أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-2-2017
3922
التاريخ: 25/12/2022
1150
التاريخ: 26-7-2016
2552
التاريخ: 8-6-2017
2052
|
عادة تخضع التنشئة الاجتماعية للأطفال لمؤثرات عديدة تلعب دورها في طبيعة هذه التنشئة وأسلوبها وشكلها منها (شخصية الوالدين) وما تعكسه هذه الشخصية من سلوك وثقافة وتربية وأساليب العيش على الأطفال، إضافة إلى تأثير الأفكار الدارجة التي تروج لها وسائل الإعلام، ووسائل الاتصال المختلفة، وكتب الأطفال، ولعبهم وتجمعاتهم الاجتماعية في المحيط الاجتماعي وفي الجو المدرسي، وفي عموم البيئة التي يتحرك فيها الطفل ويلتقط منها ما هو مسموع ومرئي من العلامات والألفاظ والصور والسلوكيات وكلها تشكل تحولاً في إطار التنشئة الاجتماعية وبنيتها التربوية والتطبيعية في المجتمع..
هذا يعني ان طبيعة المجتمع، وأساليب نشأة أفراده وتقاليده وما تعارف عليه من قيم وطباع ونظم هي المحدد العام أو الخاص لطبيعة عيش هؤلاء الأفراد ونظمهم السلوكية والأخلاقية والتربوية التي انطلقت من قيمهم الثقافية والحضارية التي ساروا عليها وتطبعوا على وفق نهجها وأساليبها في الحياة..
من هنا تأتي التنشئة الاجتماعية لتضع الإطار الصحيح لسمات الثقافة العامة لهذا المجتمع، ولتضع الإطار الصحيح الذي ينظم آليات التعايش والتكيف والتهذيب والإعداد الاجتماعي والتربوي والثقافي للأفراد.. فإننا عندما نريد ان يخضع الأفراد إلى نظم المجتمع وقياساته في الأخلاق والتربية والسلوك فأننا نعمل بالدرجة الأساس على تهذيب الأفراد تهذيباً كاملاً على وفق ذلك، على ان يخضع هذا التهذيب لنظمنا وعاداتنا وأساليبها وأنماطنا الثقافية والاجتماعية والتربوية، لكي تتم من خلال ذلك عملية التوافق الصحيح بين ما يريده نظام المجتمع من ضبط سلوكي واجتماعي في ضوابط الشخصية الفردية وعلاقتها بالأفراد الآخرين في المجتمع، وبين وما نريده نحن من مستوى أخلاقي وتربوي واجتماعي وثقافي لأفراد أسرنا أو مجتمعنا، لكي نجعل الحياة أكثر استقراراً والعيش فيها أكثر أماناً وسلامة ورقي، وتكيفاً بين الفرد والجماعات.. وهذا ما يقوم به التهذيب في عملياته وأدواره ونشاطه وفاعلياته في جوهر التنشئة الاجتماعية، والتهذيب هنا هو المعوّل عليه للقيام بمهمة الإعداد والتكيف والضبط والتوافق الاجتماعي والسلوكي والأخلاقي والتربوي لنظم الشخصية ودوافعها وقدراتها، ولأن التهذيب هو روح التنشئة الاجتماعية وجوهرها، فلا تنشئة اجتماعية سليمة دون ان يكون هناك تهذيب سليم وفاعل في آلياتها، وإذا تركت التنشئة الاجتماعية مسؤوليتها في التهذيب فإنها تسلم أمرها إلى (القضاء والقدر) ومؤثرات العوامل الخارجية السلبية منها والايجابية في ان تفعل فعلها، في إطار هذه التنشئة لهذا الطفل أو ذاك لتصنع منه شخصية عدوانية، أو خارجة عن القانون، أو شخصية ضعيفة وسلبية يصعب تكيفها الطبيعي مع المجتمع السوي، أو تصنع من هذا وذاك شخصية طيعة تتقبل كل المؤثرات السلبية أو الايجابية وتتوافق معها بنفس المستوى، فيجعلها ذلك سهلة أمام عوامل الانحراف والانزلاق من التنشئة الاجتماعية المتوافقة إلى مهاوي الجريمة والجنوح والسلوك السلبي، الذي لا يؤثر على هذا الفرد وشخصيته فحسب إنما يكون تأثيره السلبي على عموم المجتمع وبنيانه الاجتماعي والأخلاقي، لذلك يأتي التهذيب لتفعيل التنشئة الاجتماعية في فعلها ودورها الأساس..
والتهذيب أو الترويض كما يحدده العلماء هو المعنى الايجابي لأسلوب التنشئة الاجتماعية، إذ يقصد منه اعتبارات ومحددات عديدة لضبط السلوك والانفعالات والغرائز والتصرف، والخلاصة منه إلى نوع من السلوك المتوافق مع التكيف الاجتماعي وطبيعة نظم المجتمع السلوكية والاجتماعية..
ويعرف التهذيب كما يحدده علماء (هيئة معهد دراسة الطفل بجامعة تورنتو بكندا) على انه : (التخطيط لكافة المؤثرات التي سوف توجه تطور الطفل وتقوده، أما الاستعمال الشائع للتهذيب بين الناس والذي يعتبر التهذيب مجموعة من العقوبات ومن القيود والأوامر والنواهي، فانه يعني نظرة ضيقة ومحددة إلى أسس تهذيب الطفل، ولا يمكن قبولها أساساً، وإنما يعتبر التهذيب محاولة من جانب الأبوين والمعلمين وسواهم في تهيئة الشروط الملائمة التي يمكن بواسطتها مساعدة الطفل على ان يتعلم الأنماط المرغوبة في السلوك، وان الغرض الأساسي من هذا التهذيب ليس إنتاج أطفال حسني التصرف فحسب، وإنما لكي ينشأوا سعداء، ويترعرعوا وهم حسنوا التوافق والتلاؤم في حياتهم)(1). لذلك علينا ان نعي تماماً آليات التهذيب الصحيح والغرض منه لكي نخرج بنتيجة إيجابية تحقق لنا ما نصبوا إليه في تهذيب الطفل وترويضه بالطريقة التي تمنح التوافق الموضوعي بيننا وبين الطفل، أي تمنحنا الرضا بمستوى هذا التهذيب ونتائجه في شخصية الطفل، ورضا الطفل علينا، وقبوله بنتائج التهذيب وعوامله الفاعلة والمؤثرة إيجابياً في سلوكه وفي محيطه..
إن التهذيب في إطاره الوظيفي يقوم على أساس التوجيه والإرشاد لنوازع الطفل وقدراته وغرائزه وسلوكه، وهذا التوجيه والإرشاد يتطلب نوعاً من الضبط الذي يؤدي إلى النتائج المرجوة.. وهذا الضبط هو الذي يراقب الطفل وينظم شؤونه وسلوكه وفعالياته، وتعتبر من أهم مقومات التهذيب، وأكثر النتائج فعالية وايجابية في تربية الطفل وتهذيبه، ويتطلب هذا الضبط في آليات التربية والتهذيب (السيطرة المباشرة وغير المباشرة على شؤون الطفل من غير إلحاح عليه، فكلما كانت السيطرة غير المباشرة ناجحة أكثر في قيادة الطفل كلما قلت الحاجة إلى إتباع السيطرة المباشرة في توجيهه، لذلك جاء الضبط ضرورياً وذلك لعدم نضج الطفل النضج الكافي، ولمساعدته على ان يتعلم كيف يتوافق من الناحية الاجتماعية مع الآخرين، ولحمل الطفل على اكتساب القدرة على الضبط الذاتي)(2) الذي يدفع الطفل إلى الاعتماد على قدراته وحوافزه الذاتية في اختيار السلوك الايجابي والتقيد به بناء على ضبطه الذاتي الذي جعله يميز بين السلبي والايجابي في السلوك الاجتماعي العام ..
إن التهذيب لكي يأخذ دوره ووظائفه وفاعليته في سلوك الطفل وقدراته ودوافعه ومجمل فعالياته الشخصية، يحتاج إلى قيادته في التوجيه والتنظيم والإرشاد.. لذا تقع مسؤوليته الكبرى بشكل أساسي على الوالدين بوصفهما المسؤولان الأساسيان عن إدارة السلطة في البيت، وقد أدرك العلماء دور الوالدين وفاعليتهما في تربية الطفل وتهذيبه، فأكدوا على ان الأم تضطلع بدور أكبر ومسؤولية أوسع من الأب للأسباب التالية: لأنها تبذل جهوداً أكبر ولمدة أطول في العناية الشخصية به.
وأنها أعمق تفهماً لدرجة تقدمه ومديات تطوره.
وان الأم لها الميل نحو تقضية وقت أطول في السهر على الأطفال والعناية بهم ..
وكذلك زيادة اعتماد الطفل على أمه.
ولأن الأب يغيب عن البيت معظم النهار عادة، فتشغل الأم مكان الأب في تنظيم أعمال الطفل الروتينية اليومية..
ولأن الأب يبقى بعيداً عن الاهتمام بالطفل الصغير جداً أو العناية به (3).
ونتيجة لذلك تحدث هناك بعض الفروق الأساسية في أسلوب تنشئة الطفل ومقومات تربيته وتهذيبه، وقد خلص علماء معهد دراسة الطفل بجامعة تورنتو بكندا، على ان الأب والأم (يحتاجان إلى الاتفاق على خطة وأسلوب معينين يتبعانه في تنشئة الطفل ثقافياً واجتماعياً لسببين اساسيين:
أولهما: ان عدم الاتفاق على ذلك يؤدي إلى الفوضى والارتباك. .
وثانيهما: ان هناك خطراً في ان يصبح أحد الأبوين متساهلا مع الطفل، للتعويض عن التشدد الذي يبديه الآخر منهما نحوه، كذلك يحتاج الأبوان إلى عقد مؤتمرات، أو جلسات بين الحين والآخر لغرض تحديد الأهداف والقيم والمبادئ الأساسية، وكذلك تعيين الأساليب المؤدية لتحقيقها.. كذلك يخشى من خطر آخر إلا وهو: ان أحد الأبوين ينحو اتجاهات ومستويات أعلى مما لدي الآخر منهما.. لذا، لا ينبغي لأحد الأبوين ان يستأثر بمركز الصدارة في تنظيم شؤون الطفل، سواء في نواحي وضع الخطط، وفي طريقة حل المشكلات التي يعاني منها الطفل) (4).
ولكي لا يكون هناك خلل في آلية التنشئة الاجتماعية والثقافية، وطريقتها وأسلوبها في ضبط سلوك الطفل وتربيته في الإطار الصحيح..
___________________________________
(1) فصول ملخصة في أسس تهذيب الطفل ص 10.
(2) المرجع نفسه ص 16.
(3) المرجع نفسه ص 39.
(4) المرجع نفسه ص 41.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|