باطلا رزقا وكان أعور رديئا قليل الدين بغيضا ولما أحدث الملك الظاهر غازي قناة الماء بحلب وأجراها في شوارعها ودور الناس فوض إلى ابن المنذر النظر في مصالحها ورزق على ذلك رزقا حسنا نحو ثلاثمائة درهم في الشهر فسأل عنه الأمير فارس الدين ميمون القصري والأسعد بن مماتي حاضر فقال له مسرعا هو اليوم مستخدم على قناة. فأعجب بحسن هذه النادرة الحاضرين.

 وقيل للأسعد يوما أي شيء يشبه ابن المنذر فقال يشبه الزب فاستبردوا ذلك وظنوا أنه إنما ذهب إلى عورة فقط فقال مالكم لا تسألوني كيف يشبهه فقالوا كيف قال هو أقرع أصلع أعور يسمع بلا أذن يدخل المداخل الرديئة بجدة واجتهاد ويرجع منكسرا فاستحسن ذلك. وله شعر من ذلك قوله في الثلج في رجب سنة خمس وستمائة: [البسيط]

 (قد قلت لما رأيت الثلج منبسطا ... على الطريق إلى أن ضل سالكها)

 (ما بيض الله وجه الأرض في حلب ... إلا لأن غياث الدين مالكها)

 وقال أيضا فيه: [المجتث]

 (لما رأت عيني الثلج ... ساقطا كالأقاحي)

(وصار ليل الثرى منه ... أبيضا كالصباح)

 (حسبت ذلك من ذوب ... در عقد الوشاح)

 (أو من حباب الحميا ... أو من ثغور الملاح)

 (فما على داخل النار ... بعد ذا من جناح)

 وقال أيضا فيه:

 (بسيف غياث الدين غازي بن يوسف بـ ... ن أيوب دام القتل واتصل الفتح)

 (وشاهدته في الدست والثلج دونه ... فقلت: سليمان بن داود والصرح)

 وقال أيضا فيه: [مجزوء الكامل]

 (مذ رأينا الصبح يزدا ... ن ويزداد انفراشا)

 (وحسبنا نوره يطـ ... رد من خلف الفراشا)

 (نثر الثلج علينا ... ياسمينا وفراشا)

 (ورأى أن يرسل الأسـ ... هم بالبرد فراشا)

 (فغدا الكافور في عنـ ... برة الأرض فراشا)

 وقال أيضا فيه: [المجتث]

 (لما رأت عيني الثلـ ... ـج خلته الياسمينا)

 (وقلت من عجب منـ ... ـه أصبح الآس مينا)

 (وخلته من ثغور الـ ... ـملاح للآثمينا)

 (فما أرادوا من الدرْ ...رِ قط إلا ثمينا)

وقال أيضا فيه: [مجزوء الرجز]

 (لما رأيت الثلج قد ... أضحت به الأرض سما)

 (وأنست الصبا الصبا ... وأذكرت جهنما)

 (خفت فما فتحت من ... تعاظم الخوف فما)

 (فإن نما صبري وهـ ... ـوناقص فإنما)

 وقال أيضا فيه:

 (لما رأيت الثلج قد ... غطى الوهاد والقنن)

 (سألت يأهل حلب ... هل تمطر السما اللبن)

 نقل من خطه ومن شعره أيضا: [الكامل]

 (وحياء ذاك الوجه بل وحياته ... قسم يريك الحسن في قسماته)

 (لأرابطن على الغرام بثغره ... لأفوز بالمرجو من حسناته)

 (وأجاهدن عواذلي في حبه ... بالمرهفات علي من لحظاته)

 (قد صيغ من ذهب وقلد جوهرا ... فلذاك ليس يجوز أخذ زكاته)

 وله أيضا: [الطويل]

 (يعاهدني ألا يخون وينكث ... ويحلف لي ألا يصد ويحنث)

 (ومن أعجب الأشياء أنك ساكن ... بقلبي وأني عن مكانك أبحث)

 (وللحسن يا للهِ طرفٌ مذكرٌ ... يتيه به عجبا وطرف مؤنث)

 ومنه أيضا:

 

 (يا سالب الظبية لحظا وجيد ... أجر لمن تهجر أجر الشهيد)

 (متى رأى طرفك قتل امرئ ... بأسهم اللحظ فقيد الفقيد)

 وله دوبيت: [دوبيت]

 (يا غصن أراك حاملا عود أراك ... حاشاك إلى السواك يحتاج سواك)

 (قل لي أنهاك عن مجيك نهاك ... لو تم وفاك بست خديك وفاك)

 كذا وجدت له في أشعار مجموعة وأنشدني هذين الدوبيت بعض أهل الأدب وذكر أنهما للعماد الأصبهاني الكاتب وهما به أشبه لأنهما في غاية الجودة وابن مماتي في طبقة شعره انحطاط جدا.

 ومن شعره أيضا: [الخفيف]

 (قد نهانا عن الغرام نهانا ... إذ هوانا ألا نذوق هوانا)

 (وهجرنا الحبيب خيفة أن يهجر ... بدءا فيستمر عنانا)

 (وتركناه للورى فكأنا ... قد أدرناه بيننا دستكانا)

 (وأنسنا من وحشة بفراق ... فافترقنا كما ترى برضانا)

(وسمعنا من العذول كلاما ... فأنفنا من ضحكه لبكانا)

 (أي خير يكون في حب من فوق ... سهما من لحظه ورمانا)

 (نحن لو لم نكن هجرناه من قبل ... لأبدى صدوده وجفانا)

 (شيمة في الملاح قد أحسن الدهر ... بإعلامنا بها وأسانا)

 (وصباح المشيب يظهر ما كان ... ظلام الشباب عنه ثنانا)

 (ما مشينا إلى الصبابة إلا ... وخطانا معدودة من خطانا)

 (فأدرها معسجدات كؤوسا ... مطلعات من الحباب جمانا)

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.