المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17751 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
ميعاد زراعة الجزر
2024-11-24
أثر التأثير الاسترجاعي على المناخ The Effects of Feedback on Climate
2024-11-24
عمليات الخدمة اللازمة للجزر
2024-11-24
العوامل الجوية المناسبة لزراعة الجزر
2024-11-24
الجزر Carrot (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-24
المناخ في مناطق أخرى
2024-11-24

Marcum Q-Function
1-8-2019
حش البرسيم وغلة الدونم
2023-07-02
Lagrange Number
14-10-2020
كيف نتحبّب الی الله
2024-09-18
الشيخ محمد حسن ابن الشيخ احمد ابن الشيخ عبد الحسين
19-1-2018
مشكلات القراءة وكيفية علاجها
9/11/2022


تفسير الأية (30-36) من سورة الأنبياء  
  
5639   03:50 مساءً   التاريخ: 12-9-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة الأنبياء /

 

قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30) وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32) وَهُو الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33) وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35) وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ } [الأنبياء: 30 - 36]

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا} استفهام يراد به التقريع والمعنى أولم يعلموا أنه سبحانه الذي يفعل هذه الأشياء ولا يقدر عليها غيره فهوالإله المستحق للعبادة دون غيره { أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} تقديره كانتا ذواتي رتق فجعلناهما ذواتي فتق والمعنى كانتا ملتزقتين منسدتين ففصلنا بينهما بالهواء عن ابن عباس والحسن والضحاك وعطاء وقتادة وقيل: كانت السماوات مرتتقة مطبقة ففتقناها سبع سماوات وكانت الأرض كذلك ففتقناها سبع أرضين عن مجاهد والسدي وقيل: كانت السماء رتقا لا تمطر وكانت الأرض رتقا لا تنبت ففتقنا السماء بالمطر والأرض بالنبات عن عكرمة وعطية وابن زيد وهوالمروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام) { وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} أي: وأحيينا بالماء الذي ننزله من السماء كل شيء حي وقيل وخلقنا من النطفة كل مخلوق حي عن أبي العالية والأول أصح وروى العياشي بإسناده عن الحسن بن علوان قال سئل أبوعبد الله (عليه السلام) عن طعم الماء فقال له سل تفقها ولا تسأل تعنتا طعم الماء طعم الحياة قال الله سبحانه { وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ } وقيل معناه: وجعلنا من الماء حياة كل ذي روح ونماء كل نام فيدخل فيه الحيوان والنبات والأشجار عن أبي مسلم {أ فلا يؤمنون} أي: أفلا يصدقون بالقرآن وبما يشاهدون من الدليل والبرهان .

ثم بين سبحانه كمال قدرته وشمول نعمته بأن قال { وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ} أي: جبالا ثوابت تمنع الأرض من الحركة والاضطراب {أن تميد بهم} أي تتحرك وتميل وتضطرب بهم وقيل لتستقر عن قتادة {وجعلنا فيها} أي: في الرواسي {فجاجا} أي: طرقا واسعة بينها لولا ذلك لما أمكن أن يهتدوا إلى مقاصدهم في الأسفار ثم بين الفجاج فقال { سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} بها إلى طريق بلادهم ومواطنهم وقيل ليهتدوا بالاعتبار بها إلى دينهم { وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا} أي: رفعنا السماء فوق الخلق كالسقف محفوظا من الشياطين بالشهب التي ترمي بها كما قال وحفظناها من كل شيطان رجيم عن الجبائي وقيل محفوظا من أن تسقط كما قال إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا الآية وقيل محفوظا من أن يطمع أحد في أن يتعرض لها بنقض أوأن يحلقها بلى أوهدم على طول الدهر عن الحسن.

 { وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا} أي: عن الاستدلال بما فيها من دلائل الحدوث والحاجة إلى المحدث {معرضون} أي أعرضوا عن التفكر فيها { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} أي: يجرون وقيل يدورون وأراد الشمس والقمر والنجوم لأن قوله {الليل} يدل على النجوم وقال ابن عباس يسبحون بالخير والشر بالشدة والرخاء وقيل معناه أنه سبحانه جعل لكل واحد منهما فلكا يدور فيه بسرعة كالسباحة وإنما قال {يسبحون} لأنه أضاف إليها فعل العقلاء كما قال والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين وقال النابغة الجعدي :

تمززتها والديك يدعو صياحه            إذا ما بنونعش دنوا فتصوبوا(2)

 ثم قال سبحانه { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ} يا محمد {الخلد} أي: دوام البقاء في الدنيا {أفإن مت} أنت على ما يتوقعونه وينتظرونه {فهم الخالدون} أي: أفهم يخلدون بعدك يعني مشركي مكة حين قالوا نتربص بمحمد ريب المنون فقال لئن مت فإنهم أيضا يموتون فأي فائدة لهم في تمني موتك { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} أي: لا بد لكل نفس حية بحياة أن يدخل عليها الموت وتخرج عن كونها حية { وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ} أي: نعاملكم معاملة المختبر بالفقر والغنى وبالضراء والسراء وبالشدة والرخاء عن ابن عباس وقيل بما تكرهون وما تحبون ليظهر صبركم على ما تكرهون وشكركم فيما تحبون عن ابن زيد.

 وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن أمير المؤمنين (عليه السلام) مرض فعاده إخوانه فقالوا كيف تجدك يا أمير المؤمنين قال بشر قالوا ما هذا كلام مثلك قال إن الله تعالى يقول { وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} فالخير الصحة والغنى والشر المرض والفقر وقال بعض الزهاد الشر غلبة الهوى على النفس والخير العصمة عن المعاصي {فتنة} أي: ابتلاء واختبار أوشدة تعبد { وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } أي: إلى حكمنا تردون للجزاء بالأعمال حسنها وسيئها .

ثم خاطب نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) وقال {وإذا رآك} أي: إذا رآك يا محمد {الذين كفروا} وأنت تعيب آلهتهم وتدعوهم إلى التوحيد {إن يتخذونك} أي: ما يتخذونك {إلا هزوا} أي: سخرية يقول بعضهم لبعض { هَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ} أي يعيب آلهتكم وذلك قوله إنها جماد لا ينفع ولا يضر {وهم بذكر الرحمن} أي: بتوحيده وقيل بكتابه المنزل {هم كافرون} أي: جاحدون عجب الله سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) منهم حيث جحدوا الحي المنعم القادر العالم الخالق الرازق واتخذوا ما لا ينفع ولا يضر ثم إن من دعاهم إلى تركها اتخذوه وهم أحق بالهزء عند من يدبر حالهم.

_______________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج7،ص82-86.

2- التمزز:شرب الشراب قليلا قليلا .وتصوب ضد تصعد.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ أَولَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ والأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما }. في أول سورة البقرة ج 1 ص 38 عقدنا فصلا مطولا بعنوان {القرآن والعلم الحديث} وقلنا : ان القرآن كتاب دين يهدي الإنسان إلى سعادته في دنياه وآخرته ، وليس كتاب نظريات في الفلسفة والعلم والفلك وغيره ، وان كل آية من آيات القرآن الكونية أوالتاريخية كقصص الأنبياء فان الغرض منها أن نتعظ ونعتبر ، أونسترشد بها إلى وجود اللَّه ، فنؤمن به وبعظمته ، ومن الآيات الكونية هذه الآية التي نحن بصددها ، وقد ذكر فيها سبحانه شيئين : الأول ان المجموعة الشمسية ، وهي الشمس والأرض والمريخ والمشتري وزحل وعطارد وغيرها كلها كانت متلاصقة متلاحمة كالشئ الواحد ، ثم فصل اللَّه بعضها عن بعض ، وجعل كلا منها كوكبا مستقلا . . وأقر العلماء الجدد نظرية انفصال الأرض عن الشمس ، ولكنهم اختلفوا في التفاصيل ، وسكت القرآن عن كيفية الفتق والانفصال ، ونحن نسكت عما سكت اللَّه عنه .

{ وجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ }. هذا هوالشيء الثاني الذي تضمنته الآية ، وبيانه ان الماء مصدر الحياة لكل نام ، إنسانا كان أوحيوانا أونباتا ، وجاء في الآية 7 من سورة هود : {وهُو الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ} وقلنا في تفسيرها ج 4 ص 210 : ان المراد بعرشه تعالى ملكه واستيلاؤه ، وان الآية تدل على أن الماء كان موجودا قبل خلق السماوات والأرض . وفي أقوال أهل البيت ( عليهم السلام ) ان الماء أول ما خلق اللَّه . وإذا كان العلم لم يتوصل بعد إلى هذه الحقيقة ، فمن الجائز أن يتوصل إليها في الغد القريب أوالبعيد .

ونقل أبوحيان الأندلسي في البحر المحيط ان حميدا قرأ وجعلنا من الماء كل شيء حيا بنصب حي مفعولا ثانيا لجعلنا ، وهذه القراءة تؤيد القول : ان اللَّه سبحانه أول ما خلق الماء ، وانه المصدر الأول الذي تكونت منه الموجودات ، وان كل كائن هو حي في حقيقته وواقعه ناميا كان أوغير نام ، وان بدا جامدا في ظاهره ( أَفَلا يُؤْمِنُونَ ) بعد هذه الدلائل والبينات .

{ وجَعَلْنا فِي الأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ }. وفي الآية 20 من سورة نوح : {لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً فِجاجاً} بتقديم سبل على فجاج ، والمعنى واحد ، وهو ان اللَّه سبحانه جعل في الأرض طرقا واسعة ليسلكها الناس إلى مقاصدهم . وتقدم نظيره في الآية 17 من سورة النحل ج 4 ص 500 .

{ وجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ }. السقف على حذف كاف التشبيه أي كسقف ، ثم حذفت الكاف وانتصب سقف بنزع الخافض .

والمراد بالحفظ هنا بقاء الكواكب في أماكنها بفعل الجاذبية ، قال تعالى : {ويُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ} - 65 الحج . وأسند الإمساك إليه سبحانه لأنه سبب الأسباب ، والمعنى ان هذا النظام الدقيق في خلق السماوات دليل قاطع عند أولي الألباب على وجود الخالق ووحدانيته وقدرته وعلمه وحكمته ، ولكن أكثر الناس معرضون عن آيات اللَّه ودلائله منصرفون إلى أهوائهم وملذاتهم .

{ وهُوالَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ والنَّهارَ والشَّمْسَ والْقَمَرَ }. لكل من الليل والنهار والشمس والقمر صلة وثيقة بحياة الإنسان ، فالنهار لكده وعمله ، والليل لراحته وهدوئه ، والشمس والقمر للضياء والحساب وغيره من الفوائد ، وفي ذلك نعمة كبرى على جميع عباد اللَّه وحجة بالغة على عظم سلطانه { كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } .

كل كوكب يدور على قدر ، ويتحرك بحركة تلائمه .

وتسأل : ان كان تقدير الكلام كل واحد منهما فينبغي أن يقول يسبح ، وان كان التقدير كلاهما فينبغي ان يقول يسبحان ، فما هوالوجه في قوله يسبحون بضمير الجمع ؟ .

وأجاب المفسرون بأجوبة أرجحها ان لكل من الشمس والقمر منازل ومطالع ، وقد أعاد سبحانه ضمير الجمع على كل منهما باعتبار منازله .

{ وما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ } . قال الطبرسي :

لما تضايق مشركوقريش من محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) قالوا : نتربص به الموت . فنزلت هذه الآية لتجيبهم بأنه لا نجاة لأحد من الموت ، وهل إذا مات رسول اللَّه ( صلى الله عليه واله وسلم ) تخلدون بعده أيها المشركون ؟ وسياق الآية لا يأبى ما قاله الطبرسي { كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ } فهو طالب حثيث لا يفوته المقيم ، ولا يعجزه الهارب ، وأكرم الموت الاستشهاد من أجل إحقاق الحق وإبطال الباطل .

{ ونَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ والْخَيْرِ فِتْنَةً وإِلَيْنا تُرْجَعُونَ }. ان اللَّه سبحانه يبتلي عباده بما يحبون وما يكرهون ، ليظهر كلّ على حقيقته ، فمن شكر عند الرخاء ، وصبر عند الشدة فهو من المخلصين المؤمنين ، وله أجرهم وثوابهم ، ومن كفر وبطر فهومن الذين حقت عليهم كلمة العذاب . وقيل : ان أمير المؤمنين عليا مرض ، فعاده أصحابه ، وقالوا : كيف أنت يا أمير المؤمنين ؟ قال : بشرّ . قالوا :

ما هذا كلام مثلك . قال : ان اللَّه تعالى يقول : ونبلوكم بالشر والخير فتنة ، فالخير الصحة والغنى ، والشر الفقر والمرض . وقال أيضا : من وسّع عليه في دنياه ، ولم يعلم أنه قد مكر به فهو مخدوع عن عقله . . وكلمة فتنة في الآية تأكيد لنبلوكم لأن معنى الفتنة هنا الابتلاء والاختبار ، يقال : فتن الصائغ الذهب إذا أذابه ليختبر جيده من رديئه .

{ وإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ } . كفروا باللَّه ، وآمنوا بالأحجار فدعاهم النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) إلى الايمان باللَّه وحده ، ونبذ الأحجار ، فسخروا منه ومن دعوته إلى الحق الواضح ، ومن قوله : ان أصنامهم وأحجارهم لا تضر ولا تنفع . . وقال بعض المفسرين :

{وهذا أمر عجيب جد عجيب} . . ولا عجب فهذا شأن كل من استهوته  المنافع والمصالح الشخصية ، ونشأ وترعرع على تقاليد البيئة والآباء والأجداد ، سواء أكانت تلك التقاليد عبادة حجر ، أم تعصبا لرأي من غير علم ولا هدى ، وسواء أكان الغرض مالا أم جاها أم أي شيء غير الحق والعدل .

_______________

1- التفسير الكاشف، ج 5، محمد جواد مغنية، ص 273-276.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى:{ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} المراد بالرؤية العلم الفكري وإنما عبر بالرؤية لظهوره من حيث إنه نتيجة التفكير في أمر محسوس.

والرتق والفتق معنيان متقابلان، قال الراغب في المفردات،: الرتق الضم والالتحام خلقة كان أم صنعة، قال تعالى:{ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} وقال: الفتق الفصل بين المتصلين وهو ضد الرتق. انتهى.

وضمير التثنية في{ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا } للسماوات والأرض بعد السماوات طائفة والأرض طائفة فهما طائفتان اثنتان، ومجيء الخبر أعني رتقا مفردا لكونه مصدرا وإن كان بمعنى المفعول والمعنى كانت هاتان الطائفتان منضمتين متصلتين ففصلناهما.

وهذه الآية والآيات الثلاث التالية لها برهان على توحيده تعالى في ربوبيته للعالم كله أوردها بمناسبة ما انجر الكلام إلى توحيده ونفي ما اتخذوها آلهة من دون الله وعدوا الملائكة وهم من الآلهة عندهم أولادا له، بانين في ذلك على أن الخلقة والإيجاد لله والربوبية والتدبير للآلهة.

فأورد سبحانه في هذه الآيات أشياء من الخليقة خلقتها ممزوجة بتدبير أمرها فتبين بذلك أن التدبير لا ينفك عن الخلقة فمن الضروري أن يكون الذي خلقها هوالذي يدبر أمرها وذلك كالسماوات والأرض وكل ذي حياة والجبال والفجاج والليل والنهار والشمس والقمر في خلقها وأحوالها التي ذكرها سبحانه.

فقوله:{ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} المراد بالذين كفروا - بمقتضى السياق - هم الوثنيون حيث يفرقون بين الخلق والتدبير بنسبة الخلق إلى الله سبحانه والتدبير إلى الآلهة من دونه وقد بين خطأهم في هذه التفرقة بعطف نظرهم إلى ما لا يرتاب فيه من فتق السماوات والأرض بعد رتقهما فإن في ذلك خلقا غير منفك عن التدبير، فكيف يمكن قيام خلقهما بواحد وقيام تدبيرهما بآخرين.

لا نزال نشاهد انفصال المركبات الأرضية والجوية بعضها من بعض وانفصال أنواع النباتات من الأرض والحيوان من الحيوان والإنسان من الإنسان وظهور المنفصل بالانفصال في صورة جديدة لها آثار وخواص جديدة بعد ما كان متصلا بأصله الذي انفصله منه غير متميز الوجود ولا ظاهر الأثر ولا بارز الحكم فقد كانت هذه الفعليات محفوظة الوجود في القوة مودعة الذوات في المادة رتقا من غير فتق حتى فتقت بعد الرتق وظهرت بفعلية ذواتها وآثارها.

والسماوات والأرض بأجرامها حالها حال أفراد الأنواع التي ذكرناها وهذه الأجرام العلوية والأرض التي نحن عليها وإن لم يسمح لنا أعمارنا على قصرها أن نشاهد منها ما نشاهده في الكينونات الجزئية التي ذكرناها، فنرى بدء كينونتها أوانهدام وجودها لكن المادة هي المادة وأحكامها هي أحكامها والقوانين الجارية فيها لا تختلف ولا تتخلف.

فتكرار انفصال جزئيات المركبات والمواليد من الأرض ونظير ذلك في الجويدلنا على يوم كانت الجميع فيه رتقا منضمة غير منفصلة من الأرض وكذا يهدينا إلى مرحلة لم يكن فيها ميز بين السماء والأرض وكانت الجميع رتقا ففتقها الله تحت تدبير منظم متقن ظهر به كل منها على ما له من فعلية الذات وآثارها.

فهذا ما يعطيه النظر الساذج في كينونة هذا العالم المشهود بأجزائها العلوية والسفلية كينونة ممزوجة بالتدبير مقارنة للنظام الجاري في الجميع وقد قربت الأبحاث العلمية الحديثة هذه النظرة حيث أوضحت أن الأجرام التي تحت الحس مؤلفة من عناصر معدودة مشتركة ولكل منها بقاء محدود وعمر مؤجل وإن اختلفت بالطول والقصر.

هذا لو أريد برتق السماوات والأرض عدم تميز بعضها من بعض وبالفتق تميز السماوات من الأرض ولوأريد برتقها عدم الانفصال بين أجزاء كل منهما في نفسه حتى ينزل من السماء شيء أويخرج من الأرض شيء وبفتقها خلاف ذلك كان المعنى أن السماوات كانت رتقا لا تمطر ففتقناها بالإمطار والأرض كانت رتقا لا تنبت ففتقناها بالإنبات وتم البرهان وربما أيده قوله بعد:{ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} لكنه يختص من بين جميع الحوادث بالإمطار والإنبات، بخلاف البرهان على التقريب الأول.

وذكر بعض المفسرين وارتضاه آخرون أن المراد برتق السماوات والأرض عدم تميز بعضها من بعض حال عدمها السابق، وبفتقها تميز بعضها من بعض في الوجود بعد العدم فيكون احتجاجا بحدوث السماوات والأرض على وجود محدثها وهو الله سبحانه.

وفيه أن الاحتجاج بالحدوث على المحدث تام في نفسه، لكنه لا ينفع قبال الوثنيين المعترفين بوجوده تعالى واستناد الإيجاد إليه ووجه الكلام إليهم، وإنما ينفع قبالهم من الحجة ما يثبت بها استناد التدبير إليه تعالى تجاه ما يسندون التدبير إلى آلهتهم ويعلقون العبادة على ذلك.

وقوله:{ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} ظاهر السياق أن الجعل بمعنى الخلق و{كل شيء حي} مفعوله والمراد أن للماء دخلا تاما في وجود ذوي الحياة كما قال:{ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ:} النور: 45، ولعل ورود القول في سياق تعداد الآيات المحسوسة يوجب انصراف الحكم بغير الملائكة ومن يحذوحذوهم، وقد اتضح ارتباط الحياة بالماء بالأبحاث العلمية الحديثة.

قوله تعالى:{ وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} قال في المجمع،: الرواسي الجبال رست ترسورسوا إذا ثبتت بثقلها فهي راسية كما ترسوالسفينة إذا وقفت متمكنة في وقوفها، والميد الاضطراب بالذهاب في الجهات، والفج الطريق الواسع بين الجبلين.

انتهى.

والمعنى: وجعلنا في الأرض جبالا ثوابت لئلا تميل وتضطرب الأرض بهم وجعلنا في تلك الجبال طرقا واسعة هي سبل لعلهم يهتدون منها إلى مقاصدهم ومواطنهم.

وفيه دلالة على أن للجبال ارتباطا خاصا بالزلازل ولولاها لاضطربت الأرض بقشرها.

قوله تعالى:{ وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ} كأن المراد بكون السماء محفوظة حفظها من الشياطين كما قال:{ وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ:} الحجر: 17، والمراد بآيات السماء الحوادث المختلفة السماوية التي تدل على وحدة التدبير واستناده إلى موجدها الواحد.

قوله تعالى:{ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} الآية ظاهرة في إثبات الفلك لكل من الليل وهو الظل المخروطي الملازم لوجه الأرض المخالف لمسامتة الشمس، والنهار وهو خلاف الليل، وللشمس والقمر فالمراد بالفلك مدار كل منها.

والمراد مع ذلك بيان الأوضاع والأحوال الحادثة بالنسبة إلى الأرض وفي جوها وإن كانت حال الأجرام الأخر على خلاف ذلك فلا ليل ولا نهار يقابله للشمس وسائر الثوابت، التي هي نيرة بالذات وللقمر وسائر السيارات الكاسبة للنور من الليل والنهار غير ما لنا.

وقوله:{يسبحون} من السبح بمعنى الجري في الماء بخرقه قيل وإنما قال: يسبحون لأنه أضاف إليها فعل العقلاء كما قال:{ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ:} يوسف: 4.

من تتمة الكلام حول النبوة يذكر فيها بعض ما قاله المشركون في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كقولهم: سيموت فنتخلص منه ونستريح وقولهم استهزاء به: أ هذا الذي يذكر آلهتكم، وقولهم استهزاء بالبعث والقيامة التي أنذروا بها: متى هذا الوعد إن كنتم صادقين وفيها جواب أقاويلهم وإنذار وتهديد لهم وتسلية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

قوله تعالى:{ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} يلوح من الآية أنهم كانوا يسلون أنفسهم بأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سيموت فيتخلصون من دعوته وتنجوآلهتهم من طعنه كما حكى ذلك عنهم في مثل قولهم:{ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ:} الطور: 30، فأجاب عنه بأنا لم نجعل لبشر من قبلك الخلد حتى يتوقع ذلك لك بل إنك ميت وإنهم ميتون، ولا ينفعهم موتك شيئا فلا أنهم يقبضون على الخلود بموتك، فالجميع ميتون، ولا أن حياتهم القصيرة المؤجلة تخلومن الفتنة والامتحان الإلهي فلا يخلومنه إنسان في حياته الدنيا، ولا أنهم خارجون بالآخرة من سلطاننا بل إلينا يرجعون فنحاسبهم ونجزيهم بما عملوا.

وقوله:{ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} ولم يقل: فهم خالدون والاستفهام للإنكار يفيد نفي قصر القلب كأنه قيل: إن قولهم: نتربص به ريب المنون كلام من يرى لنفسه خلودا أنت مزاحمه فيه فلومت لذهب بالخلود وقبض عليه وعاش عيشة خالدة طيبة ناعمة وليس كذلك بل كل نفس ذائقة الموت، والحياة الدنيا مبنية على الفتنة والامتحان، ولا معنى للفتنة الدائمة والامتحان الخالد بل يجب أن يرجعوا إلى ربهم فيجازيهم على ما امتحنهم وميزهم.

قوله تعالى:{ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} لفظ النفس - على ما يعطيه التأمل في موارد استعماله - أصل معناه هو معنى ما أضيف إليه فنفس الشيء معناه الشيء ونفس الإنسان معناه هو الإنسان ونفس الحجر معناه هو الحجر فلو قطع عن الإضافة لم يكن له معنى محصل، وعلى هذا المعنى يستعمل للتأكيد اللفظي كقولنا: جاءني زيد نفسه أولإفادة معناه كقولنا: جاءني نفس زيد.

وبهذا المعنى يطلق على كل شيء حتى عليه تعالى كما قال:{ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ:} الأنعام: 12، وقال:{ويحذركم الله نفسه:} آل عمران: 28، وقال:{ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ:} المائدة: 116.

ثم شاع استعمال لفظها في شخص الإنسان خاصة وهوالموجود المركب من روح وبدن فصار ذا معنى في نفسه وإن قطع عن الإضافة قال تعالى:{ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } أي من شخص إنساني واحد، وقال:{ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا:} المائدة: 32، أي من قتل إنسانا ومن أحيا إنسانا، وقد اجتمع المعنيان في قوله:{كل نفس تجادل عن نفسها} فالنفس الأولى بالمعنى الثاني والثانية بالمعنى الأول.

ثم استعملوها في الروح الإنساني لما أن الحياة والعلم والقدرة التي بها قوام الإنسان قائمة بها ومنه قوله تعالى:{ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ:} الأنعام: 93.

ولم يطرد هذان الإطلاقان أعني الثاني والثالث في غير الإنسان كالنبات وسائر الحيوان إلا بحسب الاصطلاح العلمي فلا يقال للواحد من النبات والحيوان عرفا نفس ولا للمبدإ المدبر لجسمه نفس نعم ربما سميت الدم نفسا لأن للحياة توقفا عليها ومنه النفس السائلة.

وكذا لا يطلق النفس في اللغة بأحد الإطلاقين الثاني والثالث على الملك والجن وإن كان معتقدهم أن لهما حياة، ولم يرد استعمال النفس فيهما في القرآن أيضا وإن نطقت الآيات بأن للجن تكليفا كالإنسان وموتا وحشرا قال:{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ:} الذاريات: 56، وقال في أمم الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ}: الأحقاف: 18، وقال:{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ}: الأنعام: 128، هذا ما يتحصل من معنى النفس بحسب عرف اللغة.

وأما الموت فهو فقد الحياة وآثارها من الشعور والإرادة عما من شأنه أن يتصف بها قال تعالى:{ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ:} البقرة: 28، وقال في الأصنام:{ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ:} النحل: 21، وأما أنه مفارقة النفس للبدن بانقطاع تعلقها التدبيري كما يعرفه الأبحاث العقلية أوأنه الانتقال من دار إلى دار كما في الحديث النبوي فهومعنى كشف عنه العقل أوالنقل غير ما استقر عليه الاستعمال ومن المعلوم أن الموت بالمعنى الذي ذكر إنما يتصف به الإنسان المركب من الروح والبدن باعتبار بدنه فهو الذي يتصف بفقدان الحياة بعد وجدانه وأما الروح فلم يرد في كلامه تعالى ما ينطق باتصافه بالموت كما لم يرد ذلك في الملك، وأما قوله:{ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ:} القصص: 88، وقوله:{ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ:} الزمر: 68 فسيجيء إن شاء الله أن الهلاك والصعق غير الموت وإن انطبقا عليه أحيانا.

فقد تبين مما قدمناه أولا: أن المراد بالنفس في قوله:{ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} الإنسان – وهو الاستعمال الثاني من استعمالاتها الثلاث - دون الروح الإنساني إذ لم يعهد نسبة الموت إلى الروح في كلامه تعالى حتى تحمل عليه.

وثانيا: أن الآية إنما تعم الإنسان لا غير كالملك والجن وسائر الحيوان وإن كان بعضها مما يتصف بالموت كالجن والحيوان، ومن القرينة على اختصاص الآية بالإنسان قوله قبله:{ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ} وقوله بعده:{ونبلوكم بالشر والخير فتنة} على ما سنوضحه.

وقد ذكر جمع منهم أن المراد بالنفس في الآية الروح، وقد عرفت خلافه وأصر كثير منهم على عموم الآية لكل ذي حياة من الإنسان والملك والجن وسائر الحيوانات حتى النبات إن كان لها حياة حقيقة وقد عرفت ما فيه.

ومن أعجب ما قيل في تقرير عموم الآية ما ذكره الإمام الرازي في التفسير الكبير، بعد ما قرر أن الآية عامة لكل ذي نفس: أن الآية مخصصة فإن له تعالى نفسا كما قال حكاية عن عيسى (عليه السلام):(تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك) مع أن الموت مستحيل عليه سبحانه، وكذا الجمادات لها نفوس وهي لا تموت.

ثم قال: والعام المخصوص حجة فيبقى معمولا به على ظاهره فيما عدا ما أخرج منه، وذلك يبطل قول الفلاسفة في الأرواح البشرية والعقول المفارقة والنفوس الفلكية أنها لا تموت. انتهى.

وفيه أولا: أن النفس بالمعنى الذي تطلق عليه تعالى وعلى كل شيء هي النفس بالاستعمال الأول من الاستعمالات الثلاث التي قدمناها لا تستعمل إلا مضافة كما في الآية التي استشهد بها والتي في الآية مقطوعة عن الإضافة فهي غير مرادة بهذا المعنى في الآية قطعا فتبقى النفس بأحد المعنيين الآخرين وقد عرفت أن المعنى الثالث أيضا غير مراد فيبقى الثاني.

وثانيا: أن نفيه الموت عن الجمادات ينافي قوله تعالى:{كنتم أمواتا فأحياكم} وقوله:{أموات غير أحياء} وغير ذلك.

وثالثا: أن قوله: إن عموم الآية يبطل قول الفلاسفة في الأرواح البشرية والعقول المفارقة والنفوس الفلكية خطأ فإن هذه مسائل عقلية يرام السلوك إليها من طريق البرهان، والبرهان حجة مفيدة لليقين فإن كانت الحجج التي أقاموها عليها كلها أوبعضها براهين كما ادعوها لم ينعقد من الآية في مقابلها ظهور والظهور حجة ظنية وكيف يتصور اجتماع العلم مع الظن بالخلاف، وإن لم تكن براهين لم تثبت المسائل ولا حاجة معه إلى ظن بالخلاف.

ثم إن قوله:{كل نفس ذائقة الموت} كما هو تقرير وتثبيت لمضمون قوله قبلا:{ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ} إلخ، كذلك توطئة وتمهيد لقوله بعد{ونبلوكم بالشر والخير فتنة} - أي ونمتحنكم بما تكرهونه من مرض وفقر ونحوه وما تريدونه من صحة وغنى ونحوهما امتحانا - كأنه قيل: نحيي كلا منكم حياة محدودة مؤجلة ونمتحنكم فيها بالشر والخير امتحانا ثم إلى ربكم ترجعون فيقضي عليكم ولكم.

وفيه إشارة إلى علة تحتم الموت لكل نفس حية، وهي أن حياة كل نفس حياة امتحانية ابتلائية، ومن المعلوم أن الامتحان أمر مقدمي ومن الضروري أن المقدمة لا تكون خالدة لا تنتهي إلى أمد ومن الضروري أن وراء كل مقدمة ذا مقدمة وبعد كل امتحان موقف تتعين فيه نتيجته فلكل نفس حية موت محتوم ثم لها رجوع إلى الله سبحانه لفصل القضاء.

قوله تعالى:{ وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ} إن نافية والمراد بقوله:{إن يتخذونك إلا هزوا} قصر معاملتهم معه على اتخاذهم إياه هزوا أي لم يتخذوك إلا هزوا يستهزأ به.

وقوله:{أ هذا الذي يذكر آلهتكم} - والتقدير يقولون أوقائلين: أ هذا الذي إلخ - حكاية كلمة استهزائهم، والاستهزاء في الإشارة إليه بالوصف، ومرادهم ذكره آلهتهم بسوء ولم يصرحوا به أدبا مع آلهتهم وهو نظير قوله:{ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ } الآية: - 60 من السورة.

وقوله:{ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ} في موضع الحال من ضمير{إن يتخذونك} أومن فاعل يقولون المقدر وهو أقرب ومحصله أنهم يأنفون لآلهتهم عليك إذ تقول فيها أنها لا تنفع ولا تضر – وهو كلمة حق - فلا يواجهونك إلا بالهزء والإهانة ولا يأنفون لله إذ يكفر بذكره والكافرون هم أنفسهم.

والمراد بذكر الرحمن ذكره تعالى بأنه مفيض كل رحمة ومنعم كل نعمة ولازمه كونه تعالى هو الرب الذي تجب عبادته، وقيل: المراد بالذكر القرآن.

والمعنى: وإذا رآك الذين كفروا وهم المشركون ما يتخذونك ولا يعاملون معك إلا بالهزء والسخرية قائلين بعضهم لبعض أ هذا الذي يذكر آلهتكم أي بسوء فيأنفون لآلهتهم حيث تذكرها والحال أنهم بذكر الرحمن كافرون ولا يعدونه جرما ولا يأنفون له.

______________

1- تفسير الميزان،الطباطبائي،ج14،ص226-236.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

علامات أُخرى للهِ في عالم الوجود:

تعقيباً على البحوث السابقة حول عقائد المشركين الخرافية، والأدلّة التي ذكرت على التوحيد، فإنّ في هذه الآيات سلسلة من براهين الله في عالم الوجود، وتدبيره المنظّم، وتأكيداً على هذه البحوث تقول أوّلا: { أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ}.

لقد ذكر المفسّرون أقوالا كثيرة فيما هو المراد من «الرتق» و «الفتق» المذكورين هنا في شأن السماوات والأرض؟ ويبدو أنّ الأقرب من بينها ثلاثة تفاسير، ويحتمل أن تكون جميعاً داخلة في مفهوم الآية(2):

1 ـ إنّ رتق السّماء والأرض إشارة إلى بداية الخلقة، حيث يرى العلماء أنّ كلّ هذا العالم كان كتلة واحدة عظيمة من البخار المحترق، وتجزّأ تدريجيّا نتيجة الإنفجارات الداخلية والحركة، فتولّدت الكواكب والنجوم، ومن جملتها المنظومة الشمسية والكرة الأرضية، ولا يزال العالم في توسّع دائب.

2 ـ المراد من الرتق هو كون مواد العالم متّحدة، بحيث تداخلت فيما بينها وكانت تبدو وكأنّها مادّة واحدة، إلاّ أنّها إنفصلت عن بعضها بمرور الزمان، فأوجدت تركيبات جديدة، وظهرت أنواع مختلفة من النباتات والحيوانات والموجودات الاُخرى في السّماء والأرض، موجودات كلّ منها نظام خاص وآثار وخواص تختص بها، وكلّ منها آية على عظمة الله وعلمه وقدرته غير المتناهية(3).

3 ـ إنّ المراد من رتق السّماء هو أنّها لم تكن تمطر في البداية، والمراد من رتق الأرض أنّها لم تكن تنبت النبات في ذلك الزمان، إلاّ أنّ الله سبحانه فتق الإثنين، فأنزل من السّماء المطر، وأخرج من الأرض أنواع النباتات. والرّوايات المتعدّدة الواردة عن طرق أهل البيت (عليهم السلام) تشير إلى المعنى الأخير، وبعضها يشير إلى التّفسير الأوّل(4).

لا شكّ أنّ التّفسير الأخير شيء يمكن رؤيته بالعين، وكيف أنّ المطر ينزل من السّماء، وكيف تنفتق الأرض وتنمو النباتات، وهو يناسب تماماً قوله تعالى: { أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا} وكذلك ينسجم وقوله تعالى: { وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}.

إلاّ أنّ التّفسيرين الأوّل والثّاني أيضاً لا يخالفان المعنى الواسع لهذه الآية، لأنّ الرؤية تأتي أحياناً بمعنى العلم. صحيح أنّ هذا العلم والوعي ليس للجميع، بل إنّ العلماء وحدهم الذين يستطيعون أن يكتسبوا العلوم حول ماضي الأرض والسّماء، وإتّصالهما ثمّ إنفصالهما، إلاّ أنّنا نعلم أنّ القرآن ليس كتاباً مختصاً بعصر وزمان معيّن، بل هو مرشد ودليل للبشر في كلّ القرون والأعصار.

من هذا يظهر أنّ له محتوى عميقاً يستفيد منه كلّ قوم وفي كلّ زمان، ولهذا نعتقد أنّه لا مانع من أن تجتمع للآية التفاسير الثلاثة، فكلّ في محلّه كامل وصحيح وقد قلنا مراراً: إنّ إستعمال لفظ واحد في أكثر من معنى ليس جائزاً فحسب، بل قد يكون أحياناً دليلا على كمال الفصاحة، وإنّ ما نقرؤه في الرّوايات من أنّ للقرآن بطوناً مختلفة يمكن أن يكون إشارة إلى هذا المعنى.

وأمّا فيما يتعلّق بإيجاد كلّ الكائنات الحيّة من الماء الذي اُشير إليه في ذيل الآية، فهناك تفسيران مشهوران:

أحدهما: إنّ حياة كلّ الكائنات الحيّة ـ سواء كانت النباتات أم الحيوانات ـ ترتبط بالماء، هذا الماء الذي كان مبدؤه ـ المطر الذي نزل من السّماء.

والآخر: إنّ الماء هنا إشارة إلى النطفة التي تتولّد منها الكائنات الحيّة عادةً.

وما يلفت النظر أنّ علماء عصرنا الحديث يعتقدون أنّ أوّل إنبثاقة للحياة وجدت في أعماق البحار، ولذلك يرون أنّ بداية الحياة من الماء. وإذا كان القرآن يعتبر خلق الإنسان من التراب، فيجب أن لا ننسى أنّ المراد من التراب هو الطين المركّب من الماء والتراب.

والجدير بالذكر أيضاً أنّه طبقاً لتحقيقات العلماء، فإنّ الماء يشكّل الجزء الأكبر من بدن الإنسان وكثير من الحيوانات، وهو في حدود 70%!

وما يورده البعض من أنّ خلق الملائكة والجنّ ليس من الماء، مع أنّها كائنات حيّة، فجوابه واضح، لأنّ المراد هو الموجودات الحيّة المحسوسة بالنسبة لنا.

وفي حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّ رجلا سأله: ما طعم الماء؟ فقال الإمام أوّلا: «سل تفقّهاً ولا تسأل تعنّتاً» ثمّ أضاف: «طعم الماء طعم الحياة! قال الله سبحانه: { وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}.(5)

وخاصةً عندما يصل الإنسان إلى الماء السائغ بعد عطش طويل في الصيف، وفي ذلك الهواء المحرق، فإنّه حينما تدخل أوّل جرعة ماء إلى جوفه يشعر أنّ الروح قد دبّت في بدنه، وفي الواقع أراد الإمام أن يجسّد الإرتباط والعلاقة بين الحياة والماء بهذا التعبير الجميل.

وأشارت الآية التالية إلى جانب آخر من آيات التوحيد ونعم الله الكبيرة، فقالت: { وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ}(6) وقلنا فيما مضى: إنّ الجبال كالدرع الذي يحمي الأرض، وهذا هو الذي يمنع ـ إلى حدّ كبير ـ من الزلازل الأرضيّة الشديدة التي تحدث نتيجة ضغط الغازات الداخلية. إضافةً إلى أنّ وضع الجبال هذا يقلّل من حركات القشرة الأرضيّة أمام ظاهرة المدّ والجزر الناشئة بواسطة القمر إلى الحدّ الأدنى.

ومن جهة أُخرى فلولا الجبال، فإنّ سطح الأرض سيكون معرّضاً للرياح القويّة دائماً، وسوف لا تستقرّ على حال أبداً، كما هي حال الصحاري المقفرة المحرقة.

ثمّ أشارت الآية إلى نعمة أُخرى، وهي أيضاً من آيات عظمة الله، فقالت: { وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ}.

ولو لم تكن هذه الوديان والفجاج، فإنّ سلاسل الجبال العظيمة الموجودة في المناطق المختلفة من الأرض كانت ستنفصل بعضها عن بعض بحيث ينفصل إرتباطها تماماً، وهذا يدلّ انّ هذه الظواهر الكونيّة كلّها وفق حساب دقيق.

ولمّا كان إستقرار الأرض لا يكفي لوحده لإستقرار حياة الإنسان، بل يجب أن يكون آمناً ممّا فوقه، فإنّ الآية التالية تضيف: { وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ}.(7)

المراد من السّماء هنا ـ كما قلنا سابقاً ـ هو الجوّ الذي يحيط بالأرض دائماً، وتبلغ ضخامته مئات الكيلومترات كما توصّل إليه العلماء.

وهذه الطبقة رقيقة ظاهراً، وتتكوّن من الهواء والغازات، وهي محكمة ومنيعة إلى الحدّ الذي لا ينفذ جسم من خارجها إلى الأرض إلاّ ويفنى ويتحطّم، فهي تحفظ الكرة الأرضية من سقوط الشهب والنيازك «ليل نهار» التي تعتبر أشدّ خطراً حتّى من القذائف العسكرية.

إضافةً إلى أنّ هذا الغلاف الجوي يقوم بتصفية أشعّة الشمس التي تحتوي على أشعّة قاتلة وتمنع من نفوذ تلك الأشعة الكونية القاتلة.

أجل، إنّ هذه السّماء سقف متين منيع حفظه الله من الهدم والسقوط(8).

وتطرّقت الآية الأخيرة إلى خلق الليل والنهار والشمس والقمر، فقالت: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}.

الموت يتربّص بالجميع:

قرأنا في الآيات السابقة أنّ المشركين قد تشبّثوا بمسألة كون النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)بشراً من أجل التشكيك بنبوّته، وكانوا يعتقدون أنّ النّبي يجب أن يكون ملكاً وخالياً من كلّ العوارض البشريّة.

إنّ الآيات ـ محلّ البحث ـ أشارت إلى بعض إشكالات هؤلاء، فهم يشيعون تارةً أنّ إنتفاضة النّبي (وفي نظرهم شاعر) لا دوام لها، وسينتهي بموته كلّ شيء، كما جاء في الآية (30) من سورة الطور: { أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ}.

وكانوا يظنّون تارةً أُخرى أنّ هذا الرجل لمّا كان يعتقد أنّه خاتم النبيّين، فيجب أن لا يموت أبداً ليحفظ دينه، وبناءً على هذا فإنّ موته في المستقبل سيكون دليلا على بطلان إدّعائه. فيجيبهم القرآن في أوّل آية بجملة قصيرة فيقول: {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد}.

إنّ قانون الخلقة هذا لا يقبل التغيير، أي انّه لا يكتب لأحد الخلود، وإذا كان هؤلاء يفرحون بموتك: {أفإن مت فهم الخالدون}.

ربّما لا نحتاج إلى توضيح أنّ بقاء الشريعة والدين لا يحتاج إلى بقاء الرسول. فإنّ شرائع إبراهيم وموسى وعيسى (عليهم السلام) وإن لم تكن خالدة، إلاّ أنّها بقيت بعد وفاة هؤلاء الأنبياء العظام (وبالنسبة لعيسى فإنّ شريعته إستمرت بعد صعوده إلى السّماء) لقرون طويلة. وبناءً على هذا فإنّ خلود المذهب لا يحتاج إلى حراسة النّبي الدائمة له، فمن الممكن أن يستمر خلفاؤه في إقامة دينه والسير على خطاه.

وأمّا ما تصوّره اُولئك من أنّ كلّ شيء سينتهي بموت النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنّهم أخطأوا في ظنّهم، لأنّ هذا الكلام يصحّ في المسائل التي تقوم بالشخص. والإسلام لم يكن قائماً بالنّبي ولا بأصحابه. فقد كان ديناً حيّاً ـ ينطلق متقدّماً بحركة الذاتية الداخلية ويخترق حدود الزمان والمكان ويواصل طريقه!

ثمّ يذكر قانون الموت العامّ الذي يصيب كلّ النفوس بدون إستثناء فيقول: {كلّ نفس ذائقة الموت}.

ويجب أن نذكّر بأنّ لفظة (النفس) قد استعملت في القرآن بمعان مختلفة، فأوّل معنى للنفس هو الذات، وهذا المعنى واسع يطلق حتّى على ذات الله المقدّسة، كما نقرأ: {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 12].

ثمّ إستعملت هذه الكلمة في الإنسان، أي مجموع جسمه وروحه، مثل: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32].

وإستعملت أحياناً في خصوص روح الإنسان كما في {أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ} [الأنعام: 93].

ومن الواضح أنّ المراد من النفس في الآيات التي نبحثها هو المعنى الثّاني، وبناءً على هذا فإنّ المراد هو بيان قانون الموت العام في حقّ البشر، وبذلك لا يبقى مجال للإشكال على الآية بأنّ التعبير بالنفس يشمل الله أو الملائكة أيضاً فكيف نخصّص الآية ونخرج الله والملائكة منها؟(9).

وبعد ذكر قانون الموت الكلّي يطرح هذا السؤال، وهو: ما هو الهدف من هذه الحياة الزائلة؟ وأي فائدة منها؟

فيقول القرآن حول هذا الكلام: { وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}أي إنّ مكانكم الأصلي ليس هو هذه الدنيا، بل هو مكان آخر، وإنّما تأتون هنا لتؤدّوا الإختبار و «الإمتحان»، وبعد إكتسابكم التكامل اللازم سترجعون إلى مكانكم الأصلي وهو الدار الآخرة.

وممّا يسترعي النظر أنّ «الشرّ» مقدّم على «الخير» من بين المواد الإمتحانية، وينبغي أن يكون كذلك، لأنّ الإمتحان الإلهي وإن كان تارةً بالنعمة وأُخرى بالبلاء، إلاّ أنّ من المسلّم أنّ الإمتحان بالبلاء أشدّ وأصعب.

وأمّا «الشرّ» فإنّه لا يعني مطلق الشرّ، لأنّ الفرض أنّ هذا الشرّ عبارة عن وسيلة للإختبار والتكامل، وبناءً على هذا فإنّ المراد هو الشرّ النسبي، وأساساً لا يوجد شرّ مطلق في مجموع عالم الوجود بالنظرة التوحيديّة الصحيحة!

ولذلك نقرأ في حديث أنّ أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) مرض يوماً فجاء جمع من أصحابه لعيادته، فقالوا: كيف نجدك يا أمير المؤمنين؟ قال: «بشرّ»! قالوا: ما هذا كلام مثلك؟! قال: «إنّ الله تعالى يقول: ونبلوكم بالشرّ والخير فتنة، فالخير الصحّة والغنى، والشرّ المرض والفقر».

ويبقى هنا سؤال مهمّ، وهو: لماذا يختبر الله عباده؟ وماذا يعني الإختبار من قِبل الله؟ وقد ذكرنا جواب هذا السؤال في ذيل الآية (155) من سورة البقرة، وقلنا: إنّ الإمتحان من الله تعالى لعباده يعني تربيتهم. طالعوا التفصيل الكامل لهذا الموضوع هناك.

{ وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا} فهؤلاء لا عمل لهم إلاّ السخرية والإستهزاء، ويشيرون إليك بعدم إكتراث ويقولون: { ا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ (10) وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ}.

ممّا يثير العجب هو إنّه لو إزدرى أحدٌ هذه الأصنام الخشبية والحجرية (وما هو بمزدر لها، بل يُفصح عن حقيقتها) فيقول: إنّ هذه موجودات لا روح فيها ولا شعور ولا قيمة لها، لتعجبوا منه، أمّا إذا جحد أحدهم ربّه الرحمن الرحيم الذي عمّت آثار رحمته وعظمته الأرض والسّماء وما من شيء إلاّ وفيه دليل على عظمته ورحمته، لما أثار إعجابهم!!

نعم، إنّ الإنسان إذا إعتاد أمراً وتطبّع عليه وتعصّب له فإنّه سيتقدّس في نظره وإن كان أسوء الاُمور، وإذا عادى شيئاً فسيبدو سيّئاً في نظره تدريجيّاً وإن كان أجمل الاُمور وأحبّها.

_______________

1- تفسير الامثل ،ناصر مكارم الشيرازي،ج8،ص254-264.

2ـ الفخر الرازي، في التّفسير الكبير، وبعض المفسّرين الآخرين.

3ـ الميزان، ذيل الآية.

4ـ يُراجع تفسير الصافي، ونور الثقلين، ذيل الآية مورد البحث.

5- بحار الانوار،ج54،ص154.

6ـ «رواسي» جمع راسية أي الجبال الثابتة، ولمّا كانت هذه الجبال تتّصل جذورها، فيمكن أن تكون إشارة إلى هذا الإرتباط، وقد ثبت من الناحية العلمية أن لإتصال اُصول الجبال أثر عميق في منع الزلازل الأرضية. «وتميد» من الميد، وهو الهزّة والحركة غير الموزونة للأشياء الكبيرة.

7- المراد من كون السماء محفوظة هو أن الاشعة القاتلة والاحجار المتناثرة لاتنفذ اليها فهي محفوظة منها. ومن جهة اخرى حافظة للكرة الارضية منها.

8- يعتقد بعض المفسّرين أنّ الآية المذكورة تنسجم والآيات التي وردت في القرآن المجيد حول حفظ السّماء من صعود الشياطين بواسطة الشهب، مثل (وحفظاً من كلّ شيطان مارد) الصافات، 7.

إلاّ أنّ من الواضح أنّ هذا التّفسير لا يناسب كلمة «سقف»، لأنّ السقف غطاء لمن تحته، لا لمن فوقه. دقّقوا ذلك.

9- الميزان، الجزء 14، ص312.

10- العجيب هنا أنّ هؤلاء كانوا يقولون (أهذا الذي يذكر آلهتكم) ولم يرضوا أن يذكروا في عبارتهم كلمة (سوء) فيقولون: يذكر آلهتكم بسوء!




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .