أقرأ أيضاً
التاريخ:
3674
التاريخ: 15-8-2019
1919
التاريخ: 1-12-2016
1347
التاريخ: 27-9-2019
4939
|
شروط النهضة :
هناك عدة أمور تعتبر ضرورية وحتمية في بناء الحضارة ، وحصول النهضة لأي شعب كان ، وأية أمة كانت ، ونود أن نشير إلى بعض مقومات وعناصر ذلك عموما.
ثم .. وبمقارنة بسيطة وموجزة ، نستطيع أن نتعرف على جانب من عظمة الإسلام وسموّه ، وأصالته.
ومن أجل تسهيل تصور ما نريد عرضه على القارئ ، نقوم بمقارنة محدودة بين واقع وظروف عرب شمال الجزيرة العربية ، وهم أهل الحجاز ، وبين واقع وظروف عرب جنوبها ، وهم أهل اليمن.
فنقول :
ألف : لقد عاش اليمنيون في منطقة غنية وثرية ، وتستطيع إذا ما اشتغل أهلها بزراعتها : أن توفر لهم لقمة العيش ، وهي بالإضافة إلى ذلك أرض جبلية ، صعبة المسالك ، فهي إذن تستطيع في كثير من الأحيان أن توفر لهم حماية طبيعية ، وقدرة على مقاومة الأعداء.
وإذا كان اليمنيون يشتغلون بزراعة أرضهم ، ويستفيدون منها ،
ويعتبرونها المصدر الأول والأساس لحياتهم ، واستمرار وجودهم ؛ فمن الطبيعي أن يتولد فيهم لذلك شعور مبهم بمحبة هذه الأرض ، والتمسك بها ، والحنين إليها.
وهذا بالطبع هو المهم عادة في حب الناس لأوطانهم ، وحنينهم إليها ، حتى إنهم قد يبذلون كل غال ونفيس حتى دماءهم في سبيل الدفاع عنها ، بل وحتى عن شبر واحد منها ؛ فمحبة الوطن تنشأ غالبا من محبة الأرض ، ومحبة الأرض تنشأ (عموما) من الشعور بأنها تعطيه كل مقومات الحياة ، وبأنها تحفظ له استمرار بقائه ووجوده ، بالشكل المرضي له ، والمقبول عنده.
ب : وكان في اليمن أيضا حكومة مركزية مهيمنة تفرض النظام والقانون ، وتهتم بإشاعة الطمأنينة ، والأمن والسلام.
وإذا كان الإنسان يشعر بالأمن ، ويعيش في ظل القانون ، ولا يتخوف من أي عدو يتربص به الغوائل ، فإنه يجد الفرصة للتفكير في تغيير الوضع الحياتي الذي يعيشه ، إلى وضع أفضل وأكمل.
ج : ثم تتاح الفرصة لآمال وتطلعات هذا الإنسان للتعبير عن نفسها ، وفرض وجودها ، فتدفعه إلى بذل المحاولة ، والتصرف فيما تناله قدراته في توجيهه في هذا السبيل.
د : ثم يأتي دور الأهم والأقوى تأثيرا في النهضة ، ألا وهو النظام الأكمل والأشمل والأصلح ، الذي يستطيع أن يبني الإنسان من الداخل ، ويحافظ عليه من الخارج ، ويزيل من طريقه كل العقبات التي يمكن أن تعترض سبيل تقدمه ؛ ولتنمو وتتكامل في ظل ذلك النظام ـ من ثم ـ ملكات هذا الإنسان ، وخصائصه ، ولتجد طاقاته وإمكاناته الفرصة للتأثير في عملية التغيير للحاضر الذي يعيشه ، والتخطيط الصحيح والسليم للمستقبل الذي يقدم عليه.
فإذا توفرت كل تلك العناصر لأية أمة ، فإنها ولا شك سوف تكون قادرة على أن تبني حضارة ، وتصنع لنفسها مستقبلا مغريا وزاهرا ومجيدا.
وقد كانت كل تلك العناصر متوفرة في منطقة اليمن ، باستثناء العنصر الأخير منها ، وكان فقدانها له بالذات هو السبب في أنها لم تستطع أن تفيد شيئا من تلك القدرات والإمكانات التي توفرت لها ، ولا يحدثنا التاريخ عن شيء ذي بال تميزت به اليمن في تاريخها القديم ، سواء على الصعيد الفكري ، أو الحضاري ، أو غير ذلك ، ولا كان فيها ما يعبر عن نظرة واعية ، أو عقلية متطورة تتلاءم مع حجم إمكاناتها تلك.
كما أن الديانة اليهودية المحرّفة ، التي سيطرت عليها حقبة من الزمن ، لم تستطع أن تقدم لها شيئا يذكر في مجال النهوض بأهلها ، والخروج بهم من ظلمات جهلهم ، والتخفيف من شقائهم وآلامهم ، تماما كما لم تستطع المسيحية المحرفة في الرومان ، والزرادشتية في الفرس ، أن تؤثرا تأثيرا يذكر في ذلك.
أما في الحجاز : فقد كانت كل تلك العناصر مفقودة ؛ ولكن عندما وجد العنصر الأخير منها ـ فقط ـ استطاعت هذه الأمة ـ وذلك هو الإعجاز حقا ـ أن تنتقل من أمة متوحشة بدائية ، تتصف بكل صفات الذل والمهانة ، إلى أمة لا تدانيها ، ولن تدانيها أية أمة أخرى على الإطلاق.
فعرب الحجاز لم يكونوا في الأكثر أهل زراعة ، لأن أرضهم لم تكن صالحة لذلك ؛ بسبب قلة المياه فيها ، حيث لم يكن فيها حتى نهر واحد بالمعنى الصحيح للكلمة (١) ، كما أن الأمطار تقل فيها بشكل ملحوظ ، وكل ما كان هناك هو بعض الينابيع ، التي كانت تظهر في الشتاء ، وتجف في الصيف ، فيرحلون عنها بحثا عن غيرها ، هذا عدا عن أن الأرض نفسها كان فيها القليل مما يصلح للزراعة.
إذن ، فلا شيء يشد العربي إلى هذه الأرض ، أو يربطه بها ، ويجعله يحبها ، ويتفانى في سبيلها ، بل كان مصدر حياتهم ورزقهم هو : السيف ، والماشية ، والإبل بصورة عامة.
ولهذا نرى : أن أكثر ما يعز عليهم ، ويحتل مكانة في نفوسهم هو هذه الأمور بالذات ؛ فنرى الشاعر العربي يتغنى بالجمل ، والسيف ، والفرس ، ويتغزل بالرياح الطيبة ، التي تخفف عنه بعض ما يعانيه من آلام ؛ نتيجة حر منطقته ، ثم هو يناجي القمر والنجوم كثيرا أيضا.
وإذا ما رأيناه يبكي ـ أحيانا ـ الديار والأطلال ، فليس ذلك إلا لأنها كانت في وقت ما مصدر أنس له ، أو لأنه هو نفسه كان حضريا.
ولأن العربي هذا قد اتخذ الغزو والسلب وسيلة من وسائل العيش ؛ فإننا نراه يهتم بالتغني بمواقفه هذه ، ويفتخر باستمرار بشنّه الغارات فرسانا وركبانا.
ومن الجهة الأخرى ، فإنه دائما يتوقع أن يغزى ، وأن تشن عليه الغارات ، ولا يشعر بوجود سلطة تستطيع أن تحميه ، فهو في خوف دائم ، ورعب مستمر.
وإذا كان الأمن غير متوفر له ، فكيف يمكن أن تتوفر له الفرصة للتفكير في حياته ، ومحاولة الخروج من واقعه ، وتحسين ظروف عيشه ، ثم التخطيط للمستقبل بواقعية ، وأناة ، ثم العمل بهدوء واطمئنان على تنفيذ خططه ، وتحقيق آماله؟!
ومن الجهة الثالثة : كيف وأنى يمكن لآماله أن تنمو ، ولطموحاته أن تتجسد وهو في كل يوم يفقد أملا ، ويتحمل ألما وخلاصة الأمر : أنه لا سلطة مركزية تستطيع أن تفرض هيبتها وهيمنتها بيسر وفعالية ، بل إن ذلك قد يتعذر بالنسبة إلى أمة تعيش حياة التنقل والغارة وتتحول باستمرار من مكان إلى مكان.
وقد كان العرب يتجنبون الالتحام بالجيوش المنظمة ـ لتفوقها عليهم ـ فإذا تعقبتهم تلك الجيوش هربوا إلى البادية ، واعتصموا بها ، وكذلك يفعلون إذا واجهوا الجيش ووجدوا فيه قوة (2).
وإذن .. فهم كانوا يفقدون كل أسباب النهضة والتقدم ، ولا يملكون منها حتى الأمل بالتغيير ، فضلا عن إرادته ، والعمل من أجله ، هذا فضلا عن أن الصفات الذميمة ، والعادات السيئة ، التي كانت تهيمن عليهم جماعات وأفرادا لم تكن تسمح لهم بأية نهضة ، أو أي تقدم نحو الأفضل ، إن لم تكن تزيد من بلائهم وشقائهم ، وتدفعهم خطوة بل خطوات إلى الوراء.
ولكنهم مع ذلك كله ، عندما وجدوا الرسالة السماوية الحقة ، استطاعت تلك الرسالة ، وذلك الرسول ـ وفي فترة وجيزة جدا ـ أن تنقل هذه الأمة من حضيض الذل والمهانة إلى أوج العظمة ، والعزة والكرامة ، وأن تغير فيها كل عاداتها ومفاهيمها ، وتخفف ، بل وتقضي على كل أسباب شقائها ، وآلامها ، وذلك هو الإعجاز حقا.
نعم .. لقد استطاع الإسلام في فترة لا تتجاوز سنواتها عدد أصابع اليدين أن يحدث انقلابا حقيقيا وجذريا في عقلية ومواقف وسلوك تلك الأمة ، وفي مفاهيمها ، وأن ينقلها من العدم إلى الوجود ، ومن الموت إلى الحياة.
ولو أن المسيحية واليهودية وغيرهما من الأديان والمذاهب كان فيها أدنى صلاح ، ومع توفر كل الظروف الملائمة لنجاحها في تغيير الأوضاع السيئة ـ آنذاك ـ لعبرت عن نفسها ، ولأثبتت وجودها ، مع أن المسيحية قد كانت في العرب أيضا قبل الإسلام ، وكذلك اليهودية ، ولكنها لم تستطع أن تغير من عقلية العربي ، وسلوكه ، ومفاهيمه عن الحياة والمستقبل شيئا ، بل بقي يئد البنات ، ويشن الغارات ، إلى غير ذلك من أفعال وصفات.
بل إنهم ليذكرون : أن القبيلة العربية الفلانية التي كانت تدين بالمسيحية ما كانت تعرف من المسيحية غير شرب الخمر ـ كما سيأتي ـ كما أن اليهود قد عاشوا بينهم ، وكان العرب يحترمونهم جدا ، ويعتبرونهم وحدهم مصدرا للمعرفة والعلم ـ كما تقدم في الجزء السابق ـ ولكنهم لم يكن لهم في سلوكهم ، وعقليتهم ، أثر يذكر.
__________________
(١) راجع : المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج ١ ص ١٥٧ فما بعدها.
(2) راجع : المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج ٥ ص ٤١٣ و ٤١٤ و ٤٢٠ ، وراجع : تاريخ التمدن الإسلامي المجلد الأول ، الجزء الأول ص ٧٠ وحياة محمد لهيكل ص ٣٩ ومحاضرات تاريخ الأمم الإسلامية للخضري ج ١ ص ٣٣.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|