أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-8-2021
2243
التاريخ: 12-3-2021
2163
التاريخ: 11/12/2022
1813
التاريخ: 22-4-2019
2402
|
الكبيرة والصغيرة من الأمور الإضافية النسبية ، وهما يختلفان شدة وضعفا ، فما من ذنب إلا وهو كبير بالإضافة إلى ما دونه ، وصغير بالنسبة إلى ما فوقه ، والجمع كبائر بالنسبة إلى مخالفة مولى الموالي ، وهتك حجاب العبودية والتعدي في سلطانه عز وجل ، وقد اختلف العلماء في تعريف الكبيرة اختلافاً عظيما.
فقيل : إن كل ما نهى عنه عز وجل فهو كبيرة ، وينسب هذا القول إلى ابن عباس ، ولكن ذكرنا آنفاً أن كون الذنوب كلها كبائر بما هو القياس إلى حال الإنسان مع خالقه ومولاه الذي يجب إطاعته في جميع الحالات ، لا بلحاظ بعضها إلى بعض.
وقيل : إن الكبيرة كل ما يشعر بالاستهانة بالدين وعدم الاكتراث به .
ويرد عليه : أنه أخص من المدعي ، فإن بعض الذنوب ينطبق عليها الكبيرة وإن لم تكن بهذا العنوان ، مضافا إلى أن كل اقتراف للذنب والآثام مع التعمد ينطبق عليه عنوان الطغيان والاعتداء ، الذي هو من إحدى الكبائر أيضاً .
وقيل : إن الكبيرة ما حرمت لنفسها ، لا لعارض.
وفيه : أن بعض الذنوب يطرأ عليها عنوان الطغيان ، فتصير كبيرة.
وقيل : إن الكبيرة كل ما أوعد الله تعالى عليه بالنار في القرآن الكريم أو السنة الشريفة ، أو ما مثله بالذنب الذي أوعد عليه النار ، وهذا هو المشهور.
وفيه : أنه وإن كان صحيحاً في الجملة ، لكن لا كلية له في انعكاسه ، فليس كل ما لم يعد عليه الله تعالى بالنار صغيرة.
وقيل : إن الكبائر ما ورد في سورة النساء من أولها إلى الآية التي تقدم تفسيرها.
وفيه : أنه تقييد لإطلاق الآية الشريفة ، فكأن القائل يريد أن قوله تعالى : {كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [النساء : 31] إشارة إلى تلك المحرمات التي ذكرها الله تعالى في الآيات السابقة ، وهو تخصيص بلا دليل.
وقيل : إن الكبيرة ما يكبر عقابه من ثوابه ، والصغيرة ما نقص عقابه من ثواب صاحبه.
ونسب هذا القول إلى بعض المعتزلة.
وفيه : أنه لا دليل عليه من عقل أو نقل.
وقيل : إن الكبيرة كل ما أوعد الله عليه في الآخرة عقاباً ووضع له في الدنيا حدا.
وفيه : أن الأمر ليس كذلك ، فإن بعض الكبائر لم يوضع لها حد ، مثل الغيبة والإصرار على الصغائر ، وأكل مال اليتيم ، والفرار من الزحف ، وأكل الربا وغيرها.
ونسب إلى الغزالي في كتاب الأحياء جامعاً بين الأقوال وخلاصته :
أن مقياس الكبائر والصغائر على نحوين ، إما بقياس بعضها إلى بعض ، أو بملاحظة الأثر المترتب على المعصية ، فقال : " أما الأول ، فإنها بملاحظة بعضها إلى بعض تكون كبيرة وصغيرة ، وإن كانت بعض المعاصي تكبر بانطباق العناوين المهلكة الموبقة عليه ، كالإصرار على الصغائر ، فتصير المعصية كبيرة بعدما لم تكن منها .
ثم هي مع ذلك تنقسم إلى قسمين بالنظر إلى اثر الذنب ووباله وأثر الطاعة ، فتكون لهما حالات ثلاثة ، فأما أن يحبط أثر الذنب الثواب بغلبته عليه أو نقصه عنه إذا لم يغلبه ، فيزول بزوال مقدار ما يعادله من الثواب ، فإن لكل طاعة تأثيراً حسناً في النفس ، يوجب رفعة مقامها وتخلصها من قذارة البعد وظلمة الجهل ، كما أن لكل معصية تأثيراً سيئاً فيها - على خلاف أثر الطاعة - فيوجب انحطاط محلها وسقوطها في هاوية البعد وظلمة الجهل.
وأما أن يتصادم الأثران ويتحقق التحابط في ما إذا فعل الطاعة والمعصية ، فيتصادم اثر الأولى مع أثر الثانية ، فإن غلبت ظلمة المعصية نور الطاعة وظهرت عليه احبطته ، وهذه هي المعصية الكبيرة ، وإن غلبت الطاعة بما لها من النور والصفاء ، أزالت ظلمة الجهل ، وبوار الذنب ببطلان مقدار منها يعادل نور الطاعة ، فيبقى منه شيء تصفوا به النفس ، وهذا هو التحابط بمعنى غفران الذنوب الصغيرة وتكفير السيئات.
وهذا النوع من المعاصي هي المعاصي الصغيرة .
وإما أن تتكافأ السيئة والحسنة بما لهما من العقاب والثواب ، نهر وإن كان مما يحتمله العقل بداً ولازمه صحة فرض إنسان أعزل لا طاعة له ولا معصية، ولا نور لنفسه ولا ظلمة ، لكن يبطله قوله تعالى : {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى : 7].
ورد الفخر الرازي في تفسير بأنه يبتني على أصول المعتزلة الباطلة عندنا.
وشدد النكير على الرازي بعض المفسرين وقال : إن إنكار الأشاعرة لانقسام المعاصي إلى الصغيرة والكبيرة، أرادوا به مخالفة المعتزلة ولو بتأويل ، كما يعلم من كلام ابن فورك ، فإنه صحح كلام الاشعرية وقال : معاصي الله كلها كبائر.
وإنما يقال لبعضها صغيرة وكبيرة لا بإضافة ، بل بحسب القصود ، وقالت المعتزلة : الذنوب على ضربين ، صغائر وكبائر ، وهذا ليس بصحيح.
أقول : هذا الموضوع واحد من تلك الموضوعات التي كثر الجدال فيها بين المعتزلة والأشاعرة ، وتعصب كل فريق لمذهبه ، واستدل عليه بأمور عقلية ونقلية حتى حدى ببعضهم إلى تأويل الآيات الكريمة والروايات لنصرة رأيه ، ولو كان لأجل مخالفة المذهب الآخر ، وقد شغل هذا النحو من الجدال مصنفات الأعلام ، وغلب على أفكارهم ، فصرفوا جل اهتمامهم إلى ذلك، فحرموا غيرهم، بل حتى أنفسهم من قريحتهم الفذة ، فصاروا وكتبهم فتنة افتتن بهما من بعدهم ، وأصبحت وسيلة لطمس الحق وأهله.
أما مقالة الغزالي ، فهي وإن كانت حسنة ثبوتا ، ولكن لا دليل عليها في مقام الإثبات ، بل هي تطويل - للمعاصي الكبيرة والصغيرة بما بينها الله تعالى في كتابه الكريم والسنة المقدسة - بلا طائل تحته ، كما فصله الفيض (قده) في إحياء الأحياء ، والنراقي (قده) في جامع السعادات ، وكلمات الغزالي مشحونة من مثل هذه التثقيفات ، كما لا يخفى على من راجعها ، وسيأتي الكلام في الإحباط والتحابط بالنسبة إلى الثواب والعقاب ، ولا ربط لهما بالكبيرة والصغيرة ، مع أن ظواهر الآيات الشريفة والروايات تقسم الذنب إلى الكبيرة والصغيرة بالنسبة إلى حيثية الصدور ، لا حيثية الأثر، فخلط بين الحيثيتين.
وكم له من هذه المغالطات.
وهناك وجوه أخرى لا يخفى فسادها على من راجعها.
والحق أن يقال : إن اختلاف العلماء في تعريف الكبائر وتعيينها لا يرجى زواله ، ولعل الحكمة في عدم تعيين الشرع لها ، هي الإبقاء على إبهامها واجمالها ، ليكون العباد على وج ل منها ، فلا تهتك حرمات الله تعالى فيها ، فلا يتجرؤوا على ارتكابها اعتماداً على التكفير ، بل يعزموا على ترك المعاصي كلها ، لاحتمال وجود الكبار فيها ، كما أبهم عز وجل بعض الأمور أيضاً ، مثل الاسم الأعظم ، ليواظبوا على جميع الأسماء الحسنى ، وليلة القدر ليعظم جد الناس واجتهادهم في المواظبة على الطاعة في جملة من الليالي.
وولى الله تعالى بين الناس ليحترموا جميع الأفراد ، فلا يسيئوا الظن بأحد منهم ، وساعة الاستجابة في الأيام وغير ذلك.
مع أن لنا قول : إن الكبائر قد بينها القرآن الكريم والسنة المقدسة في الجملة ، فإن من المعاصي ما قد جعل لها الإسلام حضاً معلوماً في الدنيا ، كالزنا واللواط والسرقة والقذف ونحو ذلك من موجبات الحدود المعروفة في الفقه ، وهذه لا إشكال عند أحد في كونها كبيرة ، وكذا تكون المعصية كبيرة إذا كانت العقوبة عليها النار ، بنص من الشرع المبين كتابا أو سنة ، فتكون كبيرة لكون العقاب عظيما.
وأما غير ذلك ، فإنه يحتمل أن تكون كبيرة وقد أبهم الأمر فيها عز وجل ، ليكون الناس على حذر منها.
ثم إن الذنوب والمعاصي لها إضافات متعددة :
الأولى : الإضافة إلى الله عز وجل ، وبحسب هذه ، الإضافة تكون كبيرة ، فإن ارتكابها جرأة على الله تعالى ، وعلى هذا يحمل ما ورد في بعض الأخبار من أن الذنوب كلها كبيرة ، كما عرفته آنفا.
الثانية : الإضافة إلى الفاعل العامي.
الثالثة : إضافة بعضها إلى بعض ، ويحسب هاتين الإضافتين تتحقق الكبيرة والصغيرة في الذنوب ، وحينئذ فإما أن تكون كبيرة مطلقاً ولا صغيرة فيها ، كالكذب والغيبة والبهتان وإيذاء المؤمن ، وأكل مال الناس ونحو ذلك .
واما أن تكون صغيرة ولا كبيرة فيها إلا مع الإصرار ، كوضع اليد على مال الغير بدون إذنه ، والنظر إلى الأجنبية .
واما أن تكون فيه الكبيرة والصغيرة ، كالظلم والشتم بغير حق ، والضرب والقتل كذلك ، فبعض مراتب الأول صغيرة والأخرى كبيرة.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
العتبة الحسينية تطلق فعاليات المخيم القرآني الثالث في جامعة البصرة
|
|
|