أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-05-2015
2419
التاريخ: 26-05-2015
3137
التاريخ: 26-05-2015
927
التاريخ: 26-05-2015
2039
|
أبو الحسن علي بن أبي علي بن محمد بن سالم التغلبي ، الفقيه الأُصولي الملقب ب ـ « سيف الدين الآمدي » كان حنبلي المذهب ، وانحدر إلى بغداد وقرأ بها على أبي الفتح نصر بن فتيان الحنبلي ، ثمّ انتقل إلى مذهب الشافعي ، ولما بلغ الدرجة الممتازة انتقل إلى الشام واشتغل بفنون المعقول ، وحفظ منه الكثير وتمهر فيه ، ولم يكن في زمانه أحفظ منه لهذه العلوم ، ثمّ انتقل إلى الديار المصرية ، ثمّ حسده جماعة من فقهاء البلاد وتعصّبوا عليه ونسبوه إلى فساد العقيدة ، وانحلال الطوية والتعطيل ومذهب الفلاسفة والحكماء ، وكتبوا محضراً يتضمن ذلك ووضعوا فيه خطوطهم بما يستباح به الدم ، وهذه شنشنة يعرفها التاريخ من الذين أعدموا العقل وصلبوه وشوهوا صورة الشريعة ، واعتمدوا في كلّ شيء حتى فيما يجب ثبوته قبل ثبوت الشرع ، على الحديث ، ورأوا الاشتغال بالعلوم العقلية كفراً وزندقة فابتلي الآمدي (1) بهؤلاء المتزمّتين ، وقبله الشهرستاني كما عرفت ذلك في ترجمته.
ينقل ابن خلّكان أنّ رجلاً منهم لمّا رأى التحامل وإفراط التعصب على الآمدي كتب في المحضر الذي أعدّوه للسعاية عليه :
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه |
|
فالقوم أعداء له وخصوم |
والله أعلم وكتب : فلان بن فلان.
ولعل الحسد ـ في جميع العصور التي قام فيها هؤلاء بقمع أهل الفكر والعقل وطردهم عن الساحة الإسلامية ـ كان أحد العوامل الباعثة على التكفير و التفسيق ، والقتل والصلب ، وكان هناك عامل آخر أشد تأثيراً في هذه المجالات ، وهو سوء الوعي وقلّة العمق في المخالفين ، إذ لم يعرفوا أنّ الإسلام يحارب الجمود والتقليد ، ويتآخى فيه العقل والشرع ، وتتحد فيه نتيجة البرهنة والتعبد.
ومن جراء هذه القلاقل لم يجد الآمدي بدّاً من مغادرة مصر إلى دمشق ، وعُيّنَ مدرساً بالمدرسة العزيزية ، ثمّ عزل عنها لبعض التهم الفكرية ، وأقام بطّالاً في بيته. وتوفي على تلك الحال سنة 581 ودفن بسفح جبل قاسيون. (2)
ويشهد لما ذكرنا من السبب ما نقله الذهبي عن سبط ابن الجوزي في حقّه : لم يكن في زمانه من يجاريه في الأصلين وعلم الكلام ، وكان أولاد « العادل » كلّهم يكرهونه لما اشتهر عنه من علم الأوائل والمنطق ، وكان يدخل على « المعظم » فلا يتحرك له ، فقلت : قم له عوضاً عني. فقال : ما يقبله قلبي. ومع ذا ولاّه تدريس العزيزية. فلمّا مات « العادل » أخرج « الأشرف » سيف الدين ونادى في المدارس : من ذكر غير التفسير والفقه أو تعرض لكلام الفلاسفة نفيته. فأقام السيف خاملاً في بيته إلى أن مات ودفن بقاسيون.
ولم يكن عمل « العادل » ولا « الشريف » نسيج وحدهما ـ بل لم يزل أهل التعقّل والتفكّر الذين كانوا صفاً كالبنيان المرصوص مقابل الملاحدة والزنادقة ـ مضطهدين مقهورين بيد الحنابلة والمتسمين بأهل الحديث ، وقد بلغ السيل الزبى في العصور السابقة على عصر الآمدي عندما تدخل الخليفة « القادر بالله » العباسي في اختلاف المعتزلة مع الحنابلة وأهل الحديث ، وأصدر كتاباً ضد المعتزلة يأمرهم بترك الكلام والتدريس والمناظرة ، وأنذرهم ـ إن خالفوا أمر هـ بحلول النكاية والعقوبة عليهم. وقد سلك السلطان « محمود » في غزنة مسلك الخليفة في بغداد ، فصلب المخالفين ونفاهم وأمر بلعنهم ، وقد اتخذ ذلك سنّة في الإسلام. (3)
ففي الحقيقة ما صلبوا المعتزلة ، بل صلبوا العقل وأعدموه ، وأبعدوا الدين المبنية أُصوله على الأسس العقلية عن أساسه.
ولم يقتصروا في النكاية على المعتزلة ، بل عمّ التعذيب المفكّرين من الأشاعرة ، الذين كان منهجهم منزلة بين المنزلتين بين الحنابلة والمعتزلة.
والعجب من الذهبي أنّه كيف يصور شخصية علمية مثل السيف بأنّه كان تارك الصلاة.
قال : كان القاضي تقي الدين سليمان بن حمزة يحكي عن شيخه ابن أبي عمر قال : كنا نتردّد إلى السيف. فشككنا هل يصلي أم لا؟ فنام فعلّمنا على رجله بالحبر. فبقيت العلامة يومين مكانها ، فعلمنا أنّه ما توضّأ ، نسأل الله السلامة في الدين.
أفي ميزان النصفة والعدل ، القضاء بهذه الظنون واستباحة النفوس والأموال بها ، بعد إمكان أنّه تيمّم مكان الوضوء ، وصلى لعذر شرعي بالطهارة الترابية مكان الطهارة المائية وبقي الحبر في محله.
هلم معي إلى سفسطة أُخرى ينقلها الذهبي من شيخه ابن تيمية : يغلب على الآمدي الحيرة والوقف ، حتى أنّه أورد على نفسه سؤالاً في تسلسل العلل ، وزعم أنّه لا يعرف عنه جواباً ، وبنى إثبات الصانع على ذلك ، فلا يقرر في كتبه إثبات الصانع ولا حدوث العالم ، ولا وحدانية الله ، ولا النبوات ، ولا شيئاً من الأُصول الكبار.
وما ذكره فرية محضة على السيف ، ونحن نعرض فهرس الموضوعات التي أشبع السيف البحث عنها في كتابه « غاية المرام في علم الكلام » حتى نعرف مدى صدق قوله ، فقد جاء فيها :
القانون الأوّل : في إثبات الواجب بذاته.
القانون الثالث : في وحدانية الباري تعالى.
( ج ) القاعدة الثالثة : في حدوث المخلوقات وقطع تسلسل الكائنات.
1 ـ الطرف الثاني : في إثبات الحدوث بعد العدم.
القانون السابع في النبوات ، والأفعال الخارقة للعادات.
1 ـ الطرف الأوّل : في بيان جوازها بالعقل. (4)
إنّ تعطيل العقول من المعارف العقلية ليس بأقل خطراً من تعطيل ذاته سبحانه وتعالى عن الاتّصاف بالصفات الخبرية ، الذي صار حجّة لدى الحنابلة على تكفير أو تفسيق المعطّلين كيف ، وهو سبحانه يقول : { وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا } [الفاتحة: 191] ، ويقول تعالى : { وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ } [الذاريات : 21] ، وقوله تعالى : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [الرعد: 3].
إلى غير ذلك من الآيات الداعية إلى التفكّر في الصنع والكون والنفس ، ولم تكن الغاية من تأسيس علم الكلام إلاّ إقامة الحجة على العقائد الإيمانية ، بالأدلّة العقلية والرد على المبتدعة.
إنّ احتكاك الثقافة الإسلامية مع ثقافات سائر الأُمم أوجد موجة من الاضطراب الفكري والصراع العقيدي بين المسلمين ، وكانت الوسيلة المنحصرة لحماية العقيدة الإسلامية ومحاربة الفرق والمذاهب الإلحادية ، تأسيس علم كامل لإثبات ما يعتنقه المسلمون بالأدلّة العقلية ، وكان تأسيسه وليد الحاجة والضرورة ، فلا عتب على قائل يصفه بصخرة النجاة وسلم السلام والأمان.
مؤلّفاته
إنّ ما وصل إلينا من تآليفه كلّها يتسم بالطابع العقلي ، إمّا عقلية صرفة ، أو مزيجاً من العقل والنقل ، فمن مؤلّفاته في أُصول الفقه :
1 ـ « الإحكام في أُصول الأحكام » ، طبع كراراً وأخيراً بتحقيق السيد الجميلي في أربعة أجزاء في مجلدين ، نشر دار الكتاب العربي 1404 هـ ، وهو أبسط كتاب في أُصول الفقه ، نظير الذريعة للسيد المرتضى بين الشيعة في القرن الخامس.
2 ـ « منتهى السؤول في علم الأُصول » ، طبع بمصر ، وكان مقرراً للدراسة في الأزهر في الثلاثينات من هذا القرن.
3 ـ « غاية المرام في علم الكلام » ضمن فيه كتابه الآخر المسمّى بأبكار الأفكار. (5)
نعم يؤخذ عليه أنّه يصف المعتزلة في المقدمة بالإلحاد ، ويقول واصفاً لكتابه : « كاشفاً لظلمات تهويلات الملحدين كالمعتزلة وغيرهم من طوائف الإلهيين » (6). كما يؤخذ عليه قصوره في عرض عقائد الشيعة ، وكأنّه لم يقف على كتاب لهم ، ونقل ما نقل عنهم عن كتب خصومهم.
ومن عجيب الكلام استدلاله على عدم اشتراط العصمة في الإمام بالاتّفاق على عقد الإمامة للخلفاء الراشدين ، واعترافهم بأنّهم ليسوا بمعصومين. (7).
فلا أُعلّق عليه بكلمة إلاّ قولنا« يا للعجب ما أتقنه من برهنة »!!
وفي آخر الكتاب « كان الفراغ من نسخة في الخامس عشر من شهر رجب سنة ثلاث وستمائة وذلك بثغر الاسكندرية بالمدرسة العادلية ». (8)
وقد طبع الكتاب بتحقيق حسن محمود عبد اللطيف ، وقام بتحقيقه باعتباره جزءاً من رسالته للحصول على درجة « الماجستير » في الفلسفة الإسلامية من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة.
_____________________
1 ـ الآمدي : منسوب إلى آمد وهي مدينة في ديار بكر.
2 ـ وفيات الأعيان : 3/293 ـ 294برقم 432.
3 ـ البداية والنهاية : 12/6 ـ 7.
4 ـ لاحظ : 395 ـ 396 من غاية المرام.
5 ـ غاية المرام : 5 من المطبوع.
6 ـ غاية المرام : 5 من المقدمة.
7 ـ غاية المرام : 384 ـ 385.
8 ـ غاية المرام : 392.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|