أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-06-2015
2189
التاريخ: 26-1-2016
4036
التاريخ: 28-06-2015
3156
التاريخ: 7-2-2018
3010
|
أبو العباس، قال محمد بن إسحاق النديم: هو أحمد بن محمد بن ثوابة ابن يونس أبو العباس الكاتب أصلهم نصارى وقيل إن يونس يعرف بلبابة وكان حجاما وقيل أمهم لبابة ومات أبو العباس سنة سبع وسبعين ومائتين وقال الصولي مات في سنة ثلاث وسبعين قال:
وحدثني أبو سعيد وهب بن إبراهيم بن طازاذ قال كان بين علي بن الحسين وبين أبي العباس بن ثوابة منازعة في ضيعة فاجتمعا في مجلس بعض الرؤساء وأحسبه عبيد الله بن سليمان فرد علي بن سليمان فرد بن الحسين مناظرة أبي العباس إلى أخيه أبي القاسم بن الحسين فناظر أبا العباس فأقبل أبو العباس يهاتره ويطنز به وقال في جملة قوله من أنتم إنما نفقتم بالبذيذة. قال فالتفت علي بن الحسين إلى صبي كان معه كأنه الدنيا المقبلة فأخذ بيده وقام قائما في موضعه وكشف عن رأسه وقال بأعلى صوته يا معشر الكتاب قد عرفتموني وهذا ولدي من فلانة بنت فلان الفلاني وهي مني طالق طلاق الحرج والسنة على سائر المذاهب إن لم يكن هذا الشرط الذي في أخدعي شرط جده فلان المزين لا يكني عن جد ابن ثوابة. قال فاستخذل أبو العباس ولم يحر جوابا ولا أجرى بعد ذلك كلاما في الضيعة وسلمها من غير منازعة ولا محاورة.
قال وكان أبو العباس من الثقلاء البغضاء وله كلام مدون مستهجن مستثقل منه علي بماء الورد أغسل فمي من كلام الحاجم ومنه لما رأى أمير المؤمنين الناس قد تدارسوا وتدقلموا وترنسعوا وتذورروا تدسقن وله من التصانيف كتاب رسائله المجموعة كتاب رسالته في الكتابة والخط وأخوه جعفر بن محمد بن ثوابة تولى ديوان الرسائل في أيام عبيد الله بن سليمان الوزير وله ابن اسمه محمد بن أحمد كان أيضا مترسلا بليغا وله كتاب رسائل. وأبو الحسين محمد بن جعفر بن ثوابة وابنه أبو عبد الله أحمد بن محمد بن جعفر وله أيضا ديوان رسائيل وهو آخر من بقي من فضلائهم.
ومن كلام أبي العباس من حق المكاتبة أن يسبقها أنس وينعقد قبلها ود ولكن الحاجة أعجلت عن ذلك فكتبت كتاب من يحسن الظن إلى من يحققه.
ومن فصل له إلى عبيد الله بن سليمان لم يؤت الوزير من عدم فضيلة ولم أوت من عدم وسيلة وغلة الصادي تأبى له انتظار الوارد وتعجل عن تأمل ما بين الغدير والواد ولم أزل أترقب أن يخطرني بباله ترقب الصائم لفطره وأنتظره انتظار الساري لفجره إلى أن برح الخفاء وكشف الغطاء وشمت الأعداء وإن في تخلفي وتقدم المقصرين لآية للمتوسمين والحمد لله رب العالمين.
وقيل لابن ثوابة: قد تقلد إسماعيل بن بلبل الوزارة فقال إن هذا عجز قبيح من الأقدار وكان محمد بن أحمد بن ثوابة كاتبا لباكباك التركي فلما أغري المهتدي بالرافضة قال المهتدي لباكباك كاتبك والله أيضا رافضي فقال باكباك كذب والله على كاتبي ما كان يقول هؤلاء فشهدت الجماعة عليه فقال بكباك كذبتم ليس كاتبي كما تقولون كاتبي خير فاضل يصلي ويصوم وينصحني ونجاني من الموت لا أصدق قولكم عليه فغضب المهتدي وردد الأيمان على القول في ابن ثوابة وهو يقول لا لا فلما انصرف القوم من حضرة المهتدي أسمعهم بكباك وشتمهم ونسبهم إلى أخذ الرشا والمصانعات وأغلظ لهم وأمر ببعضهم فنيل بمكروه إلى أن تخلصوا من يده .واستتر ابن ثوابة وقلد المهتدي كتابة باكباك سهل بن عبد الكريم الأحول ونودي على ابن ثوابة ثم تنصل باكباك إلى المهتدي واعتذر إليه فقبل عذره وصفح عنه فلما قدم موسى بن بغا سر من رأى من الجبل تلقاه باكباك وسأله التلطف في المسألة في الصفح عن كاتبه ابن ثوابة فلما جدد المهتدي البيعة في دار أناجور التركي عاود باكباك المسألة في كاتبه فوعده بالرضا عنه وقال الذي فعلته بابن ثوابة لم يكن لشيء كان في نفسي عليه يخصني لكن غضبا لله تعالى وللدين فإن كان قد نزع عما أنكر منه وأظهر تورعا فإني قد رضيت عنه. ثم رضي عنه الخليفة في يوم الجمعة النصف من محرم سنة خمسين ومائتين وخلع عليه أربع خلع وقلده سيفا ورجع إلى كتابة باكباك ميمون بن هارون.
قال لي الحسن علي بن محمد بن الأخضر كنا يوما في مجلس أبي العباس ثعلب إذ جاءه أبو هفان البصري للسلام عليه فسأله عن أمره وسبب قدومه من سامرا وأين يريد فقال أريد ثوابة يعني أحمد بن محمد بن ثوابة بن خالد وكان بالرقة وكان ذلك في أيام عيد فقال أبو العباس كيف رضاك عن بني ثوابة فقال إني والله أكره هجاءهم في يوم مثل هذا ولكني أقمت هجائي لهم مقام الزكاة وقلت: [المتقارب]
(ملوك ثناهم كأحسابهم ... وأخلاقهم شبه آدابهم)
(فطول قرونهم أجمعين ... يزيد على طول أذنابهم)
وقال الصولي كانت بين أبي الصقر إسماعيل بن بلبل الوزير وبين أبي العباس أحمد بن محمد بن ثوابة وحشة شديدة لأسباب منها أشياء جرت في مجلس صاعد في آخر أيامه قد حدثني رشيق الموسوي الخادم وما رأيت خادما أعقل منه ولا أكتب يدا قال كنا في مجلس صاعد فسأل عن رجل فقال أبو الصقر قد كان أنفي يريد نُفي فقال ابن ثوابة في الخُرْءِ. فسمعها فقال أبو الصقر كيف تكلم من حقه أن يشد ويحد فقال ابن ثوابة من جهلك أنك لا تعلم أن من يشد لا يحد ومن يحد لا يشد ثم ضرب الدهر من ضربه فرأيت ابن ثوابة قد دخل إلى أبى الصقر بواسط فوقف بين يديه ثم قال أيها الوزير لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين فقال له أبو الصقر لا تثريب عليكم يا أبا العباس ثم رفع مجلسه وقلده طساسيج بابل وسورا وبربسما فضاعف وزاد في الدعاء له فما زال واليا إلى أن توفي في سنة ثلاث وسبعين ومائتين هكذا ذكر الصولي والأول منقول من كتاب محمد بن إسحاق وهذا أولى بالصواب.
قال الصولي وحدثني الحسين بن علي الكاتب قال كان أبو العيناء في جملة أبي الصقر قال وكان يعادي ابن ثوابة لمعاداة أبي الصقر فاجتمعا في مجلس بعقب ما جرى بين أبي الصقر وبين ابن ثوابة في مجلس صاعد فتلاحيا فقال له ابن ثوابة أما تعرفني قال بل أعرفك ضيق العطن كثير الوسن قليل الفطن خارا على الذقن. قد بلغني تعديك على أبي الصقر وإنما حلم عنك لأنه لم ير عزا فيذله ولا علوا فيضعه ولا حجرا فيهدمه فعاف لحمك أن يأكله وسهك دمك أن يسفكه فقال له اسكت فما تساب اثنان إلا غلب الأمهما قال أبو العيناء فلهذا غلبت بالأمس أبا الصقر فأسكته.
ومن كتاب الوزراء لهلال بن المحسن حدث علي بن سليمان الأخفش قال ذكر لي المبرد أنه كان في يوم نوبة له عند أبي العباس أحمد بن محمد ابن ثوابة حتى دخل عليه غلامه وفي يده رقعة البحتري فقرأها أبو العباس ووقع فيها توقيعا خفيفا وأمر بإصلاحها فأصلحت وأعيدت إليه قال المبرد فرمى بها إلي فإذا فيها: [مجزوء الكامل]
(إسلم أبا العباس وابـ ... ق فلا أزال الله ظلك)
(وكن الذي يبقى لنا ... ونموت حين نموت قبلك)
(لي حاجة أرجو لها ... إحسانك الأوفى وفضلك)
(والمجد مشترط عليك ... قضاءها والشرط أملك)
(فلئن كفيت ملمها ... فلمثلها أعددت مثلك)
قال وإذا قد وقع أبو العباس مقضية والله الذي لا إله إلا هو ولو أتلفت المال وأذهبت الحال فقل رعاك الله ما شئت منبسطا وثق بما أنا عليه لك مغتبطا إن شاء الله تعالى.
وقال أحمد بن علي المادرائي الكاتب الأعور الكردي صديق المبرد يهجو ابن ثوابة من قصيدة: [مجزوء الكامل]
(تعست أبا الفضل الكتابه ... من أجل مقت بني ثوابه)
(وسألت أهل المهنتين ... من الخطابة والكتابه)
(عن عادل في حكمه ... فعليك أجمعت العصابه)
(فاسمع فقد ميزتهم ... ولكلهم طرز وبابه)
(أما الكبير فمن جلالته ... يقال له لبابه)
(وإذا خلا فممدد ... في البيت قد شالوا كعابه)
(وارفض عنه زهوه ... وتقشعت تلك المهابة)
نقلت من خط عبد السلام البصري حدثنا أبو العباس التميمي حدثنا جحظة في أماليه قال حضرت مجلس أبي العباس ثعلب وعنده جماعة من أصحابه وحضر أحمد بن علي المادرائي فسأله عن أبي العباس بن ثوابة وقال له: متى عهدك به فقال لا عهد ولا عقد ولا وفاق ولا ميثاق فقال له ثعلب عهدي بك إذا غضبت هجوت فهل من شيء فأنشد: [البسيط]
(بني ثوابة أنتم أثقل الأمم ... جمعتم ثقل الأوزار والتخم)
(أهاض حين أراكم من بشامتكم ... على القلوب وإن لم أوت من بشم)
(كم قائل حين غاظته كتابتكم ... لو شئت يا رب ما علمت بالقلم)
فقال ثعلب أحسنت والله في شعرك وأسأت إلى القوم.
وعن أبي الفرج الأصبهاني حدثني أبو الفضل العباس بن أحمد بن محمد بن ثوابة قال قدم البحتري النيل على أحمد بن علي الإسكافي مادحا له فلم يثبه ثوابا يرضاه بعد أن طالت مدته عنده فهجاه بقصيدته التي يقول فيها: [الخفيف]
(ما كسبنا من أحمد بن علي ... ومن النيل غير حمى النيل)
وهجاه بقصيدة أخرى أولها:
(قصة النيل فاسمعوها عجابه ...)
فجمع إلى هجائه إياه هجاء بني ثوابة وبلغ ذلك أبي فبعث إليه بألف درهم وثيابا ودابة بسرجها ولجامها فرده وقال قد أسلفتكم إساءة فلا يجوز معه قبول صلتكم فكتب إليه أبي أما الإساءة فمغفورة والمعذرة مشكورة والحسنات يذهبن السيئات وما يأسو جراحك مثل يدك وقد رددت إليك ما رددته علي وأضعفته فإن تلافيت ما فرط منك أثبنا وشكرنا وإن لم تفعل احتملنا وصبرنا فقبل ما بعث به وكتب إليه كلامك والله أحسن من شعري وقد أسلفتني ما أخجلني وحملتني ما أثقلني وسيأتيك ثنائي ثم غدا عليه بقصيدة أولها: [الطويل]
(ضلال لها ماذا أرادت من الصد ...)
وقال فيه بعد ذلك: [المنسرح]
(برق أضاء العقيق من ضرمه ...)
وقال فيه أيضا: [الخفيف]
(أن دعاه داعي الهوى فأجابه ...)
فلم يزل أبي يصله بعد ذلك وتتابع بره لديه حتى افترقا.
وكتب أحمد بن محمد بن ثوابة إلى إسماعيل بن بلبل حين صاهر الناصر لدين الله الموفق بالله بسم الله الرحمن الرحيم بلغني للوزير أيده الله نعمة زاد شكرها على مقادير الشكر كما أربى مقدارها على مقادير النعمة فكان مثلها قول إبراهيم بن العباس: [الطويل]
(بنوك غدوا آل النبي ووارثوا الـ... خلافة والحاوون كسرى وهاشما)
وأنا أسأل الله تعالى أن يجعلها موهبة ترتبط ما قبلها وتنتظم ما بعدها وتصل جلال الشرف حتى يكون الوزير أعزه الله على سادة الوزراء موفيا ولجميل العادة مستحقا ولمحمود العاقبة مستوجبا وأن يلبس خدمه وأولياءه من هذه الحلل العالية ما يكون لهم ذكرا باقيا وشرفا مخلدا.
وكان يلقب لبابة وكان عبيد الله بن سليمان قد صرف أحمد بن محمد ابن ثوابة عن طساسيج كان يتقلدها بأبي الحسن بن مخلد.
فقال أحمد بن علي المادرائي الأعور الكردي: [البسيط]
(إني وقفت بباب الجسر في نفر ... فوضى يخوضون في غرب من الخبر)
(قالوا لبابة أضحت وهي ساخطة ... قد قدت الجيب من غيظ ومن ضجر)
(فقلت حقا وقد قرت بقولهم ... عيني وأعين إخواني بني عمر)
(لا تعجبوا لقميص قد من قُبُل ... فإن صاحبه قد قد من دبر)
ولأبي سهل فيه يخاطب عبيد الله بن سليمان: [الخفيف]
(يا أبا القاسم الذي قسم الله ... في الورى الهوى والمهابه)
(كدت تنفي أهل الكتابة عنها ... حين أدخلت فيهم ابن ثوابه)
(أنت ألحقته وما كان فيهم ... بهم ظالما به للكتابه)
(هل رأينا مخنثا كاتبا أو ... هل يسمى أديب قوم لبابه)
وله فيه: [الكامل]
(أقصرت عن جدي وعن شغلي ... والمكرمات وعدت في هزلي)
(لما أراني الدهر من تصريفه ... غير يغير مثله مثلي)
(بلغ احمد بن ثوابة بجنونه ... ما ليس يبلغه ذوو عقل)
(إن كان نقص المرء يجلب حظه ... فالعقل يرفع رزق ذي فضل)
قال أبو حيان في كتاب الوزيرين حدثنا أبو بكر الصيمري قال حدثنا ابن سمكة قال حدثنا ابن محارب قال سمعت أحمد بن الطيب يقول إن صديقا لابن ثوابة الكاتب أبي العباس يكنى أبا عبيدة قال له ذات يوم إنك يحمد الله ومنه ذو أدب وفصاحة وبراعة فلو أكملت فضائلك بأن تضيف إليه معرفة البرهان القياسي وعلم الأشكال الهندسية الدالة على حقائق الأشياء وقرأت إقليدس وتدبرته فقال له ابن ثوابة وما كان إقليدس ومن هو قال رجل من علماء الروم يسمى بهذا الاسم وضع كتابا فيه أشكال كثيرة مختلفة تدل على حقائق الأشياء المعلومة والمغيبة يشحذ الذهن ويدقق الفهم ويلطف المعرفة ويصفي الحاسة ويثبت الروية ومنه افتتح الخط وعرفت مقادير حروف المعجم قال له أبو العباس بن ثوابة وكيف ذلك قال لا تعلم كيف هو حتى تشاهد الأشكال وتعاين البرهان. قال فافعل ما بدا لك فأتاه برجل يقال له قويرى مشهور ولم يعد إليه بعد ذلك قال أحمد بن الطيب فاستظرفت ذلك وعجبت منه فكتبت إلى أبي ثوابة رقعة نسختها: بسم الله الرحمن الرحيم اتصل بي جعلت فداك أن رجلا من إخوانك أشار عليك بتكميل فضائلك وتقويتها بشيء من معرفة القياس البرهاني وطمأنينتك إليه وأنك أصغيت إلى قوله وأذنت له فأحضرك رجلا كان غاية في سوء الأدب ومعدنا من معادن الكفر وإماما من أئمة الشرك لاستغرارك واستغوائك يخادعك عن عقلك الرصين وينازلك في ثقافة فهمك المبين فأبى الله العزيز إلا جميل عوائده الحسنة قبلك ومننه السوابق لديك وفضله الدائم عندك بأن تأتي على قواعد برهانه من ذروته وتحط عوالي أركانه من أقصى معاقد أسه فأحببت استعلامي ذلك على كنهه من جهتك ليكون شكري لك على ما كان منك حسب لومي لصاحبك على ما كان منه ولأتلافى الفارط في ذلك بتدبر المشيئة إن شاء الله تعالى قال فأجابني ابن ثوابة برقعة نسختها بسم الله الرحمن الرحيم وصلت رقعتك أعزك الله وفهمت فحواها وتدبرت متضمنها والخبر كما اتصل بك والأمر كما بلغك وقد لخصته وبينته حتى كأنك معنا وشاهدنا وأول ما أقول الحمد لله مولي النعم والمتوحد بالقسم { إليه يرد علم الساعة } { وإليه المصير } وأنا أسأله إتراع الشكر على ذلك وعلى ما منحنا من ودك وإتمامه بيننا بمنه ومما أحببت إعلامك وتعريفك بما تأدى إليك أن أبا عبيدة لعنه الله تعالى بنحسه ودسه وحدسه اغتالني ليكلم ديني من حيث لا أعلم وينقلني عما أعتقده وأراه وأضمره من الإيمان بالله عز وجل وبرسوله صلى الله عليه وسلم موطدا غضبكم لنصراني يشرك بالله ويتخد من دونه الأنداد ويعلن بالإلحاد لولا مكانكم لنهكته عقوبة فقال لي رجل منهم إنسان حكيم. فغاظني قوله فقلت لعن الله حكمة مشوبة بكفر فقال لي آخر إن عندي مسلما يتقدم أهل هذا العلم. ورجوت بذكره الإسلام خيرا فقلت ائتني به فأتاني برجل قصير دحداح آدم مجدور الوجه أخفش العينين أجلح أفطس سيء المنظر قبيح الزي فسلم فرددت عليه السلام فقلت ما اسمك فقال أعرف بكنية قد غلبت علي فقلت أبو من فقال أبو يحيى فتفاءلت بملك الموت عليه السلام وقلت اللهم إني أعوذ بك من الهندسة اللهم فاكفني شرها فإنه لا يصرف إلا أنت وقرأت الحمد لله والمعوذتين و { قل هو الله أحد } وقلت إن صديقا لي جاءني بنصراني يتخذ الأنداد ويدعي أن لله الأولاد ليغويني فهلم أفدنا شيئا من هندستك واقبسنا من ظرائف حكمتك ما يكون لي سببا إلى رحمة الله ووسيلة إلى غفرانه فإنها أربح تجارة وأعوذ بضاعة فقال أحضرني دواة وقرطاسا فقلت أتدعو بالدواة والقرطاس وقد بليت منهما ببلية كلها لم تندمل عن سويداء قلبي فقال وكيف كان ذلك فقلت إن النصراني نقط نقطة كأصغر من سم الخياط وقال لي إنها معقولة كربك الأعلى فوالله ما عدا فرعون وكفره وإفكه. فقال إنى أعفيك من النقطة لعن الله قويرى وما كان يصنع بالنقطة وهل بلغت أنت أن تعرف النقطة فقلت استجهلني ورب الكعبة وقد أخذت بأزمة الكتابة ونهضت بأعبائها واستقللت بثقلها يقول لي لا تعرف فحوى النقطة فنازعتني نفسي في معالجته بغليظ العقوبة ثم استعطفني الحلم إلى الأخذ بالفضل ودعا بغلامه وقال ائتني بالتخت فوالله ما رأيت مخلوقا بأسرع إحضارا له من ذلك الغلام فأتاه به فتخيلته هيئة منكرة ولم أدر ما هو وجعلت أصوب الفكر فيه وأصعد أخرى وأجيل الرأي مليا وأطرق طويلا لأعلم أي شيء هو أصندوق هو فإذا ليس بصندوق أتخت فإذا ليس بتخت فتخيلته كتابوت فقلت لحد لملحد يلحد به الناس عن الحق ثم أخرج من كمه ميلا عظيما فظننته متطببا وإنه لمن شر المتطببين فقلت له إن أمرك لعجب كله ولم أر أميال المتطببين كميلك أتفقأ به العين قال لست بمتطبب ولكن أخط به الهندسة على هذا التخت فقلت له إنك وإن كنت مباينا للنصراني في دينه لموازر له في كفره أتخط على تخت بميل لتعدل به عن وضح الفجر إلى غسق الليل وتميل بي إلى الكذب باللوح المحفوظ وكاتبيه الكرام إياي تستهوي أم حسبتني كمن يهتز لمكايدكم فقال لست أذكر لوحا محفوظا ولا مضيعا ولا كاتبا كريما ولا لئيما ولكن أخط فيه الهندسة وأقيم عليها البرهان بالقياس والفلسفة قلت له اخطط فأخذ يخط وقلبي مروع يجب وجيبا وقال لي غير متعظم إن هذا الخط طول بلا عرض فتذكرت صراط ربي المستقيم وقلت له قاتلك الله أتدري ما تقول تعالى صراط ربي المستقيم عن تخطيطك وتشبيهك وتحريفك وتضليلك إنه لصراط مستقيم وإنه لأحد من السيف الباتر والحسام القاطع وأدق من الشعر وأطول مما تمسحون وأبعد مما تذرعون ومداه بعيد وهوله شديد أتطمع أن تزحزحني عن صراط ربي وحسبتني غرا غبيا لا أعلم ما في باطن ألفاظك ومكنون معانيك والله ما خططت الخط وأخبرت أنه طول بلا عرض إلا ضلة بالصراط المستقيم لتزل قدمي عنه وأن ترديني في جهنم أعوذ بالله وأبرأ إليه من الهندسة ومما تدل عليه وترشد إليه إني بريء من الهندسة ومما تعلنون وتسرون ولبئسما سولت لك نفسك أن تكون من خزنتها بل من وقودها وإن لك فيها لأنكالا وسلاسل وأغلالا وطعاما ذا غصة فأخذ يتكلم فقلت سدوا فاه مخافة أن يبدر من فيه مثل ما بدر من المضلل الأول وأمرت بسحبه فسحب إلى أليم عذاب ونار { وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } ثم أخذت قرطاسا وكتبت بيدي يمينا آليت فيها بكل مؤكد وعقد مردد ويمين ليست لها كفارة أني لا أنظر في الهندسة أبدا ولا أطلبها ولا أتعلمها من أحد لا سرا ولا جهرا ولا على وجه من الوجوه ولا على سبب من الأسباب وأكدت بمثل ذلك على عقبي وعقب أعقابهم لا تنظروا فيها ولا تتعلموها ما دامت السموات والأرض إلى أن تقوم الساعة لميقات يوم معلوم
وهذا بيان ما سألت أعزك الله عنه فيما دفعت إليه وامتحنت به ولتعلم ما كان مني ولولا وعكة أنا في عقابيلها لحضرتك مشافها وأخذت بحظ المتمني بك والاستراحة إليك تمهد على ذلك عذري فإنك غير مباين لفكري والسلام
قال عبد الله الفقير إليه مؤلف هذا الكتاب لا شك أن أكثر ما في هذه الرسالة مفتعل مزور وما أظن برجل مثل ابن ثوابة وهو بمكانة من العلم بحيث تلقى إليه مقاليد الخلافة فيخاطب عنها بلسانه القاصي والداني ويرتضيه العقلاء والوزراء بحيث لا يرون له نظيرا في زمانه في براعة لسانه تولى كتابة الإنشاء السنين الكثيرة أن يكون منه هذا كله ولكن عسى أن يكون منه ما كان من ابن عباد وهو الذي ساق أبو حيان خبر ابن ثوابة لأجله وهو أن قال كان ابن عباد يسب أصحاب الهندسة ويقول:
جاءني بعض هؤلاء الحمقى ورغبني في الهندسة فابتدأ فأثبت خمسة وعشرين وخط خطا ووضع شكلا وطول وزعم أنه يعمل برهانا على ذلك فقلت له كنت أعرف أن هذا خمسة وعشرون ضرورة وقد شككت الآن فأنا مجتهد حتى أعلم بالاستدلال وهذا هو الخسار قلت ومثل هذا لا يبعد أن يقول مثله من لم يتدرب بهذه الصناعة فأما ما تقدم من حديث ابن ثوابة فهو غاية في التجلف والرجل كان أجل من ذلك وإنما أتي إما من جهة أحمد بن الطيب لأنه كان فيلسوفا وكان ابن ثوابة متعجرفا كما ذكرنا فأخذ يسخر منه ليضحك المعتضد فإن أحمد بن الطيب كان من جلساء المعتضد. وإما أن يكون أبو حيان جرى على عادته في وضع ما أكثر من وضعه من مثل ذلك والله أعلم.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|