أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-2-2016
2467
التاريخ: 8-1-2023
1628
التاريخ: 2024-08-04
585
التاريخ: 17-4-2021
2032
|
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة : 30] .
إن الله سبحانه لماً خلق آدم جعله بشراً سوياً إذ نفخ فيه من روحه ، فصيره سميعاً بصيراً عاقلاً مفكراً إلى غير ذلك من الخصائص التي صلح بها أن يكون خليفة الله في أرضه ، يحكي بكماله وجماله ما لخالقه من الكمال والجمال والأسماء والصفات .
وقد عرض سبحانه على الملائكة استخلافه في الأرض وأخبرهم بذلك وقال : {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} . فلو كان ظرف هذا الإخبار قبل خلق آدم فالجعل بمعنى الخلق ، ولو كان بعد خلقه فيكون معنى الجعل هنا انتخابه لهذا المنصب .
ولما كانت الملائكة غير عارفين بما يتمتع به آدم من كمالات استعظموا الأمر وقالوا : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ } .
وحاصل كلامهم أنه لا يليق بمن يفسد ويسفك الدماء أن يكون خليفة الله في الأرض ، وانما اللائق بهذا المنصب هم الملائكة الذين يسبحون بحمده ليلاً ونهاراً وينزهونه عن كلّ عيب وشين ، وسيوافيك توضيح خلافته في الارض .
فأجيبوا بقوله سبحانه : { إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ } .
لقد ذكر سبحانه قصة آدم في غير واحدة من السور لدواعٍ مختلفة ، ولكنه لم يذكر استخلافه في الأرض وتعليمه الأسماء إلا مرة واحدة ، ولذلك صار الأمران المذكوران من المعارف القرآنية التي قلّما لإنسان الإحاطة بمغزاهما ، ولأجل ذلك نفصل الكلام فيهما كما يلي :
خلافته في الأرض
لا شكّ أن أنبياء الله ورسله ومن يخلفهم من الأوصياء والائمة خلفاء الله في أرضه حيث إنهم وسائط بين الله وبين عباده يبلغون رسالات الله الى الناس ، وهذا النوع من الاستخلاف يختص بهذه الطبقة .
وبما أنه سبحانه يذكر خلافة آدم بصورة خاصة ويعدّها من خصائصه ، فلخلافته إذا معنى آخر ، غير المعنى الذي عم الأنبياء والأوصياء قاطبة .
ويتصور في بادئ الأمر لخلافته معنيان أولهما باطل و الآخر صحيح .
المعنى الأول : خلافته عن الله في الأرض بمعنى تفويض أمر الإلوهية والربوبية إليه فيها . وهذا الاحتمال مرفوض جداً بل لا يليق أن يذكر ويسطر ، لقوله سبحانه : {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف : 84] فهو الشرك الأكبر الذي لا يتفوه به من له أدنى إلمام بالشرائع السماوية ، فلا رب ولا مدبر ولا معبود سواه سبحانه ، قال جل شأنه : {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل : 36] .
المعنى الثاني : - وهو المهم - خلافته عن الله سبحانه بشكل لا ينافي الأصول الصحيحة التي نزل بها الذكر الحكيم ودعا إليها الأنبياء والرسل . وهذا يتصور على وجهين :
الأول : محاكاة المستخلف في صفاته
لما ارتقى آدم درجة عالية من الكمال والجمال ولم يكن في صحيفة الوجود أفضل منه ، صار يحاكي-بجما له وكما له - جاعله وخالقه في هذه الصفات ، فكأنه مرآة للرب تكشف عماً في ذلك المقام من العظمة والقدرة على الإبداع .
نعم كل موجود إمكاني في صحيفة الوجود من غير فرق بين الإنسان وغيره يحكي بمقدار كماله وجماله ، كمال ربه وعلمه وقدرته ، ولكن لا يوجد في تلك الصحيفة موجود أفضل وأرقى من آدم وأولاده ، ولأجل ذلك صار خليفة الله في أرضه ، وموضع تجلي حكمته وعلمه وجلاله ، وهو المقام الذي لم ترتق إليه حتى الملائكة مع ما لهم من المكانة السامية إلا أنهم لم يرتقوا إلى ذلك المقام الذي كان لآدم .
يقول محمد عبده : إن الإنسان يتصرف بشعوره وإحساسه بالكائنات فيسخرها ويذللها بعد ذلك كما تشاء تلك القوة الغريبة التي يسمونها العقل ولا يعقلون سرها ، ولا يدركون حقيقتها وكنهها ، حتى كان له بها من الاختراعات العجيبة ما كان ، وسيكون له من ذلك ما لا يصل إليه التقدير والحسبان .
أعطى الله الإنسان أحكاماً وشرائع تساعده على بلوغ كماله ، لأنها مرشد ومرب للعقل لذي كان لهكل تلك لمزايا ، فلهذا كله جعله خليفته ي لأرض وهو أخلق المخلوقات بهذه الخلافة .
وقد ظهرت آثار الإنسان في هذه الخلافة على الأرض ونحن نشاهد عجائب صنعه في المعدن والنبات ، وفي البر والبحر والهواء ، فهو يتفنن ويبتدع ويكشف ويخترع ويجد ويعمل .
إلى أن قال : أليس من حكمة الله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ، أن جعل الإنسان بهذه المواهب خليفته في الأرض . يقيم سننه ، ويظهر عجائب صنعه ، وأسرار خليقته ، وبدائع حكمه ، ومنافع أحكامه ، وهل وجدت آية على كمال لله تعالى وسعة علمه أظهر من هذا الإنسان الذي خلقه الله في أحسن تقويم ؟ وإذا كان الإنسان خليفة بهذا المعنى فكيف تعجب لملائكة منه ؟ (١)
الثاني : خلافته عنه سبحانه في التصرف بالعالم
وهناك تفسير آخر لخلافة آدم عن الله سبحانه ، وكأنه والتفسير الآنف الذكر وجهان لعملة واحدة وحاصله : أنه سبحانه خلق العالم مليئاً بالقوى الطبيعية والنعم الوافرة ، وليس لأحد حق التصرف فيها إلا بتخويل من الله تعالى ، فخلق آدم وأذن له أن يعمر الأرض ويخرج مواهبها ويستثمر طاقاتها وخيراتها ، وبهذا صار خليفة الله سبحانه في الإعمار والعمران ، كما يشير إليه قوله سبحانه : {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ} [هود : 61] .
فالوارد في هذه الآية تعبير آخر عما جاء في الآية الأخرى : {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} .
فقوله : {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} تعبير عن قوله : وإني جاعل في الأرض .
وقوله : {وَاسْتَعْمَرَكُمْ} يعادل قوله : {خَلِيفَةً} .
فالتفسيران يهدفان إلى أنه تبارك وتعالى استخلف آدم في الأرض لغايتين :
الأولى : محاكاته بما أوتي من المواهب والقدرات في علمه وقدرته سبحانه .
الثانية : قيامه بإعمار الأرض وإخراج طاقاتها وقدراتها بإذن منه سبحانه ،
فالمنوب عنه هو الله سبحانه وآدم هو الخليفة ووجه الخلافة أحد الأمرين الماضيين .
هذا هو المعنى الذي يتبادر من الآية مع ملاحظة بعض الآيات الأخرى .
ثم إن هناك معنى آخر للخلافة يخالف المعنى السابق تماماً وهو :
الخلافة عن الامم البائدة
ثمة قول آخر يذهب إليه بعض المفسرين ، وهو أن الأرض كانت مسكونة قبل أن تطأها قدما آدم (عليه السلام) ، ثم انقرض سكانها ، فأراد الله أن يخلفهم بآدم وذريته ، وليست الخلافة إلا مجيء شيء بعد آخر ؛ يقول سبحانه : {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً} [الفرقان : 62] .
فالليل يخلف النهار ، والنهار يخلف الليل بالتبادل و التعاقب .
وعلى ضوء ذلك ، يكون المعنى أن الله سبحانه أخبر الملائكة بأنه سيجعل في الأرض من يخلف الأمم السابقة ، وهذا شبيه بقول الله سبحانه ، في الناجين من قوم نوح (إذ جعلهم خلفاء للغارقين والهالكين) : {وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} [يونس : 73] .
وليس هذا ببعيد بالنظر إلى بعض ا لآيات في القرآن ، كالتي تتحدث عن هود أنه خاطب قومه بقوله : {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} [الأعراف : 69] .
أو التي تتحدث عن صالح ، إذ خاطب قومه بقوله : {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ} [الأعراف : 74] .
كل ذلك يقرب حقيقة أن خلق قوم بعد قوم يعد استخلاف ، فهذا هو موسى الكليم (عليه السلام) يعد قومه بأن الله سبحانه يستخلفهم في الأرض قال : {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ} [الأعراف : 129] .
حتى أنه سبحانه وعد المؤمنين بأنه سيستخلفهم في الأرض وقال : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} [النور : 55] .
فعلى ضوء هذه الآيات يمكن أن نقول : إن خلافة آدم نظير خلافة هذه الأقوام بعضها لبعض .
ولو صح هذا المعنى لكان مغايراً للمعنى الأول مغايرة تامة .
و إلى هذا الرأي يشير صاحب المنار ويقول : ذهب بعضهم إلى أن هذا اللفظ يشعر بأنه كان في الأرض صنف أو أكثر من نوع الحيوان الناطق وأنه انقرض ، وان هذا الصنف الذي أخبر الله الملائكة بأنه سيجعله خليفة في الأرض يحل محله ويخلفه .
وبما أن هذا الصنف البائد قد أفسد في الأرض وسفك الدماء ، فاستنبطت الملائكة سؤالهم بالقياس عليه فقالوا : {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} . (2)
وقد ورد في بعض الروايات ما يشير إلى هذا المعنى ، حيث جاء فيها «ما علم الملائكة . . . لولا أنهم قد كانوا رأوا من يفسد فيها ويسفك الدماء)) .
ولكن هذا التفسير غير واضح وغير موافق لظاهر ا لآية وذلك :
أولا : لو كان المراد هو الخلافة عن الصنف البائد لماذا ذكر سبحانه - بعد استعظام الملائكة لذلك - تعليم الأسماء وقال : {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ ..} ، وهذا يدل على أن خلافة آدم لم تكن خلافة عن الأقوام البائدة بل هي خلافة عن الله سبحانه ، ولهذه الكرامة علمه سبحانه الأسماء وعرضها على الملائكة فاعترفوا بجهلهم بها .
وثانياً : أن الأمر بسجود الملائكة لآدم الذي هو تكريم في أعلى صورة لهذا المخلوق لا يناسب كونه خليفة عن الأمم البائدة الفاسدة السفاكة للدماء ، حيث وهبه الله من الأسرار ما رفعه على الملائكة ، والله سبحانه يذكر في الآيات المتقدمة خلافة قوم لقوم دون أن يذكر فيها شيئاً مماً ذكره في خلافة آدم .
الخلافة لآدم بنوعه
هل الخلافة التي تحدث عنها القرآن مختصة بأبينا آدم (عليه السلام) ، أو أنها لآدم وأبنائه قاطبة ؟
يمكن استظهار الوجه الثاني بالأمور التالية :
١ . لو كانت الخلافة مختصة لآدم بشخصه لم يكن للسؤال الاستنكاري للملائكة وجه ، لأن آدم (عليه السلام) لم يفسد ولم يسفك الدماء وانما خاض في الدماء ونشر الفساد بعض أبنائه وأولاده . وهذا يدل على أن الملائكة فهموا من الخلافة خلافة آدم بنوعه لا بشخصه .
٢ . سيوافيك في المحور الرابع أن المسجود له بظاهره هو أبونا آدم (عليه السلام) ولكن السجود له كان سجوداً لأولاده عامة ، فالإنسان بنوعه لأجل مواهبه وقدراته بلغ مرتبة استحق بها أن تسجد الملائكة له .
وهذا يثبت أن الخلافة لم تكن لشخص آدم ، بل كانت رمزا لخلافة الإنسان عن الله سبحانه بأحد الوجهين الماضيين : إما حكايته لجلاله وجماله سبحانه ، أو بنيابته عن لله في الأرض لإعمارها .
_________________
1. تفسير المنار : ٢٦٠/١ .
2 . تفسير المنار : ٢٥٨/١ .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|