حكمانيـة السوق في النظرية والمفاهيـم الأساسية (الفضاءات الثلاثة لدولة الإنتاج) |
1810
12:11 صباحاً
التاريخ: 28-6-2021
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-8-2021
1734
التاريخ: 28-6-2021
1530
التاريخ: 2024-01-19
1017
التاريخ: 3-9-2021
2287
|
الفصل الأول
حكمانيـة السوق
في النظرية والمفاهيـم الأساسية
أولاً : الفضاءات الثلاثة لدولة الإنتاج
في خضم حركة التغيير المستعرة في البلدان العربية التي يحركها طموح الشعوب العربية للتحول من رعايا إلى مواطنين، وتحول دولهم من مزارع وإقطاعات لأشخاص أو فئات متحكمة إلى دول يملكها مجموع المواطنين ويحكمونها بممثليهم الأمناء ولمصلحة المجموع، ثمة هواجس تشغل بال اليقظين على الاحتمالات التي تتمخض عنها مجريات الحوادث، ولا سيما تأثير ذلك كله في معيشة المواطنين وأرزاقهم، في العمالة أو البطالة، وفي نمو الدخل والثروة وعدالة توزيعهما، ما يعزز هذه الهواجس هو أن حقبة التغيير تشهد في الأرجح انتكاساً في الأداء التنموي السابق، حتى لو كان متدنیاً وغير كافي. وفي مركز الاهتمام من ذلك كله الحكمانية (نسق الحُكم) التي تتكوّن في رحم ذلك الحراك وتتولد منها الإجابات عن تلك الهواجس .
ما هي الحكمانية الجديدة التي ينتظرها السوق؟ أي ما هي المؤسسات الاجتماعية والسياسية الجديدة التي ستشكل نسق الحكم في السوق؟ يتخذ طرح هذا السؤال مشروعيته من كون هذه المؤسسات هي التي تُكوّن المناخ الملائم للتنمية الناجحة ، أو المناخ الذي يحبطها. وفي مقدم هذه المؤسسات تلك التي تُحدد الطرائق التي يُكتسب بها الرزق (علاقات الإنتاج)، وتتكون بها الثروة، وتحديداً طرائق تخصيص الثروة والتصرف بها : هل تتكون الثروة من المال الريعي، أي المال المُجتنی من استغلال غير منتج كأرباح الاحتكار مثلاً، أم تنشأ من الدخل المتولد من الإنتاج؟ وهل تُبدّد الثروة المُدخرة في أغراض الاستهلاك، أم تُستثمر في توسيع قاعدة الإنتاج وتنمية الاقتصاد ؟ وكيف ينعكس ذلك كله على العدالة في توزيع الدخل والثروة؟
على رأس المؤسسات التي تُحدّد الجواب عن تلك الأسئلة هي تلك التي تُنظّم النشاط الإنتاجي في الاقتصاد ، وتحدد حركة المواطنين الناشطين اقتصادياً بین فضاءات ثلاثة في المجتمع : الفضاء العام الذي اصطُلِحَ على تسميته القطاع العام، وهو قطاع مؤسسات الدولة والحكم والفضاء الخاص الذي اصطُلِحَ على تسميته القطاع الخاص، وهو الذي يضم المواطنين خارج مؤسسات الدولة. لكن هناك إلتباساً وقع في استعمال مصطلح القطاع الخاص، كما سنرى، وهو أنه غلب على مفهومه "قطاع الأعمال" ، و"مؤسسات السوق الساعية إلى الربح" . بينما يقضي التحليل فرز فضاء ثالث يضُم المؤسسات التي تتعامل بالسلع والخدمات ، إنتاجاً وتوزيعاً ، وتتعامل مع المواطنين كمستهلكين للسلع والخدمات، لكنها لا تسعى إلى الربح، بل إلى الخدمة العامة، وهي المؤسسات الإنتاجية غير الربحية المنتمية إلى المجتمع المدني.
في الفصل الحالي، نتناول بعض المفاهيم التي تُنظّم العلاقة وتُقسّم العمل بين الفضاءات الثلاثة في ما يخص حكمانية اقتصاد السوق بما يعظّم الإنتاجية والتنمية في هذا الاقتصاد. وتتعلق هذه المفاهيم في الأساس بالتدخل في نسق ملكية وإدارة المنشآت الإنتاجية في الاقتصاد الوطني، من خلال سياسات "الخصخصة" في الاقتصادات المصنفة كـ "اقتصادات سوق" من جهة، وسياسات العبور من " اقتصاد الدولة " إلى " اقتصاد السوق" ، في الاقتصادات التي عُرفَت بهيمنة الدولة الواسعة على الاقتصاد.
استُخدِمَ تعبير الخصخصة في الأصل ليشير إلى عملية جرت وتجري ضمن بلدان يسودها بدرجات مختلفة نسق التنظيم الاقتصادي المعروف باقتصاد السوق، حيث يقوم إنتاج السلع والخدمات واستهلاكها وتوزيعها من حيث المبدأ على عوامل العرض والطلب وآلية الأسعار في السوق. وغرض هذه العملية توسيع نطاق السوق ليشمل فروعاً من الإنتاج استأثرت الدولة، أو القطاع العام، بالسيطرة عليها وفق اجتهاد أن هذه الفروع معنية بإنتاج السلع العامة وخدمات المرافق العامة التي يعتبر الانتفاع بها من الحقوق التي يتساوی فيها المواطنون، وبالتالي لا يجوز حصر الانتفاع بها بمن يملك القوة الشرائية في حال ترك إنتاجها وتوزيعها إلى قوى السوق (عوامل العرض والطلب وآلية الأسعار)، وما يعنيه ذلك من حرمان قطاعات كبيرة من المواطنين من حقوقهم فيها.
لم يجادل دعاة الخصخصة في طبيعة السلع العامة وحقوق المواطنين في الانتفاع بها، لكنهم جادلوا في كفاءة القطاع العام في إنتاجها، معتبرين أن المشروعات التي يديرها القطاع الخاص، سواء أكان مالكاً أم متعاقداً على الإدارة، هي أكثر كفاءة وأقل عرضة للفساد من تلك التي يملكها القطاع العام ويديرها. لذلك، نادوا بتحويل الأصول المملوكة للدولة إلى أصول يديرها القطاع الخاص، إما بالتعاقد مع المنشآت الخاصة لإدارة هذه الأصول، أو بيعها جزئياً أو كلياً للمنشآت الخاصة ، على أن تكفل حقوق المواطنين فيها من خلال تسعير منتوجاتها وفق سياسة الدولة المطبقة من خلال هیئات مستقلة منوط بها تنظيم القطاعات التي جرت خصخصتها.
لكن هذا المفهوم للخصخصة في البلدان التي ساد فيها أصلاً " اقتصاد السوق يختلف بدرجة كبيرة عن مفهوم "العبور إلى اقتصاد السوق" في البلدان التي جردتها الأيديولوجيا الاشتراكية من فضاء ينشط فيه القطاع الخاص وفق عوامل العرض والطلب وآلية الأسعار، واستبعدت أي دور ذي مغزى لاقتصاد غير اقتصاد التخطيط المركزي، تتولى الدولة من خلاله السيطرة شبه الكاملة على العملية الاقتصادية من إنتاج واستهلاك وتوزيع واستثمار.
لذلك، من المفيد التمييز بين سياسات الإصلاح الاقتصادي التي تقوم على الخصخصة ، وسياسات الإصلاح الاقتصادي التي تقوم أولاً على " العبور إلى اقتصاد السوق "، وإن اتبع تأسیس اقتصاد السوق سياسات للخصخصة الواسعة أو المحدودة. لذلك نُميِّز في الفصول التالية بين تجارب البلدان التي مثلت فيها "الخصخصة" عماد الإصلاح الاقتصادي، وتجارب البلدان التي كان تحدي الإصلاح الاقتصادي فيها هو "العبور إلى اقتصاد السوق" .
تقوم سياسات وإجراءات الخصخصة بمعناها الدقيق على تطبيق النظرية الاقتصادية الليبرالية بأن النشاط الاقتصادي يكون عند حده الأقصى من الكفاءة (أعلى مردود بأقل تكلفة) حين تسود الأسواق حالة من "التنافس الكامل" حيث يـتخّذ المنتجون قراراتهم المدفوعة بحوافز تعظيم الربح ، فينشطون للقيام بإنتاج قادر على المنافسة ضمن السعر الذي يحدده التنافس الحُر، أي الإنتاج بأقصى كفاءة ممكنة ، ذلك أن شروط التنافس الحر تحول بين أي منتج، ضمن منتجين عدة، والتأثير في السوق بصورة تُتِيح له جني الربح من دون تحقيق الكفاءة في الإنتاج، كأن يحتكر السوق أو يتواطأ مع منتجين آخرين لممارسة هذا الاحتكار. كذلك تقضي شروط التنافس الحُر بأن يتخذ المستهلكون قراراتهم بالشراء بوحي من تعظيم منفعتهم الاستهلاكية، وذلك بدفع السعر إلى أدنى حد تقود إليه المنافسة. وعلى هذا النحو، يكون النشاط الاقتصادي في حالة "التوازن التنافسي" الذي تنظمه آلية السعر. ومن شروط تحقق هذا التوازن التنافسي الانسياب الكفؤ والمتجانس للمعلومات عن سوق السلعة أو الخدمة المنتجة وعن طبيعة النشاط الذي يمارسه المنتجون في السوق في ما يعرضون من الإنتاج، ويمارسه المستهلكون في ما يطلبون للاستهلاك.
بناء عليه، ليست سياسة الخصخصة إلا جانباً من السياسة الاقتصادية الليبرالية التي تسعى إلى تحرير الأسواق جميعها، وتحقيق كفاءة الأداء الاقتصادي من خلال تحقیق شروط التنافس الحر.
مع ذلك، من اللافت أن برامج الإصلاح الاقتصادي في الأقطار العربية التي تأثرت بتوجيهات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، قلّما أولت العناية الكافية لموضوع تحرير الأسواق ومكافحة الممارسات الاحتكارية فيها، مرکزةً بدلاً من ذلك على إجراءات الخصخصة في صورة بيع الممتلكات والأصول العامة إلى القطاع الخاص، وإجراء ذلك أحياناً بإحلال الاحتكار الخاص محل الاحتكار العام، أي في صورة تتناقض في الأساس مع الفلسفة الاقتصادية الليبرالية التي يتم بإسمها هذا الإجراء. ففي تجربة الأردن في الإصلاح الاقتصادي، على سبيل المثال، نجد أن السياسة الاقتصادية لم تتصَدّ بالقدر الكافي لتحرير الأسواق من طريق تدخل الدولة في مكافحة الاحتكار، وإخضاع الأسواق لقوى التنافس المتكافئ بصورة متوازنة وشاملة لجميع مجالات النشاط الإنتاجي ، علماً أن هنالك العديد من الدلائل على شیوع الممارسات الاحتكارية والاستغلال الجائر الذي يُمارَس على المستهلك للسلع والخدمات في شتى الأسواق، وفي القطاعات الزراعية والصناعية والخدمية، سواءً في ما يخص السلع والخدمات المُنتجَة محلياً أم المستوردة، ويكفي على سبيل المثال الصارخ مقارنة ما يدفعه المستهلك ثمناً للمنتوجات الزراعية بما يصل إلى المزارع فعلاً من عائد کدحه. وبدلاً من الاهتمام بالمشكلات المحورية لحرية الأسواق وفاعلية المنافسة، رَكزّت سياسة الإصلاح الاقتصادي على تقليص دور القطاع العام عن طريق خصخصة المرافق العامة (الاتصالات والكهرباء والمياه) وخصخصة الملكية العامة في الثروات الطبيعية (الأسمنت والبوتاس والفوسفات)، على الرغم من أن هذا الحيِّز من الملكية العامة في الأردن كان منذ تأسيس الدولة متطابقاً مع تقاليد دول الاقتصاد الحر (الرأسمالية)، ولم يتعداها إلى تأميم المنشآت الإنتاجية المنتجة للسلع الخاصة في القطاع الخاص كما فعلت دول أخرى مثل مصر وسورية.
إن المُبرَر الذي اعتيد تقديمه لتخلي الدولة عن ملكيتها في المرافق العامة والثروات الطبيعية الكبرى هو استخدام مزايا القطاع الخاص في توفير كفاءة الإدارة والإنتاج في ظل السوق التنافسية. بيد أن ليس ثمّةَ سبب لافتراض أن ملكية المنشأة تحول دون خضوع نشاطها لقوى السوق التنافسية. فالاستقلال المالي والإداري للمنشأة العامة يُمكّنها من حرية التنافس في السوق وتحقیق شروط كفاءة الأداء من دون تغيير الطبيعة العامة لملكـيتها. فإذا توافر ذلك للمنشأة ، فلديها كل المجال لممارسة أفضل الأساليب الإدارية بما في ذلك خصخصة «الإدارة» في صورة التعاقد مع الكفاءات الإدارية الفردية (أشخاص) أو المؤسسية (شركات) من القطاع الخاص .
|
|
دور في الحماية من السرطان.. يجب تناول لبن الزبادي يوميا
|
|
|
|
|
العلماء الروس يطورون مسيرة لمراقبة حرائق الغابات
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|