أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-8-2020
1959
التاريخ: 20-5-2021
3270
التاريخ: 13-9-2020
2084
التاريخ: 26-6-2020
4368
|
المثنى يقود معركة البويب بجدارة
وأمدَّ عمر المثنى بجرير سنة 13بعد معركة الجسر، وقبيل معركة البويب. قال البلاذري:2/311، وابن سلام في الأموال/79: «أخبرني الشعبي أن عمر وجه جرير بن عبد الله إلى الكوفة بعد قتل أبي عبيد أول من وجه، قال: هل لك في العراق وأنفلك الثلث بعد الخمس؟ قال: نعم»!
وقال ابن الأعثم:1/136: «فسار جرير بن عبد الله من المدينة في سبع مائة رجل حتى صار إلى العراق فنزلها، وبلغ ذلك المثنى بن حارثة الشيباني فكتب إليه:
أما بعد يا جرير فإنا نحن الذين أقدمنا المهاجرين والأنصار من بلدهم، وأقمنا نحن في نحر العدو نكابدهم ليلاً ونهاراً، وإنما أنت مدد لنا، فما انتظارك رحمك الله لا تصير إلينا؟ فصر إلينا وكثِّرنا بأصحابك، فإن زعمت أنك رجل من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يلي عليك إلا من كان مثلك، فإن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ولى أبا عبيد بن مسعود الثقفي على المهاجرين والأنصار فلما حضرته وفاته قد كان ولاني ، ولو علم أني لا أقوم مقامه ما فعل، فرأيك أبا عمرو فيما كتبت إليك ، والسلام .
قال: فكتب إليه جرير: أما بعد فقد ورد كتابك عليَّ فقرأته وفهمته، فأما ما ذكرت أنك الذي قدمت المهاجرين والأنصار إلى حرب العدو، فصدقت وليتك لم تفعل. وأما قولك: إن المهاجرين والأنصار لحقوا ببلدهم، فإنه لما قتل أميرهم لحقوا بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب. وأما ما ذكرت أنك أقمت في نحر العدو فإنك أقمت في بلدك، وبلدك أحب إليك من غيره .
وأما ما سألتني من المصير إليك، فإن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لم يأمرني بذلك، فكن أنت أميراً على قومك، وأنا أمير على قومي. والسلام.
قال: وجرى بينهما اختلاف وبلغ ذلك عمر، فجمع المهاجرين والأنصار وشاورهم في أن يصير إلى العراق بنفسه، فكلٌّ أشار عليه بذلك.. وقام علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال.. الرأي عندي أن لا تصير إلى العراق بنفسك».
ثم ذكر ابن الأعثم أن علياً (عليه السلام) أشار على عمر أن يبعث سعد بن أبي وقاص فبعثه. وهذا بعيد، لأن رأي علي (عليه السلام) في سعد كان سيئاً، وكان لا يراه شجاعاً.
ومعنى قول المثنى: «فإن زعمت أنك رجل من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يلي عليك إلا من كان مثلك»، فهو تنزل من المثنى لأنه لايعرف أن جريراً أسلم قبل وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) بأربعين يوماً! والمثنى صحابي وفد على النبي (صلى الله عليه وآله) وسمع منه.
ويظهر من قول جرير: «فأما ما ذكرت أنك الذي قدمت المهاجرين والأنصار إلى حرب العدو، فصدقت وليتك لم تفعل»! على شدة تأثير هزيمة معركة الجسر عليهم، وأن رأي عمر أن المثنى أخطأ وورط المسلمين في فتح العراق! وهذا يفتح الباب لأن يكون المثنى قتل غيلة، ولم يجرح في معركة الجسر كما زعموا.
وأدار المثنى خلافه مع جرير، حتى شارك ومن معه في معركة البويب.
قال الطبري:2/644: «وبعث المثنى بعد الجسر فيمن يليه من المُمِدِّين، فتوافوا إليه في جمع عظيم . وبلغ رستم والفيرزان ذلك، وأتتهم العيون به وبما ينتظرون من الإمداد . واجتمعا على أن يبعثا مهران الهمذاني حتى يريا من رأيهما، فخرج مهران في الخيول، وأمراه بالحيرة. وبلغ المثنى الخبر وهو معسكر بمرج السباخ بين القادسية وخفان ، في الذين أمدوه من العرب عن خبر بشير وكنانة وبشير يومئذ بالحيرة ، فاستبطن فرات بادقلى وأرسل إلى جرير ومن معه:
إنا جاءنا أمر لم نستطع معه المقام حتى تقدموا علينا، فعجلوا اللحاق بنا وموعدكم البويب ، وكان جرير ممداً له .
وكتب إلى عصمة ومن معه وكان ممداً له بمثل ذلك، وإلى كل قائد أظله بمثل ذلك، وقال: خذوا على الجوف فسلكوا القادسية والجوف، وسلك المثنى وسط السواد فطلع على النهرين، ثم على الخورنق. وطلع عصمة على النجف ومن سلك معه طريقه. وطلع جرير على الجوف ومن سلك معه طريقه..
فاجتمع عسكر المسلمين على البويب مما يلي موضع الكوفة اليوم، وعليهم المثنى وهم بإزاء مهران وعسكره، فقال المثنى لرجل من أهل السواد: ما يقال للرقعة التي فيها مهران وعسكره؟ قال: بسوسيا فقال: أكدى مهران وهلك ! نزل منزلاً هو البسوس! وأقام بمكانه حتى كاتبه مهران، إما أن تعبروا إلينا وإما أن نعبر إليكم، فقال المثنى: أعبروا، فعبر مهران فنزل على شاطئ الفرات معهم في الملطاط ، فقال المثنى لذلك الرجل: ما يقال لهذه الرقعة التي نزلها مهران وعسكره؟ قال: شوميا . وذلك في رمضان، فنادى في الناس: إنهدوا لعدوكم فتناهدوا ، وقد كان المثنى عبى جيشه فجعل على مجنبتيه مذعوراً والنسير وعلى المجردة عاصماً ، وعلى الطلائع عصمة ، واصطف الفريقان وقام المثنى فيهم خطيباً فقال: إنكم صُوَّام ، والصوم مَرَقَّةٌ ومَضْعَفَةٌ ، وإني أرى من الرأي أن تفطروا ثم تقووا بالطعام على قتال عدوكم . قالوا: نعم ، فأفطروا . فأبصر رجلاً يستوفز ويستنتل من الصف فقال: ما بال هذا؟ قالوا: هو ممن فر من الزحف يوم الجسر ، وهو يريد أن يستقتل ، فقرعه بالرمح وقال: لا أباً لك إلزم موقفك ، فإذا أتاك قرنك فأغنه عن صاحبك ، ولا تستقتل . قال: إنى بذلك لجدير ، فاستقر ولزم الصف .
وروى الطبري(2/653): «فأقبلوا إلى المسلمين في صفوف ثلاثة ، مع كل صف فيل ورَجْلُهم أمام فيلهم ، وجاؤا ولهم زجل، فقال المثنى للمسلمين: إن الذي تسمعون فشل، فالزموا الصمت وائتمروا همساً ، فدنوا من المسلمين وجاؤوهم من قبل نهر بنى سليم.. وكان على مجنبتي المثنى بسربن أبى رهم ، وعلى مجردته المعنى وعلى الرجل مسعود (وهما أخو المثنى)وعلى الطلائع قبل ذلك اليوم النسير ، وعلى الردء مذعور (العجلي). وكان على مجنبتي مهران: بن الآزاذ به مرزبان الحيرة ، ومردانشاه .
ولما خرج المثنى طاف في صفوفه يعهد إليهم عهده ، وهو على فرسه الشموس وكان يدعى الشموس من لين عريكته وطهارته ، فكان إذا ركبه قاتل وكان لا يركبه إلا لقتال يودعه ما لم يكن قتال ، فوقف على الرايات راية يحضضهم ويأمرهم بأمره ويهزهم بأحسن ما فيهم تحضيضاً لهم، ولكلهم يقول: إني لأرجو أن لا تؤتى العرب اليوم من قبلكم ، والله ما يسرني اليوم لنفسي شئ إلا وهو يسرني لعامتكم ، فيجيبونه بمثل ذلك . وأنصفهم المثنى في القول والفعل وخلط الناس في المكروه والمحبوب فلم يستطع أحد منهم أن يعيب له قولاً ولا عملاً. ثم قال: إني مكبر ثلاثاً فتهيؤوا ثم احملوا مع الرابعة. فلما كبر أول تكبيرة أعجلهم أهل فارس وعاجلوهم فخالطوهم مع أول تكبيرة، وركدت حربهم ملياً فرأى المثنى خللاً في بعض صفوفه، فأرسل إليهم رجلاً وقال إن الأمير يقرأ عليكم السلام ويقول: لا تفضحوا المسلمين اليوم! فقالوا: نعم واعتدلوا، وجعلوا قبل ذلك يرونه وهو يمد لحيته لما يرى منهم فاعتنوا بأمر لم يجئ به أحد من المسلمين يومئذ، فرمقوه فرأوه يضحك فرحاً والقوم بنو عجل، فلما طال القتال واشتد عمد المثنى إلى أنس بن هلال فقال: يا أنس إنك امرؤ عربي ، وإن لم تكن على ديننا ، فإذا رأيتني قد حملت على مهران فاحمل معي ! وقال لابن مردى الفهر مثل ذلك فأجابه، فحمل المثنى على مهران فأزاله حتى دخل في ميمنته ، ثم خالطوهم واجتمع القلبان وارتفع الغبار والمجنبات تقتتل لا يستطيعون أن يفرغوا لنصر أميرهم ، لا المشركون ولا المسلمون ، وارتث مسعود يومئذ وقواد من قواد المسلمين ، وقد كان قال لهم إن رأيتمونا أصبنا فلا تدعوا ما أنتم فيه ، فإن الجيش ينكشف ثم ينصرف ، إلزموا مصافكم وأغنوا غناء من يليكم . وأوجع قلب المسلمين في قلب المشركين، وقتل غلام من التغلبيين نصراني مهران، واستوى على فرسه فجعل المثنى سلبه لصاحب خيله وكذلك إذا كان المشرك في خيل رجل فقتل وسلب فهو للذي هو أمير على من قتل ، وكان له قائدان فاقتسما سلاحه ، أحدهما جرير ، والآخر ابن الهوبر ».
وفي الطبري(2/649):«جلب فتية من بنى تغلب أفراساً ، فلما التقى الزحفان يوم البويب قالوا: نقاتل العجم مع العرب ، فأصاب أحدهم مهران يومئذ ومهران وتقدم ذلك في ترجمة جرير ..
عن أبي روق قال: والله إن كنا لنأتي البويب فنرى فيما بين موضع السكون وبنى سليم عظاماً بيضاً تلولاً ، تلوح من هامهم وأوصالهم يعتبر بها.
عن محمد وطلحة قالا: وقف المثنى عند ارتفاع الغبار حتى أسفر الغبار وقد فنى قلب المشركين والمجنبات قد هز بعضها بعضاً ، فلما رأوه وقد أزال القلب وأفنى أهله قويت المجنبات مجنبات المسلمين على المشركين ، وجعلوا يردون الأعاجم على أدبارهم ، وجعل المثنى والمسلمون في القلب يدعون لهم بالنصر ويرسل عليهم من يذمرهم ، ويقول إن المثنى يقول: عاداتكم في أمثالهم، أنصروا الله ينصركم . حتى هزموا القوم فسابقهم المثنى إلى الجسر فسبقهم، وأخذ الأعاجم فافترقوا بشاطئ الفرات مصعدين ومصوبين، واعتورتهم خيول المسلمين حتى قتلوهم ثم جعلوهم جُثَىً (بضم الجيم كومة التراب)! فما كانت بين العرب والعجم وقعة كانت أبقى رِمَّةً منها .
ولما ارتث مسعود بن حارثة يومئذ وكان صرع قبل الهزيمة ، فتضعضع من معه فرأى ذلك وهو دنف قال: يا معشر بكر بن وائل إرفعوا رايتكم ، رفعكم الله ، لا يهولنكم مصرعي! وقاتل أنس بن هلال النمري يومئذ حتى ارتث ، ارتثه المثنى(مَرَّضه) وضمه وضم مسعوداً إليه .
وقاتل قرط بن جماح العبدي يومئذ حتى دق قنى وقطع أسيافاً، وقتل شهربراز من دهاقين فارس وصاحب مجردة مهران .
قال: ولما فرغوا جلس المثنى للناس من بعد الفراغ يحدثهم ويحدثونه ، وكلما جاء رجل فتحدث قال له: أخبرني عنك ، فقال له قرط بن جماح: قتلت رجلاً فوجدت منه رائحة المسك ، فقلت مهران ورجوت أن يكون إياه ، فإذا هو صاحب الخيل شهربراز ، فوالله ما رأيته إذ لم يكن مهران ، شيئاً !
فقال المثنى: قد قاتلت العرب العجم في الجاهلية والإسلام ، والله لمائة من العجم في الجاهلية كانوا أشد على من ألف من العرب . ولمائة اليوم من العرب أشد على من ألف من العجم! إن الله أذهب مصدوقتهم وأوهن كيدهم، فلا يروعنكم زهاء ترونه ، ولا سواد ولا قسى فج ، ولا نبال طوال ، فإنهم إذا أعجلوا عنها أو فقدوها كالبهائم أينما وجهتموها اتجهت !
وقال ربعي وهو يحدث المثنى: لما رأيت ركود الحرب واحتدامها قلت: تترسوا بالمجان، فإنهم شادُّون عليكم فاصبروا لشدتين، وأنا زعيم لكم بالظفر في الثالثة، فأجابوني والله فوفى الله كفالتي.
وقال ابن ذي السهمين محدثاً: قلت لأصحابي إني سمعت الأمير يقرأ ويذكر في قراءته الرعب، فما ذكره إلا لفضل عنده، إقتدوا برايتكم وليحم راجلكم خيلكم، ثم احملوا فما لقول الله من خلف ، فأنجز الله لهم وعده وكان كما رجوت . وقال عرفجة محدثاً: حُزْنا كتيبةً منهم الفرات، ورجوت أن يكون الله تعالى قد أذن في غرقهم وسلى عنها بها مصيبة الجسر ، فلما دخلوا في حد الإحراج كروا علينا فقاتلناهم قتالاً شديداً حتى قال بعض قومي لو أخرت رايتك فقلت عليَّ إقدامُها وحملت بها على حاميتهم فقتلته ، فولوا نحو الفرات فما بلغه منهم أحد فيه الروح !
وقال ربعي بن عامر بن خالد: كنت مع أبي يوم البويب ، قال وسمى البويب يوم الأعشار: أحصى مائة رجل قتل كل رجل منهم عشرة في المعركة يومئذ!
وكان عروة بن زيد الخيل من أصحاب التسعة، وغالب من بنى كنانة من أصحاب التسعة، وعرفجة من الأزد من أصحاب التسعة.
وقُتل المشركون فيما بين السكون اليوم، إلى شاطئ الفرات ضفة البويب الشرقية، وذلك أن المثنى بادرهم عند الهزيمة الجسر فأخذه عليهم، فأخذوا يمنة ويسرة ، وتبعهم المسلمون إلى الليل ومن الغد إلى الليل. وندم المثنى على أخذه بالجسر وقال: لقد عجزت عجزة وقى الله شرها، بمسابقتي إياهم إلى الجسر وقطعه حتى أحرجتهم ، فإني غير عائد فلا تعودوا ولا تقتدوا بي أيها الناس ، فإنها كانت منى زلة لا ينبغي إحراج أحد ، إلا من لا يقوى على امتناع .
ومات أناس من الجرحى من أعلام المسلمين ، منهم خالد بن هلال ومسعود بن حارثة فصلى عليهم المثنى ، وقدمهم على الأسنان والقرآن وقال: والله إنه ليهون على وجدى أن شهدوا البويب ، أقدموا وصبروا ولم يجزعوا ولم ينكلوا».
ويدلك كلام المثنى هذا على أخلاقيته ومناقبيته ، فهو يعتبر أن استيلاءه على الجسر ومنعه عدوه من الفرار ، خطيئة وعمل غير أخلاقي يوصي المسلمين أن لا يرتكبوه !
وقال الطبري(2/647): «وقدم أنس بن هلال النمري ممداً للمثنى ، في أناس من النمر نصارى وجلاب ، جلبوا خيلاً . وقدم ابن مردى الفهر التغلبي في أناس من بنى تغلب نصارى وجلاب جلبوا خيلاً، وهو عبد الله بن كليب بن خالد وقالوا حين رأوا نزول العرب بالعجم: نقاتل مع قومنا ».
وجاء في رواية ابن كثير في النهاية:7/35: «فلما سمع بذلك أمراء الفرس، وبكثرة جيوش المثنى، بعثوا إليه جيشاً آخر مع رجل يقال له مهران، فتوافوا هم وإياهم بمكان يقال له البويب، قريب من مكان الكوفة اليوم..
وقال المثنى لهم: إني مكبر ثلاث تكبيرات فتهيؤوا، فإذا كبرت الرابعة فاحملوا، فقابلوا قوله بالسمع والطاعة والقبول، فلما كبر أول تكبيرة عاجلتهم الفرس فحملوا حتى غالقوهم واقتتلوا قتالاً شديداً، ورأى المثنى في بعض صفوفه خللاً فبعث إليهم رجلا يقول: الأمير يقرأ عليكم السلام ويقول لكم: لا تفضحوا العرب اليوم ! فاعتدلوا. فلما رأى ذلك منهم وهم بنو عجل أعجبه وضحك وبعث إليهم يقول: يامعشر المسلمين عاداتكم، انصروا الله ينصركم..
فلما طالت مدة الحرب جمع المثنى جماعة من أصحابه الأبطال يحمون ظهره، وحمل على مهران فأزاله عن موضعه حتى دخل الميمنة، وحمل غلام من بني تغلب نصراني فقتل مهران وركب فرسه...وهربت المجوس وركب المسلمون أكتافهم يفصلونهم فصلاً.. بقية ذلك اليوم وتلك الليلة، ومن بعد إلى الليل فيقال إنه قتل منهم يومئذ وغرق قريب من مائة ألف ولله الحمد والمنة...
وذلت لهذه الوقعة رقاب الفرس، وتمكن الصحابة من الغارات في بلادهم فيما بين الفرات ودجلة، فغنموا شيئاً عظيماً لا يمكن حصره... وكانت هذه الواقعة بالعراق نظير اليرموك بالشام» .
وقال ابن خلدون في تاريخه:2 ق2/90: «وكتب (المثنى) بالخبر إلى جرير وعصمة أن يقصدا العذيب مما يلي الكوفة، فاجتمعوا هنالك ، ومهران قبالتهم عَدْوَةَ الفرات وتركوا له العبور فأجاز إليهم.. ثم حمل المثنى على مهران فأزاله عن مركزه وأصيب مسعود أخو المثنى وخالط المثنى القلب، ووثبت المجنبات على المجنبات قبالتهم ـ فانهزمت الفرس وسبقهم المثنى إلى الجسر فهربوا مصعدين ومنحدرين ، واستلحمتهم خيول المسلمين ، وقتل فيها مائة ألف أو يزيدون وأحصى مائة رجل من المسلمين قتل كل واحد منهم عشرة ، وتبعهم المسلمون إلى الليل ، وأرسل المثنى في آثار الفرس فبلغوا ساباط ، فغنموا وسبوا ساباط واستباحوا القرى وسخروا السواد بينهم وبين دجله ، لا يلقون مانعاً ».
بعد انتصاره في معركة البويب، بسط المثنى غاراته ونفوذه على أكثر العراق،
قال الطبري (2/652): «كان أول الناس انتدب يومئذ للمثنى واتبع آثارهم المستبسل وأصحابه، وقد كان أراد الخروج بالأمس إلى العدو من صف المسلمين واستوفز واستقتل، فأمر المثنى أن يعقد لهم الجسر، ثم أخرجهم في آثار القوم واتبعتهم بخيله ، وخيول من المسلمين تغذ من كل فارس ، فانطلقوا في طلبهم حتى بلغوا السيب...وألقى الله الرعب في قلوب أهل فارس وكتب القواد الذين قادوا الناس في الطلب إلى المثنى ، وكتب عاصم وعصمة وجرير: إن الله عز وجل قد سلم وكفى ووجه لنا ما رأيت ، وليس دون القوم شئ ، فتأذن لنا في الإقدام؟ فأذن لهم فأغاروا حتى بلغوا ساباط ، وتحصن أهل ساباط منهم . واستباحوا القريات دونها ، وراماهم أهل الحصن بساباط عن حصنهم ، وكان أول من دخل حصنهم ثلاثة قواد عصمة وعاصم وجرير ، وقد تبعتهم أوزاع من الناس كلهم ثم انكفؤا راجعين إلى المثنى ...
وقد كان المثنى وعصمة وجرير أصابوا في أيام البويب على الظهر نَزْل مهران غنماً ودقيقاً وبقراً ، فبعثوا بها إلى عيالات من قدم من المدينة وقد خلفوهن بالقوادس ، وإلى عيالات أهل الأيام قبلهم وهم بالحيرة ، وكان دليل الذين ذهبوا بنصيب العيالات الذين بالقوادس عمرو بن عبد المسيح بن بقيلة ، فلما رفعوا للنسوة فرأين الخيل يصايحن حسبنها غارة ، فقمن دون الصبيان بالحجارة والعمد ! فقال عمرو: هكذا ينبغي لنساء هذا الجيش ، وبشروهن بالفتح وقالوا هذا أوله وعلى الخيل التي أتتهم بالنزل النسير . وأقام في خيله حامية لهم ورجع عمرو بن عبد المسيح فبات بالحيرة ».
وقال الطبري(2/653): «عن عطية بن الحارث قال: لما أهلك الله مهران استمكن المسلمون من الغارة على السواد فيما بينهم وبين دجلة ، فمخروها لا يخافون كيداً ولا يلقون فيها مانعاً. وانتقضت مسالح العجم فرجعت إليهم ، واعتصموا بساباط ، وسرهم أن يتركوا ما وراء دجلة ، وكانت وقعة البويب في رمضان سنة ثلاث عشرة، قتل الله عليه مهران وجيشه وأفعموا جنبتي البويب عظاماً حتى استوى وما عفى عليها إلا التراب...وكان مغيضاً للفرات أزمان الأكاسرة يصب في الجوف . وقال الأعور العبدي الشني:
هاجت لأعور دار الحي أحزانا
واستبدلت بعد عبد القيس حسانا
وقد أرانا بها والشمل مجتمعٌ
إذ بالنخيلة قتلى جند مهرانا
إذ كان سار المثنى بالخيول لهم
فقتَّل الزحف من فرس وجيلانا
سما لمهران والجيش الذي معه
حتى أبادهم مثنى ووحدانا
وجاء في رواية في الأخبار الطوال/114: «وزحف الفريقان بعضهم لبعض، ولهم زجل كزجل الرعد ، وحمل المثنى في أول الناس... وصدقتهم العجم القتال، فجال المسلمون جولة (انهزموا) فقبض المثنى على لحيته وجعل ينتف ما تبعه منها، من الأسف (خاف أن تتكرر معركة الجسر) ونادى: أيها الناس إليَّ إليَّ ، أنا المثنى! فثاب المسلمون فحمل بالناس ثانية ، وإلى جانبه مسعود بن حارثة أخوه ، وكان من فرسان العرب فقتل مسعود ، فنادى المثنى: يا معشر المسلمين ، هكذا مصرع خياركم ، إرفعوا راياتكم .
وحض عدي بن حاتم أهل الميسرة ، وحرض جرير أهل القلب وذمرهم وقال لهم: يا معشر بجيلة ، لا يكونن أحد أسرع إلى هذا العدو منكم ، فإن لكم في هذه البلاد إن فتحها الله عليكم حظوة ليست لأحد من العرب ، فقاتلوهم التماس إحدى الحسنيين . فتداعى المسلمون وتحاضوا وثاب من كان انهزم ، ووقف الناس تحت راياتهم ثم زحفوا ، فحمل المسلمون على العجم حملة صدقوا الله فيها ، وباشر مهران الحرب بنفسه وقاتل قتالاً شديداً وكان من أبطال العجم ، فقتل مهران وذكروا أن المثنى قتله ، فانهزمت العجم لما رأوا مهران صريعاً واتبعهم المسلمون ، وعبد الله بن سليم الأزدي يقدمهم، واتبعه عروة بن زيد الخيل ، فصار المسلمون إلى الجسر وقد جازه بعض العجم وبقي بعض ، فصار من بقى منهم في أيدي المسلمين ، ومضت العجم حتى لحقوا بالمدائن ، وانصرف المسلمون إلى معسكرهم ، فقال عروة بن زيد الخيل في ذلك.. (وذكر الأبيات المتقدمة وبعدها):
ما إن رأينا أميراً بالعراق مضى
مثل المثنى الذي من آل شيبانا
إن المثنى الأمير القرم لا كذب
في الحرب أشجع من ليث بخفانا
قالوا: ولما أهلك الله مهران ومن كان معه من عظماء العجم ، استمكن المسلمون من الغارة في السواد ، وانتقضت مسالح الفرس ، وتشتت أمرهم واجترأ المسلمون عليهم ، وشنوا الغارات ما بين سورا وكسكر والصراة إلى الفلاليج والأستانات».
وقال الطبري(2/657): «فلما رجع المثنى إلى الأنبار سرح فرات بن حيان وعتيبة بن النهاس ، وأمرهما بالغارة على أحياء من تغلب والنمر بصفين ، ثم اتبعهما وخلف على الناس عمرو بن أبي سلمى الهجيمي ، فلما دنوا من صفين افترق المثنى وفرات وعتيبة وفر أهل صفين ، وعبروا الفرات إلى الجزيرة ...
فخرج المثنى على مقدمته في غزواته هذه بعد البويب كلها حذيفة بن محصن الغلفاني، وعلى مجنبتيه النعمان بن عوف بن النعمان مطر الشيبانيان، فسرح في أدبارهم حذيفة واتبعه فأدركوهم بتكريت دوينها من حيث طلبوهم يخوضون الماء، فأصابوا ما شاؤوا من النعم.. حتى أغاروا على صفين وبها النمر وتغلب متساندين فأغاروا عليهم حتى رموا بطائفة منهم في الماء»!
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|