أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-7-2020
2266
التاريخ: 4-6-2021
3473
التاريخ: 20-9-2020
1976
التاريخ: 4-7-2020
3601
|
إسلام أبي ذر رحمه الله :
وفي هذه الفترة كان إسلام أبي ذر «رحمه الله» الذي كان رابع ، أو خامس من أسلم (1) ، حيث إنه سمع بمبعث النبي «صلى الله عليه وآله» فأرسل أخاه ليستقصي له الخبر ، فرجع إليه ، ولم يشف له غليلا.
فذهب هو بنفسه إلى مكة ؛ فكره أن يسأل عن النبي «صلى الله عليه وآله» علانية ورآه علي «عليه السلام» مضطجعا في ناحية المسجد الحرام ، فعرف أنه غريب ، فاستضافه ثلاثة أيام لا يسأله عن شيء ، ثم سأله أبو ذر عن النبي «صلى الله عليه وآله» ، فأخذه إليه بصورة سرية ؛ حيث أمره أن يتبعه ، فإن رأى ما يخاف منه عطف كأنه يريد أن يقضي حاجة ، أو يصلح نعله.
وبعد أن أسلم أبو ذر خرج إلى المسجد الحرام ؛ فنادى بأعلى صوته : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، فقام إليه المشركون فضربوه حتى أضجعوه ، فأتى العباس ؛ فأكب عليه ، وقال : ويحكم ، ألستم تعلمون : أنه من غفار ، وإنها طريق تجارتكم إلى الشام؟ فتركوه ، ولكنه عاد في اليوم الثاني إلى مثل ذلك ، فخلصه العباس (2).
وثمة نصوص أخرى لا مجال لذكرها هنا.
ولما ضرب أبو ذر جاء إلى النبي «صلى الله عليه وآله» فقال : يا رسول الله ، أما قريش فلا أدعهم حتى أثأر منهم ، ضربوني.
فخرج حتى أقام بعسفان ، وكلما أقبلت عير لقريش ، يحملون الطعام ، ينفر بهم على ثنية غزال ؛ فتلقي أحمالها ؛ فجمعوا الحنط ، ويقول أبو ذر لقومه : لا يمس أحد حبة حتى تقولوا : «لا إله إلا الله».
فيقولون : «لا إله إلا الله» ، ويأخذون الغرائر (3).
وحسب نص آخر : كان أبو ذر رجلا شجاعا يتفرد وحده بقطع الطريق ، ويغير على الصرم (4) في عماية الصبح على ظهر فرسه ، أو على قدميه كأنه السبع ..
إلى أن قال :
«فكان يعترض لعيرات قريش ، فيقطعها ، فيقول : لا أرد إليكم منها شيئا ، حتى تشهدوا : أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله : فكان على ذلك حتى هاجر رسول الله ، ومضى بدر ، وأحد ، ثم قدم فأقام بالمدينة» (5).
وأسلم على يده نصف قبيلته غفار ، ووعده الباقون بأن يسلموا إذا قدم النبي «صلى الله عليه وآله» المدينة (6).
وكان أبو ذر يتأله في الجاهلية ، ويقول : «لا إله إلا الله» ، ولا يعبد الأصنام ، ويقال : إنه صلى قبل مبعث النبي «صلى الله عليه وآله» عدة سنوات (7).
ما يستفاد من حديث إسلام أبي ذر :
أولا : إن عدم عبادة أبي ذر للأصنام ، ليس إلا من أجل منافرتها لحكم العقل ، وللفطرة السليمة ، حين لا تطغى على الإنسان أي من العوامل الخارجية التي تجعل على قلبه وبصره غشاوة.
ويلاحظ : أن القرآن ما زاد في مقاومته لعبادة الأصنام ، والتوجيه إلى الله تعالى على أن نبه العقل ، وأثاره ، وأرشد إلى ما تقتضيه الفطرة السليمة في هذا المجال ، وكل من يستعرض الآيات القرآنية يرى كيف أن القرآن يهتم في الإرجاع إلى الفطرة ، وحكم العقل ، ويعتبر أن لهما وحدهما الحق في الحكم في هذا المجال.
ثانيا : إن أسلوب علي «عليه السلام» في المحافظة على عنصر السرية ، حتى لا يلتفت المشركون إلى طبيعة تحركاته وأهدافه ، وأسلوبه في إيصاله أبا ذر إلى الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» ـ رغم أنه لا يزال فتى يافعا ـ إن دلّ على شيء ؛ فإنما يدلّ على دراية وروية ، وتبصر وتدبر بالأمور ، مما يؤكد امتيازه «عليه السلام» على غيره ، ممن عاش ومارس الأمور.
كما أن اتكال أبي ذر رجل الحكمة والتبصر على دعوة علي «عليه السلام» له ، واستجابته لدعوته ونزوله ضيفا عليه ، يدلّ على أنه كان يرى في علي من الحكمة والروية ما لا يراه في غيره ، مهما كان فارق السن بينه وبين أولئك كبيرا.
ولقد كان «عليه السلام» يهدف إلى الحفاظ على أبي ذر من جهة ، وعلى أن لا يلفت نظر المشركين إلى أنه يقوم بنشاط من أجل إدخال الناس في هذا الدين الجديد من جهة أخرى ، وهذا الثاني هو الأهم بالنسبة إليه ، فإنه لا يمكن أن يتخلى عن الدعوة في سبيل الشخص ، ولكن الشخص هو الذي يضحي بنفسه وبكل ما لديه في سبيل الحفاظ على الدعوة وبقائها ، ولكن هذه التضحية لا بد أن تكون في وقت الحاجة إليها ، وحين يكون لا بد منها ولا غنى عنها ، وإلا فلربما يكون ضررها أكثر من نفعها ، أو على الأقل يكون هدرا لطاقات ، وإتلافا لقدرات ربما تكون الدعوة في يوم ما بأمسّ الحاجة إليها.
ثالثا : ما فعلته قريش بأبي ذر لم يكن بسبب أن المواجهة كانت قد وقعت بينها وبين النبي «صلى الله عليه وآله» ؛ فإن هذه المواجهة لم تكن حصلت حينئذ ، وإنما رأت في تصرف أبي ذر هذا تحديا لها ، واعتداء على شرفها ، وكبريائها ، ولا يقصد منه إلا تحقيرها وإذلالها ، من دون مبرر ظاهر تراه وتتعقله لتصرف كهذا سواه ، ولعلها أرادت من بطشها بهذا الرجل الغريب والوحيد ردع الآخرين ، وإرهابهم ، ومنعهم من الإقبال على الدخول في الإسلام ، أو من التظاهر به.
رابعا : إنتقام أبي ذر من قريش على ذلك النحو قد أثر فيها نفسيا ، وروحيا إلى حد بعيد ، وعرفها :
أنها لا يمكن أن تتعامل مع الآخرين ، كما يحلو لها ، وعلى حسب ما تشتهي ، لأن الآخرين يملكون من الوسائل الفعالة للضغط عليها ما لا تجد معه حيلة ، ولا تستطيع سبيلا.
خامسا : إن نجاح أبي ذر في دعوته قومه من قبيلتي غفار وأسلم ، حتى إنه يستغل تشوقهم للحصول على غرائر الحنطة لطرح الخيار النهائي عليهم ـ إن نجاحه هذا ـ ليدل على أنه كان بعيد الهمة والنظر عاقلا لبيبا أريبا ، يدرك أهداف الرسالة السماوية الحقة التي اعتنقها خير إدراك ، ويدرك واجباته تجاهها ، ثم هو ينفذ مهمته ، ويقوم بواجباته على النحو الأكمل والأمثل.
سادسا : إن محاولات أبي ذر الجادة للتعرف على صدق النبي «صلى الله عليه وآله» في دعواه ، وإرساله أخاه أولا ، ثم ذهابه هو بنفسه ، وبقاءه ثلاثة أيام يبحث عن النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» ، إنما كانت بدافع ذاتي ينبع من داخله ، يدفعه إلى البحث عن الحق ، والعمل من أجله ، وفي سبيله.
وهذا يؤيد القول : بأن العقل هو الذي يحكم ويدفع إلى تعلم ما ينفع ، وما يضر ، للالتزام بذاك ، والابتعاد عن هذا. بل هو أمر فطري مغروس في فطرة الإنسان وطبيعته وسجيته ، حتى إنك تجد الطفل الذي يحس بألم النار ليس فقط لا يحاول بعد ذلك الاقتراب منها ، وإنما هو يجهد بكل ما أوتي من قوة وحول في الابتعاد عنها.
سابعا : إن موقف علي «عليه السلام» من أبي ذر ليعكس لنا : أن هذا الفتى اليافع والناشئ كان يعتز بنفسه ، ويثق بها ، فيدعو أبا ذر ليكون ضيفه ثلاثة أيام ، ثم هو يساعده على الوصول إلى النبي «صلى الله عليه وآله» بشكل ذكي وحذر ، ثم هو يتركه ثلاثة أيام لا يسأله عن أمره حتى لا يشعر هذا الضيف بأن مضيفه ربما يكون قد ضاق به ذرعا ، أو ملّ وجوده ؛ وليكون قد أتاح له الفرصة ليستأنس في هذا البلد الذي يراه غريبا عليه ، ويألفه ، ويرتاح إليه نفسيا ، كما ارتاح جسديا ؛ وليكون أنفذ بصيرة ، وأكثر اطمينانا في بيان حاجته التي جاء من أجلها.
ثامنا : إن جهر أبي ذر بإسلامه ، وتعريضه نفسه للضرب والإهانة من قبل المشركين ، إنما يعكس لنا مدى اعتزاز أبي ذر بإسلامه هذا ، ومدى استعداده للتضحية في سبيله ، ثم هو يعكس مدى حنق قريش ورعونتها في مواجهة الدعوة إلى الله تعالى ، حتى إنها تنسى : أن من تبطش به ربما يكون في المستقبل سببا في عرقلة تجاراتها إلى الشام ، ومضايقتها اقتصاديا.
نعم ، تنسى ذلك ، وتهجم عليه لتضربه ، ثم ترتد عنه لا بدافع إنساني ، ولا عن قناعة فكرية ، وإنما لدوافع اقتصادية دنيوية ، تعكس أنانيتها ، ومستوى تفكيرها أولا وأخيرا ، ولا شيء أخطر على الإنسان من الأنانية التي ربما تضع على عينيه غشاوة ؛ فلا يبصر الحق الأبلج ، ولا يهتدي سواء السبيل.
تاسعا : لعل أبا ذر قد أراد كسر شوكة أعداء الإسلام ، وفتح ثغرة في هذا الجبروت ، ثم كسر حاجز الخوف لدى المسلمين ، ليتشجعوا على مواجهة الأخطار ، وضرب المثل الحي لهم في مجال التضحية من أجل الدين والحق ، كما أن ذلك لسوف يؤثر على من يميلون إلى هذا الدين ويتعاطفون مع المسلمين ، ويثير إعجابهم بصورة كبيرة.
وأخيرا ، فلسوف نرى : أن ثمة محاولات لنسبة موقف أبي ذر الشجاع والجريء والفذ هذا تجاه قريش إلى غيره من الصحابة ، كأبي بكر تارة ، وعمر أخرى.
________________
(1) دلائل النبوة للبيهقي ج ١ ص ٤٥٨ ، طبقات ابن سعد ج ٤ قسم ١ ص ١٦٤ ، وحلية الأولياء ج ١ ص ١٥٧ ، ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٣٤٢ ، والاستيعاب هامش الإصابة ج ١ ص ٣١٣ ، والإصابة ج ٤ ص ٦٣ ، وأسد الغابة ج ٥ ص ١٨٦ ، والغدير ج ٨ ص ٣٠٨ ـ ٣٠٩ عن بعض من تقدم وعن شرح الجامع الصغير للمناوي ج ٥ ص ٤٢٣.
(2) هذا ملخص ما في البخاري ج ٢ ص ٢٠٦ ـ ٢٠٧ ط سنة ١٣٠٩ ه والبداية والنهاية ج ٣ ص ٣٤ ، وحلية الأولياء ج ١ ص ١٥٩ ، ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٣٣٩ ، والغدير ج ٨ ص ٣٠٩ ـ ٣١٠ عن بعض من تقدم وصحيح مسلم ـ ج ٧ ص ١٥٦ والاستيعاب هامش الإصابة ج ٤ ص ٦٣ ودلائل النبوة لأبي نعيم ج ٢ ص ٨٦ ، وطبقات ابن سعد ج ٤ قسم ١ ص ١٦١ ـ ١٦٢ و ١٦٤ ـ ١٦٥ والإصابة ج ٤ ص ٦٣.
(3) طبقات ابن سعد ج ٤ قسم ١ ص ١٦٤.
(4) الصرمة : القطعة كم الإبل.
(5) طبقات ابن سعد ج ٤ قسم ١ ص ١٦٣ ، وراجع تاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ١٠٠.
(6) طبقات ابن سعد ج ٤ قسم ١ ص ١٦٣ ، وراجع تاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ١٠٠.
(7) طبقات ابن سعد ج ٤ ق ١ ص ١٦٣. ولا بأس بمراجعة ما كتبناه حول أبي ذر في مقال لنا في كتاب : دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام. وحلية الأولياء ج ١ ص ١٥٧.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|