أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-9-2020
13019
التاريخ: 6-9-2020
2976
التاريخ: 9-9-2020
3940
التاريخ: 11-9-2020
2276
|
قال تعالى: {قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (57) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (58) قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (60) قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61) فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62) قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى } [طه: 57 - 64]
حكى سبحانه عن فرعون أنه نسب موسى إلى السحر تلبيسا على قومه بأن قال { أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى} أي: من أرض مصر {فلناتينك بسحر مثله} أي: مثل ما أتيت به { فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى} أي: اضرب بيننا وبينك موعدا مكانا يعد لحضورنا ذلك المكان لا يقع منا في حضوره خلاف ثم وصف المكان بأنه تستوي مسافته على الفريقين ومكانا بدل عن موعد وقيل مكانا سوى أي: عدلا بيننا وبينك عن قتادة وقيل: منصفا بكون النصف بيننا وبينك عن مجاهد {قال} موسى { مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ} وكان يوم لهم فسمي يوم الزينة لأن الناس يتزينون فيه ويزينون به الأسواق عن مجاهد وقتادة والسدي { وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى} يعني ضحى ذلك اليوم ويريد بالناس أهل مصر بقول يحشرون إلى العيد ضحى فينظرون إلى أمري وأمرك فيكون ذلك أبلغ في الحجة وأبعد من الشبهة.
قال الفراء يقول إذ رأيت الناس يحشرون من كل ناحية ضحى فذلك الموعد قال وجرت عادتهم بحشر الناس في ذلك اليوم { فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ} أي: انصرف وفارق موسى على هذا الوعد {فجمع كيده} أي: حيلته ومكره وذلك جمع السحرة {ثم أتى} أي: حضر الموعد {قال لهم موسى} أي: قال للسحرة لأنهم أحضروا ما عملوا من السحر ليقابلوا بمعجزة موسى فوعظهم فقال {ويلكم} وهي كلمة وعيد وتهديد معناه: ألزمكم الله الويل والعذاب ويجوز أن يكون على النداء نحويا ويلتا فيكون الدعاء بالويل عليهم وقيل إن ويلكم كلمتان تقديرهما وي لكم فيكون مبتدأ وخبرا أويكون ويلكم بمنزلة أتعجب لكم.
{ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} أي: لا تشركوا مع الله أحدا عن ابن عباس وقيل لا تكذبوا على الله بأن تنسبوا معجزاتي إلى السحر وسحركم إلى أنه حق وبأن تنسبوا فرعون إلى أنه إله معبود {فيسحتكم} أي: يستأصلكم {بعذاب} عن قتادة والسدي وقيل يهلككم عن ابن عباس والكلبي ومقاتل والجبائي وأصل السحت استقصاء الخلق يقال سحت شعره إذا استأصله وسحته الله وأسحته إذا استأصله وأهلكه { وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} أي: خسر من كذب على الله ونسب إليه باطلا عن قتادة انقطع رجاء من كذب على الله عن ثوابه وجنته.
{ فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} أي: تشاور القوم وتفاوضوا في حديث موسى وهارون وفرعون وجعل كل واحد منهم ينازع لكلام صاحبه وقيل تشاورت السحرة فيما هيئوه من الحبال والعصي وفيمن يبتدىء بالإلقاء { وَأَسَرُّوا النَّجْوَى } يعني أن السحرة أخفوا كلامهم وتناجوا فيما بينهم سرا من فرعون فقالوا إن غلبنا موسى اتبعناه عن الفراء والزجاج وقيل: إن موسى لما قال لهم {ويلكم لا تفتروا على الله كذبا} قال بعضهم لبعض ما هذا بقول ساحر وأسر بعضهم إلى بعض يتناجون عن محمد بن إسحاق وقيل: أسروا النجوى بأن {قالوا} إن كان هذا ساحرا فسنغلبه وإن كان من السماء فله أمره عن قتادة وقيل: تناجوا مع فرعون وأسروا عن موسى وهارون قولهم {إن هذان} لساحران عن الجبائي وأبي مسلم إن هذان يعني موسى وهارون { لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا} قاله فرعون وجنوده للسحرة ويريدون بالأرض أرض مصر.
{ وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى} هي تأنيث الأمثل وهو الأفضل وهو الأشبه بالحق يقال فلان أمثل قومه أي أشرفهم وأفضلهم والمعنى يريدان أن يصرفا وجوه الناس إليهما عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وقيل: إن طريقتهم المثلى بنوإسرائيل كانوا أكثر القوم عددا وأموالا أي يريدان أن يذهبا بهم لأنفسهم عن قتادة وأكثر المفسرين وقيل: يذهبا بطريقتكم التي أنتم عليها في السيرة والدين عن الجبائي وأبي مسلم وابن زيد {فاجمعوا كيدكم} أي: لا تدعوا من كيدكم شيئا إلا جئتم به {ثم ائتوا صفا} أي: مصطفين مجتمعين ليكون أنظم لأموركم وأشد لهيبتكم عن ابن عباس وأكثر المفسرين وقيل: ثم ائتوا موضع الجمع ويسمى المصلى الصف عن أبي عبيدة والمعنى ثم ائتوا الموضع الذي تجتمعون فيه لعيدكم وصلاتكم .
{ وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى } أي: وقد سعد اليوم من غلب وعلا، عن ابن عباس قال بعضهم إن هذا من قول فرعون للسحرة و قال آخرون بل هو قول بعض السحرة لبعض.
________________
1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج7،ص34-36.
{ قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى } . اضطرب فرعون ، وأسقط في يده حين جابهه موسى بالحجة الدامغة التي لا رد عليها . . كيف ؟
وهي آية من آيات اللَّه تعالى . . ان فرعون على علم اليقين من أن السحر أبعد ما يكون عن موسى وهارون ، وان الساحر أحقر من أن يخرجه من أرضه وملكه ، ولوكان للسحرة هذا السلطان لكانوا أولي الأمر في كل زمان ومكان . . ولكن فرعون لما شعر بالعجز عن مجابهة الحجة بالحجة لجأ إلى الاحتيال والمراوغة ، والكذب والافتراء ، تماما كما يفعل اليوم المستعمرون وأذنابهم ، حيث يصفون الأحرار بالهدامين ، والمخلصين بالفوضويين .
{ فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ ولا أَنْتَ مَكاناً سُوىً } . طلب فرعون من موسى أن يعين موعدا للمباراة بينه وبين السحرة على أن تكون في مكان مكشوف ، لا شيء فيه يحجب أعين النظَّارة عن مشاهدة المباراة ومتابعتها { قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى }. اختار يوم العيد للمباراة بينه وبين السحرة ، حيث يترك الناس أعمالهم ، ويجتمعون فيه بالأماكن العامة ، واختار وقت الضحى من يوم العيد لأنه أنسب الأوقات للحشد والتجمع ، وموسى يريد أن يحق الحق ، ويبطل الباطل على رؤوس الأشهاد .
{ فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى } . هذه الآية بينة الاعجاز ، فهي على إيجازها تحمل الكثير من المعاني . . تولى . . فجمع . . ثم أتى . . وكلمة تولى تعبّر عن انصراف فرعون إلى حاشيته وأنصاره وتشاوره معهم لوضع الخطط وإحكامها ، وكلمة جمع تعبّر عن إرساله الرسل في أنحاء البلاد للبحث عن السحرة والإتيان بهم ، فقد أشار عليه مستشاروه ان يرسل في المدائن حاشرين يأتوه بكل ساحر
عليم ، كما في الآية 112 من سورة الأعراف ، وكلمة ثم أتى تعبّر عن مجيئه بموكبه وأبهته إلى مكان المباراة في الموعد المعين .
{ قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى } . تقدم موسى إلى السحرة بالنصح والانذار قبل أن يباشروا أي عمل من أعمال السحر ، وحذرهم من عذاب الاستئصال ان أصروا على مخادعة الناس بالتمويه والأكاذيب ، وأفهمهم ان فرعون مهما بلغ من السلطان فإنه أضعف من أن يملك لهم نفعا أوضرا .
{ فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وأَسَرُّوا النَّجْوى} . ضمير فتنازعوا وما بعده يعود إلى السحرة ، وتومئ هذه الآية إلى أن بعض السحرة قد تأثر بكلمة موسى ( عليه السلام ) أوبعثت في نفسه الشك - على الأقل - وفي تفسير الطبري ان بعض السحرة قال عن تحذير موسى لهم : ما هذا القول بقول ساحر ، ولا بدع فان الكلام إذا خرج من القلب المخلص أخذ طريقه إلى القلوب المخلصة . . تأثر البعض من السحرة بموعظة موسى ، وعارضه البعض الآخر ، وبطبيعة الحال دار الحوار والجدال فيما بينهم : هل يمضون في تحدي موسى بالسحر ، أوينسحبون من المباراة ، وقد دار هذا الحوار في الخفاء والكتمان عن فرعون وموسى أيضا . .
ولكن في النهاية تغلب رأي من أصر على التحدي بدليل ما حكاه اللَّه عن السحرة بقوله :
{ قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما ويَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى } . هذا الكلام كله للسحرة ، فضمير قالوا وما بعده يعود إليهم وحدهم ، وهذان إشارة إلى موسى وهارون ، ومرادهم بالطريقة المثلى الدين الذي كانوا عليه بدليل ما جاء في الآية 26 من سورة غافر : { وقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى ولْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ }. والمعنى ان بعض السحرة قال لبعض : ان موسى وهارون ماهران في فن السحر ، وهما يحاولان التغلب علينا والقضاء على ديننا لتكون لهما السيادة في البلاد ، ويكون أهلها لهما عبيدا وأتباعا ، فعلينا أن نكون يدا واحدة ضدهما ، ونبذل كل جهد لنفوز عليهما ، وتكون الرفعة والمكانة لنا من دونهما في هذا اليوم المشهود ، وإلا فلن تقوم لنا بعده قائمة .
______________
1- التفسير الكاشف، ج 5، محمد جواد مغنية، ص 225-226.
قوله تعالى:{ قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى } الضمير لفرعون وقد اتهم موسى أولا بالسحر لئلا يلزمه الاعتراف بصدق ما جاء به من الآيات المعجزة وحقية دعوته، وثانيا بأنه يريد إخراج القبط من أرضهم وهي أرض مصر، وهي تهمة سياسية يريد بها صرف الناس عنه وإثارة أفكارهم عليه بأنه عدويريد أن يطردهم من بيئتهم ووطنهم بمكيدته ولا حياة لمن لا بيئة له.
قوله تعالى:{ فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى } الظاهر كما يشهد به الآية التالية أن الموعد اسم زمان وإخلاف الوعد عدم العمل بمقتضاه، ومكان سوى بضم السين أي واقع المنتصف من المسافة أومستوي الأطراف من غير ارتفاع وانخفاض قال في المفردات،: ومكان سوى وسواء وسط، ويقال: سواء وسوى وسوى - بضم السين وكسرها - أي يستوي طرفاه، ويستعمل ذلك وصفا وظرفا، وأصل ذلك مصدر. انتهى.
والمعنى: فأقسم لنأتينك بسحر يماثل سحرك لقطع حجتك وإبطال إرادتك فاجعل بيننا وبينك زمان وعد لا نخلفه في مكان بيننا أوفي مكان مستوي الأطراف أواجعل بيننا وبينك مكانا كذلك.
قوله تعالى:{ قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى } الضمير لموسى وقد جعل الموعد يوم الزينة، ويظهر من السياق أنه كان يوما لهم يجري بينهم مجرى العيد، ويظهر من لفظه أنهم كانوا يتزينون فيه ويزينون الأسواق، وحشر الناس - على ما ذكره الراغب - إخراجهم عن مقرهم وإزعاجهم عنه إلى الحرب ونحوها، والضحى وقت انبساط الشمس من النهار.
وقوله:{وأن يحشر الناس ضحى} معطوف على الزينة أوعلى يوم بتقدير اليوم أوالوقت ونحوه والمعنى قال موسى موعدكم يوم الزينة ويوم حشر الناس في الضحى، وليس من البعيد أن يكون مفعولا معه والمعنى موعدكم يوم الزينة مع حشر الناس في الضحى ويرجع إلى الاشتراط.
وإنما اشترط ذلك ليكون ما يأتي به ويأتون به على أعين الناس في ساعة مبصرة.
قوله تعالى:{ فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى } ظاهر السياق أن المراد بتولي فرعون انصرافه عن مجلس المواعدة للتهيؤ لما واعد، والمراد بجمع كيده جمع ما يكاد به من السحرة وسائر ما يتوسل به إلى تعمية الناس والتلبيس عليهم ويمكن أن يكون المراد بجمع كيده جمع ذوي كيده بحذف المضاف والمراد بهم السحرة وسائر عماله وأعوانه وقوله:{ثم أتى} أي ثم أتى الموعد وحضره.
قوله تعالى:{ قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} الويل كلمة عذاب وتهديد، والأصل فيه معنى العذاب ومعنى ويلكم عذبكم الله عذابا، والسحت بفتح السين استيصال الشعر بالحلق والإسحات الاستئصال والإهلاك.
وقوله:{ قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا } ضمائر الجمع غيبة وخطابا لفرعون وكيده وهم السحرة وسائر أعوانه على موسى (عليه السلام) وقد مر ذكرهم في الآية السابقة، وأما رجوعها إلى السحرة فقط فلم يسبق لهم ذكر ولا دل عليهم دليل من جهة اللفظ.
وهذا القول من موسى (عليه السلام) موعظة لهم وإنذار أن يفتروا على الله الكذب، وقد ذكر من افترائهم فيما مر تسمية فرعون الآيات الإلهية سحرا، ورمي الدعوة الحقة بأنها للتوسل إلى إخراجهم من أرضهم ومن الافتراء أيضا السحر لكن افتراء الكذب على الله وهواختلاق الكذب عليه إنما يكون بنسبة ما ليس من الله إليه، وعد الآية المعجزة سحرا والدعوة الحقة كيدا سياسيا قطع نسبتهما إلى الله وكذا إتيانهم بالسحر قبال المعجزة مع الاعتراف بكونه سحرا لا واقع له فلا يعد شيء منها افتراء على الله.
فالظاهر أن المراد بافتراء الكذب على الله الاعتقاد بأصول الوثنية كألوهية الآلهة وشفاعتها ورجوع تدبير العالم إليها كما فسروا الآية بذلك، وقد عد ذلك افتراء على الله في مواضع من القرآن كقوله:{ قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ:} الأعراف: 89.
وقوله:{فيسحتكم بعذاب} تفريع على النهي أي لا تشركوا بالله حتى يستأصلكم ويهلككم بعذاب بسبب شرككم، وتنكير العذاب للدلالة على شدته وعظمته.
قوله:{وقد خاب من افترى} الخيبة اليأس من بلوغ النتيجة المأمولة وقد وضعت الجملة في الكلام وضع الأصل الكلي الذي يتمسك به وهو كذلك فإن الافتراء من الكذب وسببيته سببية كاذبة والأسباب الكاذبة لا تهتدي إلى مسببات حقة وآثار صادقة فنتائجها غير صالحة للبقاء ولا هي تسوق إلى سعادة فليس في عاقبتها إلا الشؤم والخسران فالآية أشمل معنى من قوله تعالى:{ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ:} يونس: 69.
لإثباتها الخيبة في مطلق الافتراء بخلاف الآية الثانية وقد تقدم كلام في أن الكذب لا يفلح في ذيل قوله:{ وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ:} يوسف: 18 في الجزء الحادي عشر من الكتاب.
قوله تعالى:{ فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} - إلى قوله - من استعلى} التنازع قريب المعنى من الاختلاف، من النزع بمعنى جذب الشيء من مقره لينقلع منه والتنازع يتعدى بنفسه كما في الآية وبفي كقوله:{فإن تنازعتم في شيء:} النساء: 59.
والنجوى الكلام الذي يسار به، وأصله مصدر بمعنى المناجاة وهي المسارة في الكلام، والمثلى مؤنث أمثل كفضلى وأفضل وهو الأقرب الأشبه والطريقة المثلى السنة التي هي أقرب من الحق أومن أمنيتهم وهي سنة الوثنية التي كانت مصر اليوم تدار بها وهي عبادة الآلهة وفي مقدمتها فرعون إله القبط، والإجماع - على ما ذكره الراغب - جمع الشيء عن فكر وترو، والصف جعل الأشياء على خط مستوكالإنسان والأشجار ونحو ذلك ويستعمل مصدرا واسم مصدر وقوله:{ثم ائتوا صفا} يحتمل أن يكون مصدرا، وأن يكون بمعنى صافين أي ائتوه باتحاد واتفاق من دون أن تختلفوا وتتفرقوا فتضعفوا وكونوا كيد واحدة عليه.
ويظهر من تفريع قوله:{فتنازعوا أمرهم} على ما في الآية السابقة من قوله:{قال لهم موسى} إلخ إن التنازع والاختلاف إنما ظهر بينهم عن موعظة وعظهم بها موسى فأثرت فيهم بعض أثرها ومن شأنها ذلك إذ ليست إلا كلمة حق ما فيها مغمض وكان محصلها أن لا علم لكم بما تدعونه من ألوهية الآلهة وشفاعتها فنسبتكم الشركاء والشفعاء إلى الله افتراء عليه وقد خاب من افترى وهذا برهان واضح لا ستر عليه ولا غبار.
ويظهر من قوله الآتي الحاكي لقول السحرة:{ إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ } أن الاختلاف إنما ظهر أول ما ظهر بين السحرة ومنهم وربما أشعر قوله الآتي:{ثم ائتوا صفا} أن المترددين في مقابلة موسى منهم أوالعازمين على ترك مقابلته أصلا كانوا بعض السحرة إن كان الخطاب متوجها إليهم ولعل السياق يساعد على ذلك.
وكيف كان لما رأى فرعون وأياديه تنازع القوم - وفيه خزيهم وخذلانهم - أسروهم النجوى ولم يكلموهم فيما ألقاه إليهم موسى من الحكمة والموعظة بل عدلوا عن ذلك إلى ما اتهمه فرعون بالسحر وطرح خطة سياسية لإخراج أمة القبط من أرضهم ولا ترضى الأمة بذلك ففيه خروج من ديارهم وأموالهم وسقوط من أوج سعادتهم إلى حضيض الشقاء وهم يرون ما يقاسيه بنوإسرائيل بينهم.
وأضافوا إلى ذلك أمرا آخر أمر من الجلاء والخروج من الديار والأموال وهوذهاب طريقتهم المثلى وسنتهم القومية التي هي ملة الوثنية الحاكمة فيهم قرنا بعد قرن وجيلا بعد جيل وقد اشتد بها عظمهم ونبت عليها لحمهم والعامة تقدس السنن القومية وخاصة ما اعتادت عليها وأذعنت بأنها سنن ظاهرة سماوية.
وهذا بالحقيقة إغراء لهم على التثبت والاستقامة على ملة الوثنية لكن لا لأنها دين حق لا شبهة فيه فإن حجة موسى أوضحت فسادها وكشفت عن بطلانها بل بعنوان أنها سنة ملية مقدسة تعتمد عليها مليتهم وتستند إليها شوكتهم وعظمتهم وتعتصم بها حياتهم فلواختلفوا وتركوا مقابلة موسى واستعلى هو عليهم كان في ذلك فناؤهم بالمرة.
فالرأي هو أن يجمعوا كل كيد لهم ثم يدعوا الاختلاف ويأتوا صفا حتى يستعلوا وقد أفلح اليوم من استعلى.
فأكدوا عليهم القول بالتسويل أن يتحدوا ويتفقوا ولا يهنوا في حفظ ملتهم ومدنيتهم ويكروا على عدوهم كرة رجل واحد، وشفع ذلك فرعون بمواعد جميلة وعدهم إياها كما يظهر من قوله تعالى في موضع آخر:{ فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ:} الشعراء: 42.
وبأي وجه كان من ترغيب وترهيب حملوهم على أن يثبتوا ويواجهوا موسى بمغالبته.
هذا ما يعطيه التدبر في معنى الآيات بالاستمداد من السياق والقرائن المتصلة والشواهد المنفصلة، وعلى ذلك فقوله:{فتنازعوا أمرهم بينهم} إشارة إلى اختلافهم إثر موعظة موسى وما أومأ إليه من الحجة.
وقوله:{وأسروا النجوى} إشارة إلى مسارتهم في أمر موسى واجتهادهم في رفع الاختلاف الناشىء من استماعهم وعظ موسى (عليه السلام)، وقوله:{ قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ} إلخ، بيان النجوى الذي أسروه فيما بينهم وقد مر توضيح معناه.
وقوله:{إن هذان لساحران} القراءة المعروفة{إن} بكسر الهمزة وسكون النون وهي{إن} المشبهة بالفعل خففت فألغيت عن العمل بنصب الاسم ورفع الخبر.
___________
1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج14،ص140-143.
فرعون يُهيء نفسه للجولة الأخيرة:
تعكس هذه الآيات مرحلة أُخرى من المواجهة بين موسى وفرعون،والآن، لنر ماذا قال فرعون الطاغي المستكبر العنود في مقابل موسى ومعجزاته، وكيف اتّهمه كما هي عادة كلّ المتسلّطين والحكّام المتعنّتين: { قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى} وهو إشارة إلى أنّنا نعلم أنّ مسألة النبوّة والدعوة إلى التوحيد، وإظهار هذه المعجزات تشكّل بمجموعها خطّة منسّقة للإنتصار علينا، وبالتالي إخراجنا مع الأقباط من أرض آبائنا وأجدادنا، فليس هدفك الدعوة إلى التوحيد، ولا نجاة وتخليص بني إسرائيل، بل هدفك الوصول إلى الحكم والسيطرة على هذه الأرض، وإخراج المعارضين!
إنّ هذه التهمة هي نفس الحربة التي يستخدمها الطواغيت والمستعمرون على إمتداد التاريخ، ويلوحون بها ويشهرونها كلّما رأوا أنفسهم في خطر، ومن أجل إثارة الناس لصالحهم يثيرون مسألة تعرّض مصالح البلد للخطر، فالبلد يعني حكومة هؤلاء العتاة، ووجوده يعني وجودهم!
ويعتقد بعض المفسّرين أنّ الهدف من جلب بني إسرائيل إلى مصر، والإحتفاظ بهم في هذه الأرض لم يكن من أجل إستغلال قواهم كعبيد وحسب، بل إنّهم في الوقت نفسه كانوا لا يريدون لبني إسرائيل، الذين كانوا قوماً أقوياء، أن يتحوّلوا إلى قوّة ومصدر خطر. وكذلك لم يكن الأمر بقتل الذكور للخوف من ولادة موسى فقط، بل للوقوف أمام قوّتهم والحدّ منها، وهذا عمل يقوم به كلّ الأقوياء الظالمين، وبناءً على هذا فإنّ خروج بني إسرائيل ـ حسب طلب موسى ـ يعني إقتدار هذه الاُمّة، وفي هذه الحالة سيتعرّض سلطان الفراعنة وعرشهم إلى الخطر.
والنقطة الاُخرى في هذه العبارة القصيرة، هي أنّ فرعون قد اتّهم موسى بالسحر، وهذا هو ما اتّهم به كلّ الأنبياء عند إظهار معجزاتهم البيّنة، كما نقرأ ذلك في الآيتين (52 ـ 53) من سورة الذاريات: { كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ}.
وتجدر الإشارة إلى هذه المسألة أيضاً، وهي أنّ إثارة المشاعر الوطنية وحبّ الوطن في مثل هذه المواضع أمر مدروس بدقّة كاملة، لأنّ أغلب الناس يحبّون أرضهم ووطنهم كحبّهم أنفسهم وأرواحهم، ولذلك جعلوا هذين الأمرين في مرتبة واحدة، كما في بعض آيات القرآن: { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ }(النساء،66).
ثمّ أضاف فرعون بأن لا تظن بأنّنا نعجز عن أن نأتي بمثل هذا السحر {فلنأتينّك بسحر مثله}، ولكي يظهر حزماً أكثر فإنّه قال: { فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى}.
وذكر البعض في تفسير {مكاناً سوى}: إنّ المراد هو أن تكون فاصلته عنّا وعنك متساوية، وقال بعضهم: أن تكون فاصلته متساوية بالنسبة إلى الناس، أي أن يكون المكان في وسط المدينة تماماً، وقال بعض: المراد أن تكون الأرض أرضاً مكشوفة ومسطّحة يشرف عليها الجميع، وأن يتساوى في ذلك العالي والداني. ويمكن أن تعتبر كلّ هذه المعاني مجتمعة فيها.
وينبغي التذكير بأنّ الحكّام الطغاة، ومن أجل أن يهزموا خصمهم في المعركة، ويرفعوا معنويات أتباعهم وأعوانهم الذين ربّما وقعوا تحت تأثيره (كما في قصّة موسى ومعجزاته فلا يبعد أن يكونوا قد وقعوا تحت تأثيره) فإنّهم يعيدون إليهم المعنويات والقوّة، ويتعاملون في الظاهر مع أمثال هذه المسائل بصرامة وشدّة، ويثيرون الصخب حولها!
إلاّ أنّ موسى لم يفقد هدوء أعصابه، ولم يدع للخوف من عنجهيّة فرعون إلى قلبه طريقاً، بل قال بحزم: { قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى}(2).
إنّ التعبير بـ(يوم الزينة) إشارة إلى يوم عيد كان عندهم لا نستطيع تعيينه بدقّة، إلاّ أنّ المهمّ هو أنّ الناس كانوا يعطّلون أعمالهم فيه، وكانوا حتماً مستعدّين للمشاركة في مثل هذا «المشهد».
على كلّ حال، فإنّ فرعون بعد مشاهدة معجزات موسى العجيبة، وتأثيرها النفسي في أنصاره، صمّم على مواجهة موسى (عليه السلام) بالإستعانة بالسّحرة، ولذلك وضع الإتّفاق المذكور مع موسى { فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى }.
في هذه الجملة القصيرة تلخّصت حوادث جمّة جاءت بشكل مفصّل في سورتي الأعراف والشعراء، لأنّ فرعون بعد تركه ذلك المجلس ومفارقة موسى وهارون، عقد إجتماعات عديدة مع مستشاريه الخاصّين، وأتباعه المستكبرين، ثمّ دعا السّحرة من جميع أنحاء البلاد إلى الحضور في العاصمة، ورغّبهم بمرغّبات كثيرة من أجل مواجهة موسى (عليه السلام)، واُمور أُخرى ليس هنا مجال بحثها، إلاّ أنّ القرآن الكريم قد جمّعها كلّها في هذه الجمل الثلاث: { فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى }(3).
وأخيراً حلّ اليوم الموعود، ووقف موسى أمام جميع الحاضرين، الذين كان بعضهم السّحرة، وكان عددهم ـ على رأي بعض المفسّرين ـ إثنين وسبعين ساحراً، وقال آخرون إنّهم بلغوا أربعمائة، وذكر البعض أعداداً أكبر أيضاً. وكان قسم من ذلك الجمع عبارة عن فرعون وأنصاره وحاشيته، وأخيراً القسم الثّالث الذي كان يشكّل الأكثرية، وهم الناس المتفرجّون.
هنا توجّه موسى إلى السّحرة، أو إلى الفراعنة والسّحرة، و { قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى}. وواضح أنّ مراد موسى من الإفتراء على الله سبحانه هو أن يجعلوا شخصاً أو شيئاً شريكاً له، أو ينسبوا معجزات رسول الله إلى السحر، ويظنّوا أنّ فرعون إلههم ومعبودهم، ومن المحتّم أنّ الله سبحانه سوف لا يدع من ينسبون هذه الأكاذيب إلى الله، ويسعون بكلّ قواهم لإطفاء نور الحقّ، بدون عقاب.
إنّ كلام موسى المتين الذي لا يشبه كلام السّحرة بوجه، بل إنّ نبرته كانت نبرة دعوة كلّ الأنبياء الحقيقيين، ونابعة من صميم قلب موسى الطاهر، فأثّرت على بعض القلوب، وأوجدت إختلافاً بين ذلك الحشد من السّحرة، فبعض كان يناصر المواجهة والمبارزة، وبعض تردّد في الأمر، وإحتمل أن يكون موسى (عليه السلام)نبيّاً إلهيّاً، وأثّرت فيهم تهديداته، خاصّةً وأنّ لباس موسى وهارون البسيط كان لباس رعاة الأغنام، وعدم مشاهدة الضعف والتراجع على محيّاهما بالرغم من كونهما وحيدين، كان يعتبر دليلا آخر على أصالة أقوالهما وصدق نواياهما، ولذلك فإنّ القرآن يقول: { فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى}.
إنّ من الممكن أن تكون هذه المسارّة والنجوى أمام فرعون، ويحتمل أيضاً أن لا تكون أمامه، وهناك إحتمال آخر، وهو أنّ القائمين على إدارة هذا المشهد قد تناجوا في خفاء عن الناس.
إلاّ أنّ أنصار الإستمرار في المواجهة إنتصروا أخيراً وأخذوا زمام المبادرة بيدهم، وشرعوا في تحريك السّحرة بطرق مختلفة، فأوّلا { قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ}(4) وبناءً على هذا فلا يجب أن تخافوا مواجهتهما، لأنّكم كبار وأساتذة السحر في هذه البلاد العريضة، ولأنّ قوتكم وقدرتكم أكبر منهما!
ثمّ إنّهما { يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا} الوطن الذي هو أعزّ من أنفسكم، إضافة إلى أنّهما لا يقنعان بإخراجكم من أرضكم، بل إنّهما يريدان أيضاً أن يجعلا مقدّساتكم اُضحوكة ومحلا للسخرية { وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى}(5).
والآن حيث أصبح الأمر كذلك، فلا تدعوا للتردّد إلى أنفسكم طريقاً مطلقاً، بل { فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا} لأنّ الوحدة رمز إنتصاركم في هذه المعركة المصيريّة الحاسمة { وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى }.
_________________
1- تفسير الامثل،ناصر مكارم الشيرازي،ج8،ص149-153.
2ـ «الضحى» في اللغة بمعنى زيادة أشعّة الشمس، أو إرتفاع الشمس، والواو في جملة (وأن يحشر الناس) دالّة على المعيّة.
3ـ بالرغم من أنّ (تولّى) فسّرت هنا بالإفتراق عن موسى، أو عن ذلك المجلس، إلاّ أنّ من الممكن أن تعكس ـ مع ملاحظة معناها من الناحية اللغوية ـ حالة الإعتراض والغضب لدى فرعون. وموقفه المعادي تجاه موسى.
4ـ إنّ هذه الجملة من ناحية الإعراب هي: (إنْ) مخفّفة من (أنّ) ولذلك لم تعمل عملها فيما بعدها، إضافةً إلى أنّ رفع اسم (إن) ليس قليلا في لغة العرب.
5ـ «الطريقة» تعني العادة والاُسلوب المتبع، والمراد منها هنا المذهب. و (مثلى) من مادّة (مثل). وهي هنا تعني العالي والأفضل، أي الأشبه بالفضيلة.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|