أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-01-23
901
التاريخ: 23-04-2015
4831
التاريخ: 23-04-2015
5511
التاريخ: 2023-12-08
983
|
هناك سمات إيقاعية في سياق فواصل الآيات، ومن خلال عبارات الجمل والفقرات التي ارتبطت بنسق جمهرة من آيات القرآن المجيد، نجم عنها كثير من الاشكال في التفسير لوجودها مجارية لزنة جملة من بحور الشعر، وبدأ محرّر وعلوم القرآن، يتصدرون للدفاع عن ذلك حينا، ولتفسيره كلاميا واحتجاجيا بلغة الجدل حينا آخر، ولو أنهم عمدوا إلى ربط مثل هذه الظواهر بالإيقاع الصوتي لكان ذلك ردا مفحما، ولو فسروها صوتيا لارتفع الإشكال وتلاشى.
القرآن كلام اللّه فحسب، ليس من جنس النثر في صنوفه وإن اشتمل على ذروة مميزاته العليا، ولم يكن ضربا من الشعر وإن ضم بين دفتيه أوزان الشعر جميعا { وما هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الحاقة : 41 - 43].
فهو ليس من سنخ ما يتقولون، ولا بنسيج ما يتعارفون، ارتفع بلفظه ومعناه، وطبيعته الفنية الفريدة، عن مستوى الفن القولي عند العرب، فالمقولة بأنه شعر باطلة من عدّة وجوه :
الأول : التأكيد في القرآن نفسه بنفي صفة الشعر عنه، والتوجيه بأنه ذكر وقرآن مبين بقوله تعالى : { وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ } [يس : 69].
الثاني : الردّ في القرآن على دعوى القول بأن النبي شاعر، وأن القرآن منه في ثلاثة مواطن :
1- الملحظ الافترائي الموجه إليه، والمعبر عنن حيرة المشركين :
{ بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ } [الأنبياء : 5].
2- التعصب الأعمى للآلهة المزعومة دون وعي، وبكل إصرار بافتعال الادعاء الكاذب : { وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ } [الصافات : 36].
3- التربص بالنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وتوقع الموت له، بزعمهم أن سيموت شعره المفترض معه!! { أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ } [الطور : 30].
الثالث : إن العرب لو اعتقدوا أن القرآن شعر لأسرعوا إلى معارضته من قبل شعرائهم، فالشعر ديوان العرب، وقصائدهم معلقة بالكعبة تعبيرا عن اعتدادهم بالشعر، واعتزازهم بالشعراء، وهم أئمة البيان ورجال الفصاحة، ولكنها مغالطة واضحة «و لو كان ذلك لكانت النفوس تتشوق إلى معارضته، لأن طريق الشعر غير مستصعب على أهل الزمان الواحد، وأهله يتقاربون فيه، أو يضربون فيه بسهم» (1).
الرابع : إن الشعر إنما يقصد إليه بذاته فينظم مع إرادة ذلك، ولا يتفق اتفاقا أن يقول أحدهم كلاما فيأتي موزونا، فالشعر «إنما ينطلق متى قصد إليه على الطريق التي تعمد وتسلك، ولا يصح أن يتفق مثله إلا من الشعراء دون ما يستوي فيه العامي والجاهل والعالم بالشعر واللسان وتصرفه، وما يتفق من كل واحد، فليس بشعر فلا يسمى صاحبه شاعرا، وإلا لكان الناس كلهم شعراء، لأن كل متكلم لا ينفك أن يعرض في جملة كلامه ما يتزن بوزن الشعر وينتظم بانتظامه» (2).
سقنا هذا في حيثية تنزيه القرآن عن سمة الشعر وصفته، لأنه قد وجد فيه ما وافق شعرا موزونا، وما يدريك فلعل القرآن يريد أن يقول للعرب :
إن هذا الشعر الذي تتفاخرون به، نحن نحيطكم علما بأوزانه على سبيل الأمثلة لتعتبروا بسوقها سياق القرآن في صدقه وأمانته، ولا غرابة أن يكون القرآن يريد أن ينحو الشاعر بشعره منحى الحق والصرامة والفضيلة والصدق، ومع هذا وذاك فما ورد من الموزون فيه جار على سنن العرب في كلامها، إذ قد يتفق الموزون ضمن المنشور، بلا إرادة للموزون، ولا تغيير للمنظوم. فقد حكى الزركشي (ت : 794 هـ) أن إعرابيا سمع قارئا يقرأ : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } [الحج : 1].
فقال كسرت، إنما قال :
يا أيها الناس اتقوا ربكم |
زلزلة الساعة شيء عظيم |
|
فقيل له : هذا القرآن، وليس الشعر (3).
فاعتقده لأول مرة شعرا فحذف «أن» ليستقيم الوزن فيما عنده. ولو قلنا بالإيقاع الصوتي، وفسرنا الورود البياني لهذا المظهر الموزون بمجانسة الأصوات، وقارنّا عن كثب بمناسبة الصوت للصوت، وملاءمة النطق بالحروف، ومتابعة الأذن للموسيقى، والسمع للنبر والتنغيم، زيادة على ما تقدم لكنا قد أحسنّا التعليل فيما يبدو، أو توصلنا في الأقل إلى بعض الوجوه المحتملة، أو الفوائد الصوتية المترتبة على هذا المعلم الواضح، واللّه أعلم.
وقد يقال بأن هذا المعلم إنما ينطبق على أجزاء من الآيات لا الفاصلة وحدها، فيقال حينئذ بأن وجود الفاصلة في هذه الأجزاء من الآيات هو الذي جعل جملة هذا الكلام موزونا، فبدونها ينفرط نظام هذا السلك، وينحل عقد هذا الابرام لهذا نسبنا أن يكون الحديث عن هذا الملحظ ضمن هذا البحث.
ومهما يكن من أمر، فإن ورود ما ورد من هذا القبيل في القرآن ينظر فيه إلى غرضه الفني مضافا إلى الغرض التشريعي، وهما به متعانقان.
إننا بين يدي مخزون ثم في هذا الرصد، ننظره وكأننا نلمسه، ونتحسسه وكأننا نحيا به، فحينما نستمع خاشعين إلى صيغة موزونة منتظمة بقوله تعالى : { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر : 1]. فإننا نتعامل مع وقع خاص يذكرنا بالعطاء غير المحدود للنبي الكريم، وحينما نستمع- موزونا- إلى قوله تعالى : {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} [المؤمنون : 36]. تصك أسماعنا بلغة الوعيد، فتخشع القلوب وتتحسس الأفئدة.
وحينما نستمع- موزونا- إلى قوله تعالى : { وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا } [الإنسان : 14].
نستبشر من الأعماق بهذا المناخ الهادي، ونستشعر هذا النعيم السرمدي بإيقاع يأخذ بمجامع القلوب، ويشد إليه المشاعر.
وحينما نستمع- موزونا- إلى قوله تعالى : { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ } [المسد : 1].
رع أسماعنا هذا المصير الشديد العاتي، فيستظهره السامع دون جهد، ويجري مجرى الأمثال في إفادة عبرتها وحجتها. وحينما نستمع حالمين
إلى قوله تعالى { وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ } [ق : 40] .فإننا نستشعر هذا الأمر بقلوبنا قبل الأسماع، هادئا ناعما متناسقا، وهو يدعو إلى تسبيح اللّه وتقديسه آناء الليل وأطراف النهار.
و حينما نستمع إلى قوله تعالى : { نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ } [الصف : 13]. فإن العزائم تهب على هذا الصوت المدوي، بإعلان النصر لنبيه، والفتح أمام زحفه، فتعم البشائر، وتتعالى البهجة.
و حينما نستمع إلى قوله تعالى : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } [آل عمران : 92]. فالصوت الرفيق هذا يمس الاسماع مسا رفيقا حينا، ويوقظ الضمائر من غفلتها حينا آخر، وهو يستدر كرم المخائل، ويوجه مسيرة التعاطف، ويسدد مراصد الانفاق، والمسلم الحقيقي يسعى إلى البر الواقعي فأين موطنه ؟ إنه الانفاق مما يحب، والعطاء مما يحدب عليه، والفضل بأعز الأشياء لديه، وبذلك ينال البر الذي ما فوقه بر.
وحينما نستمع إلى قوله تعالى : { أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ } [الماعون : 1، 2]. وتمد الفتحة لتكون ألف إطلاق، وتصبح في غير القرآن (اليتيما) فإنك تقف عند بحر الخفيف من الشعر، وهو من الأوزان الراقصة، تقف عند صرخة مدوّية، وجلجلة متأججة تقارن بين التكذيب بيوم القيامة، وبين دعّ اليتيم في معاملته بخشونة، وصده بجفاف وغلظة.
هذه النماذج الخيرة التي تبركنا بإيرادها، والتي تنبه من الغفوة والغفلة، وتدفع إلى الاعتبار والعظة، وتزيد من البصيرة والتدبر، قد أضفى عليها الملحظ الصوتي موسيقاه الخاصة، فعاد القول بصوتيتها من جملة أسرارها الجمالية، والتأكيد على تناغمها الإيقاعي من أبرز ملامحها الفنية.
هذه ميزة ناصعة من مزايا فواصل الآيات باعتبار العبارات.
(2) المصدر نفسه : 83.
(3) الزركشي، البرهان : 2/ 116.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|