الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
لغة التعليم الجامعي
المؤلف:
أ. د. عبد الكريم بكَار
المصدر:
حول التربية والتعليم
الجزء والصفحة:
ص 246 ــ 250
2025-08-18
30
تعذر المؤسسات في أشكال القصور الناشئة عن أمور خارج إرادتها، مثل الإمكانات المادية - مثلاً - لكن لا أدري كيف نصنع في تسويغ خطأ كبير، لا تكلف إزالة أي شيء، ولا يملك قرار الخلاص منه أحد سوانا؟!
إن معظم كليات الطب والهندسة وبعض الكليات الأخرى في جامعاتنا العربية، تدرس مناهجها بلغة أجنبية كثيراً ما تكون (الإنجليزية) وأحياناً (الفرنسية)، وسيكون من المؤسف أن نحتاج إلى براهين وأدلة على أهمية التدريس باللغة العربية في جميع التخصصات، مع أن ذلك هو الأصل؛ وما هو سائد الآن هو الذي يحتاج إلى تسويغ!
يمكن القول في هذا السياق: إن مسألة تدريس العلوم بلغتنا العربية من المسائل المتصلة بالسيادة والكرامة والمتعلقة باستكمال مكونات الاستقلال، والخروج من الدوران في فلك الآخرين، والعيش على هامش ثقافاتهم، وإن إهمال لغتنا، وإبعادها عن بعض مجالات التعليم، هو ضرب من ضروب احتقار الذات، وتهيئة جلية لنوع من التبعية الحضارية لأولئك الذين نعلم بلغاتهم.
إن الاتجاهات اللغوية الحديثة ترفض اعتبار اللغة أداة مجردة، لا تتفاعل مع الفكر والحياة؛ فاللغة ليست وعاء فحسب، وإنما هي وعاء ومضمون أيضاً. كما أن تلك الاتجاهات ترفض أيضاً ادعاء قصور أي لغة عن استيعاب العلوم ولا سيما اللغة التي كان لها إنجاب فكري سابق بحجم ما فعلته العربية، وإنه لمن المعترف به اليوم أن التفكير إذا ما خضع لمقتضيات الطرق العلمية، فإنه يتخذ الخطوات نفسها - حيثما كان وبأي لغة اختيرت - في وصف التجربة (1).
إن تدريس بعض العلوم بلغات أجنبية يكون لدينا جزراً ثقافية معزولة عن محيطها، كما يحرم السواد الأعظم من الناس من الاطلاع على تلك العلوم والتفاعل معها. هناك تجارب تفيد بأن استيعاب الطلاب للمواد الدراسية يكون أفضل بكثير عندما يدرسون هذه المواد باللغة العربية، وذلك لأن حواس الإنسان العربي معتادة على تأثيرات لغته العربية، وتدريس العلوم بلغة أجنبية، يجعل الطلاب مخذولين من حيث الفهم، ثم من حيث الإبداع؛ لأن سيطرتهم على تلك اللغة لن تكون أبداً كسيطرتهم على لغتهم الام (2).
تقدم جامعة دمشق تجربة حية في هذه القضية، فقد أنشئت كلية الطب فيها عام 1919 تحت اسم (المعهد الطبي) ومنذ ذلك اليوم، وإلى يومنا هذا تقدم جميع موادها باللغة العربية، فهل ثبت أن خريجها أقل كفاءة من أولئك الذين درسوا باللغات الأجنبية، وهل ثبت أن دراستهم بالعربية أعاقتهم عن متابعة تخصصاتهم العليا في البلاد المتقدمة، أم هل ثبت أن الذين درسوا بالإنجليزية مثلاً، قدموا إسهامات متميزة في تخصصاتهم أكثر مما قدمه الذين درسوا بالعربية؟ إنه لم يثبت شيء من ذلك، بل إن الذي ثبت هو العكس.
في عام 1975 تقدمت مجموعة من خريجي كلية الطب بجامعة دمشق في امتحان في بيروت من أجل إكمال دراستهم العليا في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان مع تلك المجموعة طلاب لبنانيون ومصريون وفلسطينيون وأردنيون، وهؤلاء جميعاً درسوا الطب باللغة الإنجليزية، ومن الطبيعي أن تكون الأسئلة باللغة الإنجليزية، وكانت النتيجة أن نصف الناجحين في الاختبار كان من الأطباء السوريين، والنصف الثاني كان من أطباء الدول الأربع الأخرى!
إن تجربة جامعة دمشق ليست تجربة فذة (3)، بل إنها جزء من تجارب عالمية كثيرة، فالأمم المتقدمة والمتخلفة جميعاً تأنف من التدريس بغير لغاتها الوطنية، مهما كانت لغاتها متخلفة وعسيرة الاستخدام (4)، فالمسألة ليست مسألة تجارية ولا مزاجية. إن هناك لغات كثيرة لم تمر بالتجربة الحضارية والتاريخية التي مرت بها العربية، ومع ذلك فإن أهلها يستخدمونها في تدريس العلوم في جامعاتهم، مثل اليوغسلافية والبلغارية والتركية.
وتقدم اليابان نموذجاً متقدماً في التمسك بلغة يعاني المثقفون قبل غيرهم من استخدامها، إذ يقولون: إن القارئ يحتاج لكي يتمكن من قراءة جريدة يابانية إلى معرفة 1850 حرفاً، وإن هذا العدد يزداد كلما زادت ثقافة الإنسان واتسعت معرفته (5). ويذكر بعض المختصين أن المثقف الياباني عالي المستوى قد يحتاج إلى معرفة ما يتراوح بين 45000 حرف و50000 ألفاً من رسوم اللغة اليابانية! وقد حدثني أحد المثقفين من مسلمي اليابان أنه ينوي ترجمة (صحيح البخاري) إلى اللغة اليابانية، وأن مشكلته في ذلك ليست العربية، وإنما لغته الأم اليابانية ومع هذا فإن اليابان تعد لغتها تلك من مكونات شخصيتها الرئيسة، ومن أعمدة تاريخها؛ ولذا فإنها تتحمل تكاليف الإبقاء عليها. ولم تحل اللغة اليابانية الشديدة التعقيد والصعوبة دون تربع اليابان اليوم على قمة الدول المتقدمة في مجالات العلوم والتقنية؛ مما يدل على أن اللغة - مهما كانت قاصرة - تظل كائناً مبدعاً وشديد الطواعية.
ولماذا نذهب إلى آخر المعمورة، ولا ننظر في قلب منطقتنا، حيث استطاع اليهود إحياء اللغة العبرية مما يشبه العدم، وهي الآن لغة التعليم العالي والبحث العلمي في فلسطين المحتلة، مع أن عملية الإحياء الضخمة حين تمت كانت من أجل المساهمة في إيجاد رابطة قومية بين مليونين من اليهود في فلسطين السليبة ولا يستطيع أحد أن يقول اليوم: إن الجامعات اليهودية في فلسطين ضعيفة أو متخلفة.
إن الذين يرون استمرار تدريس الطب والهندسة وغيرها باللغات الأجنبية، يحتجون بوجود عدد من المشكلات التي تحول دون الانطلاق إلى تعريب التعليم الجامعي، وأهم تلك المشكلات عدم وجود مصطلحات علمية باللغة العربية سهلة وواضحة وشاملة لكل العلوم، بالإضافة إلى أن معظم الأساتذة الجامعيين في التخصصات العلمية، هم من خريجي الجامعات الأجنبية، وهم لذلك لا يستطيعون تدريس اختصاصاتهم بالعربية بصورة مرضية.
ويزيدون على هذا أن التعريب يعزل الطالب الجامعي العربي عن الفكر العالمي، ويجعل من العسير عليه الالتحاق بالجامعات الأجنبية لإكمال دراساته العليا. ولا ينسون أن يثيروا مشكلة توفر الكتاب الجامعي باللغة العربية في الفروع العلمية المشار إليها، كما أن الدوريات العلمية، يصدر أكثرها أيضاً بلغات أجنبية (6).
ولا يرى المتحمسون للتعريب أن يعزل الطالب عن اللغات الحية، وإنما يقترحون أن يدرس الطالب الجامعي لغة أجنبية حية بكثافة، كما يمكن أن تقرر عليه مادة بلغة أجنبية كي يجد الحافز على تعلمها. أما المراجع العلمية، فإن علينا أن نفعل كما تفعل الأمم التي تهتم بالمعرفة، وليس لها لغات عالمية، مثل روسيا واليابان والصين وغيرها، فإنها أقامت أجهزة ضخمة للترجمة؛ كي تتيح المعرفة العالمية لأبنائها!
والحقيقة أن كل ما ذكر من صعوبات تواجه التعليم بالعربية، أقرب إلى أن يكون موهوماً أو مصطنعاً، وحين يصدر القرار من الجهات المشرفة على مسائل السيادة الوطنية، فإن كل ذلك سوف يكون سراباً!
إضاءة: إذا أردت أن تدرس مجتمعاً فادرس نظامه التربوي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ اللغة العربية في التعليم العالي: 50.
2ـ رؤية مستقبلية لدور التعليم العالي والبحث العلمي: 73.
3ـ من الجدير بالذكر أن الطب كان يدرس في مصر قبل الاحتلال الإنجليزي باللغة العربية، وحين جاء الإنجليز جعلوه بالإنجليزية، واستمر الأمر على ذلك إلى يومنا هذا.
4ـ يحدث في بعض الأحيان أن تكون لغات بعض الشعوب شفوية، كما هو الشأن في بعض اللغات الأفريقية، أو يكون لدى الشعب الواحد تنوع لغوي كبير، كما في الهند، وفي هذه الحالة يتم اللجوء اضطراراً إلى لغة أجنبية لتكون وسيلة تفاهم وتعلم.
5ـ اللغة العربية في التعليم العالي: 59.
6ـ التربية في البلاد العربية: 780، وما بعدها.
الاكثر قراءة في التربية العلمية والفكرية والثقافية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
