أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-05-2015
3358
التاريخ: 15-05-2015
3897
التاريخ: 15-05-2015
4996
التاريخ: 15-05-2015
2991
|
الخلفاء الأمويين والعباسيين كانوا يشتركون في تحريف الحكم الإسلامي عن خطه الأصيل والتموضع أمام أهل بيت النبوة، ويفترقون عن بعضهم في أنّ الأمويين ـ باستثناء معاوية و بعض آخر منهم لم يكونوا على اتصال بالعلماء ورجال الدين، ولم يتدخلوا في شؤونهم، بل عطفوا توجّههم إلى القضايا السياسية من قبيل قمع الانتفاضات الداخلية والفتوحات، وتعديل الأُمور المالية، وغير ذلك بشكل متزايد، وكانوا كثيراً ما يدعون العلماء وشأنهم، و من هنا لم يكن حكمهم يتمتع بالصبغة الدينية ولكن عندما انهار حكمهم وجاء العباسيون تغيّر الحال وانقلب، فقد أضفى الحكم العباسي على نفسه صبغة دينية وبدأت المحاولات في استغلال العوامل الدينية لصالح السلطة، وساد التظاهر بالتديّن، وتوطّدت علاقتهم برجال الدين والعلماء الإسلاميين، والسبب في ذلك هو انّ العباسيين لم يرغبوا في أن ينظر إليهم كزعماء سياسيين، بل أرادوا مضافاً إلى الزعامة السياسية أن يتمتعوا بطابع ديني أيضاً حتى ينالوا التقدير والاحترام في الرأي العام، وتوجد هناك أمثلة عديدة لتظاهر الخلفاء العباسيين بالتديّن والدين واستلفات عواطف الناس الدينية التي تمثل محاولاتهم المخادعة والمزيفة لاكتساب الطابع الديني .
كتب جرجي زيدان: وانظر إلى الدول العربية التي جمعت بين الخلافة والسلطة كالعباسيين والفاطميين والأمويين في الأندلس مع ما طرأ عليها من أسباب فقد صبرت وطال جهادها، كذلك كان دوام الحكومات الغير عربية كالحكم العثماني الذي كان له طابع ديني أكثر من بقية الحكومات...، و كان هؤلاء و لأجل أن يحظوا بحب الناس يرفعون من شأنهم ويعدّون أنفسهم عباد اللّه المقربين وحكمهم حكماً منزلاً من قبل اللّه تعالى .
ويضيف جرجي زيدان حول تأثير إعلام الخلفاء المخادع على عامة الناس ومدى اعتقاد الناس بهذا الكلام وتصديقهم: واعتقدوا انّ خلافتهم تبقى أبد الدهر حتى يأتي السيد المسيح، وغرس في أذهان الناس بتوالي الازمان انّ الخليفة إذا قتل اختل نظام العالم واحتجبت الشمس وامتنع المطر وجف النبات .
وقد صدق العباسيون هذه الخزعبلات على أنفسهم أيضاً حتى هارون ـ الذي كان رجلاً فطناً وترقّت الثقافة الإسلامية في عهده ـ كانت تعجبه هذه التملّقات...وإذا كان الخلفاء يعجبهم التملّق لهذه الدرجة وهم في عصر رقي الإسلام وعظمته، فمن الواضح انّ الأوهام ستكون في موضع الحقيقة في عصر الفساد والانحطاط ويأتي المتملّقون و يرضى الحكام والملوك بالكلام أكثر من
العمل، ومن هنا كان نفس هؤلاء المتملّقين يعدّون المتوكل العباسي ظل اللّه، ويقولون: إنّ ظل الرحمة هذا قد انتشر من السماء ليقي الناس حرقة الحر ومدح ابن هاني شاعر البلاط المتملّق المعز الفاطمي:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار!
ولعلّه لم يهتم من بين العباسيين أكثر من هارون الرشيد بهذا الجانب، ولم يستغل ذلك التظاهر مثل ما تظاهر هو. وكان لهارون إصرار غريب على أن يضفي على جميع أعماله وسلوكه صفة دينية، وكان يضع على جميع جرائمه وخلاعته ومجونه غطاء دينياً، ويعتبرها ومن خلال مجموعة من التبريرات مطابقة للمعايير الدينية .
ويقولون: إنّه قد ذهب إلى مكة في سنة من سني خلافته وخلال أدائه لمناسك الحج دعا كثيراً لطبيبه المسيحي جبريل بن بختيشوع، فانزعج بنو هاشم من ذلك، و قال في مقابل اعتراضهم بأنّه رجل ذمّي غير مسلم لا يجوز الدعاء له: هذا صحيح غير انّ سلامتي وصحتي بيده، وصلاح المسلمين منوط بسلامتي، وعليه فإنّ خير المسلمين وصلاحهم منوط بطول عمره وسلامته، ولا عيب في الدعاء له .
إنّ منطق هارون هذا منطق غريب، فإنّ جميع المصالح العليا للمجتمع الإسلامي منوطة بوجوده هو وحده وفقاً لمنطقه هذا وتجب التضحية بكلّ شيء حفاظاً على نفسه، لأنّه وحسب ما يقتضيه استدلاله لم يكن مجرّد حاكم بل وجوده ضرورة حيوية للمجتمع الإسلامي، وقد يتصوّر انّ تبرير جميع أعمال شخص كهارون وأفعاله لأمر عسير في ضوء المنطق الديني، ولكنّه قد سهل الأمر على نفسه في تبرير أعماله بشراء ذمم المرتزقة من الفقهاء والقضاة المتهالكين على حب الدنيا .
ومن مصاديق مكر هارون البارزة وتظاهره بالديّن والتدين هي قضية استشهاد وقتل يحيى بن عبد اللّه .
وقد كان يحيى بن عبد اللّه وهو من أحفاد الإمام الحسن من سادات بني هاشم وشخصية ممتازة ومن أصحاب الإمام الصادق وخاصته .
وخلال أحداث ثورة الحسين شهيد فخ على الحكم العباسي الظالم شارك يحيى في جيشه، وقد عدّ من قادة جيشه الكبار، وقد ذهب بعد هزيمة الحسين واستشهاده إلى الديلم برفقة جماعته، ونشط هناك وانضم إليه الناس وشكّل قوات معتد بها ثمّ أرسل هارون الفضل بن يحيى البرمكي مع جيش إلى الديلم وبعد ان دخل الديلم بدأ و بأمر من هارون يراسل يحيى ويعده الوعود الجميلة واقترح عليه بأن يمنحه الأمان، فقبل يحيى الذي كان يرى أنصاره وأصحابه يتخلّون عنه نتيجة المؤمرات التي حاكها هارون والفضل ذلك الاقتراح مكرهاً ؛ وبعد ان كتب هارون كتاب الأمان بخطه إليه وأشهد عليه جماعة من الشخصيات الكبيرة دخل يحيى بغداد، فعامله هارون بكل رفق وليونة في البداية، وأعطاه أموالاً جزيلة، غير انّه كان يخطط لقتله بشكل سري، فاتهمه بشق عصا الطاعة وتحريض الناس ضدّ الحكم، ولكن ولأجل منحه الأمان لم يكن قتله بالأمر الهيّن، ولذلك قرر أن يتسلّح بفتوى من فتاوى الفقهاء لينقض بها الأمان ويحصل على الإذن الشرعي في ذلك، فاستدعى فقهاء العصر وعرض عليهم الأمان الذي أعطاه له، فأجمعوا و هم: محمد بن الحسن الشيباني، والحسن بن زياد اللؤلؤي، وأبو البختري أن لا طريق إلى نقضه سوى أبي البختري وبعد إحضار الفقهاء وتشكيل مجلس قضاء قرأ محمد بن الحسن الذي كان عالماً مستقلاً نسبياً ولم يبع نفسه مثل أُستاذه أبي يوسف إلى الرشيد كتاب الأمان وقال: كتاب صحيح وأيمان مغلظة لا سبيل إلى نقضه وأمّا أبو البختري فانّه نظر إلى الأمان و قال: هذا باطل منتقض قد شقّ يحيى عصا الطاعة وسفك الدماء فاقتله ودمه في عنقي .
فقال له الرشيد: خرّقه إن كان باطلاً بيدك ؛ فأخذه وبصق فيه ومزّقه قطعة قطعة، فوهب له الرشيد عوض فعله ألف ألف وستمائة وولاّه القضاء، وكان هارون قد سرّ بهذه الفتيا كثيراً، وقد أجمع على إعدامه استناداً إلى هذه الفتيا .
وقد حظر على محمد بن الحسن الفتيا عقب رأيه الذي أبداه، وحكم على يحيى بالقتل استناداً إلى قرار مجلس القضاء ؛ وكما قلنا كان القاضي أبو يوسف من القضاة المأجورين الذي تولّى القضاء من قبل هارون .
كان ملازماً لهارون دائماً، وكان يضفي وبما يتمتع به من قوة الاستدلال وطاقة عجيبة في التبرير على أعمال هارون اللا شرعية صفة الشرعية من خلال مجموعة من التبريرات والتوجيهات ويظهرها بشكل يتناسب مع المعايير الدينية، وسنشير هنا إلى نموذجين من ذلك: 1. لمّا أفضت الخلافة إلى الرشيد وقعت في نفسه جارية من جواري المهدي، فراودها عن نفسها، فقالت: لا أصلح لك انّ أباك قد طاف بي، فشغف هارون بها ولم يكن ليدعها، فأرسل إلى أبي يوسف فسأله :أعندك في هذا شيء؟ فقال: يا أمير المؤمنين أو كلّما ادّعت أمة شيئاً ينبغي أن تصدق!! لا تصدّقها فإنّها ليست بمأمونة مع أنّ الشريعة الإسلامية تقبل في هذه الحالات إقرار المرأة على نفسها بذلك ويكون هو الأساس الذي يرتّب الأثر عليه .
2. دعا الرشيد يوماً طبّاخه فقال: أعندك في الطعام لحم جزور؟ وطلب منه إعداد ذلك .
وبعد تناول الطعام قال جعفر البرمكي: إنّ هذا الطعام من لحم الجزور يقوّم عليك بأربعمائة ألف درهم، فتعجب هارون من ذلك!! فقال جعفر إنّك طلبت من طباخك لحم جزور قبل هذا اليوم بمدة طويلة، فلم يوجد عنده، ومنذ ذلك الحين ينحر كلّ يوم جزوراً لأجل مطبخ أمير المؤمنين، فصرف في لحم الجزور من ذلك اليوم إلى هذا اليوم أربعمائة ألف درهم، ولم يطلب الخليفة لحم جزور إلاّفي هذا اليوم، فتكون كلّ لقمة بأربعمائة ألف .
هارون الذي كان يعبث ببيت المال ويصرف أموال المسلمين في مجالس لهوه و مجونه ولم يأل جهداً في هدر أموال المسلمين المعدمين، ولا يأسف على ذلك أراد هذه المرة أن يتظاهر بأنّه حريص وذو ضمير حي ومتعاطف مع شعبه، فأظهر الحزن من ذلك وأمر و لتدارك ما فاته بتوزيع عدة ملايين من الدراهم بين الفقراء تصدّقاً عليهم مع أنّ هذا المال ليس من ماله الخاص، بل من أموال المسلمين، ذلك المال الذي كان عليه أن يوزعه على المسلمين بشكل عادل ولا يسوغ عنونة عمله هذا بعنوان التصدّق أو هبات الخليفة.
وعلى أية حال وصل نبأ ذلك إلى أبي يوسف الذي كانت فلسفة وجوده تتبلور في جهاز هارون في هذه الموارد فأعدّ خطة رائعة لتبرير عمل الخليفة هذا، وحضر لديه وسأل عن سبب حزنه وبكائه، فذكر هارون أمره .
فقال أبو يوسف: هل كان ما تذبحونه من الجزور يفسد أو يأكله الناس؟ فأجاب جعفر ـ و يبدو انّه عرف ما يرمي إليه أبو يوسف ـ : بل يأكله الناس .
فقال أبو يوسف مسروراً: أبشر يا أمير المؤمنين بثواب اللّه فيما صرفته من المال الذي أكله المسلمون في الأيام الماضية، وبما يسرّه اللّه عليك من الصدقة. نعم انّ لحم الجزور التي تنحر كل يوم لمائدة الخليفة كانت تقدم أحياناً ـ و قبل فسادها و تقديمها إلى كلاب بغداد ـ إلى بعض الجياع وتكون صدقة في منطق أبي يوسف، ويكون ما قام به هارون من الأعمال الخيرية لا إسرافاً وعبثاً بأموال المسلمين وتفريغاً لخزانة بيت المال تحت عنوان الصدقة. وممّا تقدّم من الحقائق يتضح جيّداً مدى صعوبة عمل الإمام موسى بن جعفر (عليمها السَّلام) ، لأنّه كان يواجه خليفة مخادعاً مثل هارون الذي يتستر بمجموعة كبيرة من المظاهر المخادعة والحيل والرياء ويقدم نفسه بصفته خليفة عادلاً ورعاً .
ولكي يمزّق الإمام السابع هذا الستار المزركش بالحيل والمظاهر الخادعة ويكشف ماهية الخليفة الخبيثة كان يجب عليه أن يبذل قصارى جهده في إجلاء حقيقته، وفي الواقع لولا شخصية الإمام الممتازة والعظمة التي يتمتع بها لما كان يمكن التسليم بنجاح مثل هذا النضال .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|