أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-04-2015
3063
التاريخ: 23-04-2015
7878
التاريخ: 23-04-2015
2200
التاريخ: 17-11-2021
1802
|
يتحدث ابن جني عن جهاز الصوت المنتقل ، أو مجموعة الأجهزة الصوتية في الحلق والفم ، وسماعنا تلك الأصوات المختلفة ، وذلك عند ذائقته للحرف العربي ، ووجدانه الاختلاف في أجراسه ، والتباين في أصدائه فشبه الحلق بالمزمار ، ووصف مخارج الحروف ومدارجها بفتحات هذا المزمار ، وتتوجه عنايته بمجرى الهواء في الفم عند إحداث الأصوات ، ويشبه بمراوحة الزامر أنامله على خروق الناي لسماع الأصوات المتنوعة والمتشعبة بحسب تغييره لوضع أنامله لدى فتحتات المزمار ، «فإذا وضع الزامر أنامله على خروق الناي المنسوقة ، وراوح بين أنامله ، اختلفت الأصوات ، وسمع لكل منها صوت لا يشبه صاحبه ، فكذلك إذا قطع الصوت في الحلق والفم ، باعتماد على جهات مختلفة ، كان سبب استماعنا هذه الأصوات المختلفة» (1).
وكذلك تعقيبه على هذا التمثيل في إحداث الصوت بالنسبة لأوضاع أجهزة الصوت ، بتشبيهه ذلك بوتر العود ، وكيفية ضربه ببعض أصابع اليسرى أو جسّه في اليمنى مما يحدث أصواتا مختلفة عند تلقى الأذن لذلك ، فتتذوق من خلال ذلك جوهر الصوت ، كما تتذوقه في أصوات الحروف تبعا للرقة والصلابة في الوتر ، وكذلك الحال بالنسبة للوترين الصوتيين في جهاز النطق الصوتي عند الإنسان ، يقول :
«و نظير ذلك أيضا وتر العود ، فإن الضارب إذا ضربه وهو مرسل سمعت له صوتا ، فإن حصر آخر الوتر ببعض أصابع يسراه ، أدى صوتا آخر ، فإن أدناها قليلا ، سمعت غير الاثنين ، ثم كذلك كلما أدنى إصبعه من أول الوتر غفلا غير محصور ، تجده بالإضافة إلى ما أداه وهو مضغوط محصور ، أملس مهتزا ، ويختلف ذلك بقدر قوة الوتر وصلابته ، وضعفه ورخاوته ، فالوتر في هذا التمثيل كالحلق ، والخفقة بالمضراب عليه كأول الصوت من أقصى الحلق ، وجريان الصوت فيه غفلا غير محصور كجريان الصوت في الألف الساكنة ، وما يعترضه من الضغط والحصر بالأصابع كالذي يعرض للصوت في مخارج الحروف من المقاطع ، واختلاف الأصوات هناك كاختلافها هنا» (2).
إن ما أبداه ابن جني من تفصيل تمثيلي دقيق لجهاز النطق عند الإنسان وأثر انطلاق الهواء مضغوطا وغير مضغوط في إحداث الأصوات مختلفة بحسب إرادة الناطق أو المصوّت : هو ما تبناه علم الأصوت الفيزيولوجي (Phonnetics-Physiology) في الحديث عن الجهاز التنفسي الذي يقدم الهواء المناسب لتكييف حدوث الأصوات ، وعن الحنجرة باعتبارها مفجرة الطاقة الصوتية ، وعن التجاويف فوق المزمارية التي تلعب دور عزف الرنين في إنتاج غالبية الضوضاء المستخدمة في الكلام ، وعن دور التنفس في مرحلتي الشهيق والزفير في اتساع القفص الصدري لدى الشهيق ، فيدعو الهواء الخارجي بسبب هبوط الحجاب الحاجز ، وارتفاع الأضلاع إلى الدخول من فتحتي الأنف أو الفم عبر القصبة الهوائية إلى الرئتين ، فتنتج أصواتا استثنائية مسموعة عند الأطفال ، أو في حالتي النشيج والضحك.
أما الزفير فيشتمل على ارتفاع الحجاب الحاجز ، وهبوط الأضلاع ، ونتيجة لهذا يندفع الهواء بكمية كبيرة من الرئتين ، هذا الهواء المندفع بالزفير هو الذي يستخدم في التصويت (3).
إن هذا التحليل الحديث في حدوث الأصوات من وجهة نظر علمية أو تشريحية هو الذي أراده ابن جني في عنايته بمجرى الهواء في عملية إحداث الأصوات ، ولكن بأسلوب يتجاوز مناخ بيئته إلى البيئات المعاصرة ، وتشبيهه لهذا الجهاز بمراوحة الزامر أنامله في خروق الناي لسماع الأصوات لم يعد اليوم تشبيها بل عاد تسمية اصطلاحية في علم الأصوات الفيزيولوجي بالنسبة للتصويت ، إذ تطلق كلمة المزمار على الفراغ المثلث المحاط بالحبلين الصوتيين «فالمزمار يكون مفتوحا في التنفس العادي ، كما يكون مفتوحا خلال النطق ببعض الصوامت المهموسة ، أما خلال التصويت فإن المزمار يجب أن ينغلق ، على طول الخط الوسيط ، فإذا بقي الجزء الموجود بين الغضروفين الهرميين مفتوحا ، بحيث يسمح للهواء بالمرور سمعنا صوتا مستسرا هو صوت الوشوشة ، وإذا كان الائتلاف كاملا كان المزمار في وضع الاستعداد للتذبذب ... ومن الممكن أيضا أن نقصر التذبذب على جزء من الحبل الصوتي ، وبذلك نختصر طول الجسم المتذبذب ، وهو ما يعطينا نغمة أكثر حدة. هذه المعطيات الفيزيولوجية تتفق اتفاقا كاملا مع القوانين الفيزيقية التي تحكم التردد الخاص باسم التذبذب» (4).
أستطيع القول من خلال النص المتقدم دون مبالغة أو تردد : إن هذا النص يكاد أن يكون ترجمة عصرية لرأي ابن جني في تشبيهه جهاز الصوت لدى التذبذب في إخراج الأصوات بالمزمار ، الذي أصبح اليوم نقطة انطلاق الأصوات باعتباره فراغا يحاط بالوترين الصوتيين ، إذ لم يكن هناك بد عند ابن جني من تلمس جهاز ملموس للاستدلال من خلاله على قضية يصعب الاستدلال عليها في عصره دون النظر إلى ذلك الجهاز ، أما التشبيه الذي عاد اليوم مظنة لمساحة نطقية قرب الحنجرة ، فإنه قد لوّن بصبغة خاضعة لعلم التشريح ، وليس عصر ابن جني عصر تشريح ، ولا هو بمتخصص فيه مع فرض وجود أوليات الموضوع. لذلك جاءت هذه الترجمة معبرة عن رأيه ، أو كاشفة عن تخطيطه تلقائيا ، وحاكية لتشبيهه تمثيليا ، والأمر المنتزع من الحس ، إذ أقيم عليه الدليل الفعلي ، كان مقاربا للأفهام ، ومسايرا لحركة التفكير.
لقد كان ابن جني موضوعيا في صفة الجهاز المتنقل في الأصوات مما جعله في عداد المؤسسين.
(2) المصدر نفسه : 1/ 9- 10.
(3) ظ : برثيل مالمبرج ، علم الأصوات : 43 بتصرف.
(4) المرجع السابق : 47 وما بعدها باختصار.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|