المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
وظـائـف اتـجاهـات المـستهـلك
2024-11-28
كيفيّة محاسبة النّفس واستنطاقها
2024-11-28
المحاسبة
2024-11-28
الحديث الموثّق
2024-11-28
الفرعون رعمسيس الثامن
2024-11-28
رعمسيس السابع
2024-11-28



إبراهيم بن هلال بن زهرون  
  
4333   04:23 مساءاً   التاريخ: 9-04-2015
المؤلف : ياقوت الحموي
الكتاب أو المصدر : معجم الأدباء (إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب)
الجزء والصفحة : ج1، ص181-226
القسم : الأدب الــعربــي / تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-06-2015 1949
التاريخ: 11-3-2016 8780
التاريخ: 24-7-2016 4260
التاريخ: 21-06-2015 3464

أبو إسحاق الحراني أوحد الدنيا في إنشاء الرسائل والإشتمال على جهات الفضائل مات يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة خلت من شوال سنة أربع وثمانين وثلاثمائة عن إحدى وسبعين سنة ومولده في سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة كذا ذكره حفيده أبو الحسين هلال بن المحسن بن إبراهيم في تاريخه.

وكان قد خدم الخلفاء والأمراء من بني بويه والوزراء وتقلد أعمالا جليلة ومدحه الشعراء وعرض عليه عز الدولة بختيار ابن معز الدولة ابن بوية الوزارة إن أسلم فامتنع.

 وكان حسن العشرة للمسلمين عفيفا في مذهبه، وكان ينوب أولا عن الوزير أبي محمد المهلبي في ديوان الإنشاء وأمور الوزارة.

 ولما ورد عضد الدولة إلى بغداد في سنة سبع وستين وثلاثمائة نقم عليه أشياء من مكتوباته عن الخليفة وعن عز الدولة بختيار فحبسه فسئل فيه وعرف بفضله وقيل له مثل مولانا لا ينقم على مثله ما كان منه فإنه كان في خدمة قوم لا يمكنه إلا المبالغة في نصحهم ولو أمره مولانا بمثل ذلك إذا استخدمه في أبيه ما أمكنه المخالفة فقال عضد الدولة قد سوغته نفسه فإن عمل كتابا في مآثرنا وتاريخنا أطلقته فشرع في محبسه في كتاب التاجي في أخبار بني بويه وقيل إن بعض أصدقائه دخل عليه الحبس وهو في تبييض وتسويد في هذا الكتاب فسأله عما يعمله فقال أباطيل أنمقها وأكاذيب ألفقها فخرج الرجل وأنهى ذلك إلى عضد الدولة فأمر بإلقائه تحت أرجل الفيلة فأكب  أبو القاسم عبد العزيز بن يوسف ونصر بن هارون على الأرض يقبلانها ويشفعون إليه في أمره حتى أمر باستحيائه وأخذ أمواله واستصفائه وتخليد السجن بدمائه فبقي في السجن بضع سنين إلى أن تخلص في أيام صمصام الدولة ابن عضد الدولة .

 وكان بينه وبين الصاحب أبي القاسم إسماعيل بن عباد مراسلات ومواصلات ومتاحفات وكذلك بينه وبين الرضي أبي الحسن محمد بن الحسين الموسوي مودة ومكاتبات أذكر منها ما يليق باختصارنا هذا مع اختلاف الملل وتباين النحل وإنما كان ينظمهم سلك الأدب مع تبدد الدين والنسب.

 وذكر أبو منصور الثعالبي في كتابه أنه بلغ من العمر تسعين سنة والذي أوردته من تاريخ حفيده وهو أعلم به.

 فأما بلاغته وحسن ألفاظه فقد أغنتنا شهرتها عن صفتها وذكرتها الشعراء فقال بعضهم: [الكامل]

(أصبحت مشتاقا حليف صبابة ... برسائل الصابي أبي إسحاق)

 (صوب البلاغة والحلاوة والحجى ... ذوب البراعة سلوة العشاق)

 (طورا كما رق النسيم وتارة ... يحكي لنا الأطواق في الأعناق)

 (لا يبلغ البلغاء شأو مبرز ... كتبت بدائعه على الأحداق)

 ولآخر فيه: [الكامل]

 (يا بؤس من يمنى بدمع ساجم ... يهمي على حجب الفؤاد الواجم)

 (لولا تعلله بكأس مدامة ... ورسائل الصابي وشعر كشاجم)

 قال أبو منصور وكان يصوم شهر رمضان مسايرة وموافقة للمسلمين وحس عشرة منه لهم ويحفظ القرآن حفظا يدور على طرف لسانه وبرهان ذلك في رسائله

 قال وكان أبو إسحاق في عنفوان شبابه أحسن حالا منه في أيام اكتهاله وفي ذلك يقول: [الكامل]

 (عجبا لحظي إذ أراه مصالحي ... عصر الشباب وفي المشيب مغاضبي)

(أمن الغواني كان حتى خانني ... شيخا وكان على صباي مصاحبي)

 (أمع التضعضع ملني متجنبا ... ومع الترعرع كان غير مجانبي)

 (يا ليت صبوته إلي تأخرت ... حتى تكون ذخيرة لعواقبي)

 من قصيدة في فنها فريدة كتبها إلى الصاحب يشكو فيها بثه وحزنه ويستمطر سحبه ودرره بعد أن كان يخاطبه بالكاف ولا يرفعه عن رتبة الأكفاء

 وكان المهلبي لا يرى إلا به الدنيا ويحن إلى براعته ويصطنعه لنفسه ويستدعيه في أوقات أنسه وتوفي المهلبي وأبو إسحاق يلي ديوان الرسائل والخلافة على ديوان الوزارة لأن المهلبي مات بعمان وكان قد مضى لافتتاحها واستخلف أبا إسحاق على ديوان الوزارة فاعتقل في جملة عمال المهلبي وأصحابه فقال وهو معتقل: [الكامل]

 (يا أيها الرؤساء دعوة خادم ... أربت رسائله على التعديد)

 (أيجوز في حكم المروءة عندكم ... حبسي وطول تهددي ووعيدي)

(قلدت ديوان الرسائل فانظروا ... أعدلت في لفظي عن التشديد)

 (أعلي رفع حساب ما أنشأته ... فأقيم فيه أدلتي وشهودي)

 (أنسيتم كتبا شحنت فصولها ... بفصول در عندكم منضود)

 (ورسائلا نفذت إلى أطرافكم ... عبد الحميد بهن غير حميد)

 قال وكانت الرسالة التي ينقمها عليه عضد الدولة كتابا أنشأه عن الخليفة في شأن عز الدولة بختيار وهو:

 "وقد جدد له أمير المؤمنين مع هذه المساعي السوابق والمعالي السوامق التي يلزم كل دان وقاص وعام وخاص أن يعرف له حق ما كرم به منها ويتزحزح له عن رتبة المماثلة فيها فإن عضد الدولة أنكر هذه اللفظة أشد الإنكار وأسرها في نفسه إلى أن ملك العراق فحبسه كما تقدم ذكره.

 وقال حفيده هلال بن المحسن في أخبار الوزراء حدثني أبو إسحاق جدي قال لما توفي أبو الحسين هلال أبي جاءني أبو محمد المهلبي معزيا به فحين عرفت خبره في تقديمه مشرعة داري الشاطية بالزاهر بادرت لتلقيه واستعفيته من الصعود فامتنع من الإجابة إلى ذلك وصعد وجلس ساعة يخاطبني فيها بكل ما يقوي النفس ويشرح الصدر ويصف والدي ويقرظه لي بقوله ما مات من كنت له خلفا ولا فقد من كنت منه عوضا ولقد قررت عين أبيك بك في  حياته وسكنت مضاجعه إلى مكانك بعد وفاته فقبلت يده ورجله وأكثرت من الثناء عليه والدعاء له وحضرتني في الحال ثلاثة أبيات أنشدته إياها وهي: [الخفيف]

 (لو وثقنا بأن عمرك يمتد ... بأعمارنا قتلنا النفوسا)

 (قد تركت الموت الزؤام مغيظا ... يتلظى لجرحه كيف يوسا)

 (فغدت عندنا المصيبة نعمى ... بأياديك وهي من قبل بوسا)

 ثم نهض وأقسم علينا ألا يتبعه أحد منا وأنفذ إلي في بقية ذلك اليوم خمسة الاف درهم فقال استعن بهذا على أمرك ولم يبق أحد من أهل الدولة ألا جاءني بعده معزيا ثم اجتاز بي من الغد في طيارة ووقف واستدعاني وأمرني بالنزول معه فبعد جهد ما تركني بقية اليوم

 وحدث أبو منصور قال حكى أبو إسحاق الصابىء قال طلب مني رسول سيف الدولة ابن حمدان عند قدومه الحضرة شيئا من شعري وذكر أن صاحبه رسم له ذلك فدافعته أياما ثم ألح علي وقت الخروج فأعطيته هذه الثلاثة الأبيات: [الكامل]

 (إن كنت خنتك في المودة ساعة ... فذممت سيف الدولة المحمودا)

 (وزعمت أن له شريكا في العلا ... وجحدته في فضله التوحيدا)

 (قسما لو إني حالف بغموسها ... لغريم دين ما أراد مزيدا)

فلما عاد الرسول إلى الحضرة ودخلت عليه مسلما أخرج لي كيسا بختم سيف الدولة مكتوبا عليه اسمي وفيه ثلثمائة دينار.

 ووجدت بخط أبي علي بن أبي إسحاق قال لما غني ابن حمدان بهذا الشعر سأله عن قائله فعرفه قال والدي رحمه الله فأنفذ إلي في الوقت عشرة دنانير من دنانير الصلة وزنها خمسمائة مثقال وأضاف إلى ذلك رسما كان ينفذه إلي في كل سنة إلى أن مات رحمه الله

 قال وأهدى أبو إسحاق الصابىء إلى عضد الدولة في يوم مهرجان إصطرلابا بقدر الدرهم محكم الصنعة وكتب إليه وفي كتاب الوزراء لحفيده أنه أهدى الإصطرلاب إلى المطهر بن عبد الله وزير عضد الدولة وكتب إليه بهذه الأبيات: [البسيط]

 (أهدى إليك بنو الحاجات واختلفوا ... في مهرجان عظيم أنت مبليه)

 (لكن عبدك إبراهيم حين رأى ... علو قدرك لا شيء يساميه)

 (لم يرض بالأرض يهديها إليك فقد ... أهدى لك الفلك الأعلى بما فيه)

 ولقابوس أبيات تشبه هذه مذكورة في بابه

 ذكر القبض على أبي إسحاق الصابىء والسبب فيه وما جرى عليه من أمره إلى أن أطلق

 قال هلال بن المحسن قبض عليه في يوم السبت لأربع بقين من ذي القعدة سنة سبع وستين وثلاثمائة وأفرج عنه يوم الأربعاء لعشر بقين من جمادى الأولى سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة فكان مدة حبسه ثلاث سنين وسبعة أشهر وأربعة عشر يوما.

قال وكان السبب في القبض عليه أنه كان قد خدم عضد الدولة عند كونه بفارس بالشعر والمكاتبة والقيام بما يعرض من أموره بالحضرة فقبله وأنفق عليه وأرفده في أكثر نكباته بمال حمله إليه وورد عضد الدولة في سنة أربع وستين وثلاثمائة فزاد قربه منه وخصوصه به وتأكد حاله عنده فلما أراد العود إلى فارس عمل على الخروج معه إشفاقا من المقام بعده ثم علم أنه متى فعل ذلك أسلم أهله وولده وتعجل منهم ما عسى الله أن يدفعه عنه فاستظهر له عضد الدولة بأن ذكره في الاتفاق الذي كتب بينه وبين عز الدولة وعهد به إليه واليمين التي حلفا بها وشرط عليهما حراسته في نفسه وماله وترك تتبعه في شيء من أحواله وانحدر عضد الدولة فلم يأمن على نفسه من عز الدولة وأبي طاهر بن بقية وزيره واستتر وأقام على الاستتار مدة ثم توسط أبو محمد بن معروف أمره معهما وأخذ له العهد عليهما والأمان منهما واستوثق بغاية ما يستوثق به من مثلهما وظهر فتركاه مديدة ثم قبضا عليه وذلك بإغراء ابن السراج لهما به وتجدد منه في العداوة له أمور تجنى فيها عليه وجرت له في هذه النكبة خطوب أشفى فيها على ذهاب النفس ثم كفاه الله بأن فسد أمر ابن السراج مع ابن بقية بما عامله بالعلة التي عرضت له فقبض على ه ونقل القيد من رجل أبي إسحاق إلى رجله وعاد إلى خدمة عز الدولة وكتب عنه في أيام المباينة بينه وبين عضد الدولة الكتب التي تضمنت الوقيعة والاستهتار  عليه ومنها الكتاب عن الطائع لله بتقديم عز الدولة وإنزاله منزلة ركن الدولة وهو أعظم ما نقمه عليه.

 فلما ورد عضد الدولة إلى بغداد في الدفعة الثانية وحصل بواسط استظهر بأن خرج إلى أبي سعد بهرام بن أردشير وهو يتردد في الرسائل بما يتخوفه من تشعب رأي عضد الدولة وسأله إجراء ذكره وإقامة عذره والاحتياط له بأمان تسكن إليه نفسه وكتب على يده كتابا عاد جوابه بما نسخته كتابنا أيدك الله من المعسكر بحبل يوم الجمعة لست ليال بقين من شهر ربيع الأول عن سلامة ونعمة والحمد لله رب العالمين ووصل كتابك أيدك الله وفهمنا وعرفنا ما يحمل واستمعنا من أبي سعد بهرام بن أردشير أعزه الله ما أورده عنك ومن كانت به حاجة إلى إقامة معذرة الخدمة واستقالة من عثرة أو الاستظهار في مثل هذه الأحوال بوثيقة فأنت مستغن عن ذلك بسابقتك في الخدمة ومنزلتك من الثقة وموقعك لدينا من الخصوص والزلفة وذكر أبو سعد أعزه الله التماسك أمانا فقد بذلناه لك على غناك عنه وأنت آمن على نفسك ودمك وشعرك وبشرك وأهلك وولدك وسائر ما تحويه يدك حال في كل حال بكنف الأثرة والخصوص والإحسان والقبول عندنا محروس في جاهك وموقفك وحالك فاسكن إلى ذلك واعتمده ولك علينا الوفاء به عهد الله وميثاقه وقد حملنا أبا سعد أعزه الله في هذا الباب ما يذكره لك والله نستعين على النية فيك وهو حسبنا.

 والتوقيع بخط عضد الدولة اعتمد ذلك واسكن إليه وثق به إن شاء الله تعالى.

ودخل عضد الدولة إلى بغداد فأجراه على رسمه ووقع بإقرار إقطاعه وإمضاء تقريراته فلما حصل بالموصل كتب إلى أبي القاسم المطهر بالقبض عليه.

 فحدثني أبو الحسن فهد بن عبد الله وكان يكتب لأبي عمرو بن عند نظره في الموصل قال أخرج في الموصل إلى الديوان ما وجد في قلاع أبي تغلب من الحسابات ليتأمل ويميز وكان فيها الشيء الكثير من كتب عز الدولة إلى أبي تغلب بخط أبي إسحاق جدك فكان أبو عمرو إذا رأى ما فيه ذكر عضد الدولة أيام المباينة بينه وبين عز الدولة يجمعه حتى جمع من ذلك شيئا كثيرا وحمله إلى عضد الدولة لعداوة كانت بينه وبينه فأظن ما وقف عليه حرك ما كان في نفسه حتى كتب من هناك بالقبض عليه.

 قال وحدثني جدي قال كنت جالسا بحضرة أبي القاسم المطهر بن عبد الله وزير عضد الدولة في يوم القبض علي إذ وردت التوبة ففضت بين يديه وبدأ منها بقراءة كتاب عضد الدولة فلما انتهى إلى فصل منه وجم وجوما بان في وجهه فقال لي أبو العلاء صاعد بن ثابت أظن في هذا الكتاب ما ضاق صدرا به وقمت من مجلسه لأنصرف فتبعني بعض حجابه وعدل بي إلى بيت من داره ووكل بي وأرسل يقول لي لعلك قد عرفت مني الانزعاج عند الوقوف على الكتاب الوارد من الحضرة اليوم وكان ذلك لما تضمن من القبض عليك وأخذ مائة ألف درهم منك وينبغي أن تكتب خطك بهذا المال ولا تراجع فيه فوالله لا تركت ممكنا في معونتك وتخليصك إلا بذلته وقد جعلت اعتقالك في داري ومقامك في ضيافتي فطب نفسا بقولي وثق بما يتبعه من  فعلي، وقبض على ولديه أبي علي المحسن والدي وأبي سعيد سنان عمي فلما تقدم عضد الدولة إلى أبي القاسم المطهر بالانحدار لقتال صاحب البطيحة سأل عضد الدولة إطلاقه والإذن له في استخلافه بحضرته فقال له أما العفو فقد شفعناك فيه وينبغي أن تعرفه ذلك وتقول له إننا قد غفرنا لك عن ذنب لم نعف عما دونه لأهلنا يعني عز الدولة والديلم ولأولاد بيتنا يعني أبا الحسن محمد بن عمر وأبا أحمد الموسوي ولكنا وهبنا إساءتك لخدمتك وعلينا المحافظة فيك على الحفيظة منك.

 وأما استخلافك إياه بحضرتنا فكيف يجوز أن ننقله من السخط والنكبة إلى النظر في الوزارة ولنا في أمره تدبير.

 وبالعاجل فتحمل إليه من عندك ثيابا ونفقة وتطلق ولديه وتقدم إليه عنا بعمل كتاب في مفاخرنا فحمل إليه المطهر ثيابا ونفقة وأطلق ولديه والدي وعمي ورسم له تأليف الكتاب في الدولة الديلمية وانحدر المطهر وبقي أبو إسحاق في محبسه وعمل الكتاب فكان إذا ارتفع جزء منه حمل إلى الحضرة العضدية حتى يقرأه ويتصفحه ويزيد فيه وينقص منه فلما تكامل على ما أراده حرر وحمل كلاما محررا فيقال إنه قرئ عليه في أسبوع وتركه في الحبس بعد ذلك سنة واتفق أن خرج إلى الزيارة وعاد فعمل فيه قصيدة يهنئه فيها بمقدمه ويذكره بأمره منها: [الكامل]

 (أهلا بأشرف أوبة وأجلها ... لأجل ذي قدم يلاذ بنعلها)

 (شاهانشاه تاج ملته التي ... زيدت به في قدرها ومحلها)

يا خير من زهت المنابر باسمه ... في دولة علقت يداه بحبلها)

 (وأقمت فينا سيرة عضدية ... هيهات لا تأتي الملوك بمثلها)

 (يردى غوي فاجر في بأسها ... ويعيش بر صالح في فضلها)

 (مولاي عبدك حالف لك حلفة ... تعيا مناكب يذبل عن حملها)

 (لقد انتهى شوقي إليك إلى التي ... لا أستطيع أقلها من ثقلها)

 (طوبى لعين أبصرتك ومن لها ... بغبار دارك جازيا عن كحلها)

 (لو بعتني بجميع عمري لفظة ... أو لحظة بالطرف لم أستغلها)

 (أترى أمر بخطرة من بالها ... أترى أعود إلى كثافة ظلها)

 (لي ذمة محفوظة في ضمنها ... ووثائق محروسة في كفلها)

(وإذا رأيت سحائبا لك ثرة ... تروي النفوس الحائمات بهطلها)

 (لا في الرجال الناقعين بوبلها ... كلا ولا في القانعين بطلها)

(قابلت بالزفرات هبة ريحها ... وحكيت بالعبرات درة سجلها)

 (فلو أن عيني راهنت بدموعها ... يمناك في السقيا لفزت بخصلها)

 قال قد كان أبو إسحاق يكاتب عضد الدولة في الحبس بالأشعار ويرققه فما رققه شيء كقصيدته القافية ومنها: [الطويل]

 (أجل في البنين الزهر طرفك إنهم ... حووا كل مرأى للأحبة مؤنق)

 (وتمت لك النعمى بقرب كبيرهم ... فأهلا به من طارق خير مطرق)

 (موال لنا مثل النجوم مطيفة ... بمولى موال منك كالبدر مشرق)

 (وقد ضمهم شمل لديك مؤلف ... فأرث لذي الشمل الشتيت المفرق)

 (وإن كنت يوما عنهم متصدقا ... فمن مثل ما خولت فيهم تصدق)

 (فلي مقلة تقذى إذا ما مددتها ... إلى صبية ممن أعول ودورق)

 (إناث وذكران أبيت من اجلهم ... على كمد بين الحجابين مقلق)

 (رسائلهم تأتي بما يلدغ الحشا ... ويصدع قلب النازع المتشوق)

 (فباكية ترثي أباها ولم يمت ... وبائنة من بعلها لم تطلق)

 (وزغب من الأطفال أبناء منزل ... شوارد عنه كالقطا المتمزق)

 (إذا حرقوا قلبي بنجواهم انثنت ... عداك تناجيني فتطفي تحرقي)

 (شهدت لئن أنكرت أنك صنتني ... ولم أرع ما أوليتني من ترفق)

 (لقد ضيع المعروف عندي وأصبحت ... ودائعه مودوعة عند أحمق)

(وحبسك لي جاه عريض ورفعة ... وقيدك في ساقي تاج لمفرقي)

 (وما موثق لم تطرحه بموثق ... ولا مطلق لم تصطنعه بمطلق)

 (خلا أن أعواما كملن ثلاثة ... تعرقت البقيا أشد تعرق)

 (وقد ظمئت عيني التي أنت نورها ... إلى نظرة من وجهك المتألق)

 (فيا فرحتي إن ألقه قبل ميتتي ... حسرتي إن مت من قبل نلتقي)

 (خدمتك مذ عشرون عاما موفقا ... فهب لي يوما واحدا لم أوفق)

 (فإن يك ذنب ضاق عندي عذره ... فعندك عفو واسع غير ضيق)

 قال وسمعت أبا الريان حامد بن محمد الوزير يقول لجدي وهما في مجلس أنس وأنا حاضر معهما لما أنفذت القصيدة اللامية بالتهنئة عن قدوم عضد الدولة من الزيارة عرضتها عليه في وقت كان عبد العزيز بن يوسف غير حاضر فيه فقرأها ثم رفع رأسه إلي وإلى عبد الله بن سعدان وكنت آمنه عليك وأعلم أن اعتقاده يوافق اعتقادي فيك فقال قد طال حبس هذا المسكين ومحنته فقبلت أنا وهو الأرض عند ذلك فقال لنا كأنكما تؤثران إطلاقه قلنا إن من أعظم حقوقه علينا وذرائعه عندنا أن عرفناه في خدمتك وخالطناه في أيامك قال فإذا كان رأيكما فيه فأنفذا وأفرجا عنه وتقدما إليه عنا بملازمة منزله إلى أن يرسم له ما يليق بمثله

 قال أبو الريان فخرجت مبادرا وأنفذت لشكرستان صاحبي وأنفذ ابن سعدان محمدا ليواتيه وانتظرت عودهما بما فعلاه من صرفك إلى دارك فأبطأ  علي وكنت أعرف من عادة عضد الدولة أنه يتقدم بالأمر ثم يسأل عنه فإن كان قد فعل أمضاه ولم يرجع وإن تأخر فربما بدا له رأي مستأنف في التوقف عنه فدخلت إلى عضد الدولة في عرض ما أطالعه به فقلت له سمع الله في مولانا ما دعي له فقال ما تجدد قلت شاهد الناس أبا إسحاق الصابىء وقد أخرج من محبسه ومضى إلى داره فأكثروا من الدعاء والشكر فسكت وشغلت عضد الدولة علته وما أفضى إليه من منيته عن النظر في أمره إلا أنه وصل إلى حضرته فيما بين الإطلاق واشتداد العلة في أيام متفرقة فتفقده بثياب ونفقات عدة دفعات وكان الصاحب ابن عباد يحبه أشد الحب ويتعصب له ويتعاهده على بعد الدار بالمنح وكان الصابىء منذ حبسه عضد الدولة متعطلا إلى أن مات فكان يواصل حضرة الصاحب بالمدح.

 قال أبو منصور فقرأت له فضلا من كتاب في ذكر صلة وصلت منه إليه استطرفته جدا وهو:

 "ورد أطال الله بقاء سيدنا أبو العباس أحمد بن الحسن وأبو محمد جعفر بن شعيب حاجين فعرجا إلي ملمين وعاجا إلي مسلمين فحين عرفتهما فقبل أن أرد السلام عليهما مددت اليد إلى ما معهما كما مدها حسان بن ثابت إلى رسول جبلة بن الأيهم ثقة مني بصلته وتشوقا إلى تكرمته  واعتيادا لإحسانه وإلفا لموارد إنعامه وتيقنا أن الخطرة مني على باله مقرونة بالنصيب من ماله وأن ذكراه لي مشفوعة بجدواه على وقمت عند ذلك قائما وقبلت الأرض ساجدا وكررت الدعاء والثناء مجتهدا وسألت الله أن يطيل له البقاء كطول يده بالعطاء ويمد له في العمر كامتداد ظله على الحر وأن يحرس هذا البدد القليل العدد من مشيخة الكتاب ومنتحلي الآداب ما كنفهم به من ذراه وأفاءه عليهم من نداه وأسامهم فيه من مراتعه وأعذبه لهم من شرائعه التي هم محلئون إلا منها ومحرومون إلا عنها".

 وكان الصاحب يتمنى انحياز أبي إسحاق إلى جنبته وقدومه إلى حضرته ويضمن له الرغائب على ذلك إما تشوقا وإما تشرفا.

 وكان أبو إسحاق يحتمل ثقل الخلة وسوء أثر العطلة ولا يتواضع للاتصال بجملة ألصاحب بعد كونه من نظرائه وتحليه بالرياسة في أيامه.

 قال وأخبرني ثقات منهم أبو القاسم علي بن محمد الكرخي وكان شديد الاختصاص بالصاحب أنه كثيرا ما كان يقول كتاب الدنيا وبلغاء العصر أربعة الأستاذ أبن العميد وأبو القاسم عبد العزيز بن يوسف وأبو إسحاق الصابئ ولو شئت لذكرت الرابع يعني نفسه.

 فأما الترجيح بين هذين الصدرين أعنني الصاحب والصابئ في الكتابة فقد خاض فيه الخائضون وأطنب المحصلون ومن أشفى ما سمعته في ذلك أن الصاحب كان كما يريد وأبو إسحاق يكتب كما يؤمر وبين الحالين بون بعيد وكيف جرى الأمر فهما هما ولقد وقف فلك البلاغة بعدهما.

 ومما يدل على إناخة كلكل الزمان عليه وصرف صروفه بعد النباهة إليه فصل كتبه إلى صديق له يستميحه وهو:

 ولما ضارت صروف الدهر تتوغل بعد التطريف وتجحف بعد التَّحيف، وصادف ما تجدد علي في هذا الوقت منها أشلاء مني منهوكة وأعظما مبرية وحشاشة مشفية وبقية مودية جعلت أختار الجهات وأعتام الجنبات لأنحو منها ما لا يعاب سائله إذا سأل ولا يخيب آمله إذا أمل وكان سيدي أولها إذا عددت وأولاها إذا اعتمدت وكتبت كتابي هذا بيد يكاد وجهي يتظلم منها إذ تخطه إشفاقا على مائة مما يريقه لولا الثقة بأنه يحقن مياه الوجوه ويحميها ويجممها ولا يقذيها.

 فصل من كتاب إلى عضد الدولة في تهنئة بتحويل سنته:

 أسأل الله مبتهلا لديه مادا يدي إليه أن يحيل على مولانا هذه السنة وما يتلوها من أخواتها بالصالحات الباقيات والزيادات الغامرات ليكون كل دهر يستقبله وأمد يستأنفه موفرا على المتقدم له قارا عن المتأخر عنه ويوفيه من العمر أطوله وأبعده ومن العيش أعذبه وأرغده عزيزا منصورا محميا موفورا باسطا يده فلا يقبضها إلا على نواصي أعداء وحساد ساميا طرفه فلا يعضه إلا على لذة غمض ورقاد مستريحة ركابه فلا يعملها إلا لاستضافة عر وملك فائزة قداحه فلا يجبلها لا لحيازة مال وملك حتى ينال أقصى ما يتوجه إليه أمنيته جامحة وتسمو له همته طامحة.

 وحدث هلال بن المحسن حدثني جدي أبو إسحاق ثم وجدت هذا الخبر بخط المحسن بن إبراهيم قال حدثني والدي أب و إسحاق قال كان والدي أبو الحسن يلزمني في الحداثة والصبى قراءة كتب الطب والتحلي بصناعته وينهاني عن التعرض لغير ذلك فقويت فيها قوة شديدة وجعل لي برسم الخدمة في البيمارستان عشرون دينارا في كل شهر وكنت أتردد إلى جماعة من الرؤساء خلافة له ونيابة عنه وأنا مع ذلك كاره للطب ومائل إلى قراءة كتب الأدب كاللغة والشعر والنحو والرسائل والأدب وكان إذا أحس بهذا مني يعاتبني عليه وينهاني عنه ويقول يا بني لا تعدل عن صناعة  أسلافك فلما كان في بعض الأيام ورد عليه كتاب من بعض وزراء خراسان يتضمن أشياء كثيرة كلفه إياها ومسائل في الطب وغيره سأله عنها وكان الكتاب طويلا بليغا قد تأنق مُنشئه وتغارب فأجاب عن تلك المسائل وعمل جملا لما يريده وأنفذها على يدي إلى كاتب لم يكن في ذلك العصر أبلغ منه وسأله إنشاء الجواب عنه قال فمضيت وأنشأت أنا الجواب وأطلته وحررته وجئت به إليه فلما قرأه قال يا بني سبحان الله ما أفضل هذا الرجل وأبلغه فقلت له هذا من إنشائي فكاد يطير فرحا وضمني إليه وقبل بين عيني وقال قد أذنت لك الآن فأمض فكن كاتبا.

 كان أبو إسحاق الصابىء واقفا بين يدي عضد الدولة وبين يديه كتب قد وردت عليه من ابن سمجور صاحب خراسان وعلى رأسه غلام تركي حسن الوجه جميل الخليقة وكان مائلا إليه ورأيت الشمس إذا وجبت عليه حجبه عنها إلى أن أستتم قراءة ما كان في يده ثم ألتفت إليه فقال له هل قلت شيئا يا إبراهيم فقال: [الكامل]

 (وقفت لتحجبني عن الشمس ... نفس أعز علي من نفسي)

 (ظلت تظللني ومن عجب ... شمس تقنعني عن الشمس)

 فسر بذلك وطوى الكتب وجعله مجلسا للطرب وألقي على الجواري الستائر فغنوا به في ذلك اليوم وهو في الخامس من شوال سنة إحدى وستين وثلاثمائة.

 وكتب إلى بعض أصدقائه ولو حملت نفسي على الإستشفاع والسؤال لضاق علي فيه المرتكض والمجال لأن الناس عندنا ما خلا الأعيان الشواذ الذين أنت بحمد الله أولهم طائفتان مجاملة ترى أنها قد وفتك خيرها إذا كفتك شرها وأجزلت لك رفدها إذا أجنبتك كيدها ومكاشفة تنزو إلى القبيح نزو الجنادب أو تدب دبيب العقارب فإن عوتبوا حسروا قناع الشقاق وإن غولظوا تلثموا بلثام النفاق والفريقان في ذاك كما قلت منذ أيام الطويل

 (أيا رب كل الناس أبناء علة ... أما تعثر الدنيا لنا بصديق)

 (وجوه بها من مضمر الغل شاهد ... ذوات أديم في النفاق صفيق)

 (إذا أعترضوا عند اللقاء فإنهم ... قذى لعيون أو شجا لحلوق)

 (وإن أظهروا برد الودود وظله ... أسروا من الشحناء حر حريق)

 (أخو وحدة قد انستني كأنني ... بها نازل في معشر ورفيق)

 فذلك خير للفتى من ثوائه ... بمسبعة من صاحب وصديق)

 ومن خط أبي علي المحسن بن إبراهيم بن هلال حدثني والدي رحمه الله قال وصفت وأنا حدث للوزير أبي محمد المهلبي وهو يومئذ يخاطب  بالأستاذ فاستدعى عمي أبا الحسن ثابت بن إبراهيم وسأله عني والتمسني منه ووعده في بكل جميل فخاطبني عمي في ذلك وأشار علي به فامتنعت لانقطاعي إلى النظر في العلوم وكنت مع هذه الحال شديد الحاجة إلى التصرف لقرب العهد بالنكبة من توزون التي أتت على أموالنا فلم يزل بي أبي حتى حملني إليه فلما رآني تقبلني وأقبل علي ورسم لي الملازمة وبحضرته في ذلك الوقت جماعة من شيوخ الكتاب فلما كان في بعض الأيام وردت عليه عدة كتب من جهات مختلفة فاستدعاني وسلمها إلي وذكر لي المعاني التي تتضمنها الأجوبة وأطال القول فمضيت وأجبت عن جميعها من غير أن أخل بشيء من المعاني التي ذكرها فقرأها حتى أتى على آخرها وتقدم إلي في الحال بإحضار دواتي والجلوس بين يديه متقدما على الجماعة فلزم بعضهم منزلة وجدا وغضبا وأظهر بعضهم التعالل فلم أزل أتلطف وأداري وأغضي على قوارص تبلغنني حتى صارت الجماعة إخواني وأصدقائي.

 وقرأت بخطه أيضا وفي كتاب الوزراء لابنه قال المحسن حدثني والدي وقال هلال حدثني جدي واللفظ والمعنى يزيد وينقص والإعتماد على ما في كتاب هلال لأنه أتم قال أبو إسحاق كنت في مجلس الوزير أبي محمد المهلبي في بعض أيام الحداثة جالسا في مجلس أنسه وبين يديه أبو الفضل العباس بن الحسين وأبو أحمد الفضل بن عبد الرحمن وأبو علي الحسين بن محمد الأنباري وأبو الفرج بن أبي هشام وغيرهم من خلصائه  وكتابه وقد أخذ الشراب من الجماعة وزاد بهم على حد النشوة وكانت لي في ذلك مزية لأنني شربت معه أرطالا عدة إذ حضر رسول الأمير معز الدولة يذكر أن معه مهما فقال أبو محمد يدخل فدخل وقال الأمير يقول تكتب عني الساعة كتابا إلى محمد بن إلياس صاحب كرمان تخطب فيه أبنته لبختيار فقال الوزير هذا كتاب يحتاج إلى تأمل وتثبت وما في الكتاب من فيه مع السكر عقل له ثم ألتفت إلى أبي علي الأنباري فقال له تتمكن يا أبا علي من كتبه فقال أما الليلة وعلى مثل هذه الحالة والصورة فلا ورآني الوزير مصغيا إلى القول متشوقا لما يرسمه لي في ذلك فقال تكتبه يا أبا إسحاق قلت نعم قال افعل فقمت إلى صفة يشاهدني فيها واستدعيت دواتي ودرجا منصوريا وكتبت كتابا اقتضبته بغير روية ولا نسخة والوزير والحاضرون يلاحظونني ويعجبون من إقدامي ثم اقتضابي وإطالتي فلما فرغت منه أصلحته وعونته وحملته إليه فوقف عليه ووجهه متهلل في أثناء القراءة والتأمل ورمى به إلى أبي علي بن الأنباري ثم قال للجماعة هذا كتاب حسن دال على الكفاية المبرزة ولو كتبه صاحيا مرويا لكان عجبا فكيف إذ يكتبه منتشيا مقتضبا ولكنه كاتبي وصنيعتي قم يا أبا إسحاق من موضعك وأجلس ههنا حيث أجلستك الكفاية وأومأ إلى جانب أبي الغنائم أبنه فقبلت يده ورجله وشكرته ودعوت له وجلست بحيث أجلسني وشرب لي سارا ثم أستدعى حاجبه وقال تقدم دأبته إلى حيث تقدم دواب خلصائي ويوفّى من الإكبار والإكرام ما يوفونه فحسدني على ذلك كل من كان حاضرا ووفوني من الغد حكم المساواة في المخاطبة والمعاملة واستشعروا عندها أسباب العداوة والمنافسة ثم قلدني دواوين الرسائل والمظالم والمعاون تقليدا سلطانيا كتب به عن المطيع لله إلى أصحاب الأطراف.

 وحدث هلال بن المحسن قال حدثني جدي أبو إسحاق قال كان أبو طاهر بن بقية واقفا بين يدي عضد الدولة في سنة أربع وستين وثلاثمائة التي ورد فيها للمعاونة على الأتراك فقال لي عضد الدولة لو عرضت علينا أبياتك إلى أبي القاسم عبد العزيز بن يوسف التي هي وأنشدها وكانت: [البسيط]

 (يا راكب الجسرة العيرانة الأجد ... تدمى مناسمها في الحزن والجدد)

 (أبلغ أبا قاسم نفسي الفداء له ... مقالة من أخ للحق معتمد)

 (أنصفت فيها ولم أظلم وما حسن ... بالمرء إلا مقال الحق والسدد)

 في كل يوم لكم فتح له خطر ... يشاد فيه بذكر السيد العضد)

 (وما لنا مثله لكننا أبدا ... نجيبكم بجواب الحاسد الكمد)

 (فأنت أكتب مني في الفتوح وما ... تجري مجيبا إلى شأوي ولا أمدي)

 (إذ لست تعرفها تأتيك من أحد ... ولست أعرفها تمضي إلى أحد)

 (وما ذممت ابتدائي إذ بدأتكم ... ولا جوابكم في القرب والبعد)

 (وإنما رمت أن أثني على ملك ... مستطرد بذليل فيه مطرد)

 (قال فلما أستتمها قال لأبي طاهر ما قصد أبو إسحاق في هذه الأبيات وسمعها أبو طاهر صفحا وقد كان شرب أقداحا ولم يعلق بذكره من الأمر إلا ذكر المجلس وأشتهر خبرها عند كل أحد فلما عاد عضد الدولة إلى شيراز سألني أبو طاهر بن بقية عنها وطالبني بإنشادها إياه فلم يمكنني إنكارها فغيرتها في الحال على هذا الوجه: [البسيط]

 (يا راكب الجسرة العيرانة الأجد ... تدمى مناسمها في الحزن والجدد)

 (أبلغ أبا قاسم نفسي الفداء له ... مقالة من أخ للود معتمد)

 (أنصفت فيها ولم أظلم وما حسن ... بالمرء إلا مقال الحق والسدد)

 (قد أعجبتك فتوح أنت كاتبها ... تردد السجع فيها غير متئد)

 (خلا لك الجو إذ أصبحت منتشيا ... تشدو بها طربا كالطائر الغرد)

(تروعني كل يوم منك رائعة ... تبغي الجواب لها من موجع كمد)

 (فأنت أكتب مني في الفتوح وما ... تجري مجيبا إلى شأوي ولا أمدي)

 (أعطيني شر قسميها وفزت بما ... فيه الفوائد من قرب ومن بعد)

 (فاشكر إلهك واعذرني فقد صديت ... قريحتي من زمان مقرف تلد)

 ثم سعي بأبي إسحاق إلى عز الدولة حتى قبض عليه بعد أن أعطانا أمانا كتبه أبن بقية بيده ولم يستقص أبن بقية عليه لحق كان قد أوجبه عليه أيام كون عضد الدولة ببغداد.

 فكتب أبو إسحاق إلى أبن بقية من الحبس: [الطويل]

 إلا يا نصير الدين والدولة الذي ... رددت إليها العز إذ فات رده

 أيعجزك استخلاص عبدك بعد ما ... تخلصت مولاك الذي أنت عبده

وكتب أبو إسحاق إلى المظهر بن عبد الله وزير عضد الدولة وقد عرضت له شكاة: [الكامل]

 لو استطعت أخذت علة جسمه ... فقرنتها مني بعلة حالي

 وجعلت صحتي التي لم تصف لي ... بدلا له من صحة الإقبال

 فتكون عندي العلتان كلاهما ... والصحتان له بغير زوال

 قرأت بخط أبي علي بن إبراهيم الصابئ كتب والدي إلى بعض إخوانه:

 كانت رقعتك يا سيدي وصلت إلي مشتملة من لطيف تفضلك وبرك وأنيق نظمك ونثرك على ما شغلني الاستحسان له والاسترواح إليه وتكرير الطرف في مبانيه والفكرة في معانيه عن الشروع في الإجابة عنه ثم تعاطيتها فوجدتني بين حالتين إما أوجزت إيجازا يظن معه التقصير أو أظلت إطالة يظهر منها القصور فرأيت أولى الأمرين بذل الممكن واستنفاد المجهود بعد تقديم الإقرار لك والاعتراف بفضلك: [المتقارب]

 فسبحان رب كريم حباك ... بطول اللسان وطول البنان

 ووفاك من فضل إنعامه ... كمالا تقصر عنه الأماني

 فما كنت أحسب أن الزمان ... يزان بمثلك لولا عياني

 ومن خطه: حدثني والدي أبو إسحاق قال: راسلت أبا الطيب المتنبي رحمه الله في أن يمدحني بقصيدتين وأعطيه خمسة آلاف درهم ووسطت بيني وبينه رجلا من وجوه التجار فقال له قل له والله ما رأيت بالعراق من يستحق المدح غيرك ولا أوجب علي في هذه البلاد أحد من الحق ما أوجبت وإن أنا مدحتك تنكر لك الوزير يعني أبا محمد المهلبي وتغير عليك لأنني لم أمدحه فإن كنت لا تبالي هذه الحال فأنا أجيبك إلى ما التمست وما أريد منك منالا ولا عن شعري عوضا قال والدي فتنبهت على موضع الغلط وعلمت أنه قد نصح فلم أعاوده.

 ومن شعر أبي إسحاق قوله: [الكامل]

 جرت الجفون دما وكأسي في يدي ... شوقا إلى من لج في هجراني

 فتخالف الفعلان شارب قهوة ... يبكي دما وتشاكل اللونان

 فكأن ما في الجفن من كأسي جرى ... وكأن ما في الكأس من أجفاني

 وله أيضا: [الخفيف]

 أيها اللائم المضيق صدري ... لا تلمني فكثرة اللوم تغري

 قد أقام القوام حجة عشقي ... وأبان العذار في الحب عذري

 وله أيضا في غاية الجودة: [الكامل]

 حذرت قلبي أن يعود إلى الهوى ... لما تبدل بالنزاع نُزوعا

 فأجابني لا تخش مني بعد ما ... أفلت من شرك الغرام وقوعا

 حتى إذا داع دعاه إلى الهوى ... أصغى إليه سامعا ومطيعا

 كذبالة أخمدتها فإذا دنا ... منها الضرام تعلقته سريعا

 وله أيضا: [الوافر]

مرضت من الهوى حتى إذا ما ... بدا ما بي لإخواني الحضور

 تكنفني ذوو الأشفاق منهم ... ولاذوا بالدعاء وبالنذور

 وقالوا للطبيب أشر فإنا ... نعدك للعظيم من الأمور

 فقال شفاؤه الرمان مما ... تضمنه حشاه من السعير

 فقلت لهم أصاب بغير قصد ... ولكن ذاك رمان الصدور

 وله أيضا الطويل

 إلى الله أشكو ما لقيت من الهوى ... بجارية أمسى بها القلب يلهج

 إذا امتزجت أنفاسنا بالتزامنا ... توهمت أن الروح بالروح يمزج

 كأني وقد قبلتها بعد هجعة ... ووجدي ما بين الجوانح يلعج

 أضفت إلى النفس التي بين أضلعي ... بأنفاسها نفسا إلى الصدر تولج

 فإن قيل لي أختر أيما شئت منهما ... فإني إلى النفس الجديدة أحوج

وله أيضا: [الطويل]

 أقول وقد جردتها من ثيابها ... وعانقتها كالبدر في ليلة التم

 وقد المت صدري لشدة ضمها ... لقد جبرت قلبي وإن أوهنت عظمي

 وله أيضا: [البسيط]

 إن نحن قسناك بالغصن الرطيب فقد ... خفنا عليك به ظلما وعدوانا

 لأن أحسن ما نلقاه مكتسيا ... وأنت أحسن ما نلقاك عريانا

 وله أيضا: [السريع]

 فديت من لاحظني طرفها ... من خيفة الناس بتسليمته

 لما رأت بدر الدجى تائها ... وغاظها ذلك من شيمته

 حسرت له البرقع عن وجهها ... فردت البدر إلى قيمته

 وكتب أبو إسحاق إلى الوزير أبي نصر سابور بن أردشير جوابا عن كتاب إليه: [الطويل]

 أتتني على بعد المدى منك نعمة ... تشاكل ما قدمت من نعم عندي

 كتابك مطويا على كل منة ... يمن بها المولى الكريم على العبد  

 فقبلت إجلالا له الأرض ساجدا ... وعفرت قدام الرسول به خدي

وقابلت ما فيه من الطول والندى ... بما في من شكر عليه ومن حمد

 (وعاليت نحو العرش طرفي باسطا ... يدي بدعاء قد بذلت به جهدي

 (وكم لك عندي من يد قد حفظتها ... ولم ينسنيها ما تطاول من عهد  

 وقال في غلام له أسمه رشد أسود: [الكامل]

 قد قال رشد وهو أسود للذي ... ببياضه يعلو علو الحائن

 ما فخر خدك بالبياض وهل ترى ... أن قد أفدت به مزيد محاسن

 ولو أن مني فيه خالا زانه ... ولو أن منه في خالا شانني

 وله فيه أيضا: [الخفيف]

 لك وجه كأن يمناي خطته ... بلفظ تمله آمالي

 فيه معنى من البدور ولكن ... نفضت صبغها عليه الليالي

 لم يشنك السواد بل زاد حسنا ... إنما يلبس السواد الموالي

 وله في البق: [البسيط]

 وليلة لم أذق من حرها وسنا ... كأن في جوها النيران تشتعل

أحاط بي عسكر للبق ذو لجب ... ما فيه إلا شجاع فاتك بطل

 من كل شائكة الخرطوم طاعنة ... لا تحجب السحف مسراها ولا الكلل

 طافوا علينا وحر الشمس يطبخنا ... حتى إذا أنضجت أجسادنا أكلوا

 وقال يذم البصرة وكان قد خرج إليها لاستيفاء مال السلطان: [الخفيف]

 ليس يغنيك في التطهر بالبصرة ... إن حانت الصلاة اجتهاد

 إن تطهرت فالمياه سلاح ... أو تيممت فالصعيد سماد

 وقال عند رحيله عنها: [الطويل]

 توليت عن أرض البصيرة راحلا ... وأفئدة الفتيان حشو حقائبي

 منازل تقري ضيفها كل ليلة ... بأمثال عزلان الصريم الربائب

 أقمت بها سوق الصبا والندى معا ... لعاشقة حيرى وحيران لاعب

 فما تظهر الأشواق إلا صنائعي ... ولا تستر الجدران إلا حبائبي

 وقال وقد عتب على بعض ولده: [البسيط]

أرضى عن ابني إذا ما عقني حذرا ... عليه أن يغضب الرحمن من غضبي

 ولست أدري لم استحققت من ولدي ... إقذاء عيني وقد أقررت عين أبي

 وكتب إلى بعض الرؤساء يلتمس منه إشغال بعض ولده وإجراء رزق عليه: [الطويل]

 وما أنا إلا دوحة قد غرستها ... وسقيتها حتى تراخى بها المدى

 فلما أقشعر العود منها وصوحت ... أتتك بأغصان لها تطلب الندى

وكتب إليه أبو علي المحسن أبنه تسلية في إحدى نكباته: [البسيط]

 لا تأس للمال إن غالته غائلة ... ففي حياتك من فقد اللهى عوض

إذ أنت جوهرنا الأعلى وما جمعت ... يداك من طارف أو تالد عرض

 وأجابه أبو إسحاق: [البسيط]

 يا درة أنا من دون الورى صدف ... لها أقيها المنايا حين تعترض

 قد قلت للدهر قولا كان مصدره ... عن نية لم يشب إخلاصها مرض

 دع المحسن يحيا فهو جوهرة ... جواهر الأرض طرا عندها عرض

 والنفس لي عوض عما أصبت به ... وإن أصبت بنفسي فهو لي عوض

 أتركه لي وأخاه ثم خذ سلبي ... ومهجتي فهما مغزاي والغرض

 وقال يمدح المهلبي: [الطويل]

 وكم من يد بيضاء حازت جمالها ... يد لك لا تسود إلا من النفس

 إذا رقشت بيض الصحائف خلتها ... تطرز بالظلماء أردية الشمس

 وله فيه وقد فصد من غير علة: [الكامل]

 لهجت يمينك بالندى فبنانها ... أبدا يفيض على العفاة عطاء

 حتى فصدت وما بجسمك علة ... كيما تسبب للطبيب حباء

ولقد أرقت دما زكيا من يد ... حقنت بتدبير الأمور دماء

 يجري العلا في عرقه جري الندى ... في عوده فهو اللباب صفاء

 لو يقدر الأحرار حين أرقته ... جعلوا له حب القلوب وعاء

 فانعم وعش في صحة وسلامة ... تحيي الولي وتكبت الأعداء

 وله أيضا فيه: [الكامل]

 لا تحسب الملك الذي أوتيته ... يفضي وإن طال الزمان إلى مدى

 كالدوح في أفق السماء فروعه ... وعروقه متولجات في الندى

 في كل عام يستجد شبيبة ... فيعود ماء العود فيه كما بدا

 حتى كأنك دائر في حلقة ... فلكية في منتهاها المبتدا

 وله في أبن سعدان: [الطويل]

 وما زلت من قبل الوزارة جابري ... فكن رائشي إذ أنت ناه وآمر

 أمنت بك المحذور إذ كنت شافعا ... فبلغني المأمول إذ أنت قادر

 لعمري لقد نلت المنى بك كلها ... وطرفي إلى نيل المنى بك ناظر

 عكس قول المهلبي: [الطويل]

بلغت الذي قد كنت آمله بكم ... وإن كنت لم أبلغ لكم ما أؤمل

 وله إلى الصاحب: [مجزوء الكامل]

 لما وضعت صحيفتي ... في بطن كف رسولها

 قبلتها لتمسها ... يمناك عند وصولها

 وتود عيني أنها اقـ ... ترنت ببعض فصولها

 حتى ترى في وجهك الميمون ... غاية سؤلها

 وقال لأبي القاسم عبد العزيز بن يوسف: [الطويل]

 أبو قاسم عبد العزيز بن يوسف ... عليه من العلياء عين تراقبه

 روى ورعى لما روى قول قائل ... وشبع الفتى لؤم إذا جاع صاحبه

 وله تهنئة بالعيد: [مجزوء الكامل]

 يا سيدا أضحى الزما ... ن بأسره منه ربيعا

 أيام دهرك لم تزل ... للناس أعيادا جميعا

 حتى لأوشك بينها ... عيد الحقيقة أن يضيعا

 فاسلم لنا ما أشرقت ... شمس على أفق طلوعا

 وأسعد بعيد ما يزا ... ل إليك معتقدا رجوعا

وله أيضا يهنئ عضد الدولة بالأضحى: [الخفيف]

 صل يا ذا العلا لربك وأنحر ... كل ضد وشانئ لك أبتر

 أنت أعلى من أن تكون أضاحـ ... يك قروما من الجمالة تعقر

 بل قروما من الملوك ذوي السؤ ... دد تيجانها أمامك تنثر

 كلما خر ساجدا لك رأس ... منهم قال سيفك الله أكبر

 وله أيضا: [الطويل]

 ولما رأيت الله يهدي وخلقه ... تجاسرت وأستفزعت جهد جهيد

 فكان احتفالي في الهدية درهما ... يطير على الأنفاس يوم ركود

 وجزءا لطيفا ذرعه ذرع محبسي ... وتقييده بالشكل مثل قيودي

 ألاطف مولانا وكالماء طبعه ... تسلسل من عذب النطاف برود

 وكتب إلى الوزير أبي نصر سابور أردشير وقد أعيد إلى الوزارة: [الكامل]

قد كنت طلقت الوزارة بعد ما ... زلت بها قدم وساء صنيعها

 فغدت بغيرك تستحل ضرورة ... كيما يحل إلى ذراك رجوعها

 والآن آلت ثم آلت حلفة ... ألا يبيت سواك وهو ضجيعها

 وله يهجو: [الخفيف]

 (أيها النابح الذي يتصدى ... بقبيح يقوله لجوابي)

 (لا تؤمل أني أقول لك إخسأ ... لست أسخو بها لكل الكلاب)

وله يهجو: [المجتث]

 (وراكب فوق طرف ... كأنه فوق طرفي)

 (له قذال متين ... يجل عن كل وصف)

 (يذوب شوقا إليه ... نعلي وخفي وكفي)

وله يهجو: [الكامل]

 يبدي اللواط مغالطا وعجانه ... أبدا لإعراد الورى مستهدف

 فكأنه ثعبان موسى إذ غدا ... لحبالهم وعصيهم يتلقف

 وله يصف الشعر:

لقد شان شأن الشعر قوم كلامهم ... إذا نظموا شعرا من الثلج أبرد

 فيا رب إن لم تهدهم لصوابه ... فأضللهم عن وزن ما لم يجودوا

 وله أيضا: [الطويل]

 إذا جمعت بين آمرأين صناعة ... فأحببت أن تدري الذي هو أحذق

 فلا تتفقد منهما غير ما جرت ... به لهما الأرزاق حين تفرق

 فحيث يكون النقص فالرزق واسع ... وحيث يكون الفضل فالرزق ضيق

 وله أيضا: [الكامل]

 كل الورى من مسلم ومعاهد ... للدين منه فيك أعدل شاهد

 فإذا رآك المسلمون تيقنوا ... حور الجنان لدى النعيم الخالد

 وإذا رأى منك النصارى ظبية ... تعطو ببدر فوق غصن مائد

 أثنوا على ثليثهم واستشهدوا ... بك إذ جمعت ثلاثة في واحد

 وإذا أليهود رأوا جبينك لامعا ... قالوا لدافع دينهم والجاحد

 هذا سنا الرحمن حين أبانه ... لكليمه موسى النبي العابد

 ويرى المجوس ضياء وجهك فوقه ... مسود فرع كالظلام الراكد

 فتقوم بين ظلام ذاك ونور ذا ... حجج أعدوها لكل معاند

 أصبحت شمسهم فكم لك فيهم ... من راكع عند الظلام وساجد

 والصابئون يرون أنك فردة ... في الحسن إقرارا لفرد ماجد

 كالزهرة الزهراء أنت لديهم ... مسعودة بالمشتري وعطارد

فعلى يديك جميعهم مستبصر ... في الدين من غاوي السبيل وراشد

 أصلحتهم وقتلتني فتركتني ... من بينهم أسعى بدين فاسد

 قرأت بخط أبي علي المحسن بن إبراهيم بن هلال الصابئ حدثني أبو الحسن محمد بن عبد الله بن سكرة الهاشمي الشاعر قال أعانني والدك أبو إسحاق إبراهيم بن هلال في هجائي خمرة المجنونة بالشيء الكثير فمن ذلك المتقارب

 لخمرة عندي حديث يطول ... رأتني أبول فكادت تبول

 وقالت تقول بنا يا فتى ... فقلت وأدليت لم لا أقول

 فلما نهضت أتتني رقاع ... وجاءت هدايا ووافى رسول

ومن خط أبي علي المحسن حدثني السري بن أحمد الشاعر الرفاء قال أنشدني والدك لنفسه: [الكامل]

 ما زلت في سكري ألمع كفها ... وذراعها بالقرص والاثار

 حتى تركت أديمها وكأنما ... غرس البنفسج منه في الجمار

 وأخذت هذا المعنى فقلت: [الكامل]

 أحبب إلي بفتية نادمتهم ... بين المحلة والقباب البيض

 من كل محض الجاهلية معرق ... في الخرّميّة بالعدى عرّيض

 وسموا الأكف بخضرة فكأنما ... غرسوا بها الريحان في الإغريض

 ومن خطه لأبي الحسن بن سكرة الهاشمي من قصيدة إلى والدي وعمي أبي العلاء رحمهما الله: [الخفيف]

 آمنوا يا بني هلال جميعا ... نوب الدهر والزمان المعاند

 وارتقوا كيف شئتم في المعالي ... وأذلوا وأهبطوا كل حاسد

 لكم في أبي العلاء علو ... وصعود ببدره التم صاعد

 زاد في عزكم وما زال منكم ... كل يوم يزيد في الصيد واحد

 وكتب من الحبس إلى ابنه المحسن وقد أكثر من هذا في ترجمة أبيه: [الطويل]

 كتبت أقيك السوء من مجلس ضنك ... وعين عدوي رحمة منه لي تبكي

 وقد ملكتني كف فظ مسلط ... قليل التقى ضار على الفتك والإفك

 صليت بنار الهم فازددت صفوة ... كذا الذهب الإبريز يصفو على السبك

 

 وكتب إلى صديق له من الحبس: [الكامل]

 نفسي فداؤك غير معتد بها ... إذ قد مللت حياتها وبقاءها

 ولو أن لي مالا سواها لم أكن ... أرضى لنفسك أن تكون إزاءها

  لكن صفرت فلم أجد إلا التي ... قد آن لي أن أستطيل دماءها

 وإذا شكرت لمن فداك فإنني ... لك شاكر أن قد قبلت فداءها

 وكأنني المفدي حين أرحتني ... من نائبات ما أطيق لقاءها

 وقال في الحبس: [الطويل]

 إذا لم يكن للمرء من الردى ... فأسهله ما جاء والعيش أنكد

 وأصعبه ما جاءه وهو راتع ... تطيف به اللذات والحظ مسعد

  فإن أك شر العيشتين أعيشها ... فإني إلى خير الممت ين أقصد

 وسيان يوما شقوة وسعادة ... إذا كان غبا واحدا لهما الغد

 وقال في الشيب: [الوافر]

 يقول الناس لي في الشيب عز ... يزيد به جلال المرء ضعفا

 ولولا أنه ذل وهون ... لما احتكم المزين فيه نتفا

 أخذه من ابن الرومي: [البسيط]

 كفاك من ذلتي للشيب حين أتى ... أني توليت نتفا لحيتي بيدي

 وله أيضا: [مجزوء الكامل]

 وجع المفاصل وهو أيسر ... ما لقيت من الأذى

 جعل الذي استحسنته ... والناس من حظي كذا

والعمر مثل الكأس ير ... سب في أواخرها القذى

 حدث الرئيس أبو الحسن هلال قلت لجدي أبي إسحاق تجاوز الله عنه وهو يشكو زمانه يا سيدي ما نحن بحمد الله تعالى إلا في خير وعافية ونعمة كافية فما معنى هذه الشكوى التي تواصلها ويضيق صدرك بها وينتغص عيشك معها فضحك وقال يا بني نحن كدود العسل قد نقلنا منه إلى الخل فهو ذا نحس بحموضته ونأسى ونحزن على ما كنا فيه من العسل ولدته وأنتم كدود الخل ماذقتم حلاوة غيره ولا رأيتم طلاوة ضده.

 ولأبي إسحاق من التصانيف كتاب رسائله وهو مشهور نحو ألف ورقة كتاب التاجي في أخبار أهل بويه كتاب أخبار أهله كتاب اختيار شعر المهلبي كتاب ديوان شعره.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.