أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-01-04
1282
التاريخ: 2024-03-02
1120
التاريخ: 2024-04-02
801
التاريخ: 27-02-2015
6958
|
أعطى القرآن الكريم (الكلمة) مجالا وظيفيا واسعا وفاعلا يتجاوز بمراحل نوعية ذلك الافق الضيق من الاستعمال القاموسي، فالكلمة من خلال رصد استعمالاتها في نطاق الوحي طاقة حسية تتوزع ببراعة وبجدارة في مسارب متعددة ومتنوعة من الاشارة والبيان والاعلان، فكانت عبارة عن حركة بين الصيرورة وتاريخ من التوكيد الوظيفي الفائق على الاشياء والحوادث، إنها امكانية هائلة من الدلالات التي تتفاصل على بعد نوعي واضح وعميق من المسافات.
في الحقيقة : لاستعراض مثل هذه الدلالات لا بد أن نشير، الى أن مادة (الكلمة) في الكتاب العزيز تحركت في اشواط متسارعة من الاشتقاقات والصيغ، وذلك من آليات الاستعمال ودرجة حركته، بل هي احدى مؤثرات الاهتمام في أي مادة لغوية في أي عمل فكري أو أدبي أو فلسفي [كلّمه، كلمة، كلّمهم، أكلّم، تكلّم، تكلّمنا، تكلمهم، تكلمون، تكلّم، يكلّم، يكلّمنا، يكلّمه، يكلّمهم، تتكلّم، يتكلّم، يتكلمون، كلام، كلامي، كلمة، كلمته، كلمتنا، كلمات، كلماته، الكليم، تكليما]، وهذه الحركة السريعة من الصيغ ترتبط بقضايا رئيسية من صلب عقيدة تفسر الكون أو تصور يكشف عن قوانين الحياة والتاريخ أو رؤى في انماط الوجود وتجلياته أو قواعد الخطاب البشري ببعده الجدلي المثير، فهي- أي الكلمة- بحملها الاولي أو بمادتها الانشائية دخلت مسيرة النص الالهي القاصد الفاعل!! هنا، وعودا على بدء، نقول : ان كثرة الاستخدام ليست وحدها مؤشر العناية في الموضوع الذي نحن في صدده، بل أيضا، وربما مثل ذلك موقع هذا الاستخدام من جوهر النص، الخطاب، ومراجعة دقيقة لاستعمالات الكلمة في القرآن الكريم تطلعنا على موقع متميز؛ لانه في بعض الاحيان يجسّد عينية خلاقة، فضلا عن كونها في احيان اخرى آليّة فعل. وليس من ريب ان الانتقال بمعنى (الكلمة) من ذلك الحيز الذي لا يتعدى (ما ينطق به الانسان مفردا أو مركبا) الى متون ومضامين تترسم الواقع والوجود، انما هي نقلة نوعية كبرى، ولا يرى ابدا أن هذه الاستعمالات امتداد لغوي صرف للمعنى القاموسي المعروف، بل هي استعمالات نابعة من تصور أو تقديرات خاصة للكلمة باعتبار انها نشاط متميز بخصائص جديرة بهذا الانتقال، وسوف تتضح لنا هذه الفكرة في سياق حديثنا اللاحق.
(2) جاءت الكلمة في القرآن الكريم وهي تعني التحادث البشري المعروف، كما في قوله تعالى : {قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} [آل عمران : 41] ، وسوف نرى ان هذا الاستعمال لم يجمد عند حدود التعريف السطحي لموضوعة التحادث، ونلتقي بمعنى اعمق، عند ما يطلق القرآن الكريم هذه المادة على وحيه من توراة وقرآن {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة : 75]. وتستمر مسيرة الكلمة في استكناه المعاني او الدلالات الضخمة عند ما نعرف ان من احدى استعمالاتها «قضاء اللّه في التاريخ» كما في قوله سبحانه {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} [يونس : 19] ، وتتواصل القابلية الفذة للاستعمال لتشير الى اشياء اللّه المنبثة في الكون {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ } [لقمان : 27] ... وانسجاما مع هذه التجليات الرائعة لدلالة الكلمة في الكتاب العزيز، تأتي بمعنى نفس التشريع الرباني العظيم الذي هو إرادة اللّه في حياة الانسان { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} [الأنعام : 115]
نكتفي بهذا المقدار البسيط لبيان مدى النقلة الجوهرية لدلالات هذه المادة من حدودها المعجمية الى الفضاءات الرحبة والعميقة التي ابتدعها القرآن الكريم، وللانسان ان يتصور كم هي الفاصلة بين المفردة اللغوية والتي قد تكون عابرة على لسان المتحدث، وبين المفردة الكونية التي هي لبنة اساسية في نظام الوجود المحكم، وذلك مهما تبدت لنا هذه المفردة بسيطة وعادية للوهلة الاولى.
هنا يبرز سؤال مهم : ما هي مسوغات استعمال (الكلمة) في هذه المجالات الجوهرية الكبيرة؟! أي علامة بين مادة الموضوعة (ك، ت، ب) ومفردات الكون وقضاء اللّه في الحياة والزمن وتشريع السماء في صياغة الوجود الانساني؟
لا اعتقد ان هناك مسوغا اعمق من القول : بأن كل شيء قابل للقراءة والمعاينة والحركة فهو بالتالي «كلمة» فالمخلوق كلمة كونية، والامضاء الالهي في الامم والشعوب والافراد كلمة تاريخية نافذة، وحكم اللّه كلمة تشريعية، وكلها جاهزة للقراءة الواعية الدائمة، وكلها قابلة للمعاينة المستزيدة ثراء وغنى ومعنى. وذلك بتقادم الزمن والخبرة ... وبالتالي كانت (الكلمة) قدرا، أي قانونا ينتظر الاكتشاف، وغياب الاكتشاف تغييب للذات وتضييع للعمر وهدر للطاقات. فالكون كتاب، والتاريخ سطور والتشريع حقائق، وجميعها طيّعة لاعمال العقل وتحريك الفكر ... على ان (الكلمة) تبلغ ذروتها في الجلال والجمال عند ما تطلق على وحي اللّه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو وان كان (كلمة) بالاضافة الى اللّه تعالى، إلّا انه في التمثيل الاخير يستقر على ضفاف (الكلمة) استعمالا من الذات العلية، وفي ذلك شرف لا يدانيه شرف على الاطلاق، واذا كانت المقتربات اللغوية تميز هذا الاستعمال، فان اختيار السماء لهذا الاستعمال يجسد كلمة المادة وحيويتها وطاقتها المعدة.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|