المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17751 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
احكام الاسارى
2024-11-24
الخرشوف Artichoke (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-24
ميعاد زراعة الجزر
2024-11-24
أثر التأثير الاسترجاعي على المناخ The Effects of Feedback on Climate
2024-11-24
عمليات الخدمة اللازمة للجزر
2024-11-24
العوامل الجوية المناسبة لزراعة الجزر
2024-11-24



الموارد المدعى فيها النسخ على أقسام  
  
1666   02:20 صباحاً   التاريخ: 27-04-2015
المؤلف : علي فاني الاصفهاني
الكتاب أو المصدر : اراء حول القران
الجزء والصفحة : ص 191-201.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / علوم القرآن / الناسخ والمنسوخ /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-1-2016 2643
التاريخ: 27-04-2015 1758
التاريخ: 22/10/2022 1493
التاريخ: 12-10-2014 1620

الأول : ما لا يكون نسخا في الحقيقة بل هو تخصيص أو تقييد.

مثال الأول : تحريم كل ذي ناب ومخلب، الذي ثبت بالسنة مع وجود اطلاق آية التحليل، وهي قوله تعالى : {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ } [الأنعام : 145] ، حيث أن دليل حرمة السباع حاكم على عموم الآية الافرادي، وليس نسخا للآية.

ومثال الثاني : اشتراط نفوذ عقد بنت الأخ على إذن عمتها، واشتراط نفوذ عقد بنت الأخت على إذن خالتها اذ توهم أن الدليل الدال على ذلك ناسخ لقوله تعالى : {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } [النساء : 24]، مع أنه تقييد لا نسخ.

الثاني : ما ورد فيه خبران متعارضان من حيث النسخ وعدمه، فمنه قوله تعالى : {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى} [النساء : 8] ، الآية، فقد ورد في تفسير العياشي من أنه نسختها آية الفرائض، فقال البحراني : تحمل رواية النسخ على نسخ وجوب الاعطاء، وتحمل رواية عدم النسخ على جواز الاعطاء واستحبابه، فلا تنافي بين الروايتين.

وقال أبو علي الطبرسي : اختلف الناس في هذه الآية على قولين أحدهما : أنها محكمة غير منسوخة وهو المروي عن الباقر (عليه السلام)، قال محمد الشيباني في نهج البيان : وقال قوم انها ليست منسوخة يعطي من ذكرهم اللّه على سبيل الندب والطعمة، قلت وهذه الرواية عن الباقر والصادق (عليها السلام) تؤيد ما ذكرناه من الحمل بأن الآية محكمة غير منسوخة يعطون على سبيل الندب والطعمة، ورواية النسخ ناسخة وجوب اعطائهم بآية الميراث، انتهى.

أقول : وأنت خبير بأن نفي الوجوب ليس بنسخ، مضافا إلى ضعف السند فلنطرح الرواية الدالة على النسخ.

ومنه قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران : 102] ، فعن العياشي عن أبي بصير، قال : سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن قول اللّه‏  : {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران : 102] ‏، قال : «منسوخة» قلت : وما نسختها؟ قال : «قول اللّه : {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [التغابن : 16] (1) وقال أبو علي الطبرسي في الآية : اختلف فيه على قولين أحدهما انه منسوخ بقوله تعالى :

فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏} قال : وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه (عليه السلام)، والآخر أنه غير منسوخ، عن ابن عباس وطاوس‏ (2)، أقول : أضف إلى ذلك ضعف السند.

ومنه قوله تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } [الذاريات : 56] ، فقال علي بن إبراهيم : ... وفي حديث آخر : قال : هي منسوخة بقوله تعالى :

{وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود : 118، 119] ، انتهى‏ (3).

أقول : لا ينبغي الشك في أن خلق الناس للعبادة لا ينافي خلقهم‏

للرحمة، والحصر في الموردين اضافي بالنسبة إلى ما يقابل الكفر وما يقابل الرحمة، فتدبر، وأضف إلى ما ذكر ضعف السند.

الثالث : ما يكون نسخا حقيقة، فمنه قوله تعالى : {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة : 240] ، حيث نسخ بقوله تعالى : {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [البقرة : 234].

فعن العياشي عن ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار، قال : سألته عن قول اللّه : {والَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ}‏- إلى قوله تعالى- {إِلَى الْحَوْلِ‏}، قال :

«منسوخة، نسختها آية {يَتَرَبَّصْنَ‏}- الى قوله‏- {عَشْراً} ...» (4).

وعن أبي بصير قال : سألته عن قول اللّه : والَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ‏- إلى- غَيْرَ إِخْراجٍ‏، قال : «هي منسوخة»، قلت : وكيف كانت؟ قال : «كان الرجل إذا مات أنفق على امرأته من صلب المال حولا، ثم أخرجت بلا ميراث، ثم نسختها آية الربع والثمن فالمرأة ينفق عليها من نصيبها» (5).

ومنه قوله تعالى : {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا } [النساء : 15] ، نسخه قوله تعالى : {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ} [النور : 2].

ففي الكافي مرسلا عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «كل سورة النور نزلت بعد سورة النساء وتصديق ذلك أن اللّه عزّ وجلّ أنزل عليه في سورة النساء واللَّاتِي‏- إلى- سَبِيلًا، والسبيل الذي قال اللّه عزّ وجلّ سورة أَنْزَلْناها- إلى- {طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } [النور : 2] ‏ (6).

أقول : الظاهر من هذه الرواية عدم النسخ، وأن الحكم كان من الأول محدودا فلا نسخ لأن شرط النسخ وهو ظهور الدليل في كون الحكم مستمرا مفقود، اللهم إلا أن يقال ان إبهام السبيل يصحح اطلاق النسخ على المورد، مؤيدا بما في تفسير العياشي عن أبي جعفر (عليه السلام) مرسلا في قول اللّه تعالى :

{وَاللَّاتِي} ‏- إلى- {سَبِيلًا} ، قال : «هذه منسوخة»، قال : قلت : كيف كانت ؟ قال : «كانت المرأة إذا فجرت فقام عليها أربعة شهود أدخلت بيتا ولم تحدث ولم تكلم ولم تجالس وأوتيت فيه بطعامها وشرابها حتى تموت»، قلت : فقوله : { أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا } ؟ قال : «جعل السبيل الرجم والجلد والامساك في البيوت»، قال : (قلت) : قوله : {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ} [النساء : 16] ، قال : «يعني البكر إذا أتت الفاحشة التي أتتها هذه الثيب‏ ، { فَآذُوهُمَا} [النساء : 16] ، قال : «تحبس‏ {فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء : 16] (7).

وقال أبو علي الطبرسي : حكم هذه الآية منسوخة عند جمهور المفسرين وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه (عليه السلام) (8).

ومنه آية المناجاة وهي قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً } [المجادلة : 12] ، فراجع البرهان ترى فيه أخبارا مستفيضة دالة على أن الآية لم يعمل بها أحد من الصحابة غير علي (عليه السلام)، وأنه بعد عمله بها نسخها قوله تعالى : {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ} [المجادلة : 13] ، وأنه كان له دينار فباعه بعشرة دراهم فكان كلما ناجاه (صلى الله عليه واله وسلم) قدم درهما حتى ناجاه عشر مرات، ثم نسخت فلم يعمل بها أحد قبله ولا بعده، وأنه قد بخل الناس أن يتصدقوا قبل الكلام معه‏ (9).

و منه تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المكرمة، قال اللّه تعالى {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة : 144] ، وقال اللّه تعالى : {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} [البقرة : 143] ، فترى في الآية الثانية أنه تعالى يبين علة تشريع القبلة إلى بيت المقدس ففي تفسير البرهان عن الشيخ الطوسي في حديث قال : إن بني عبد الأشهل أتوهم وهم في الصلاة وقد صلوا ركعتين إلى بيت المقدس، فقيل لهم إن نبيكم قد صرف إلى الكعبة فتحول النساء مكان الرجال والرجال مكان النساء وصلوا الركعتين الباقيتين إلى الكعبة فصلوا صلاة واحدة إلى‏ القبلتين، ولذلك سمي مسجدهم مسجد القبلتين‏ (10)، وعن علي بن إبراهيم في حديث : «إن اليهود كانوا يعيرون على رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) يقولون له أنت تابع لنا تصلي إلى قبلتنا، فاغتم رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) من ذلك غما شديدا وخرج في جوف الليل ينظر إلى آفاق السماء ينتظر من اللّه في ذلك أمرا لما أصبح وحضر وقت صلاة الظهر كان في مسجد بني سالم قد صلى من الظهر ركعتين، فنزل عليه جبرائيل وأخذ بعضديه وحوله إلى الكعبة وأنزل عليه : {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة : 144] ، وكان قد صلى ركعتين إلى بيت المقدس وركعتين إلى الكعبة فقالت اليهود والسفهاء : {مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا } [البقرة : 142] (11)، وعن تفسير العسكري : «و جاء قوم من اليهود إلى رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) فقالوا : يا محمد هذه القبلة بيت المقدس قد صليت إليها أربع عشرة سنة ثم تركتها الآن أ فحقا كان ما كنت عليه فقد تركته إلى باطل فإن ما يخالف الحق فهو باطل، أو باطلا فقد كنت عليه طول هذه المدة- إلى أن قال- ثم قال : أ ليس اللّه يأتي بالشتاء في أثر الصيف والصيف في أثر الشتاء أبدا له في كل واحد منهما؟، قالوا : لا، قال : فكذلك لم يبد له في القبلة، قال، ثم قال : أ ليس قد ألزمكم أن تحترزوا في الشتاء من البرد بالثياب الغليظة، وألزمكم في الصيف أن تحترزوا من الحر، أ فبدا له في الصيف حين أمركم بخلاف ما أمركم به في الشتاء ؟ قالوا : لا، فقال رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) : فكذلك تعبدكم في وقت لصلاحكم يعلمه بشي‏ء، ثم بعده في وقت آخر لصلاح آخر بشي‏ء آخر- إلى‏ ان قال- ثم قال رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) : يا عباد اللّه أنتم كالمرضى واللّه رب العالمين كالطبيب فصلاح المرضى فيما يعلمه الطبيب ويدبره به لا فيما يشتهيه المريض ويقترحه ألا فسلموا للّه أمره تكونوا من الفائزين، فقيل يا بن رسول اللّه : فلم أمره بالقبلة الأولى ؟ فقال : لما قال اللّه عزّ وجلّ : {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا} [البقرة : 143] - وهي بيت المقدس- {إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ}[البقرة : 143] ، الا لنعلم ذلك منه‏ (12) وجودا بعد أن علمناه سيوجد وذلك أن هوى أهل مكة كان في الكعبة فأراد اللّه أن يبين متبع محمد من مخالفيه باتباع القبلة التي كرهها ومحمد يأمر بها، ولما كان هوى أهل المدينة في بيت المقدس أمرهم بمخالفتها والتوجه إلى الكعبة ليبيّن من يوافق محمدا فيما يكرهه فهو مصدقه وموافقه، ثم قال : وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى اللّه، وإن كان ما كان التوجه إلى بيت المقدس في ذلك الوقت كبيرة إلا على من يهدي اللّه، فعرف أن اللّه يتعبد بخلاف ما يريده المرء ليبتلي طاعته في مخالفة هواه» (13)، انتهى.

أقول : فقد ظهر من نصّ القرآن أن النسخ صحيح وواقع وليس من التغيير في الرأي وحدوث العلم بعد الجهل، ولا يكون جزافا بل لا بد وأن يكون لأجل مصلحة في الجعل الأولى وإبرازه بصورة الاستمرار ثم إزالته عن عالم الإثبات.

ومنه قوله تعالى : {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ } [البقرة : 187].

فقد روى محمد بن يعقوب عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان وأحمد بن ادريس عن محمد بن عبد الجبار جميعا عن صفوان بن يحيى عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أحدهما (عليه السلام) في قول اللّه عزّ وجلّ : { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى‏ نِسائِكُمْ }‏، فقال نزلت في خوات‏ (14) بن جبير الأنصاري وكان مع النّبي (صلى الله عليه واله وسلم) في الخندق وهو صائم فأمسى وهو على تلك الحال، وكانوا قبل أن تنزل هذه الآية إذا نام أحدهم حرم عليه الطعام والشراب، فجاء خوات إلى أهله حين أمسوا، فقال : هل عندكم طعام، فقالوا : لا تنم حتى نصلح لك طعاما فاتكأ فنام، فقالوا له : قد فعلت، قال : نعم فبات على تلك الحال فأصبح ثم غدا إلى الخندق فجعل يغشى عليه، فمرّ به رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) فلما رأى الذي به أخبره كيف كان أمره فأنزل اللّه عزّ وجلّ الآية : {كُلُوا واشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْر}.

ويظهر من هذه الرواية وما يشبهها في المضمون أن علة نسخ الحكم الأول هو الرفق والتسهيل، ونظيره آية ثبات الواحد في مقابل العشرة حيث قال اللّه تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} [الأنفال : 65] ، وقد نسخ هذا الحكم- الذي يكون بصورة الاخبار ويظهر كونه حكما من الآية التالية، قوله تعالى : { الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال : 66]، وتظهر علة النسخ من قوله تعالى : خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ‏، وانها التخفيف وأنه أوجب وجوب ثبات الواحد في مقابل اثنين بعد ما كان الواجب ثبات الواحد فى مقابل العشرة.

ومنه قوله تعالى : {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة : 83] ، نسخه قوله تعالى :

{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة : 29] ، فعن محمد بن يعقوب عن على بن إبراهيم عن أبيه وعلي بن محمد القاساني جميعا عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في حديث الأسياف الذى ذكره عن أبيه قال فيه :

«وأما السيوف الثلاثة المشهورة فسيف على مشركي العرب، قال اللّه عزّ وجلّ : {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ}[التوبة : 5] {فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة : 11] ، فهؤلاء لا يقبل منهم أو الدخول في الإسلام وأموالهم وذراريهم سبي على ما سنّ رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) فانه سبى وعفا وقبل الفداء، والسيف الثاني على أهل الذمة، قال اللّه عزّ وجلّ : {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة : 83] ، نزلت هذه الآية في أهل الذمة، ثم نسخها قوله عزّ وجلّ : {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة : 29] «15».

ويؤيده ما ورد في تفسير القمي في ذيل قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ } [النساء : 77] ، قال علي بن إبراهيم : انها نزلت بمكة قبل الهجرة فلما هاجر رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) إلى المدينة وكتب عليهم القتال نسخ هذا، فجزع أصحابه من هذا فأنزل اللّه : {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ‏} - بمكة - {كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ‏} ، لأنهم سألوا رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) بمكة أن يأذن لهم في محاربتهم فأنزل اللّه : {كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وأَقِيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ} ‏- بالمدينة قالوا : - {رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى‏ أَجَلٍ قَرِيبٍ‏} - فقال اللّه :- قل - لهم يا محمد- {مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ والْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى‏ ولا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء : 78] ، الفتيل القشر الّذي في النواة، ثم قال : {أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ ولَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} «16» يعني الظلمات الثلاث التي ذكرها اللّه وهي المشيمة والرحم والبطن‏ [البقرة : 178].

وهذا الأخير إنما هو كلام القمي غير المعلوم إسناده إلى المعصوم (عليه السلام) ولو مرسلا، فلا حجية فيه ورواية حفص ضعيفة.

وهناك قسم آخر من النسخ، وهو نسخ الأحكام التي كانت في الشرائع السابقة كقصاص النفس بالنفس مطلقا : وقد نسخ بقوله تعالى : {الْحُرُّ بِالْحُرِّ والْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} ، وكوجود أحكام ذات مشقة نسخت بقوله تعالى : {الَّذِينَ‏ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ والْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ ويُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ ويُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ ويَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْوالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ‏[الأعراف : 157] فعن الشيخ بإسناده عن محمد بن عيسى عن يعقوب ابن يزيد عن ابن أبي عمير عن داود بن فرقد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال : «كان بنو إسرائيل إذا أصاب من بدنهم بول يقطعوا لحومهم بالمقاريض وقد وسع اللّه عليكم بأوسع ما بين السماء والأرض وجعل لكم الماء طهورا» «17».

وتلخيص المقام أن النسخ وهو بيان انتهاء أمد الحكم فيما كان دليله ظاهرا في الاستمرار بحسب الأزمنة جائز عقلا وواقع شرعا إلا أن كثيرا من الموارد التي يدعى النسخ فيها ليست من النسخ في شي‏ء وجملة منها ليس لها دليل متقن وسند صحيح، وقد عرفت منا أن تلك المسألة بطولها وتأليف جماعة من العامة كتبا عديدة فيها لا ثمرة لها فقها، فترك الإطالة فيها أولى برعاية الوقت، نعم القول بعدم وقوع النسخ شرعا باطل قطعا لما عرفت من وجود جملة معتد بها من الأحكام المنسوخة في الشريعة الإسلامية.

__________________________

(1) تفسير العياشي : ج 1 ص 194 ح 121.

(2) مجمع البيان : ج 2 ص 157.

(3) تفسير القمي : ج 2 ص 331.

(4) تفسير العياشي : ج 1 ص 129 ح 426.

(5) تفسير العياشي : ج 1 ص 129 ح 427.

(6) الكافي : ج 2 ص 32 كتاب الإيمان والكفر.

(7) البرهان : ج 1 ص 353 وتفسير العياشي : ج 1 ص 227 ح 61 ولكن ذكره عن أبي عبد اللّه (عليه السلام).

(8) مجمع البيان : ج 2 ص 48.

(9) البرهان : ج 4 ص 309.

(10) البرهان : ج 1 ص 158.

(11) البرهان : ج 1 ص 158 وتفسير القمي : ج 1 ص 63 ولاحظنا ان بين البرهان وتفسير القمي النسخة التي لدينا اختلاف يسير في الحديث.

(12) هذا التعبير دليل على ما نقول من أن العلم الفعلي عبارة عن حضور المعلوم بوجوده الخارجي لدى العالم، فراجع رسالتنا في البداء.

(13) البرهان : ج 1 ص 158.

(14) بالخاء المعجمة والواو المشددة والتاء المنقوطة.

(15) الكافي : ج 5 ص 10- 11 باب وجوه الجهاد ح 2.

(16) تفسير القمي : ج 1 ص 143- 144.

(17) البرهان : ج2 ص40 .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .