المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17639 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
النقل البحري
2024-11-06
النظام الإقليمي العربي
2024-11-06
تربية الماشية في جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية
2024-11-06
تقييم الموارد المائية في الوطن العربي
2024-11-06
تقسيم الامطار في الوطن العربي
2024-11-06
تربية الماشية في الهند
2024-11-06



تفسير الأية (71-77) من سورة الأنبياء  
  
4029   07:12 مساءً   التاريخ: 13-9-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة الأنبياء /

 

قال تعالى: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73) وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ (74) وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ  } [الأنبياء: 71، 77]

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

بين سبحانه تمام نعمته على إبراهيم (عليه السلام) فقال {ونجيناه} أي: من نمرود وكيده والمعنى ورفعناه {ولوطا} من الهلكة وهو ابن أخي إبراهيم ف آمن به {إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} اختلف فيها فقيل هي أرض الشام أي نجينا من كوثي إلى الشام عن قتادة قال وإنما قال {باركنا فيها} لأنها بلاد خصب وقيل إلى أرض بيت المقدس لأن بها مقام الأنبياء عن الجبائي وقيل نجاهما إلى مكة كما قال إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا عن ابن عباس { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ} أي: وهبنا لإبراهيم إسحاق حين سأل الولد فقال رب هب لي من الصالحين {ويعقوب نافلة} قال ابن عباس وقتادة نافلة راجع إلى يعقوب فإنه زاده من غير دعاء فهو نافلة وقيل إنه راجع إلى إسحاق ويعقوب جميعا لأنه أعطاهما إياه من غير جزاء ولا استحقاق عن مجاهد { وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ} أي: وجعلنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب صالحين للنبوة والرسالة وقيل: معناه حكمنا بكونهم صالحين وهو غاية ما يوصف به من الثناء الجميل.

 { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً} يقتدى بهم في أفعالهم وأقوالهم {يهدون} الخلق إلى طريق الحق وإلى الدين المستقيم {بأمرنا} فمن اهتدى بهم في أقوالهم وأفعالهم فالنعمة لنا عليه { وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ} قال ابن عباس شرائع النبوة {وإقام الصلاة} أي: إقامة الصلاة {وإيتاء الزكاة} أي: إعطاء الزكاة { وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ } أي: مخلصين في العبادة { وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} ومعناه وأعطينا لوطا حكمة وعلما وقيل الحكم النبوة وقيل هو الفصل بين الخصوم بالحق أي: جعلناه حاكما وعلمناه ما يحتاج إلى العلم به.

 { وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ} وهي قرية سدوم على ما روي والخبائث التي كانوا يعملونها هي أنهم كانوا يأتون الذكران في أدبارهم ويتضارطون في أنديتهم وقيل هي ما حكى الله تعالى إنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر وغير ذلك من القبائح وأراد بالقرية أهلها ثم ذمهم فقال { إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ} أي: خارجين عن طاعة الله تعالى { وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا} أي: في نعمتنا وسنتنا { إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} أي: بسبب أنه من الصالحين الذين أصلحوا أفعالهم فعلموا بما هو الحسن منها دون القبيح وقيل أراد بكونه من الصالحين أنه من الأنبياء .

ثم عطف سبحانه قصة نوح وداود على قصة إبراهيم (عليه السلام) ولوط فقال { وَنُوحًا إِذْ نَادَى} أي: دعا ربه فقال رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا وقال إني مغلوب فانتصر وغير ذلك {من قبل} أي: من قبل إبراهيم ولوط {فاستجبنا له} أي: أجبناه إلى ما التمسه { فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} أي: من الغم الذي يصل حره إلى القلب وهو ما كان يلقاه من الأذى طول تلك المدة وتحمل الاستخفاف من السقاط من أعظم الكرب { وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا } أي: منعناه منهم بالنصرة حتى لم يصلوا إليه بسوء وقيل معناه نصرناه على القوم ومن بمعنى على عن أبي عبيدة { إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} صغارهم وكبارهم وذكورهم وإناثهم.

______________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج7،ص100-103.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ ونَجَّيْناهُ ولُوطاً إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ }. ضمير نجيناه لإبراهيم ( عليه السلام ) ، ولوط ابن أخيه ، وفي التفاسير ان إبراهيم فارق قومه إلى أرض الشام ، ومنها فلسطين ، ومهما يكن فان القصد هو تشبيه محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) مع قومه بأبيه إبراهيم مع قومه ، كل من القومين عبدوا الأصنام ، ورفضوا دعوة نبيهم ، وحاولوا قتله ، وكل من النبيين أنجاه اللَّه ، ومهد له سبيل الهجرة ، وأنعم عليه في هجرته .

{ ووَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ ويَعْقُوبَ نافِلَةً } . اسحق ولد إبراهيم للصلب ، ويعقوب ولد الولد ، وهو منحة من اللَّه وتفضل { وكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ } إبراهيم وإسحق ويعقوب كلهم صلحاء أتقياء { وجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وإِقامَ الصَّلاةِ وإِيتاءَ الزَّكاةِ وكانُوا لَنا عابِدِينَ } . الأئمة هم قادة الدين الذين اختارهم اللَّه لهداية العباد ، وأبرز صفاتهم انهم يهدون الناس كما أمر اللَّه لا كما تأمر نساؤهم وأولادهم وأصهارهم ، ويحثون على فعل الخيرات ، لا على الحزازات والنعرات الطائفية ، وعلى الإخلاص للَّه وحده ، لا على الإخلاص لهم وحدهم من دون اللَّه .

{ ولُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وعِلْماً ونَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ وأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ }. أنظر تفسير الآية 80 وما بعدها من سورة الأعراف ج 3 ص 353 والآية 77 وما بعدها من سورة هود ج 4 ص 253 .

{ ونُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ونَصَرْناهُ « مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ }. تقدمت قصة نوح في سورة هود من الآية 25 إلى الآية 49 ج 4 من ص 222 - 237 .

_________________

1- التفسير الكاشف، ج 5، محمد جواد مغنية، ص 289-290.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى:{ وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} الأرض المذكورة هي أرض الشام التي هاجر إليها إبراهيم، ولوط أول من آمن به وهاجر معه كما قال تعالى:{ فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي:}العنكبوت: 26.

قوله تعالى:{ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً}النافلة العطية وقد تكرر البحث عن مضمون الآيتين.

قوله تعالى:{ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا}إلى آخر الآية، الظاهر - كما يشير إليه ما يدل من الآيات على جعل الإمامة في عقب إبراهيم (عليه السلام) - رجوع الضمير في{جعلناهم}إلى إبراهيم وإسحاق ويعقوب.

وظاهر قوله:{أئمة يهدون بأمرنا}أن الهداية بالأمر يجري مجرى المفسر لمعنى الإمامة، وقد تقدم الكلام في معنى هداية الإمام بأمر الله في الكلام على قوله تعالى:{ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا:}البقرة: 124 في الجزء الأول من الكتاب.

والذي يخص المقام أن هذه الهداية المجعولة من شئون الإمامة ليست هي بمعنى إراءة الطريق لأن الله سبحانه جعل إبراهيم (عليه السلام) إماما بعد ما جعله نبيا - كما أوضحناه في تفسير قوله:{ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا}فيما تقدم - ولا تنفك النبوة عن الهداية بمعنى إراءة الطريق فلا يبقى للإمامة إلا الهداية بمعنى الإيصال إلى المطلوب وهي نوع تصرف تكويني في النفوس بتسييرها في سير الكمال ونقلها من موقف معنوي إلى موقف آخر.

وإذ كانت تصرفا تكوينيا وعملا باطنيا فالمراد بالأمر الذي تكون به الهداية ليس هو الأمر التشريعي الاعتباري بل ما يفسره في قوله:{ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ:}يس: 83 فهو الفيوضات المعنوية والمقامات الباطنية التي يهتدي إليها المؤمنون بأعمالهم الصالحة ويتلبسون بها رحمة من ربهم.

وإذ كان الإمام يهدي بالأمر - والباء للسببية أو الآلة فهو متلبس به أولا ومنه ينتشر في الناس على اختلاف مقاماتهم فالإمام هو الرابط بين الناس وبين ربهم في إعطاء الفيوضات الباطنية وأخذها كما أن النبي رابط بين الناس وبين ربهم في أخذ الفيوضات الظاهرية وهي الشرائع الإلهية تنزل بالوحي على النبي وتنتشر منه وبتوسطه إلى الناس وفيهم، والإمام دليل هاد للنفوس إلى مقاماتها كما أن النبي دليل يهدي الناس إلى الاعتقادات الحقة والأعمال الصالحة، وربما تجتمع النبوة والإمامة كما في إبراهيم وابنيه.

وقوله:{ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ}إضافة المصدر إلى معموله تفيد تحقق معناه في الخارج فإن أريد أن لا يفيد الكلام ذلك جيء بالقطع عن الإضافة أوبأن وأن الدالتين على تأويل المصدر نص على ذلك الجرجاني في دلائل الإعجاز فقولنا: يعجبني إحسانك وفعلك الخير وقوله تعالى:{ما كان الله ليضيع إيمانكم:}البقرة: 43. أيدل على الوقوع قبلا، وقولنا: يعجبني أن تحسن وأن تفعل الخير وقوله تعالى:{أن تصوموا خير لكم:}البقرة: 184 لا يدل على تحقق قبلي، ولذا كان المألوف في آيات الدعوة وآيات التشريع الإتيان بأن والفعل دون المصدر المضاف كقوله:{ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ:}الرعد: 36"، و{ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ:}يوسف: 40{ وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ:}الأنعام: 72.

وعلى هذا فقوله:{وأوحينا إليهم فعل الخيرات}إلخ.

يدل على تحقق الفعل أي أن الوحي تعلق بالفعل الصادر عنهم أي أن الفعل كان يصدر عنهم بوحي مقارن له ودلالة إلهية باطنية هو غير الوحي المشرع الذي يشرع الفعل أولا ويترتب عليه إتيان الفعل على ما شرع.

ويؤيد هذا الذي ذكر قوله بعد:{وكانوا لنا عابدين}فإنه يدل بظاهره على أنهم كانوا قبل ذلك عابدين لله ثم أيدوا بالوحي وعبادتهم لله إنما كانت بأعمال شرعها لهم الوحي المشرع قبلا فهذا الوحي المتعلق بفعل الخيرات وحي تسديد ليس وحي تشريع.

فالمحصل أنهم كانوا مؤيدين بروح القدس والطهارة مسددين بقوة ربانية تدعوهم إلى فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وهي الإنفاق المالي الخاص بشريعتهم.

والقوم حملوا الوحي في الآية على وحي التشريع فأشكل عليهم الأمر أولا من جهة أن فعل الخيرات بالمعنى المصدري ليس متعلقا للوحي بل متعلقه حاصل الفعل، وثانيا أن التشريع عام للأنبياء وأممهم وقد خص في الآية بهم، ولذا ذكر الزمخشري أن المراد بفعل الخيرات وما يتلوه من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة المصدر المبني للمفعول، والمعنى وأوحينا إليهم أن يفعل الخيرات - بالبناء للمجهول - وهكذا، وبه يندفع الإشكالان إذ المصدر المبني للمفعول وحاصل الفعل كالمترادفين فيندفع الإشكال الأول، والفاعل فيه مجهول ينطبق على الأنبياء وأممهم جميعا فيندفع الإشكال الثاني وقد كثر البحث حول ما ذكره.

وفيه: أولا منع ما ذكره من اتحاد معنى المصدر المبني للمفعول وحاصل الفعل.

وثانيا: ما قدمناه من أن إضافة المصدر إلى معموله تفيد تحقق الفعل ولا يتعلق الوحي التشريعي به.

وقد تقدمت قصة إبراهيم (عليه السلام) في تفسير سورة الأنعام وقصة يعقوب (عليه السلام) في تفسير سورة يوسف من الكتاب، وستجيء قصة إسحاق في تفسير سورة الصافات إن شاء الله تعالى.

قوله تعالى:{ولوطا آتيناه حكما وعلما}إلى آخر الآيتين.

الحكم بمعنى فصل الخصومات أوبمعنى الحكمة والقرية التي كانت تعمل الخبائث سدوم التي نزل بها لوط في مهاجرته مع إبراهيم (عليه السلام)، والمراد بالخبائث الأعمال الخبيثة، والمراد بالرحمة الولاية أو النبوة ولكل وجه، وقد تقدمت قصة لوط (عليه السلام) في تفسير سورة هود من الكتاب.

قوله تعالى:{ وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ} إلى آخر الآيتين، أي واذكر نوحا إذ نادى ربه قبل إبراهيم ومن ذكر معه فاستجبنا له، ونداؤه ما حكاه سبحانه من قوله:{ رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ}والمراد بأهله خاصته إلا امرأته وابنه الغريق، والكرب الغم الشديد، وقوله:{ونصرناه من القوم} كأن النصر مضمن معنى الإنجاء ونحوه ولذا عدي بمن والباقي ظاهر.

وقد تقدمت قصة نوح (عليه السلام) في تفسير سورة هود من الكتاب.

_____________

1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج14،ص248-250.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

هجرة إبراهيم من أرض الوثنيين

لقد هزّت قصّة حريق إبراهيم (عليه السلام) ونجاته الإعجازية من هذه المرحلة الخطيرة أركان حكومة نمرود، بحيث فقد نمرود معنوياته تماماً، لأنّه لم يعد قادراً على أن يُظهر إبراهيم بمظهر الشاب المنافق والمثير للمشاكل. فقد عُرف بين الناس بأنّه مرشد إلهي وبطل شجاع يقدر على مواجهة جبّار ظالم ـ بكلّ إمكانياته وقدرته ـ بمفرده، وأنّه لو بقي في تلك المدينة والبلاد على هذا الحال، ومع ذلك اللسان المتكلّم والمنطق القوي، والشهامة والشجاعة التي لا نظير لها، فمن المحتّم أنّه سيكون خطراً على تلك الحكومة الجبّارة الغاشمة، فلابدّ أن يخرج من تلك الأرض على أي حال.

ومن جهة أُخرى، فإنّ إبراهيم كان قد أدّى رسالته في الواقع ـ في تلك البلاد، ووجّه ضربات ماحقة إلى هيكل وبنيان الشرك، وبذر بذور الإيمان والوعي في تلك البلاد، وبقيت المسألة مسألة وقت لتنمو هذه البذور وتبدي ثمارها، وتقلع جذور الأصنام وعبادتها، وتسحب البساط من تحتها.

فلابدّ من الهجرة إلى موطن آخر لإيجاد أرضية لرسالته هناك، ولذلك صمّم على الهجرة إلى الشام بصحبة لوط ـ وكان ابن أخ إبراهيم ـ وزوجته سارة، وربّما كان معهم جمع قليل من المؤمنين، كما يقول القرآن الكريم: { وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ}.

وبالرغم من أنّ اسم هذه الأرض لم يرد صريحاً في القرآن، إلاّ أنّه بملاحظة الآية الأُولى من سورة الإسراء: { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} يتّضح أنّ هذه الأرض هي أرض الشام ذاتها، التي كانت من الناحية الظاهرية أرضاً غنيّة مباركة خضراء، ومن الجهة المعنوية كانت معهداً لرعاية الأنبياء.

وقد وردت بحوث مختلفة في التفاسير والرّوايات في أنّ إبراهيم(عليه السلام) هاجر تلقائياً، أم أبعدته سلطات نمرود، أم أنّ الإثنين إشتركا، والجمع بينها جميعاً هو أنّ نمرود ومن حوله كانوا يرون في إبراهيم خطراً كبيراً عليهم، فأجبروه على الخروج من تلك البلاد، هذا من جهة، ومن جهة أُخرى، فإنّ إبراهيم كان يرى أنّ رسالته ومهمّته في تلك الأرض قد إنتهت، وكان يبحث عن منطقة أُخرى للعمل على توسيع دعوة التوحيد فيها، خاصةً وأنّ البقاء في بابل قد يشكّل خطراً على حياته فتبقى دعوته العالمية ناقصة.

وفي حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام): إنّ نمرود «أمر أن ينفوا إبراهيم من بلاده، وأن يمنعوه من الخروج بماشيته وماله، فحاجّهم إبراهيم عند ذلك فقال: إن أخذتم ماشيتي ومالي فحقّي عليكم أن تردّوا عليّ ما ذهب من عمري في بلادكم، فاختصموا إلى قاضي نمرود، وقضى على إبراهيم أن يسلّم إليهم جميع ما أصاب في بلادهم، وقضى على أصحاب نمرود أن يردّوا على إبراهيم ما ذهب منعمره في بلادهم، فأخبر بذلك نمرود، فأمرهم أن يخلّوا سبيله وسبيل ماشيته وماله، وأن يخرجوه، وقال: إنّه إن بقي في بلادكم أفسد دينكم وأضرّ بآلهتكم»(2).

وأشارت الآية التالية إلى أحد أهمّ مواهب الله لإبراهيم، وهي هبته الولد الصالح، والنسل المفيد، فقالت: { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً (3) وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ} فقد مرّت أعوام طوال وإبراهيم في لهفة وإنتظار للولد الصالح، والآية (100) من سورة الصافات ناطقة باُمنيته الباطنية هذه: { رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ }. وأخيراً إستجاب له ربّه، فوهبه إسماعيل أوّلا، ومن بعد إسحاق، وكان كلّ منهما نبيّاً عظيم الشخصيّة.

إنّ التعبير بـ «نافلة» ـ والذي يبدو أنّه وصف ليعقوب خاصّة ـ من جهة أنّ إبراهيم(عليه السلام) كان قد طلب الولد الصالح فقط، فأضاف الله إلى مراده حفيداً صالحاً أيضاً، لأنّ النافلة في الأصل تعني الهبة أو العمل الإضافي.

وتشير الآية الأخيرة إلى مقام إمامة وقيادة هذا النّبي الكبير، وإلى جانب من صفات الأنبياء ومناهجهم المهمّة القيّمة بصورة جماعية.

لقد عُدّت في هذه الآية ستّة أقسام من هذه الخصائص، وإذا اُضيف إليها وصفهم بكونهم صالحين ـ والذي يستفاد من الآية السابقة ـ فستصبح سبعة. ويحتمل أيضاً أن يكون مجموع الصفات الست التي ذكرت في هذه الآية تفصيلا وتبياناً لصلاح اُولئك، والذي ورد في الآية السابقة.

يقول أوّلا: {وجعلناهم أئمّة} أي إنّنا وهبناهم مقام الإمامة إضافةً إلى مقام النّبوّة والرسالة، والإمامة ـ كما أشرنا إلى ذلك سابقاً ـ هي آخر مراحل سير الإنسان التكاملي، والتي تعني القيادة العامّة الشاملة لكلّ الجوانب الماديّة والمعنوية، والظاهرية والباطنية، والجسميّة والروحية للناس.

والفرق بين النبوّة والرسالة وبين الإمامة، هو أنّ الأنبياء في مقام النبوّة والرسالة يتلقّون أوامر الله ويبلّغونها الناس إبلاغاً مقترناً بالإنذار أو البشارة فقط، أمّا في مرحلة الإمامة فإنّهم ينفّذون هذا البرنامج الإلهي، سواء كان هذا التنفيذ عن طريق تشكيل حكومة عادلة أو بدون ذلك، فهم في هذه المرحلة مربّون للناس، ومعلّمون لهم، ومنفّذون للأحكام والبرامج في سبيل إيجاد بيئة طاهرة نزيهة إنسانية.

في الحقيقة، إنّ مقام الإمامة مقام تنفيذ كلّ الخطط والاُطروحات الإلهيّة، وبتعبير آخر: الإيصال إلى المطلوب، والهداية التشريعيّة والتكوينيّة، فالإمام من هذه الناحية كالشمس التي تنمي الكائنات الحيّة بأشّعتها تماماً(4).

ثمّ يذكر في المرحلة التالية ثمرة هذا المقام، فيقول: {يهدون بأمرنا} ولا يعني بالهداية الإرشاد وبيان الطريق الصحيح، والذي هو من شأن النبوّة والرسالة، بل يعني الأخذ باليد والإيصال إلى المقصود. وهذا بالطبع لمن له الإستعداد واللياقة والأهليّة.

أمّا الموهبة الثّالثة والرّابعة والخامسة فقد عبّر عنها القرآن بقوله: { وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ} وهذا الوحي يمكن أن يكون وحياً تشريعيّاً، أي إنّنا جعلنا كلّ أنواع أعمال الخير وأداء الصلاة وإعطاء الزكاة في مناهجهم الدينيّة. ويمكن أيضاً أن يكون وحياً تكوينيّاً، أي إنّنا وهبنا لهم التوفيق والقدرة والجاذبية المعنوية من أجل تنفيذ هذه الاُمور.

طبعاً، ليس لأي من هذه الاُمور صبغة إجبارية وإضطرارية، وحتّى مجرّد الأهلية والإستعداد والأرضية لوحدها من دون إرادتهم وتصميمهم لا توصل إلى نتيجة.

إنّ ذكر { وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ} بعد فعل الخيرات، من أجل أهميّة هذين الأمرين اللذين بُيّنا أوّلا بصورة عامّة في جملة { وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ } ثمّ بصورة خاصّة في التصريح بهما، وهذا ما يبحثه علماء البلاغة العربية تحت عنوان ذكر الخاص بعد العام ..

وفي آخر فصل أشار إلى مقام العبودية، فقال: { وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ}(5). والتعبير بـ «كانوا» الذي يدلّ على الماضي المستمر في هذا المنهج، ربّما كان إشارة إلى أنّ هؤلاء كانوا رجالا صالحين موحّدين مؤهّلين حتّى قبل الوصول إلى مقام النّبوّة والإمامة، وفي ظلّ ذلك المخطّط وهبهم الله سبحانه مواهب جديدة.

وينبغي التذكير بهذه النقطة، وهي أنّ جملة {يهدون بأمرنا} في الحقيقة وسيلة لمعرفة الأئمّة وهداة الحقّ، في مقابل زعماء وقادة الباطل الذين يقوم أساس ومعيار أعمالهم على الأهواء والرغبات الشيطانية. وفي حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «إنّ الأئمّة في كتاب الله إمامان: قال الله تبارك وتعالى: وجعلناهم أئمّة يهدون بأمرنا، لا بأمر الناس، يقدّمون ما أمر الله قبل أمرهم، وحكم الله قبل حكمهم، قال: وجعلنا أئمّة يهدون إلى النّار، يقدّمون أمرهم قبل أمر الله، وحكمهم قبل حكم الله، ويأخذون بأهوائهم خلاف ما في كتاب الله»(6).

وهذا هو المعيار والمحك لمعرفة إمام الحقّ من إمام الباطل.

نجاة لوط من أرض الفجّار

لمّا كان لوط من أقرباء إبراهيم وذوي أرحامه، ومن أوائل من آمن به، فقد أشارت الآيتان بعد قصّة إبراهيم (عليه السلام) إلى جانب من إجتهاده وسعيه في طريق إبلاغ الرسالة، والمواهب التي منحها الله سبحانه له، فتقول: { وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا}(7).

لفظة (الحكم) جاءت في بعض الموارد بمعنى أمر النبوّة والرسالة، وفي موارد أُخرى بمعنى القضاء، وأحياناً، بمعنى العقل، ويبدو أنّ الأنسب هنا من بين هذه المعاني هو المعنى الأوّل، مع إمكانية الجمع بين هذه المعاني هنا.

والمراد من العلم كلّ العلوم التي لها أثر في سعادة ومصير الإنسان.

لقد كان لوط من الأنبياء العظام وكان معاصراً لإبراهيم، وهاجر معه من أرض بابل إلى فلسطين، ثمّ فارق إبراهيم وجاء إلى مدينة (سدوم) لأنّ أهلها كانوا غارقين في الفساد والمعاصي، وخاصّةً الإنحرافات الجنسية. وقد سعى كثيراً من أجل هداية هؤلاء القوم، وتحمّل المشاق في هذا الطريق، إلاّ أنّه لم يؤثّر في اُولئك العُمي القلوب.

وأخيراً، نعلم أنّ الغضب والعذاب الإلهي قد حلّ بهؤلاء، وقلب عالي مدينتهم سافلها، واُهلكوا جميعاً، إلاّ عائلة لوط ـ بإستثناء امرأته ـ وقد بيّنا تفصيل هذه الحادثة في ذيل الآيات (77) وما بعدها من سورة هود.

ولذلك أشارت الآية إلى هذه الموهبة التي وهبت للوط، وهي { وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ}.

إنّ نسبة الأعمال القبيحة إلى القرية والمدينة بدلا من أهل القرية إشارة إلى أنّ هؤلاء كانوا قد غرقوا في الفساد والمعاصي إلى درجة حتّى كأنّ أعمال الفساد والخبائث كانت تقطر من جدران مدينتهم وأبوابها.

والتعبير بـ«الخبائث» بصيغة الجمع، إشارة إلى أنّهم إضافة إلى فعل اللواط الشنيع، كانوا يعملون أعمالا قبيحة وخبيثة أُخرى، أشرنا إليها في ذيل الآية (8) من سورة هود.

والتعبير بـ «الفاسقين» بعد «قوم سوء» ربّما يكون إشارة إلى أنّ اُولئك كانوا فاسقين من وجهة نظر القوانين الإلهيّة، وحتّى مع قطع النظر عن الدين والإيمان، فإنّهم كانوا أفراداً حمقى ومنحرفين في نظر المعايير الإجتماعية بين الناس.

ثمّ أشارت الآية إلى آخر موهبة إلهيّة للنبي لوط، فقالت: { وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} فهذه الرحمة الإلهيّة الخاصّة لا تعطى لأحد إعتباطاً وبدون حساب، بل إنّ أهّلية وصلاحية لوط هي التي جعلته مستحقّاً لمثل هذه الرحمة.

حقّاً، أي عمل أصعب، وأي منهج إصلاحي أجهد من أن يبقى إنسان مدّة طويلة في مدينة فيها كلّ هذا الفساد والإنحطاط، ويظلّ دائماً يبلّغ الناس الضالّين المنحرفين أمر ربّهم ويرشدهم إلى طريق الهدى، ويصل الأمر بهم إلى أنّهم يريدون أن يعتدوا حتّى على ضيفه؟ والحقّ أنّ مثل هذه الإستقامة والثبات لا تصدر إلاّ من أنبياء الله وأتباعهم، فأي واحد منّا يستطيع أن يتحمّل مثل هذا العذاب الروحي المؤلم؟!

نجاة نوح من القوم الكافرين:

بعد ذكر جانب من قصّة إبراهيم وقصّة لوط(عليهما السلام)، تطرّقت السورة إلى ذكر جانب من قصّة نبي آخر من الأنبياء الكبار ـ أي نوح (عليه السلام) ـ فقالت: { وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ} أي قبل إبراهيم ولوط.

إنّ هذا النداء ـ ظاهراً ـ إشارة إلى الدعاء واللعنة التي ذكرت في سورة نوح من القرآن الكريم حيث يقول: { رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا}(نوح،26-27). أو إنّه إشارة إلى الجملة التي وردت في الآية 10/سورة القمر: { فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ }.

التعبير بـ«نادى» يأتي عادةً بمعنى الدعاء بصوت عال، ولعلّه إشارة إلى أنّهم آذوا هذا النّبي الجليل إلى درجة جعلته يصرخ منادياً ربّه ليدركه وينجّيه من أذاهم وشرّهم، ولو أمعنا النظر في أحوال نوح الواردة في سورة نوح وسورة هود لوجدنا أنّه كان محقّاً أن يرفع صوته ويدعو ربّه سبحانه(8).

ثمّ تضيف الآية: { فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} وفي الحقيقة فإنّ جملة «فاستجبنا» إشارة مجملة إلى إستجابة دعوته، وجملة { فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} تعتبر شرحاً وتفصيلا لها.

وهناك إختلاف بين المفسّرين في المراد من كلمة (أهل) هنا، لأنّه إذا كان المراد منها عائلته وأهل بيته فستشمل بعض أبناء نوح، لأنّ واحداً من أولاده تخلّف عنه مع المسيئين وأضاع بُنوته لعائلته، وكذلك لم تكن زوجته مؤمنة به. وإن كان المراد من الأهل خواص أتباعه وأصحابه المؤمنين، فإنّها على خلاف المعنى المشهور للأهل.

لكن يمكن أن يقال: إنّ للأهل ـ هنا ـ معنى وسيعاً يشمل أهله المؤمنين وخواص أصحابه، لأنّا نقرأ في حقّ إبنه الذي لم يتبعه: {إنّه ليس من أهلك}(هود،46)وعلى هذا فإنّ الذين اعتنقوا دين نوح يعدّون في الواقع من عائلته وأهله.

وينبغي ذكر هذه الملاحظة أيضاً، وهي: إنّ «الكرب» في اللغة تعني الغمّ الشديد، وهي في الأصل مأخوذة من تقليب الأرض وحفرها، لأنّ الغمّ الشديد يقلب قلب الإنسان، ووصفه بالعظيم يكشف عن منتهى كربه وأساه.

وأيُّ كرب أعظم من أن يدعو قومه إلى دين الحقّ (950) عاماً، كما صرّح القرآن بذلك، لكن لم يؤمن به خلال هذه المدّة الطويلة إلاّ ثمانون شخصاً على المشهور بين المفسّرين (9)، وأمّا عمل الآخرين فلم يكن غير السخرية والإستهزاء والأذى.

وتضيف الآية التالية: { وَنَصَرْنَاهُ(10) مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} إنّ هذه الجملة تؤكّد مرّة أُخرى على حقيقة أنّ العقوبات الإلهيّة لا تتّصف بصفة الإنتقام مطلقاً، بل هي على أساس إنتخاب الأصلح، أي إنّ حقّ الحياة والتنعّم بمواهب الحياة لاُناس يكونون في طريق التكامل والسير إلى الله، أو انّهم إذا ساروا يوماً في طريق الإنحراف إنتبهوا إلى أنفسهم ورجعوا إلى جادة الصواب. أمّا اُولئك الفاسدون الذين لا أمل مطلقاً في صلاحهم في المستقبل، فلا مصير ولا جزاء لهم إلاّ الموت والفناء.

_________________

1- تفسير الامثل ،ناصر مكارم الشيرازي،ج8،ص291-298.

2ـ روضة الكافي، طبقاً لنقل الميزان، في ذيل الآيات مورد البحث.

3ـ عدم ذكر إسماعيل هنا مع أنّه كان أوّل ولد إبراهيم، ربّما كان من أجل أنّ ولادة إسحاق من اُمّ عقيم وعجوز، كانت تبدو مسألة عجيبة للغاية، في حين أنّ ولادة إسماعيل من اُمّه هاجر لم يكن عجيباً.

4ـ لمزيد الإطّلاع في هذا المجال راجع ذيل الآية (124) من سورة البقرة.

5ـ تقديم كلمة (لنا) على (عابدين) يدلّ على الحصر، وإشارة إلى مقام التوحيد الخالص، لهؤلاء المقدّمين الكبار، أي إنّ هؤلاء كانوا يعبدون الله فقط.

6ـ الآية الثّانية ـ وهي الآية (41) من سورة القصص ـ تشير إلى فرعون وجنوده، وهذا الحديث جاء في تفسير الصافي نقلا عن كتاب الكافي.

7ـ لقد نصبت كلمة (لوط) لأنّها مفعول لفعل مقدّر، يمكن أن يكون تقديره: (آتينا) أو (اذكر).

8ـ راجع ما ذكرنا عليه آنفاً ذيل الآية (25) سورة هود.

9ـ مجمع البيان ذيل الآية (40) من سورة هود، ونور الثقلين، المجلّد2، ص350.

10- إن فعل (نصر) يعدّى عادةً بـ (على) إلى مفعول ثان، فيقال مثلا: اللّهم انصرنا عليهم. أمّا هنا فقد إستعملت كلمة (من)، وربّما كان ذلك من أجل أنّ المراد النصرة المقترنة بالنجاة، لأنّ مادّة النجاة تتعدّى بـ(من).

 

 

 

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .