أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-8-2020
6915
التاريخ: 31-8-2020
4050
التاريخ: 31-8-2020
9580
التاريخ: 28-8-2020
44070
|
قال تعالى: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا } [الكهف: 65 - 70]
{ فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا } أي: صادف موسى وفتاه وأدركا عبدا من عبادنا قائما على الصخرة يصلي وهو الخضر (عليه السلام) واسمه بليا بن ملكان وإنما سمي خضرا لأنه إذا صلى في مكان أخضر ما حوله وروي مرفوعا أنه قعد على فروة بيضاء فاهتزت تحته خضراء وقيل: إنه رآه على طنفسة خضراء فسلم عليه فقال وعليك السلام يا نبي بني إسرائيل فقال له موسى وما أدراك من أنا ومن أخبرك أني نبي قال من دلك علي واختلف في هذا العبد فقال بعضهم إنه كان ملكا أمر الله تعالى موسى أن يأخذ عنه ما حمله إياه من علم بواطن الأشياء وقال الأكثرون إنه كان من البشر ثم اختلفوا فقال الجبائي: وغيره أنه كان نبيا لأنه لا يجوز أن يتبع النبي من ليس بنبي ليتعلم منه العلم لما في ذلك من الغضاضة على النبي وكان ابن الإخشيد يجوز أن لا يكون نبيا ويكون عبدا صالحا أودعه الله من علم باطن الأمور ما لم يودعه غيره وهذا ليس بالوجه.
ومتى قيل كيف يكون نبي أعلم من موسى في وقته قلنا يجوز أن يكون الخضر خص بعلم ما لا يتعلق بالأداء فاستعلم موسى من جهته ذلك العلم فقط وإن كان موسى أعلم منه في العلوم التي يؤديها من قبل الله تعالى { آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا } يعني النبوة وقيل: طول الحياة { وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا } أي: علما من علم الغيب عن ابن عباس وقال الصادق (عليه السلام) كان عنده علم لم يكتب لموسى (عليه السلام) في الألواح وكان موسى يظن أن جميع الأشياء التي يحتاج إليها في تابوته وأن جميع العلم قد كتب له في الألواح { قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا } أي: علما ذا رشد قال قتادة لوكان أحد مكتفيا من العلم لاكتفى نجي الله موسى ولكنه قال: { هَلْ أَتَّبِعُكَ } الآية عظمه (عليه السلام) بهذا القول غاية التعظيم حيث أضاف العلم إليه ورضي باتباعه وخاطبه بمثل هذا الخطاب والرشد العلوم الدينية التي ترشد إلى الحق وقيل: هو علوم الألطاف الدينية التي تخفى على الناس.
{ قَالَ } العالم { إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا } أي: يثقل عليك الصبر ولا يخف عليك ولم يرد أنه لا يقدر على الصبر وإنما قال ذلك لأن موسى (عليه السلام) كان يأخذ الأمور على ظواهرها والخضر كان يحكم بما علمه الله من بواطنها فلا يسهل على موسى مشاهدة ذلك ثم قال { وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا } أي: كيف تصبر على ما ظاهره عندك منكر وأنت لم تعرف باطنه ولم تعلم حقيقته والخبر العلم وفي هذا دلالة على أنه لم يرد بقوله { لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا } نفي الاستطاعة للصبر لأنه لو أراد ذلك لكان لا يستطيع الصبر سواء علم أولم يعلم { قَالَ } موسى { سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا } أي: اصبر على ما أرى منك.
{ وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا } تأمرني به ولا أخالفك فيه قال الزجاج : وفيما فعله موسى (عليه السلام) وهو من جملة الأنبياء من طلب العلم والرحلة فيه ما يدل على أنه لا ينبغي لأحد أن يترك طلب العلم وإن كان قد بلغ نهايته وأنه يجب أن يتواضع لمن هو أعلم منه وإنما قيد (عليه السلام) صبره بمشيئة الله لأنه أخبر به على ظاهر الحال فجوز أن لا يصبر فيما بعد بأن يعجز عنه فقال إن شاء الله ليخرج بذلك من أن يكون كاذبا { قَالَ } الخضر له { فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي } واقتفيت أثري { فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا } أي: لا تسألني عن شيء أفعله مما تنكره ولا تعلم باطنه حتى أكون أنا الذي أفسره لك.
____________
1- تفسير مجمع البيان،الطبرسي،ج6،ص367-368.
{ فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً } . من في قوله تعالى : « مِنْ لَدُنَّا عِلْماً » للتبعيض ، والمراد بالعلم هنا علم الغيب أي آتيناه شيئا من علم الغيب ، ويومئ بذلك إلى خرقه السفينة ، وقتله الغلام ، ويعتمد الصوفية على هذه الآية لصحة مذهبهم القائل بالعلم اللدني أي العلم تلقائيا وبلا واسطة .
والمعنى ان موسى وفتاه حين وصلا إلى المكان الذي كانا فيه وجدا رجلا من عباد اللَّه الصالحين ، رحمه اللَّه وأنعم عليه بعلم وافر نافع ، فحياه موسى فرد التحية بأحسن منها . . قال له موسى : أنت بغيتي ، فهل تصحبني معك ، وتعلمني ما أسترشد به وانتفع ؟ . وقد استدل القائلون بنبوة هذا الرجل الصالح ، استدلوا بقوله تعالى : « آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا » لأن الرحمة هي النبوة . . ويلاحظ بأن الرحمة أعم من النبوة ، ووجود العام لا يدل على وجود الخاص ، فإذا قلت :
أكلت فاكهة فان قولك هذا لا يدل على انك أكلت عنبا ، لأن كلمة الفاكهة تشمل العنب وغيره من الفواكه .
{ قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً وكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً } .
قال الرجل الصالح لموسى : لو صحبتني لرأيت عجبا يثقل عليك السكوت عنه وعدم الاعتراض عليه لأنه منكر في ظاهره ، وواقعه مجهول لديك ، وأنت لا تستطيع صبرا على المنكرات ( قالَ » - موسى – { سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً ولا أَعْصِي لَكَ أَمْراً } . استثنى موسى في الصبر بقوله ان شاء اللَّه خشية أن لا يملك نفسه على السكوت وعدم الاعتراض كما حدث بالفعل { قالَ » - صاحب موسى - « فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً } . اشترط الرجل الصالح على موسى أن لا يسأله عما يفعل كائنا ما كان ، وقبل موسى الشرط لأنه انطلق معه كما يتضح مما يلي :
______________
1- التفسير الكاشف، ج 5، محمد جواد مغنية، ص 145-146.
قوله تعالى:{ فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا } إلخ.
كل نعمة فإنها رحمة منه تعالى لخلقه لكن منها ما تتوسط فيه الأسباب الكونية وتعمل فيه كالنعم الظاهرية بأنواعها، ومنها ما لا يتوسط فيه شيء منها كالنعم الباطنية من النبوة والولاية بشعبها ومقاماتها، وتقييد الرحمة بقوله:{ مِنْ عِنْدِنَا } الظاهر في أنها من موهبته لا صنع لغيره فيها يعطي أنها من القسم الثاني أعني النعم الباطنية ثم اختصاص الولاية بحقيقتها به تعالى كما قال:{فالله هو الولي}: الشورى: 9، وكون النبوة مما للملائكة الكرام فيه عمل كالوحي ونحوه يؤيد أن يكون المراد بقوله:{ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا } حيث جيء بنون العظمة ولم يقل: من عندي هو النبوة دون الولاية، وبهذا يتأيد تفسير من فسر الكلمة بالنبوة والله أعلم.
وأما قوله:{ وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا } فهو أيضا كالرحمة التي من عنده علم لا صنع فيه للأسباب العادية كالحس والفكر حتى يحصل من طريق الاكتساب والدليل على ذلك قوله:{من لدنا} فهو علم وهبي غير اكتسابي يختص به أولياءه وآخر الآيات يدل على أنه كان علما بتأويل الحوادث.
قوله تعالى:{ قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا } الرشد خلاف الغي وهو إصابة الصواب، وهو في الآية مفعول له أو مفعول به، والمعنى قال له موسى هل أتبعك اتباعا مبنيا على هذا الأساس وهو أن تعلمني مما علمت لأرشد به أو تعلمني مما علمت أمرا ذا رشد.
قوله تعالى:{ قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا } نفي مؤكد لصبره (عليه السلام) على شيء مما يشاهده منه في طريق التعليم والدليل عليه تأكيد الكلام بأن، وإيراد الصبر نكرة في سياق النفي الدال على إرادة العموم، ونفي الصبر بنفي الاستطاعة التي هي القدرة فهو آكد من أن يقال: لن تصبر، وإيراد النفي بلن ولم يقل: لا تصبر وللفعل توقف على القدرة فهو نفي الفعل بنفي أحد أسبابه ثم نفي الصبر بنفي سبب القدرة عليه وهو إحاطة الخبر والعلم بحقيقة الواقعة وتأويلها حتى يعلم أنها يجب أن تجري على ما جرت عليه.
وقد نفى صبره على مظاهر علمه من الحوادث حيث قال:{ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ } ولم ينف صبره على نفس علمه فلم يقل: لن تصبر على ما أعلمه ولن تتحمله ولم يتغير عليه موسى (عليه السلام) حينما أخبره بتأويل ما رأى منه وإنما تغير عليه عند مشاهدة نفس أفعاله التي أراه إياها في طريق التعليم، فللعلم حكم ولمظاهره حكم ونظير ذلك أن موسى (عليه السلام) لما رجع من الميقات إلى قومه وشاهد أنهم عبدوا العجل من بعده امتلأ غيظا وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه وقد كان الله أخبره بذلك وهو في الميقات فلم يأت بشيء من ذلك وقول الله أصدق من الحس والقصة في سورة الأعراف.
فقوله:{ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ } إلخ إخبار بأنه لا يطيق الطريق الذي يتخذه في تعليمه أن اتبعه لا أنه لا يتحمل العلم.
قوله تعالى:{ وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا } الخبر العلم وهو تمييز والمعنى لا يحيط به خبرك.
قوله تعالى:{ قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا } وعده الصبر لكن قيده بالمشية فلم يكذب إذ لم يصبر، وقوله:{ولا أعصي} إلخ عطف على{ صَابِرًا } لما فيه من معنى الفعل فعدم المعصية الذي وعده أيضا مقيد بالمشية ولم يخلف الوعد إذ لم ينتهي بنهيه عن السؤال.
قوله تعالى:{ قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا } الظاهر أن{ مِنْهُ } متعلق بقوله:{ ذِكْرًا } وإحداث الذكر من الشيء الابتداء به من غير سابقة والمعنى فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء تشاهده من أمري تشق عليك مشاهدته حتى أبتدىء أنا بذكر منه، وفيه إشارة إلى أنه سيشاهد منه أمورا تشق عليه مشاهدتها وهو سيبينها له لكن لا ينبغي لموسى أن يبتدئه بالسؤال والاستخبار بل ينبغي أن يصبر حتى يبتدئه هو بالإخبار.
وقد أتى موسى (عليه السلام) من الخلق والأدب البارع الحري بالمتعلم المستفيد قبال الخضر - على ما تحكيه هذه الآيات - بأمر عجيب وهو كليم الله موسى بن عمران الرسول النبي أحد أولي العزم صاحب التوراة.
فكلامه موضوع على التواضع من أوله إلى آخره، وقد تأدب معه أولا فلم يورد طلبه منه التعليم في صورة الأمر بل في صورة الاستفهام هضما لنفسه، وسمي مصاحبته اتباعا منه له، ثم لم يورد التعليم في صورة الاشتراط بل قال: على أن تعلمن إلخ، ثم عد نفسه متعلما، ثم أعظم قدر علمه إذ جعله منتسبا إلى مبدإ غير معلوم لم يعينه باسم أونعت فقال:{ عُلِّمْتَ } ولم يقل: تعلم، ثم مدحه بقوله:{ رُشْدًا } ثم جعل ما يتعلمه بعض علمه فقال:{ مِمَّا عُلِّمْتَ } ولم يقل: ما علمت ثم رفع قدره إذ جعل ما يشير عليه به أمرا يأمره وعد نفسه لو خالفه فيما يأمر عاصيا ثم لم يسترسل معه بالتصريح بالوعد بل كنى عنه بمثل قوله:{ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا }.
وقد تأدب الخضر معه إذ لم يصرح بالرد أولا بل أشار إليه بنفي استطاعته على الصبر ثم لما وعده موسى بالصبر إن شاء الله لم يأمره بالاتباع بل خلى بينه وبين ما يريد فقال:{ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي }: ثم لم ينهه عن السؤال نهيا مطلقا في صورة المولوية المحضة بل علقه على اتباعه فقال:{ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي } حتى يفيد أنه لا يقترح عليه بالنهي بل هو أمر يقتضيه الاتباع.
______________
1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج13،ص275-277.
رؤية المعلم الكبير:
عندما رجع موسى(عليه السلام) وصاحبه إِلى المكان الأوّل، أي قرب الصخرة وقرب (مجمع البحرين)، فجأة: { فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا}.
إِنَّ استخدام كلمة «وجدا» تفيد أنّهم كانوا يبحثون عن نفس هذا الرجل العالم، وقد وجداه أخيراً.
أمّا استخدام عبارة {عبداً مِن عبادنا} فهي تبيّن أن أفضل فخر للإِنسان هو أن يكون عبداً حقيقياً للخالق جلَّ وعلا، وإِنَّ مقام العبودية هذا يكون سبباً في شمول الإِنسان بالرحمة الإِلهية، وفتح أبواب المعرفة والعلم في قلبه.
كما أنَّ استخدام عبارة {مِن لدنا} تبيّن أنَّ علم ذلك العالم لم يكن علماً عادياً، بل كان يعرف جزءاً مِن أسرار هذا العالم، وأسرار الحوادث التي لا يعلمها سوى الله تعالى.
أمّا استخدام (علماً) بصيغة النكرة فهو للتعظيم، ويتبيّن مِن ذلك أنَّ ذلك الرجل العالم قد حصَلَ مِن علمه على فوائد عظيمة.
أمّا ما هو المقصود مِن عبارة {رحمة مِن عندنا} فقد ذكر المفسّرون تفاسير مختلفة، فقال بعضهم: إِنّها إِشارة إِلى مقام النبوة، والبعض الآخر اعتبرها إِشارة للعمر الطويل. ولكن يُحتمل أن يكون المقصود هو الإِستعداد الكبير والروح الواسعة، وسعة الصدر التي وهبها الله تعالى لهذا الرجل كي يكون قادراً على استقبال العلم الإِلهي.
أمّا ما ذكر مِن أنَّ هذا الرجل اسمهُ (الخضر) وفيما إِذا كانَ نبيّاً أم لا، فسوف نبحث كل ذلك في البحوث القادمة.
في هذه الأثناء قالَ موسى للرجل العالِم باستفهام وبأدب كبير: { قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا}.
ونستفيد مِن عبارة «رشداً» أنَّ العلم ليس هدفاً، بل هو وسيلة للعثور على طريق الخير والهداية والصلاح، وأنَّ هذا العلم يجب أن يُتعَلَّم، وأن يفتخر به.
في معرض الجواب نرى أنَّ الرجل العالِم مع كامل العجب لموسى(عليه السلام) { قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا}.
ثمّ بيَّن سبب ذلك مُباشرة وقال: { وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا}.
وكما سنرى فيما بعد، فإِنَّ هذا الرجل العالم كانَ يُحيط بأبواب مِن العلوم التي تخص أسرار وبواطن الأحداث، في حين أنَّ موسى(عليه السلام) لم يكن مأموراً بمعرفة البواطن، وبالتالي لم يكن يعرف عنها الكثير، وفي مثل هذه الموارد يحدث كثيراً أن يكون ظاهر الحوادث يختلف تمام الاختلاف عن باطنها، فقد يكون الظاهر قبيحاً أو غير هادف في حين أنَّ الباطن مفيد ومقدَّس وهادف لأقصى غاية.
في مثل هذه الحالة يفقد الشخص الذي ينظر إلى الظاهر صبره وتماسُكهُ فيقوم بالإعتراض وحتى بالتشاجر.
ولكن الأستاذ العالِم والخبير بالأسرار بقي ينظر إِلى بواطن الأعمال، واستمر بعملهِ ببرود، ولم يعر أي أهمية إِلى اعتراضات موسى وصيحاته، بل كان في انتظار الفرصة المناسبة ليكشف عن حقيقة الأمر، إِلاَّ أنَّ التلميذ كانَ مستمراً في الإِلحاح، ولكنَّهُ ندمَ حين توضحت وانكشفت لهُ الأسرار.
وقد يكون موسى(عليه السلام) اضطرب عندما سمعَ هذا الكلام وخشي أن يُحرم مِن فيض هذا العالم الكبير، لذا فقد تعهد بأن يصبر على جميع الحوادث وقال: { قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا}.
مرّة أُخرى كشف موسى(عليه السلام) عن قمة أدبه في هذه العبارة، فقد اعتمد على خالقه حيث لم يقل للرجل العالم: إِنّي صابر، بل قال: إِن شاء الله ستجدني صابراً.
ولأنَّ الصبر على حوادث غريبة وسيئة في الظاهر والتي لا يعرف الإِنسان أسرارها، ليسَ بالامرالهيّن، لذا فقد طلب الرجل العالم مِن موسى(عليه السلام) أن يتعهد لهُ مرّة أُخرى، وحذَّره: { قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا}(2). وقد أعطى موسى العهد مجدداً وانطلق مع العالم الأستاذ.
______________
1- تفسير الامثل،ناصر مكارم الشيرازي،ج7،ص546-548.
2- إِن عبارة (أحدث لك منهُ ذكراً) يكون مفهومها بعد الأخذ بنظر الإِعتبار كلمة (أحدث) هو: إِنّي أنا الذي أبدأ بالكلام وأكشف للمرّة الأُولى; أمّا أنت فلا تتكلم.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|