أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-6-2021
2572
التاريخ: 8-7-2020
1917
التاريخ: 9-8-2020
2932
التاريخ: 22-9-2020
2278
|
لـيـلـة الـميـلاد *
كان كسرى ابرويز ـ ملك الفرس ـ من أعظم سلاطين عصره ، وأكثرهم منعةً ونفوذاً ، وكان يحيط نفسه بهالةٍ من الأبهة والعظمة ، فكان يجلس في إيوانه وقد جمع فيه أجزاء عرش دارا (1) وكانت موشاةً بصور نجوم المجرة ، فإذا كان في مشتاه وضعت هذه الأجزاء يحيط بها ستار من أنفس الفراء تتدلى أثناءه ثريات من فضة وأخرى من ذهب ملئت بالماء الفاتر ، ونصب فوقها تاجه العظيم يضرب فيه الياقوت والزبرجد واللؤلؤ بالذهب والفضة مشدوداً إلى السقف بسلسلة من ذهب ، وكان يلبس نسيج الذهب ويتشح بحلي الذهب ، مما يلقي الهيبة في نفوس قواده ووزرائه وزواره إذا حضروا بين يديه.
وفي ذات يوم إرتجس (2) الإيوان ، ورأى كسرى رؤيا هالته وأفزعته ، فقد رأى في نومه أنه سقط من قصره ستة عشر شرفة ، فلما أصبح ، أفزعه ما رأى ، فصبر تشجعاً ثم رأى أن لا يكتم ذلك عن وزرائه ومرازبته (3) فلبس تاجه وقعد على سريره ، وجمعهم إليه ، فلما إجتمعوا أخبرهم بالذي بعث إليهم فيه.
قال الموبذان (4) : عسى أن يكون خيراً ، وأنا ـ أصلح الله الملك ـ رأيت البارحة أن النيران قد خمدت وقلعت بيوتها وهلك سدنتها ، ورأيت إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها ، وقد أغمني ذلك.
وبينما هم كذلك، إذ ورد عليه كتاب بخمود النار، فازداد كسرى غماً إلى غمه، والتفت إلى الموبذان قائلاً له: وأي شيء يكون هذا يا موبذان؟ ـ وكان أعلمهم عند نفسه بذلك ـ.
قال الموبذان: ما عندي فيها ولا في تأويلها شيء ـ أيها الملك ـ ولكن أرسل إلى عاملك في الحيرة يوجه إليك رجلاً من علمائهم، فانهم أصحاب علم بالحدثان.
فكتب عند ذلك: « من كسرى ملك الملوك إلى النعمان بن المنذر ، أما بعد : فوجّه إلي رجلاً عالماً بما أريد أن أسأله عنه. » فوجه إليه النعمان عبد المسيح بن عمرو بن بقيلة الغساني.
فلما قدم عليه، قال له : أعندك علم بما أريد أن أسألك عنه.؟
قال : ليخبرني الملك ، فان كان عندي منه علم ؛ وإلا أخبرته بمن يعلمه له ، فأخبره بما رأى ، فقال : علم ذلك عند خالٍ لي يسكن مشارف الشام ، يقال له سطيح (5).
قال : فأته فاسأله عما سألتك ، وإئتني بجوابه.
ركب عبد المسيح راحلته حتى قدم على سطيح وقد أشفى على الموت ، فسلم عليه وحيّاه ، فلم يجبه ؛ وكلمه ، فلم يرد عليه! فقال :
أصَـمُّ أم يسمع غِطريـفُ الـيَمَـن
أم فَـادَ فـازْلـَمّ به شأو العَنـَنْ (6)
يـا فـاصِل الخِطة أعيت مَنْ ومَـنْ
أتـاك شيخ الحيِّ مـن آل سَـنَـنْ
وأمـه مـن آل ذِئـب بن حـَجَـن
أبيضُ فـضفـاضُ الـرداء والـبَـدنْ
رسـولُ قَيْلِ العُجم يسري للـوسَـنْ
لا يـرهبُ الـرعد ولا ريبَ الـزمنْ (7)
تجوبُ بي الأرضَ عَـلَـنْـدَاةٌ شَـزَنْ
ترفعـني وجنٌ وتهـوي بـي وَجـَنْ (8)
حتى أتى عاري الجـآجي والـقَطَـنْ
تلفـه في الـريح بَـوْغـاء الـدِمَنْ (9)
فلما سمع سطيح شعره، رفع رأسه وقال:
عبد المسيح على جميل مُشيح (10) جاء إلى سطيح، وقد أوفى على الضريح ، بعثك ملك بني ساسان لارتجاس الإيوان وخمود النيران ، ورؤيا الموبذان ، رأى إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً ، قد إقتحمت في الواد وانتشرت في البلاد. ثم قال:
يا عبد المسيح، إذا كثرت التلاوة، وبعث صاحب الهراوة، وفاض وادي السماوة ، وغاضت بحيرة ساوة ، وخمدت نار الفرس ، فليست الشام لسطيح شاماً يملك منهم ملوك وملكات على عدد الشرفات ، وكل ما هو أتٍ آت ،. ثم قبض سطيح مكانه.
ونهض عبد المسيح إلى راحلته وهو يقول:
شمّـِر فـانـك ما عُمـّرت شـِمّيـر
لا يُفزعنّـَك تـفـريـقٌ وتغـيير
إن يُمسِ ملك بني ساسـان أًفـرَطهـم
فإن ذا الـدهـر أطـوار دهاريـر
فـربمـا ربمـا أضحـوا بـمنـزلـة
تهاب صَولَـهُـمُ أسـدٌ مهاصيـر
منهـم أخـو الصرح بَهرامٌ واخوتُهـُم
وهُـرمُزانٌ وسـابـورٌ وسـابـورٌ
والناس أولاد عَـلاَّتٍ فمـن عَـلمِـوا
أن قد أقـَلَّ فمهجـورٌ ومحقـورٌ (11)
وهم بنـو الأمِّ لـمـا أن رأوا نَشَبـاً
فـذاك بالغيب محفـوظ ومنصـور (12)
والخيـر والـشر مقرونـان في قَـرَنٍ
فـالخير مُـتَّبَـعٌ والـشر محـذوراُ
فلما قدم عبد المسيح على كسرى، أخبره بقول سطيح.
فقال: إلى أن يملك منا ستة عشر ملكاً تكون أمور ويدور الزمان.
قالوا: ولما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ارتج إيوان كسرى، وسقطت منه أربع عشر شرفة، وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك مائة عام، وغاضت بحيرة ساوة، وكانت لا تغيض ، وفاض وادي السماوة بالماء. وان الرؤيا التي رآها كسرى والموبذان كانت في تلك الليلة.
وقد يجد القارئ في هذه القصة شيئاً من الغرابة يأخذه معها العجب، ولكن حينما يعود الأمر لله سبحانه فيما يختص به أنبيائه وأصفيائه ، لا يبقى العجيب عجيباً ، ولا الغريب غريباً.
لقد كان هذا التغير الطارئ العجيب إشعاراً ببداية عهد جديد على الأرض، يقوم على أسس العدل والحكمة، كما كان إخطاراً يلوح لبداية انقراض العهود المظلمة، وانتهاء مسيرة المدلجين في وهد الباطل.
الـبشـارة
مع هذه البداية الغريبة بدأت البشارة باقتراب الموعد وساعة الخلاص، البشارة التي تحدث عنها المسيح (عليه السلام) ، ورسمت في الإنجيل ، وترجمها لنا القرآن.
«وإذ قال عيسى بن مريمَ يا بَني اسرائيل إني رسول اللهِ إليكم مصدّقاً لما بين يديَّ من التوراة ومبَشِّراً برسولٍ يأتي من بعدي إسمه أحمد .. » الآية (13)
لقد تناقل الرهبان والموحدون هذه البشارة ، ودارت على ألسنتهم طيلة الفترة ما بين صعود المسيح إلى السماء ، ومبعث محمد (صلى الله عليه وآله) وقد تحدثت كتب التأريخ القديمة عن ذلك ، بل إتفق المؤرخون على أن بعض الأحبار والكهان كانوا يعلمون ذلك.
وعلى سبيل المثال نذكر بعض الشواهد على هذا :
روي عن عبد المطلب أنه حين زار مع وفد من سادات قريش سيف بن ذي يزن لتهنئته بملك اليمن ، اختلى هذا الأخير بعبد المطلب وبشره بمولود لقريش في مكة يكون رسولاً إلى الناس أجمعين ، وأعطاه صفاته ، ولما وجد عبد المطلب هذه الصفات تنطبق على حفيده محمد (صلى الله عليه وآله) سجد لله شكراً على ذلك.
وقصة الراهب بحيرى الذي مر به أبو طالب ومعه محمد (صلى الله عليه وآله) وهم في طريقهم إلى الشام فلما رآه بحيرى جعل يلحظه لحظاً شديداً، وينظر إلى أشياء في جسده كان يجدها عنده من صفاته، ثم نظر إلى كتفه فوجد فيه خاتم النبوة، فتيقن أنه هو النبي الذي بشر به المسيح، فأقبل إلى عمه أبي طالب، فقال له :
ما هذا الغلام منك.؟
قال : إبني.
قال بحيرى : ما هو بابنك ، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حياً.
قال : فانه ابن أخي.
قال : فما فعل أبوه؟
قال : مات وأمه حبلى به.
قال : صدقت ، فارجع بابن أخيك إلى بلده ، واحذر عليه .. القصة (14).
وقس بن ساعدة ، كان أحد المبشرين بمحمد6 وبرسالته ، وكان من عقلاء العرب وحكمائهم ، وهو القائل :
هل الـغيث معطي الأمن عند نزولـه
بحال مسـيءٍ في الأمـور ومحسـن
وما قـد تولى فهو فـات وذاهـب
فهل ينفـعنـي ليتـني ولـو أننـي
وكان قس في زمانه أكثر الناس عبادةً ، وأفصحهم خطابةً ، وكان كثيراً ما يذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويبشر الناس به ، وآمن به قبل مبعثه ، وكان(صلى الله عليه وآله) يسأل عن أخباره وترحم عليه ويقول : سيحشر قس أمةً وحده. (15)
ولقد كانت هذه البشارة تزداد شيوعاً كلما اقترب وقت مبعثه صلوات الله عليه وكان سلمان قد سمع هذه البشارة ، ووعاها قلبه فنبت حب محمد صلوات الله عليه في لحمه ودمه ، فكان أحد المنتظرين ، يترقب ساعة الخلاص لحظةً بعد لحظة ، ويوما بعد يوم وكلمة الراهب لا زالت ترن في أذنه :
«هذا آوان يظهر فيه نبي من العرب .. ».
لا يكاد سلمان يتذكر هذا، حتى يتمنى لو أن الزمان يطوى له كي يلتقي بالرسول المرتقب صلوات الله عليه.
__________________
* : هذه القصة أخذت من : أخبار الزمان / المسعودي ص 117 وقصص العرب 1 / 84 وحياة محمد / 76.
(1) أحد الملوك الأشداء قضى عليهم كسرى.
(2) ارتجس : إهتز.
(3) المرازبة جمع مرزبان : القائد الشجاع.
(4) الموبذان: للمجوس رئيسهم الديني.
(5) سطيح: من كهان العرب.
(6) فاد : مات. ازلم: ذهب مسرعاً. الشأو: المكان البعيد، العنن: ما ينوب الانسان من العارض.
(7) القيل : الملك أو من هو دونه.
(8) علنداة : ناقة ضخمة طويلة. وشزن : فيها نشاط. الوجن: الأرض الغليظة الصلبة.
(9) الجآجي : ربما يقصد بها الإبل ، القطن : أسفل الظهر. البوغاء: التراب الناعم. الدمن: ما تدمن منه ، أي تجمع.
(10) مشيح : جادٌّ مسرع.
(11) أولاد العلات : أولاد امهات شتى لرجل واحد.
(12) النشب : المال والخير.
(13) الصف ـ 6.
(14) السيرة النبوية 1 / 165 ـ 166 بتصرف.
(15) حقائق الإيمان / 383.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|