أقرأ أيضاً
التاريخ: 31-3-2016
3105
التاريخ: 20-10-2015
6704
التاريخ: 24/10/2022
1195
التاريخ: 20-10-2015
3148
|
أشير الى بعض تلك الندب و اتبرك بها حيث قال (عليه السلام) في ندبته المرويّة عن الزهريّ : يا نفس حتّام الى الدنيا سكونك، و الى عمارتها ركونك أ ما اعتبرت بمن مضى من أسلافك و من وارته الارض من آلافك؟ و من فجعت به من اخوانك و نقل الى الثرى من أقرانك؟
فهم في بطون الارض بعد ظهورها محاسنهم فيها بوال دواثر
خلت دورهم منهم و أقوت عراصهم و ساقتهم نحو المنايا المقادر
و خلوا عن الدنيا و ما جمعوا لها و ضمتهم تحت التراب الحفائر
كم خرمت أيدي المنون من قرون بعد قرون؟ و كم غيّرت الارض ببلائها و غيّبت في ثرائها ممن عاشرت من صنوف شيعتهم الى الأرماس ثم رجعت عنهم الى عمل أهل الافلاس.
و أنت على الدنيا مكب منافس لخطابها فيها حريص مكاثر
على خطر تمسي و تصبح لاهيا أ تدري بما ذا لو عقلت تخاطر
و ان امرأ يسعى لدنياه دائبا و يذهل عن أخراه لا شك خاسر
فحتام على الدنيا اقبالك؟ و بشهواتها اشتغالك؟ و قد وخطك القتير و أتاك النذير و أنت عمّا يراد بك ساه، و بلذة يومك و غدك لاه، و قد رأيت انقلاب أهل الشهوات و عاينت ما حلّ بهم من المصيبات :
و في ذكر هول الموت و القبر و البلى عن اللهو و اللذات للمرء زاجر
أبعد اقتراب الاربعين تربص و شيب قذال منذر للكابر
كانك معني بما هو ضائر لنفسك عمدا عن الرشد حائر
انظر الى الامم الماضية و الملوك الفانية كيف اختطفتهم عقبان الايام و وافاهم الحمام، فانمحت من الدنيا آثارهم و بقيت فيها اخبارهم و أضحوا رمما في التراب الى يوم الحشر و المآب :
أمسوا رميما في التراب و عطلت مجالسهم منهم و اخلت مقاصر
و حلوا بدار لا تزاور بينهم و أنّى لسكان القبور التزاور
فما أن ترى الا قبورا ثووا بها مسطحة تسفى عليها الأعاصر
كم من ذي منفعة و سلطان و جنود و أعوان، تمكن من دنياه و نال ما تمنّاه، و بنى فيها القصور و الدساكر و جمع فيها الاموال و الذخائر و ملح السراري و الحرائر :
فما صرفت كف المنية إذ أتت ومبادرة تهوي إليه الذخائر
ولا دفعت عنه الحصون التي بنى وحف بها أنهاره و الدساكر
ولا قارعت عنه المنية حيلة ولا طمعت في الذب عنه العساكر
فالبدار البدار، و الحذار الحذار، من الدنيا و مكائدها و ما نصبت لك من مصائدها، و تحلت لك من زينتها، و أظهرت لك من بهجتها و أبرزت لك من شهواتها، و أخفت عنك من قواتلها و هلكاتها :
وفي دون ما عاينت من فجعاتها الى دفعها داع و بالزهد آمر
فجد و لا تغفل و كن متيقظا فعمّا قليل يترك الدار عامر
فشمر و لا تفتر فعمرك زائل وأنت الى دار الاقامة صائر
ولا تطلب الدنيا فانّ نعيمها وان نلت منها غبة لك ضائر
كم قد غرّت الدنيا من مخلّد إليها، و صرعت من مكب عليها، فلم تنعشه من عثرته و لم تنقذه من صرعته و لم تشفه من ألمه، و لم تبره من سقمه، و لم تخلّصه من وصمه :
بل أوردته بعد عز و منعة موارد سوء ما لهنّ مصادر
فلمّا رأى أن لا نجاة و أنّه هو الموت لا ينجيه منه التحاذر
تندم إذ لم تغن عنه ندامة عليه و أبكته الذنوب الكبائر
إذ بكى على ما سلف من خطاياه، و تحسر على ما خلّف من دنياه، و استغفر حين لا ينفعه الاستغفار و لا ينجيه الاعتذار، عند هول المنية و نزول البلية :
أحاطت به أحزانه و همومه و أبلس لما أعجزته المقادر
فليس له من كربة الموت فارج و ليس له مما يحاذر ناصر
و قد جشأت خوف المنية نفسه ترددها منه اللها و الحناجر
هنالك خف عواده و أسلمه أهله و أولاده و ارتفعت البرية بالعويل و قد أيسوا من العليل، فغمضوا بأيديهم عينيه، و مدّ عند خروج روحه رجليه، و تخلّى عنه الصديق و الصاحب و الشفيق :
فكم موجع يبكي عليه مفجع و مستنجد صبرا و ما هو صابر
و مسترجع داع له اللّه مخلصا يعدد منه كل ما هو ذاكر
و كم شامت مستبشر بوفاته و عمّا قليل للذي صار صائر
فشقّت جيوبها نساؤه، و لطمت خدودها إماؤه، و أعول لفقده جيرانه، و توجع لرزيته اخوانه، ثم اقبلوا على جهازه و شمروا لابرازه، كأنّه لم يكن بينهم العزيز المفدى و لا المجيب المبدى :
و حل أحب القوم كان بقربه يحث على تجهيزه و يبادر
و شمر من قد أحضروه لغسله و وجه لما فاض للقبر حافر
و كفن في ثوبين و اجتمعت له مشيعة اخوانه و العشائر
فلو رأيت الاصغر من أولاده، قد غلب الحزن على فؤاده و يخشى من الجزع عليه، و خضبت الدموع عينيه و هو يندب أباه و يقول : يا ويلاه وا حرباه :
لعاينت من قبح المنية منظرا يهال لمرآه و يرتاع ناظر
اكابر أولاد يهيج اكتئابهم إذا ما تناساه البنون الأصاغر
و ربه نسوان عليه جوازع مدامعهنّ فوق الخدود غوازر
ثم اخرج من سعة قصره الى ضيق قبره، فلمّا استقر في اللحد و هيّئ عليه اللبن، احتوشته اعماله، و أحاطت به خطاياه، و ضاق ذرعا بما رآه، ثم حثوا بأيديهم عليه التراب، و اكثروا البكاء عليه و الانتحاب، ثم وقفوا ساعة عليه، و آيسوا من النظر إليه و تركوه رهنا بما كسب و طلب :
فولوا عليه معولين و كلهم لمثل الذي لاقى أخوه محاذر
كشاء رتاع آمنين بدالها بمديته بادى الذراعين حاسر
فريعت و لم ترتع قليلا و أجفلت فلمّا نأى عنها الذي هو جاذر
عادت الى مرعاها و نسيت ما في اختها دهاها، أ فبأفعال الانعام اقتدينا؟ أم على عادتها جرينا؟ عد الى ذكر المنقول الى دار البلى، و اعتبر بموضعه تحت الثرى المدفوع الى هول ما ترى :
ثوى مفردا في لحده و توزعت مواريثه أولاده و الاصاهر
و أحنوا على أمواله يقسمونها فلا حامد منهم عليه و شاكر
فيا عامر الدنيا و يا ساعيا لها و يا آمنا من أن تدور الدوائر
كيف أمنت هذه الحالة و أنت صائر إليها لا محالة، أم كيف ضيعت حياتك، و هي مطيتك الى مماتك، أم كيف تشبع من طعامك و أنت منتظر حمامك، أم كيف تهنأ بالشهوات و هي مطيّة الآفات.
و قال (عليه السلام) في ندبة أخرى : أين السلف الماضون و الاهلون و الاقربون و الاولون و الآخرون و الأنبياء و المرسلون، طعنتهم و اللّه المنون، و توالت عليهم السنون، و فقدتهم العيون، و إنّا إليهم صائرون فانّا للّه و انّا إليه راجعون :
إذا كان هذا نهج من كان قبلنا فانا على آثارهم نتلاحق
فكن عالما ان سوف تدرك ما مضى ولو عصمتك الراسيات الشواهق
فما هذه دار المقامة فاعلمن ولو عمّر الانسان ما ذر شارق
أين من شق الانهار و غرس الاشجار و عمر الديار؟ أ لم تمح منهم الآثار و تحل بهم دار البوار، فاخش الجوار و لك اليوم بالقوم اعتبار فانّما الدنيا و الآخرة دار قرار :
تخرمهم ريب المنون فلم تكن لتنفعهم جنّاتهم و الحدائق
و لا حملتهم حين و لوا بجمعهم نجائبهم و الصافنات السوابق
و راحوا عن الاموال صفرا و خلفوا ذخائرهم بالرغم منهم و فارقوا
أين من بنى القصور و الدساكر، و هزم الجيوش و العساكر، و جمع الاموال و الذخائر، و حاز الآثام و الجرائر؟ أين الملوك و الفراعنة و الأكاسرة و السياسنة؟ أين العمال و الدهاقنة؟ أين ذوو النواحي و الرساتيق و الاعلام و المناجيق و العهود و المواثيق :
كان لم يكونوا أهل عز و منعة و لا رفعت اعلامهم و المناجق
و لا سكنوا تلك القصور التي بنوا و لا أخذت منهم بعهد مواثق
و صاروا قبورا دارسات و أصبحت منازلهم تسفى عليها الخوافق
و لقد أخذ منها من قال :
أين الملوك و ذو التيجان من يمن و أين منهم اكاليل و تيجان
و أين ما شاده شداد في الارم و أين ما ساسه في الفرس ساسان
و أين ما حازه قارون من ذهب و أين عاد و شداد و قحطان
أتى على القوم أمر لا مردّ له حتى قضوا فكان القوم ما كانوا
و صار ما كان من ملك و من ملك كما حكى عن خيال الطيف أسنان
و قال (عليه السلام) في ندبة أخرى :
فانظر بعين قلبك الى مصارع أهل البذخ، و تأمل معاقل الملوك و مصانع الجبارين و كيف عركتهم الدنيا بكلاكل الفناء، و جاهرتهم بالمنكرات و سحبت عليهم اذيال البوار، و طحنتهم طحن الرحا للحلب، و استودعتهم هوج الرياح تسحب عليهم اذيالها فوق مصارعهم في فلوات الارض، فتلك مغانيهم و هدى قبورهم توارثها اعصارها و حريقها.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|