أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-8-2016
1105
التاريخ: 24-8-2016
957
التاريخ: 1-6-2020
963
التاريخ: 1-8-2016
644
|
[حجج الاصوليين للبراءة]
قد يتمسّك للبراءة باستصحاب عدم ثبوت التكليف في الأزل نظير التمسّك في بحث تأسيس الأصل عند الشكّ في الحجيّة وعدمها لكون الأصل عدم الحجيّة باستصحاب عدم ثبوت الحجيّة في الأزل، وحاصل تقريره أنّ التكليف والحجيّة يحتاجان إلى الجعل، والجعل أمر حادث بمعنى أنّه لم يكن موجودا في الأزل وقبل خلقه المخلوقات، فقبل الجعل كان التكليف والحجيّة منعدمين بالعدم الأزلى، فيمكن تأسيس الأصل عند الشك في حجيّة شىء وعدمها على عدم الحجيّة بمقتضى استصحاب عدمها الأزلى، وكذا في الشبهة الحكميّة والشكّ في التكليف يمكن إثبات البراءة وعدم التكليف باستصحاب عدمه الأزلى.
ولكن استشكل على هذا الاستصحاب شيخنا المرتضى قدّس سرّه، وحاصل ما يوجد من كلماته قدّس سرّه على استصحاب عدم التكليف في بحث البراءة وعلى استصحاب عدم الحجيّة في بحث تأسيس الأصل للشكّ في الحجيّة وعدمها إشكالان:
الأوّل: لغويّة هذا الاستصحاب، بمعنى أنّه يكفي الشكّ في هذين الموضوعين أعنى التكليف والحجيّة في الحكم بعدم ترتيب آثارهما، فإنّ العقل مستقلّ بقبح العقاب مع الشكّ في التكليف، وكذا مع الشكّ في الحجيّة، فيكون التوسّل في إثبات عدم آثارهما بذيل استصحاب عدمها وإحراز عدمهما به أوّلا ثمّ الحكم بعدم الآثار من قبيل الأكل من القفا.
والثانى: أنّه يعتبر في الاستصحاب أن يكون مورده منتهيا إلى الجعل، فلا بدّ أن يكون إمّا موضوعا له أثر مجعول، وإمّا حكما كان نفسه المجعول، وهذا العدم الأزلى ليس نفسه مجعولا، فإنّ العدم غير قابل لا للجعل ولا للانجعال، بل لا يصحّ الحكم عليه بالأزليّة والشيئيّة والموضوعيّة، وكذلك ليس له أيضا أثر مجعول، فإنّ أثر عدم التكليف وعدم الحجيّة إنّما هو عدم المؤاخذة والعقوبة وهو عقليّ غير قابل لجعل الشارع.
ويمكن الخدشة في هذا الإشكال الثاني، وبيان الخدشة يكون ببيان مقدّمات:
الاولى: أنّ ما صار معروفا ومشهورا من أنّ المتيقّن السابق المشكوك اللاحق إذا كان موضوعا فقضيّة «لا تنقض» جعل أثره، وإن كان حكما فقضيته جعل نفسه، مثلا لو علم الخمريّة ثمّ شكّ فيها فمدلول لا تنقض هو جعل «لا تشرب»، ولو علم بتكليف ثمّ شكّ فيه فمدلوله جعل نفس هذا التكليف، كيف جاز تأدية هذا المعنى المختلف بعبارة واحدة، وبأىّ وجه يفسّر هذه القضيّة حتّى يصير مدلوله في الموضوع جعل الأثر وفي الحكم جعل النفس، فما يكون الجامع بين هذين؟ وإلّا فإن لم يكن جامع فمدلول القضيّة إمّا وجوب عدم نقض نفس المتيقّن فلا يشمل إلّا الاستصحاب في الأحكام، وإمّا وجوب عدم نقض أثره فيلزم اختصاصه بالموضوعات.
فنقول: لا إشكال أنّ هذه القضيّة في مقام إعطاء أمر وإيجاب عمل من المولى بالنسبة إلى العبيد، ويقتضي وجوب عمل عليهم، فيكون بالنسبة إلى نفس هذا العمل أمرا وإلى نقضه نهيا، فالمراد به النقض العملى، يعنى كلّ عمل كان للمتيقّن فالشاك يجب عليه هذا العمل ويجعله الشارع عليه، مثلا في حال اليقين بحياة الزيد كان عمل المكلّف أخذ النفقة من مال الزيد وإعطائه زوجته، ففي حال الشكّ مقتضى «لا تنقض» هو الأمر بهذا العمل، وكذلك مع اليقين بوجود صلاة الجمعة يكون عمل المكلّف الإتيان بالصلاة، فقضيّة «لا تنقض» ايت بهذه الصلاة فى حال الشك ففي كلّ من المقامين مدلول الحديث عدم نقض العمل الثابت للمكلّف في السابق، غاية الأمر أنّ المتيقّن لو كان موضوعا فالعمل السابق ترتيب أثره، ولو كان حكما فالعمل السابق هو المشي على وفقه، ولازم هذا الحكم في الموضوع جعل مماثل الأثر، وفي الحكم جعل مماثل نفسه، مثلا في حال العلم بالخمريّة كان أثر هذا الموضوع «لا تشربه» وفي حال الشكّ يكون مقتضى اعمل العمل السابق هو «لا تشرب» أيضا، فهذا النهي عن الشرب الجائي من قبل عدم نقض العمل السابق مماثل لذاك النهي عن الشرب الجائي من خطاب «لا تشرب الخمر»، وكذلك خطاب «افعل الصلاة» الناشي من عدم النقض في حال الشكّ مماثل لخطاب افعل الصلاة الناشي من خطاب «صلّ» الثابت في حال اليقين وبالجملة، بعد ثبوت مماثل الحكم السابق الثابت في حال اليقين في حال الشك والتصاقه بحال اليقين يصير المحصّل بقاء نفس الحكم في الأحكام، وبقاء الأثر في الموضوعات، بمعنى حصول مماثلها في حال الشك.
وإذن فعلم أنّ معيار هذه القاعدة عمل المكلّف الثابت في حال اليقين، فإنّه ممّا يقبل تشريع الشارع عليه، وأمّا نفس عدم نقض الموضوع الخارجى بدون توسيط عمل المكلّف فليس من وظيفة الشارع، وبالجملة، ليست القضيّة مكوّنة للموضوعات المعلومة إذا شكّ فيها، فمصحّح عدم النقض عدم الخروج عن وظيفة الشارع، وكلّما كان في البين عمل المكلّف فليس بخارج عن وظيفة الشارع.
المقدّمة الثانية: أنّه يجب إجراء هذه القاعدة في كلّ موضع أمكن إجراء «لا تنقض» فيه، وهو كلّ مورد كان في حال اليقين عمل للمكلّف، فيجب إجراء «لا تنقض» في كلّها بدون استثناء لعدم جواز التخصيص.
المقدّمة الثالثة: أنّ المتيقّن بعدم التكليف لا إشكال في أنّ عمله الإطلاق والاختيار، بمعنى أنّه إن شاء يفعل وإن شاء يترك.
والمقدّمة الرابعة: أنّ هذا المعنى أعنى العمل على وجه إطلاق العنان يكون من وظيفة الشرع الحكم به، وليس الحكم به خارجا عن وظيفته كما في جعل الإباحة.
فتحصّل النتيجة من جميع هذه المقدّمات أنّ العدم الأزلي للتكليف وإن كان نفسه غير مجعول ولا له أثر مجعول، ولكن مع ذلك يمكن شمول «لا تنقض» له، فيكون مفاد الاستصحاب فيه أنّ المكلّف كلّ عمل كان يفعله إذا كان متيقّنا بعدم التكليف لا بجعل الشارع، بل بمقتضى طبعه، فالشارع يحكم عليه ببقائه على هذا العمل في حال الشكّ أيضا، فكما كان في حال تيقّن عدم التكليف مختارا بين الفعل والترك، فيقول له الشارع: كن في حال الشكّ أيضا بهذه الحالة، فيكون مرجع هذا الاستصحاب إلى الإباحة الشرعيّة الحاصلة بنفس هذا الاستصحاب الغير الموجودة قبله.
والحاصل: أنّا لسنا بملتزمين في باب الاستصحاب بلزوم عدم خروج مورد الاستصحاب عن الشقّين، أعني الموضوع ذي الأثر الشرعي، والحكم المجعول الشرعي، بل نلتزم بكون مورده غير خارج عن وظيفة الشرع، وأمّا ما يوجد في عبائر العلماء من لزوم كونه من أحدهما إنّما هو ناش عن زعم انحصار النقض العملي في الموردين، فنحن إذا وجدنا موردا لم يكن موضوعا ذا أثر شرعى ولم يكن نفسه أيضا مجعولا شرعيّا وصحّ مع ذلك فيه عدم النقض الشرعى فلا مانع من إجراء القاعدة فيه؛ إذ لم يذكر اسم لهذا التفصيل في القاعدة أصلا كما هو واضح.
هذا تمام الكلام في الشبهة الحكميّة في حقيقة التكليف والإلزام بأقسامها من الإيجابيّة والتحريميّة سواء كانت ناشئة من فقد النصّ أو اجماله أو تعارض النصّين على ما يقتضيه القاعدة الأوّليّة العقليّة والنقليّة مع قطع النظر عن القانون الجديد المخترع للشرع على خلافها في بعض هذه الأقسام، وهو ما كان ناشئا من التعارض، وقد عرفت أنّ قضيّة العقل والنقل جميعا هو البراءة.
بقي هنا أمران:
الأوّل: في الشبهة في أصل الإلزام والتكليف الناشئة من اشتباه الأمور الخارجيّة التي يعبّر عنها بالشبهة الموضوعيّة.
فنقول: لا بدّ أوّلا من تصوير ما لها من الأقسام الحاصلة لها باعتبار أنحاء تعلّق الحكم بالموضوع، ثمّ التكلّم في قضيّة حكم العقل في هذه الأقسام، فنقول: تعلّق الحكم أمرا كان أم نهيا بموضوعه يتصوّر على أنحاء ثلاثة، فقد يتعلّق بالصيغة باعتبار صرف الوجود، فإن كان الحكم أمرا كان أصل وجود الطبيعة الناقض لعدمها الأزلى الذى ينطبق قهرا على أوّل ما يوجد من أفرادها مطلوبا من المكلّف، وإن كان نهيا كان أصل وجود الطبيعة الناقض لعدمها مبغوضا، ويطلب من المكلّف إبقاء الطبيعة على حالها العدميّة، بحيث لو أوجدها في ضمن فرد منها فقد فات غرض المولى، وإيجاد الفرد بعد ذلك لا يوجب فوت غرض أصلا.
وقد يتعلّق الحكم بالطبيعة باعتبار مجموع الوجودات، فإن كان أمرا كان إيجاد جميع الأفراد مطلوبا من المكلّف، فلو أتى بالجميع فقد حصل غرضا واحدا للمولى، ولو لم يأت بالجميع ولو بسبب عدم الإتيان بفرد واحد فقد فوّت هذا الغرض الواحد، وصار إتيانه بباقي الأفراد لغوا، وإن كان نهيا كان إيجاد جميع الأفراد مبغوضا للمولى، ويطلب من المكلّف ترك المجموع، بحيث يتوقّف فوت الغرض بالإتيان بكلّ فرد بدون استثناء شيء منها، فلو أتى بالكلّ إلّا واحدا فقد امتثل المولى وحصّل غرضه.
وقد يتعلّق بالطبيعة باعتبار كونها مرآتا لأفرادها، فإن كان أمرا كان هنا أغراض عديدة وأوامر عديدة على حسب مقدار الآحاد، ويصير كلّ فرد مستقلّا تحت الأمر ومتعلّقا للغرض بدون ارتباط لفرد آخر في هذا الغرض أصلا، وإن كان نهيا اشتغل ذمّة المكلّف بنواهى عديدة على مقدار الآحاد، فكلّ منها متعلّق لنهى مستقلّ من دون ربط لواحد منها في النهى المتعلّق بالآخر أصلا.
فهذه أنحاء تعلّق الحكم أمرا ونهيا بالموضوعات، فالشبهة الخارجيّة الموضوعيّة يختلف أصلها العقلى باختلاف هذه الأقسام.
وتفصيله: أنّه إن كان الموضوع الكلّى متعلّقا للأمر على النحو الأوّل بأن كان المطلوب إيجاد الطبيعة في الخارج ونقض عدمها الأزلي، فشبهة المصداقيّة ليس حكم العقل فيها بالبراءة، وذلك لأنّ اشتغال الذمّة بالتكليف يقينا يقتضي الفراغ منه يقينا وهو لا يحصل بإتيان الفرد المشكوك، ويتوقّف على إتيان الفرد المعلوم حتّى يحصل البراءة جزما، فحكم العقل عدم الاكتفاء بالمشكوك ولزوم الإتيان بالمعلوم، وهذا تضييق الدائرة على المكلّف ورفع لتخييره بالنسبة إلى الفرد المشكوك، وهذا واضح.
وإن كان الموضوع الكلّي متعلّقا للنهي على هذا النحو بأن كان المطلوب عدم الوجود للطبيعة بذاك المعنى أو في قبال عدمها الأزلي، فالشكّ في أنّ هذا مصداق له أو لا في الحقيقة شكّ في أنّ وجود الطبيعة المبغوض هل يحصل بإيجاد هذا حتّى يكون إتيانه مخالفة لنهي المولى، أو لا يحصل حتى يكون إتيانه غير مرتبط بنهيه، ومن المعلوم أنّ حكم العقل حينئذ لزوم الاحتياط بالاجتناب من هذا الفرد، وذلك لأنّ الجزم بالفراغ عن هذا التكليف موقوف بالجزم بعدم صدور الطبيعة من المكلّف في ضمن شيء من أفراده أصلا، وهو موقوف على اجتناب معلومات الفرديّة ومشكوكاتها جميعا.
ولكن نقل الاستاد دام ظلّه عن استاديه المرحوم السيّد محمّد والميرزا محمّد تقى الشيرازي أعلى اللّه مقام الأوّل وأطال عمر الثاني الإصرار على أنّ النواهي المتعلّقة بالعناوين بهذا النحو ليست منجّزة للتكليف في الأفراد المشكوكة، بل حكم العقل في تلك الأفراد هو البراءة، وغاية ما يمكن أن يقال في تأييد هذا القول أنّ المكلّف في الحقيقة مأمور بترك تمام الأفراد حتى لا تدخل الطبيعة في الوجود على نحو تعلّق الأمر بالمركّب، فإنّ التروك بمنزلة الأجزاء للمأمور به، والأمر الواحد قد تعلّق بمجموعها، بحيث لو أخلّ بواحد من هذه التروك فقط مع إتيان الباقي ما حصل الامتثال ووقع سائر التروك لغوا.
وإذن فلو شكّ المكلّف في أنّ ترك الشيء الخاص هل هو جزء لهذا المركّب حتى يتوقّف الامتثال على ضمّه بباقي التروك أيضا، أو ليس بجزء حتّى لا يكون الإخلال به مضرّا بالمأمور به، كان هذا من أفراد الشكّ في المكلّف به، لدورانه بين الأقلّ والأكثر الارتباطيين، حيث لا يعلم بأنّ المطلوب منه عشرة تروك أو أحد عشر تركا، فحاله حال الشكّ المفهومي في المكلّف به، لدوران مفهومه بين عشرة أجزاء وأحد عشر جزءا غاية الأمر أنّ دوران المكلّف به بين الأقلّ والأكثر نشأ في الثاني من الشكّ في المفهوم الكلّي لعنوان المأمور به، ونشأ في الأوّل من الشكّ في مصداقه مع تبيّن مفهومه، ومجرّد هذا لا يوجب الفرق في ما هو ملاك حكم العقل؛ إذا التكليف في كليهما ينحلّ إلى معلوم تفصيلي ومشكوك بدوي، فالتكليف بالنسبة إلى القدر المتيقّن في كلا المقامين معلوم، وبالنسبة إلى الزائد مشكوك، فيشترك المقامان في حكم العقل بالبراءة عن التكليف بالزائد.
والحاصل أنّ الشكّ في المقام مركّب من جهتين، الاولى: كونه شكّا في الأقلّ والأكثر الارتباطيين، والثاني: كونه شكّا موضوعيّا، ونحن إذا حكمنا بالبراءة في كلّ من الشكّين عند انفراده عن الآخر، فكيف نتوقّف عند اجتماعهما؟
وحاصل الدفع أنّه لو كان الحكم متعلّقا بالخارجيّات كما هو مبنى القائل بالامتناع في مبحث اجتماع الأمر والنهى، كان ما ذكر حقّا؛ إذ ليس النهى عن صرف الوجود إلّا راجعا إلى النهى عن هذا وهذا إلى آخر الأفراد، وهكذا الأمر بالطبيعة أو النهى عنها باعتبار مجموع الوجودات، وأمّا إذا قلنا بأنّ الأحكام لا يتعلّق بالخارجيّات بل بنفس العناوين كما هو مبنى القائل بالاجتماع فحينئذ وإن كان المقام ليس من باب الشكّ في المحصّل، وذلك لأنّ الشكّ هنا في الانطباق وعدمه، ولكن ما هو الملاك في ذلك المقام بعينه موجود هنا، وهو أنّه لا شكّ في الحكم ولا في متعلّقه، وبعده لا محيص عن الخروج عن العهدة، فإنّه من هناك أصل إيجاب الطهارة معلوم، والطهارة أيضا مفهوم مبيّن لا إجمال فيه بحسب المفهوم، وبعد ذلك مجرّد الشكّ في مقام الانطباق لا يجدى شيئا، فكذلك نقول في المقام حرفا بحرف.
والحقّ عدم جريان البراءة، واستقلال العقل بالاحتياط، وفساد هذا الكلام وبيانه يتوقّف على تقديم مقدّمة وهي أنّ التكليف متعلّق بالطبيعة، وأمّا سرايته إلى الفرد فهي عقلي، وما وقع موردا لحكم الشرع ويكون المكلّف مأخوذا به ومسئولا عنه إنّما هو نفس الحقيقة المعرّاة عن الخصوصيّات، فليس شيء من الأفراد والأشخاص متعلّقا للتكليف في نظر الشارع والحاكم،(1) بمعنى أنّ القدر الذي يكون الزائد عليه غير مأخوذ هو أصل الماهيّة والحقيقة الموجودة في ضمن كلّ شخص وكلّ خاصّ، لكن الزوائد والخصوصيّات الشخصيّة التي قوام الخاص بها خارجة عن مورد التكليف، والاكتفاء بالخاص في مقام الامتثال إنّما هو من باب التسليم من باب انطباق المطلوب عليه عقلا، لا لكونه متعلّق التكليف مستقلّا.
ولهذا يقال في جانب الأمر المتعلّق بالطبيعة بأنّ التخيير بين الأفراد عقليّ ولو كان الفرد مورد التكليف شرعا، كان التخيير شرعيّا فمعنى كونه عقليّا أنّ الشرع وإن أراد من المكلّف أمرا واحدا وهو الطبيعة، ولكن عند التسليم يخيّره العقل بين الأفراد؛ لصدق الطبيعة على كلّ منها وانطباقها عليه.
وإذن فنقول: كما أنّ الزائد على المقدار الذي وقع تحت التكليف ليس على المكلّف، كذلك المقدار الذي وقع تحته أيضا يجب بحكم العقل أن يحصل اليقين بالفراغ عنه وعدم الاكتفاء بالاحتمال، فكما أنّه في مورد الأمر بالطبيعة بلحاظ صرف الوجود قد تعلّق الأمر بحقيقة مبيّن المفهوم، ويجب الإتيان بها في ضمن فرد معلوم، ولا يحلّ أن يكتفي بالفرد المشكوك، فكذلك في مورد النهى عن الطبيعة بهذا اللحاظ أيضا تعلّق الطلب والأمر بحقيقة مبيّن المفهوم وهو عدم وجود الحقيقة، وخصوصيّة الكون عشرة تركا أو أحد عشر ليست إلّا مثل خصوصيّة الزيديّة في ما إذا تعلّق الطلب بماهيّة الإنسان.
وبالجملة، فانطباق هذا المعنى على الأحد عشر معلوم، وانطباقه على العشرة غير معلوم، فالاكتفاء بالعشرة في مقام الامتثال اكتفاء بالمصداق المشكوك لما هو المأمور به وهو غير جائز في حكم العقل، وحاصل الفرق بين الشكّ المصداقي أو المفهومي في المقام أنّ التكليف بالمعنى المبيّن الحقيقة قد تمّ الحجّة عليه من قبل المولى في الأوّل، فوجب الخروج عن عهدته بإتيان الزائد، وفي الثانى الإجمال ثابت في متعلّق التكليف، فالحجّة من قبل المولى ناقصة، فيحصل المجال للبراءة العقليّة في الزائد، وأظنّ أنّ هذا من قبيل الواضحات.
ومن هنا يظهر الكلام في ما إذا كان الموضوع الكلّي باعتبار مجموع الوجودات متعلّقا للأمر، فشكّ في شىء أنّه مصداق له حتّى يجب الإتيان به؛ لتوقّف إيجاد المجموع عليه، أو لا حتى لا تكون المخالفة والموافقة مرتبطتين بتركه وفعله أصلا، ولا يخفي أنّ هنا أيضا محلّ للكلام السابق مع دفعه، من حيث إنّ الأمر دائر بين مطلوبيّة عشرة أفعال أو أحد عشر، ولا يخفي أنّ المطلوب كلّ ما يوجد من الحقيقة من حيث المجموع، وهو مفهوم مبيّن يشكّ صدقه على العشرة ويعلم على الأحد عشر.
وأمّا إن كان الموضوع الكلّي متعلّقا للنهي بهذا الاعتبار، أي باعتبار مجموع الوجودات بحيث كان الغرض حاصلا بترك واحد من الأفراد، فالشكّ في شيء أنّه مصداق له أو لا؟ يرجع إلى الشك في أنّه هل يكتفي في الترك الواحد المطلوب بتركه أو لا بدّ من ترك واحد من الأفراد المعلومة، والظاهر عدم الإشكال في لزوم الثانى، فإنّ، مرجع «لا تأت بهذا المجموع» إلى الخطاب بلزوم ترك واحد من أفراد الطبيعة، وكما قلنا في الخطاب بفعل واحد: إنّه لا بدّ من تسليم مقطوع المصداقيّة، ولا يجوز الاكتفاء بالمشكوك، فكذا في الثاني لا يجوز أن يأتي بجميع المقطوعات ويترك واحدا مشكوك المصداقيّة امتثالا لذلك الخطاب، فإنّهما من واد واحد كما هو واضح.
بقى ما إذا كان الموضوع الكلّي متعلّقا للأمر أو النهي باعتبار مرآتيّته للأفراد وقد عرفت أنّه في الحقيقة ينحلّ إلى أوامر ونواهي عديدة بعدد الأفراد، فإذا شكّ في أنّ هذا الشيء الخاص من أفراد هذا الكلّي أو لا فقد شكّ في تكليف مستقلّ إيجابي أو تحريميّ متعلّق به بدوا.
وبعبارة اخرى: توجّه عشرة تكاليف معلوم، وتوجّه الحادي عشر غير معلوم، فيكون موردا للبراءة؛ إذ لا فرق في جريان البراءة بين الشكّ في التكليف الناشي من الشكّ في الكبرى كما لو لم يعلم أصل حرمة الخمر، والناشي عن الشكّ في الصغرى، كما لو لم يعلم خمريّة هذا المائع الخاص، فالحجّة على التكليف في هذا الخاصّ غير تامّة في هذه الصورة، كما تكون غير تامّة على التكليف في العام في الصورة الاولى، فيكون العقاب على المخالفة في كليهما عقابا بلا بيان فتدبّر.
[الثانى: اصل عدم التذكية]
الأمر الثاني: أنّ التمسّك بالبراءة والحليّة في الشبهة الموضوعيّة إنّما هو في ما لم يكن في البين أصل حاكم عليها مثل الاستصحاب، ومن جملة الموارد التي وجد فيها هذا الأصل اللحم المردّد بين المذكّى والميتة فإنّ المرجع فيه أوّلا ليس ما اشتهر من قولهم: الأصل في اللحوم هي الحرمة، إذ لم يرد به آية أو رواية، بل المرجع استصحاب عدم التذكية الثابت حال الحياة فإنّ الحليّة قد علّقت في الآية الشريفة أعني قوله تعالى: {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] على التذكية.
فإذا شكّ في الحليّة لأجل الشكّ في التذكية كان استصحاب عدم التذكية جاريا؛ فإنّ التذكية أمر وجودى، وبه يحكم بالحرمة والنجاسة وهو حاكم على أصالتي الحليّة والبراءة (2) ، والطهارة لا تعارض بأصالة عدم تحقّق الميتة التى جعلت موضوعا للحرمة في الآية الشريفة: «حرّمت عليكم الميتة» فإنّ عنوان الميتة ليس إلّا أمرا عدميّا، فإنّه عبارة عن عدم تحقّق شروط التذكية المقرّرة في الشرع مع إزهاق الروح، وهذا اصطلاح ثانوى متشرّعي له وإن كان في العرف العامّ عبارة عن خصوص حتف الأنف، وإذن فليس عنوانا آخر غير التذكية، بل هو عدم عنوان التذكية فأصالة عدم التذكية، مضمونها إثبات الميتة الشرعيّة، هذا في ما إذا لم يكن في البين شبهة حكميّة بأن كان اللحم المذكور من الشاة وشكّ في تحقّق شروط التذكية فيه.
وأمّا إن كانت الشبهة حكميّة مثل الحيوان المتولّد من غير مأكول مثل الدبّ ومأكول مثل الشاة مع عدم تسميته باسم أحدهما- حيث إنّه يشكّ في صيرورة لحمه بعد التذكية حلالا أو لا لأجل الشكّ في قابليّته للتذكية وعدمها، وهذا الشكّ في اللحم الخاص ليس راجعا إلى الموضوع، للعلم بتحقّق شروط التذكية من إسلام الذابح والاستقبال والتسمية وكون آلة الذبح حديدا وغيرها، والشكّ إنّما هو في قابليّته هذا الصنف من الحيوان للتذكية وعدمها- فجريان الاستصحاب في هذه الشبهة مبنيّ على مطلب آخر وهو تحقيق أنّ التذكية، ما هي؟
فإن قلنا: بأنّها عبارة عن نفس هذه العمل والحركة الخارجيّة مع الكيفيّة الخاصة فليس فيه شكّ حتّى يجري فيه الاستصحاب، وليس هنا أصل يحرز به القابليّة أو عدمها، فيكون أصالة الإباحة والطهارة جارية.
وأمّا إن قلنا بأنّها عبارة عن أمر بسيط متحصّل من هذا العمل الخارجي نظير الطهارة في الإنسان حيث إنّها حالة منتزعة من الغسلتين والمسحتين، ونظير الحدوث فإنّه ليس عبارة عن العدم إلى الحال والوجود من الحال، وإنّما هما منشأ انتزاعه، فحينئذ يكون بهذا المعنى مشكوكة، فإنّ القابليّة أيضا دخيلة في منشأ الانتزاع وهي مشكوكة، فيكون استصحاب عدمها جاريا، وبه يحكم بالحرمة والنجاسة، فتحصّل أنّه لا تفكيك في الحكمين في اللحم المذكور أصلا بأن يكون في مورد محكوما بالحرمة والطهارة، بل الحرمة والنجاسة، والحليّة والطهارة متلازمان.
تتميم
للشكّ في اللحم من حيث التذكية وعدمها صورتان أخريان:
الاولى: اللحم المردّد بين كونه من الغنم أو الكلب مثلا الثانية: الشبهة الحكمية وهو اللحم من الحيوان المتولّد من الحيوانين المشكوك حكمه الكلّي، والصورة الاولى التي هي الشبهة الموضوعيّة لها صورتان؛ الاولى: أن يكون الشكّ في الحيوان الذي اخذ منه هذا اللحم أنّه كلب أو غنم، والثانية: أن لا يكون شكّ في حيوانه بأن يكون في البين غنم مذبوح وكلب كذلك، وشكّ في أنّ هذه القطعة من اللحم قطعت من الأوّل أو الثاني.
وعلى كلّ من التقادير الثلاثة إمّا يشكّ في وقوع الامور المعتبرة في التذكية، وإمّا يقطع بوقوعها، فلا إشكال في الأوّل أعنى الشكّ في وقوع الامور في أنّ أصالة عدمها موجبة للحرمة؛ إذ بعد ما كانت كذلك مع إحراز الغنميّة فمع العدم بطريق أولى، إنّما الكلام في صورة القطع بوقوعها.
فحينئذ نقول: تارة نختار أنّ في حليّة الغنم يعتبر أمران، الأوّل: التذكية، والثاني: قابليّة المحلّ، واخرى نختار أنّ قابليّة المحلّ مأخوذة إمّا في مفهوم التذكية قيدا، بأن كانت هي هذه الامور بشرط وقوعها في المحلّ القابل، وإمّا في منشأ انتزاعها بأن كانت هي أمرا بسيطا منتزعا من هذه الامور مع القابليّة.
فإن اخترنا الأوّل فأصالة الحلّ في جميع الصور جارية؛ لأن وجود التذكية معلوم، والقابليّة التي شكّ فيها لا أصل يحرز وجودها أو عدمها، لعدم الحالة السابقة، فيبقي أصالة الحلّ سليمة عن الحاكم.
وإن اخترنا الثاني فلا إشكال في القسم الثاني من الشبهة الموضوعيّة وهي ما إذا لم يكن شكّ في الحيوان، فإنّ أصالة عدم التذكية في الحيوان غير جارية، لفرض دورانه بين حيوانين لا شكّ في أحدهما خارجا، والمعتبر في الاستصحاب الشكّ الخارجي، فيكون أصالة الحلّ أيضا سليمة عن الحاكم.
ويبقى الكلام على هذا المبنى في الشبهة الحكميّة والموضوعيّة مع مشكوكيّة حال الحيوان، فلا شبهة في أنّ أصالة الحلّ الجارية في اللحم محكومة لأصالة عدم التذكية، ولكن هل أصالة الحلّ في الحيوان حاكمة على عدم التذكية أو محكومة؟
قد يقال بالأوّل بتقريب أنّه كما أنّ بعضا من الآثار ثابتة للأعمّ من الظاهر والواقع، كذلك بعض الامور الواقعيّة يستكشف من الأعمّ، ومن هذا القبيل قابليّة المحلّ في المقام، فإنّه إذا حكم الشارع على حيوان بأنّه حلال سواء كان بعنوان الواقع أو الظاهر يستكشف منه عرفا أنّه قابل للتذكية، فيرتفع بهذا الشكّ الذي هو موضوع الاستصحاب، لانّه كان الشكّ في القابليّة، وفيه أنّه كما يستكشف من هذا الأصل وجود القابليّة يستكشف من الاستصحاب عدمها.
إن قلت: أصالة الحلّ جارية في حال حياة الحيوان، والاستصحاب إنّما يجري بعد ذبحه.
قلت: بل الاستصحاب أيضا جار في حال الحياة بنحو التعليق، فمفاد أصالة الحلّ أنّ الحيوان لو ذكّي يجوز أكله، فيستفاد منه القابليّة، ومفاد الاستصحاب أنّ هذا الحيوان لو فري أوداجه بشرائط المقرّرة فهو غير مذكّى، فيستفاد منه عدم القابليّة، وحينئذ فأصالة الحلّ محكومة بالاستصحاب كما قرّر بيانه في محلّه.
ولكنّ الحقّ أنّ أصالة الحلّ حاكمة على الاستصحاب بتقريب آخر، وهو أنّه لم يرد في آية أو رواية تعليق عنوان التذكية على خصوصيّة واقعيّة في الحيوان يعبّر عنها بقابليّة المحلّ، بل ما هو المستفاد من الأدلّة أنّ كلّ حيوان حكم عليه الشارع بالحليّة الحيثيتيّة مثل: «الغنم حلال» فقد فهمنا بنفس هذا البيان أنّ الامور المذكورة في ذبح هذا الحيوان تذكية له فعنوان التذكية مرتّبة شرعا على الامور المذكورة مع هذه الحليّة الحيثيّة، لا أنّه بعد هذه الحيثيّة يحتاج في الحليّة الفعليّة إلى إحراز أنّ الامور المذكورة تذكية، بل بنفس هذه الحليّة يعلم كونها تذكية، فالتذكية عبارة عن هذه الامور المقيّدة بهذه الحليّة الحيثيتيّة، ومن المعلوم أنّ الأصل المحرز للقيد وإن كان أصالة الحلّ مقدّم على الأصل النافي للمقيّد وإن كان استصحابا، فإنّ الأصل الجاري في الشكّ السببي مقدّم على الجاري في المسببيّ، ولو فرض كون الأصلين بحيث لو أجريا في شكّ واحد كان الأمر بالعكس، مثلا الأصل المحرز لحال الماء المغسول به الثوب ولو كان قاعدة الطهارة مقدّم على الأصل الجاري في الثوب ولو كان استصحابا.
الموارد التي يكون الأصل الحاكم على البراءة موجودا:
ومن جملة الموارد التي يكون الأصل الحاكم على البراءة جاريا في الشبهة الموضوعيّة المرأة المردّدة بين الأجنبيّة والزوجة، فإنّ استصحاب عدم تحقّق علاقة الزوجيّة حاكمة على البراءة الشرعيّة.
ومن جملتها المال المردّد بين النفس والغير مع كونه في السابق مال الغير، كما لو علمت أنّ هذا كان ملكا لزيد وعلمت أنّك اشتريت مالا فتشكّ أنّه هل هو هذا أو غيره، أو مع عدم الحالة السابقة، كما لو شكّ في أنّ هذا المباح الخاص صار ملكا له بحيازته، أو لزيد بحيازته.
أمّا في الصورة الاولى فلا إشكال في جريان استصحاب ملك الغير، ويترتّب عليه حرمة التصرّف، وأمّا الثانية فهي أيضا يجري فيه مثل هذا الاستصحاب، ولا مجرى فيها أيضا للبراءة الشرعيّة وذلك لأنّ المستفاد من قوله عليه السلام: «لا يحلّ مال إلّا من حيث أحلّه اللّه» أنّ مطلق المال في الدنيا ولو لم يكن مضافا إلى أحد يحتاج حليّته إلى سبب وجودى، ولو كان مثل الحيازة في المباحات، فبدون أحد أسباب الحليّة لا يكون مال الدنيا حلالا، فعلى هذا يجري في هذا المال المشكوك الذي ليس له حالة سابقة استصحاب عدم تحقّق الأسباب الوجوديّة للحليّة من بيع المالك وهبته وصلحه وإباحته وحيازة المباح وغير ذلك، فيترتّب عليه حرمة التصرّفات.
ومن جملة تلك الموارد أي موارد ثبوت الأصل الوارد على أصل البراءة، المال المعلوم كونه ملك الغير، والمحتمل رضى مالكه بالتصرّف، فإنّه أيضا موضوع مشكوك الحليّة والحرمة، ولكن هنا استصحاب حاكم على البراءة فيه وهو استصحاب عدم طيب نفس مالكه.
لا يقال: ليس لهذا الاستصحاب حالة سابقة؛ إذ لم يكن هذا لمال في السابق مقطوعا عدم رضى مالكه بالتصرّف فيه حتى يستصحب في زمان الشكّ.
فإنّه يقال: فرق بين اعتبار الرضى شرطا في حليّة التصرّف بنحو «كان» الناقصة، وبين اعتباره بنحو «كان» التامّة، ففي الأوّل لا بدّ من إحراز الموضوع المفروغ الوجود لزمان اليقين والشكّ معا، فإذا فرض الشكّ في الرضى في جميع أزمنة الموضوع لم يكن في البين حالة سابقة وجوديّة ولا عدميّة.
وأمّا في الثاني فلا نحتاج إلى إحراز الموضوع أصلا، بل الملاك ثبوت رضى المالك في هذه المال للشخص وعدم هذا المعنى، فمهما علم هذا المعنى فهو، وإلّا فنستصحب عدمه؛ إذ هو في الوجود يحتاج إلى وجود أشياء من المال والمالك والاذن والمأذون له، فبعدم كلّ منها ينعدم هذا المعنى، فلا محالة تكون حالته السابقة عدما، لكونه معلوما في حال انعدام هذه الأشياء في الأزل، فلا مانع من استصحابه ثمّ الحكم بحرمة التصرّف.
وأمّا الطريق لإثبات الوجه الثاني وهو كون الرضى مأخوذا على وجه مفاد «كان» التامّة فهو أن الكلام المشتمل على المستثنى والمستثنى منه ظاهر لدى العرف في كون الملحوظ في طرف المستثنى نفس الوصف بلا دخل نسبته إلى الموضوع المفروض الوجود، فقوله: «لا يحلّ مال امرئ إلّا بطيب نفسه» ظاهر في كون تمام النظر واللحاظ إلى نفس وجود الطيب في المال من المالك بلا ملاحظة المال والمالك مفروضي الوجود، وإسناد الطيب إليهما على نحو القضيّة المبتدئة مثل قولك: كلّ مال طاب نفس مالكه فهو حلال، هذا تمام الكلام في الشكّ في أصل التكليف وجوبا كان أم تحريما، حكميّا أم موضوعيّا.
_____________
(1) غاية ما يتوهّم للفرق بين الشبهة الحكميّة و الموضوعيّة في ما كان متعلّق الحكم هو الطبيعة باعتبار الوجود السارى بالبراءة في الاولى و الاشتغال في الثانية أنّ في الاولى ما هو وظيفة الشرع و هو بيان الحكم الكلّي أو المفهوم الكلّي لم يرد بيانه من الشرع، فكان العقاب قبيحا، و أمّا في الثانية فالمفروض أنّ ما هو شأن الشارع و هو الكبرى لا نقصان فيه، و الشكّ في أمر خارج عن وظيفته، و معه لا قبح في العقاب، و حاصل الدفع أنّ البيان الذى اخذ في قاعدة قبح العقاب بلا بيان ليس خصوص البيان الذي كان وظيفة للشارع، بل المقصود مطلق وضوح الحال الذي يعبّر في الفارسيّة في مقام الاحتجاج« مىدانستى» أو« چه مىدانستم» و من المعلوم أنّ النتيجة تابعة لأخسّ المقدّمتين، فكما عند الشكّ في الكبرى يصدق هذا المعنى فكذلك مع الشكّ في الصغرى، و هذا واضح، وإلّا فقد يكون البيان في الحكميّة أيضا خارجا عن وظيفته، و هو ما إذا بيّن بيانا متعارفيّا لو لا منع المانعين و إخفاء الظالمين لوصل إلينا أيضا، لكن منعوا فلم يصل، فليس رفع هذا المانع من وظيفته.
ثمّ إنّ حكم العقل في الحكميّة و الموضوعيّة على نسق واحد من تقييده بما بعد الفحص، بمعنى أنّه لو كان أمارة و حجّة يظفر بها بفحص متعارف فلا استقلال للعقل بقبح العقاب لو ترك الفحص و ارتكب فتبيّن الحرمة، نعم البراءة الشرعيّة غير مقيّدة فيشمل ما قبل الفحص أيضا لإطلاق دليلها. منه قدّس سرّه الشريف.
(2) يعني الشرعيتين، و إلّا فبالنسبة إلى البراءة العقلية وارد. منه قدّس سرّه.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|