أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-1-2020
3121
التاريخ: 11-12-2019
1859
التاريخ: 27-8-2019
1691
التاريخ: 22-1-2020
2361
|
نماذج من تصرفات الخليفة الجديد
لقد مر بنا نماذج من تصرفات معاوية تجاه خصومه واتباعه معاً. وكان طابع تلك التصرفات، كما لاحظ القارىء، الغدر والإيقاع بالخصوم، وبذل المال وتوزيع المناصب على الأتباع .
أي ان سياسة معاوية كانت سياسة وصولية انتهازية تسير على المبدأ القائل : بأن الوسائل تبررها الغايات ، ولو كانت الغايات نبيلة عادلة تهدف الى توزيع العدل الاجتماعي بين الناس لكان هناك مجال امام الباحث للدفاع عنها ، ولكنها كما رأينا :
أهداف شخصية نفعية غرضها الظاهر التوصل إلى الحكم بمختلف الأساليب والوسائل .
وهدفها البعيد تحطيم روح الإسلام والقضاء على مثله العليا في السياسة والاخلاق .
وقد نجح معاوية ـ مع الاسف الشديد ـ فيما كان يتوق الى التوصل إليه ، فاستولى على خلافة المسلمين ، وسار بها وفق أهوائه ومصالحه ، وخلف للمسلمين والعرب هذا التراث الاجتماعي البغيض وهذه العصبية الطائفية والقبلية المجرمة التي نكتوي بنارها في الوقت الحاضر .
وإلى القارىء نماذج اخرى من تصرفات ابن ابي سفيان، سقناها لغرض موازنتها بتصرفات ابن ابي طالب ، ليرى القارىء الفرق الكبير بين الرجلين ، ومدى التدهور الذي اصاب نظام الحكم في الإسلام ، وقديماً قيل : وبضدها تتميز الاشياء .
مأساة حجر بن عدي
ذكر ابن الأثير (1) قصة حجر واتباعه فقال : « دخلت سنة إحدى وخمسين وفيها قتل حجر بن عدي واصحابه وسبب ذلك ان معاوية استعمل المغيرة بن شعبة على الكوفة سنة احدى واربعين . فلما امره عليها دعاه وقال :
قد اردت ايصاءك بأشياء كثيرة أنا تاركها اعتماداً على بصرك، ولست تاركاً ايصاءك بخصلة : لا تترك شتم علي وذمه ، والترحم على عثمان ، والعيب لاصحاب علي ، والإفصاء لهم ، والإطراء بشيعة عثمان ، والإدناء لهم .
فأخذ المغيرة يشتم علياً .. فإذا سمع ذلك حجر بن عدي قال :
بل إياكم ذم الله ولعن . أنا أشهد ان من تذمون احق بالفضل .
وقد حبس المغيرة أرزاق حجر واصحابه . فكان حجر يناديه بقوله :
مر لنا ايها الإنسان بأرزاقنا فقد حبستها عنا وليس ذلك لك .
ثم توفى المغيرة وولى زياد فاستمر على الفعل نفسه .
وجمع زياد من أصحاب عدي اثنا عشر رجلا في السجن واحضر شهوداً وقال : إني لأحب ان يكون الشهود أكثر من اربعة ، فدعا الناس ليشهدوا فشهد جمع كبير منهم : اسحق ، وموسى ، ابنا طلحة بن عبيد الله ، والمنذر بن الزبير ، وعمار ابن عقبة ابن ابي معيط .
ثم دفع زياد حجر بن عدي وأصحابه الى وائل بن حجر الحضرمي وكثير ابن شهاب وامرهما ان يسيرا بهم الى الشام فخرجوا عشية فلما بلغوا الغريين لحقهم شريح بن هاني واعطى وائلا كتابا فقال : ابلغه امير المؤمنين فأخذه . وساروا حتى انتهوا بهم الى مرج عذراء عند دمشق وكانوا :
حجر بن عدي الكندي ، والارقم بن عبد الله الكندي ، وشريك بن شداد الحضرمي ، وصيفي بن فسيل الشيباني ، وقبيصة بن ضبيع العبسي ، وكريم بن عفيف الخثعمي ، وعاصم بن عوف البجلي ، وورقاء بن سمى البجلي ، وكدام بن حسان ، وعبد الرحمن العنزيان ، ومحرر بن شهاب التميمي ، وعبد الله بن حوية السعدي ..
وأتبعهم برجلين هما : عتبة بن الاخمس بن سعد بن بكر ، وسعد بن نمران الهمداني . فتموا اربعة عشر رجلا .
ودفع وائل الى معاوية كتاب شريح بن هاني . فإذا فيه : بلغني ان زياداً كتب شهادتي وان شهادتي على حجر انه ممن يقيم الصلاة ويؤتى الزكاة ويديم الحج والعمرة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر حرام الدم والمال » .
وروى الطبري (2) مأساة ابن عدي وصحبه على الشكل التالي :
« جاء قيس بن عباد الشيباني الى زياد فقال له : ان شخصا منا من بني همام يقال له صيفي بن فسيل من رؤوس اصحاب حجر وهو اشد الناس عليك ، فبعث اليه زياد فأتى به فقال له زياد : يا عدو الله ما تقول في ابي تراب قال : ما اعرف ابا تراب .
قال : اما تعرف علي بن ابي طالب ؟ قال : بلى . قال : فذاك ابو تراب .
قال : كلا ذاك ابو الحسن والحسين .
فقال له صاحب الشرطة : يقول لك الأمير هو ابو تراب ؟ وتقول انت لا . قال : وإن كذبت الأمير اتريد ان اكذب واشهد له على باطل كما شهد . قال له زياد : وهذا ايضا مع ذنبك !!! عليَّ بالعصا . فأتى بها فقال ما قولك ؟
قال : احسن قول انا قائله في عبد من عباد الله المؤمنين
قال : اضربوا عاتقه بالعصا حتى يلتصق بالارض فضرب حتى لزم الارض .
ثم قال : اقلعوا عنه فسأله : إيه ما قولك في علي .
قال : والله لو شرحتني بالمواسي والمدى ما قلت إلا ما سمعت مني .
قال : لتلعننه او لأضربن عنقك قال : اذا تضربها والله قبل ذلك فإن ابيت الا ان نضربها رضيت بالله وشقيت انت قال : ادفعوا في رقبته .
ثم قال : اوقروه حديداً والقوه في السجن .
ويستمر الطبري على سرد تلك المأساة فيروي لنا قصة شهادة الزور الكبرى التي لفقتها حكام المسلمين آنذاك على هؤلاء النفر من المسلمين .
« هذا ما شهد عليه ابو بردة بن ابي موسى لله رب العالمين شهد أن حجر بن عدي خلع الطاعة وفارق الجماعة .
وجمع اليه الجموع يدعوهم الى نكث البيعة وخلع امير المؤمنين معاوية وكفر بالله عز وجل كفرة صلعاء . فقال زياد :
على مثل هذه الشهادة فاشهدوا ، أما والله لأجدن على قطع خيط عنق الخائن الاحمق .
فشهد رؤوس الارباع على مثل شهادته وكانوا اربعة .
ثم إن زياداً دعا الناس فقال : اشهدوا على مثل شهادة رؤوس الارباع .
فقرأ عليهم الكتاب فقال اول الناس عناق بن سرجيل بن ابي دهم التيمي فقال: زياد : أبدأوا بأسامي قريش ثم اكتبوا اسم عناق في الشهود ومن نعرفه ويعرفه امير المؤمنين .
فشهد إسحق بن طلحة بن عبيد الله، وموسى بن طلحة، واسماعيل بن طلحة والمنذر بن الزبير، وعمارة بن عقبة بن ابي معيط، وعبد الرحمن بن هناد، وعمر ابن سعد بن ابي وقاص ، وعامر بن مسعود بن امية ، ومحرز بن ربيعة بن عبد العزى ابن عبد شمس ، وعبيد الله بن مسلم بن شعبة الحضرمي ، وعناق بن شرجيل بن ابي دهم ووائل بن حجر الحضرمي ، وكثير بن شهاب ابن حصين الحارثي وقطن ابن عبد الله بن حصين والسرى بن وقاص الحارثي .
وكتبت شهادته وهو غائب في عمله ـ والسائب بن الاقرع الثقفي وشبث ابن ربعي وعبد الله بن ابي عقيل الثقفي ، ومصقلة بن هبيرة الشيباني والقعقاع بن شور الدهلي ، وشداد بن المنذر بن الحارث بن وغلة الذهلي .. وحجار بن ابجر العجلي ، وعمرو بن الحجاج الزبيدي ، ولبيد بن عطارد التميمي ، ومحمد بن عمير ابن عطارد التميمي ، وسويد بن عبد الرحمن التميمي واسماء بن خارجة القزاري ، وشمر بن ذى الجوشن العامري وشداد ومروان ابنا الهيثم الهلاليان ، ومحصن ابن ثعلبة بن عائدة القرشي ، والهيتم بن الاسود النخعي ـ وكان يعتذر اليهم ـ وعبد الرحمن بن قيس الاسدي ، والحارث وشداد ابنا الازمع الهمدانيان وكريب بن سلمة بن يزيد الجعفي ، وعبد الرحمن بن ابي سبرة الجعفي ، وزحر بن قيس الجعفي ، وقدامة بن العجلان الازدي ، وعزرة بن عزة الاحمس .
وكتبت شهادة هؤلاء الشهود في صحيفة ثم دفعها زياد الى وائل بن حجر الحضرمي وكثير بن شهاب الحارثي ، وبعثهما عليهم ، وامرهما ان يخرجا بهم .
وكتب في الشهود شريح بن الحارث القاضي وشريح بن هاني الحارثي .
فأما شريح القاضي فقال :
سألني عن حجر فأخبرته أنه كان صواماً قواماً .
وأما شريح بن هاني الحارثي فكان يقول :
ما شهدت ولقد بلغني ان قد كتبت شهادتي فأكذبته ولمته .. فمضوا بهم حتى انتهوا الى الغريين فلحقهم شريح بن هاني معه كتاب .
فقال لكثير : بلغ كتابي هذا أمير المؤمنين .
ودفع وائل بن حجر كتاب شريح بن هاني فقرأه فإذا به : أما بعد فإنه بلغني أن زياداً كتب اليك بشهادتي على حجر بن عدي وان شهادتي على حجر انه ممن يقيم الصلاة ويؤتى الزكاة ويديم الحج والعمرة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر حرام الدم والمال » .
وأما من قتل من أصحاب حجر فهم كما يقول الطبري :
« حجر بن عدي وشريك بن شداد الحضرمي ، وصيفي بن فسيل الشيباني ، وقبيصة ابن ضبيعة العبسي ، ومحرز بن شهاب السعدي ثم المنقري ، وكدام بن حيان العنزي وعبد الرحمن بن حسان العنزي الذي رد الى زياد فدفن حياً » (3) .
وقد رثت هند بنت زيد بن مخرمة الانصارية حجراً :
ترفع أيـها الـقمـر الـمنيـر *** تبصر هل تـرى حـجراً يسير
يسير الى مـعاوية بن حـرب *** ليقتله كمـا زعــم الأميــر
ألا يا حجر حجـر بـن عدي *** توقتـك السلامـة والســرور
أخاف عليـك مـا أرضى عديا *** وشيخاً في دمشـق لـه زئيـر
يرى قتل الخيار عليـه حـقاً *** له من شــر أمتـه وزيــر
وهكذا انتهت، على ما يقول الدكتور طه حسين (4) :
« هذه المأساة المنكرة التي استباح فيها أمير من أمراء المسلمين ان يعاقب الناس على معارضة لا إثم فيها ، وأن يكره وجوه الناس واشرافهم على ان يشهدوا عليهم زوراً وبهتاناً ، وان يكتب شهادة القاضي على غير علم منه ولا رضا ...
استباح أمير من امراء المسلمين لنفسه هذا الإثم ، واستحل هذه البدع واستباح إمام من ائمة المسلمين ان يقضى بالموت على نفر من الذين عصم الله دماءهم ، دون ان يراهم او يسمع لهم او يأذن لهم في الدفاع عن انفسهم » .
نماذج أخرى من غدر معاوية
لقد مر بنا الإلماع الى بعض حوادث غدر معاوية بخصومه، وبخاصة تدبيره مؤامرة قتل الاشتر في طريقه الى مصر . ولعل ابرز تلك الحوادث :
غدره بالحسن بن علي بعد الصلح المعروف الذي عقد بين الطرفين .
ولم يكتف معاوية بالنكث بذلك العهد ، وإنما ذهب إلى تدبير مؤامرة قتل الحسن .
قال المسعودي (5) « وذكر أن امرأة الحسن جعدة بنت الاشعث بن قيس الكندي سقته السم ، وقد كان معاوية دس لها » .
وذكر المسعودي كذلك (6) « أن عبد الله بن العباس وفد على معاوية فقال : والله إني لفي المسجد اذ كبر معاوية في الخضراء فكبر أهل الخضراء .. فخرجت فاختة بنت قرظة بن عمرو بن نوفل بن عبد المناف ـ وهي زوج معاوية بن ابي سفيان ـ من خوخة لها فقالت:
سرك الله يا أمير المؤمنين ما هذا الذي بلغك فسررت به ؟ قال موت الحسن » وفعل معاوية شيء مشابه لما ذكرناه في قضية تدبيره مؤامرة قتل عبد الرحمن ابن خالد بن الوليد .
إلحاقه زياد بن أبية بأبي سفيان
ذكر المسعودي (7) : « ولما هم معاوية بإلحاق زياد بأبي سفيان ـ أبيه ـ وذلك في سنة أربعين شهد عنده زياد بن اسماء الحرمازني ، ومالك بن ربيعة السلوى ، والمنذر بن الزبير بن العوام ان ابا سفيان اخبر أنه ابنه ... ثم زاده يقيناً إلى ذلك شهادة ابي مريم السلولي .
وكان أخبر الناس ببدء الامر ، وذلك انه جمع بين ابي سفيان وسمية ام زياد في الجاهلية على زنى ، وكانت سمية من ذوات الرايات بالطائف تؤدى الضريبة الى الحرث بن كلدة وكانت تنزل في الموضع الذي تنزل فيه البغايا بالطائف وخارجاً عن الحضر في محلة يقال لها حارة البغايا ... »
ثم ذكر المسعودي نص شهادة الاستلحاق : « قال ابو مريم السلولي :
أشهد ان أبا سفيان قدم علينا بالطائف . وانا خمار في الجاهلية فقال : ابغني بغياً فأتيته وقلت لم اجد الا جارية الحارث بن كلدة سمية .
فقال : ائتني بها على ذفرها وقذرها .
فقام يونس بن عبيد اخو صفية مولاة سمية .
فقال : يا معاوية قضى الله ورسوله ان الولد للفراش وللعاهر الحجر وقضيت ان الولد للعاهر .. مخالفة لكتاب الله » . ويستطرد المسعودي في ذكر هذه القصة الطريفة فيروى ما قاله عبد الرحمن بن ام الحكم في ذلك من شعر :
ألا أبلــغ معاوية بن حـرب *** مغلغلة عن الرجل اليمـــاني
أتغضب ان يقال: ابوك عف *** وترضى ان يقال: أبوك زاني
فأشهد أن رحمك من زياد *** كرحم الفيل من ولد الأتان
وفي زياد وإخوته يقول خالد البخاري :
إن زيـــاداً ونـافعــاً وأبـا *** بكرة عندي أعجب العجــب !!
إن رجــالا ثلاثـة خــلقـوا *** من رحم أنثــى مخالفي النسب
ذا قرشي فيمـا يقــول : وذا *** مولى وذا ابـن عمــه عربي
ويروى ابن ابي الحديد (8) ظروف قصة الاستلحاق على الوجه التالي : « فلما ورد الكتاب على زياد قام فخطب الناس وقال : العجب من ابن آكلة الاكباد ورأس النفاق يهددني ، ثم كتب الى علي وبعث بكتاب معاوية في كتابه .. وكتب له الإمام :
إن معاوية كالشيطان الرجيم يأتي المرء من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله فاحذره ثم احذره ... فلما قتل علي بقى زياد في عمله وخاف معاوية جانبه وعلم صعوبة ناحيته وأشفق من ممالأته الحسن ... فكتب إليه ...
أما بعد : فإنك عبد قد كفرت النعمة واستدعيت النقمة ... لا أم لك ، بل لا أب لك .
يا ابن سمية إذا أتاك كتابي هذا فخذ الناس بالطاعة والبيعة وأسرع الإجابة .. وإلا اختطفتك بأضعف ريش ونلتك بأهون سعى . وأقسم قسماً مبرراً ان لا اوتى بك إلا في زمارة ، تمشي حافيا من أرض فارس الى الشام حتى اقيمك في السوق وابيعك عبداً واردك الى حيث كنت فيه وخرجت منه ...
فلما ورد الكتاب على زياد غضب غضباً شديداً وجمع الناس وصعد المنبر .
وقال : إن ابن آكلة الأكباد وقاتلة اسد الله ، ومظهر الخلاف ، وسر النفاق ، ورئيس الاحزاب .
ومن أنفق ماله في إطفاء نور الله ، كتب الى يرعد ويبرق عن سحابة جفل لا ماء فيها .
ثم نزل، وكتب إلى معاوية.. لقد وصل الي كتابك.. فوجدتك كالغريق يغطيه الموج فيتشبث بالطحلب ويتعلق بأرجل الضفادع.. ولولا حلم ينهاني عنك.. لأنرت لك مخازي لا يغسلها الماء.. وإن كنت ابن سمية فأنت ابن جماعة .
أما زعمك أنك تخطفني بأضعف ريش ، فهل سمعت بذئب أكله خروف .
فلما ورد كتاب زياد على معاوية غمه واحزنه وبعث الى المغيرة بن شعبه فخلا به .
قال المغيرة .. إن زياداً رجل يحب الشرف والذكر وصعود المنابر ، فلو لاطفته المسألة ، وألنت له الكتاب ، لكان لك أميل وبك وأوثق ، فاكتب اليه وأنا الرسول .
فكتب معاوية .. الى زياد بن ابي سفيان .. حملك سوء ظنك بي وبغضك لي على ان عققت قرابتي وقطعت رحمي .. حتى كأنك لست أخي وليس صخر بن حرب أباك وابي . وشتان ما بيني وبينك . أطلب بدم ابن العاص وأنت تقاتلني .
فرحل المغيرة بالكتاب حتى قدم فارس فلما رآه زياد قدمه وأدناه ولطف به فرفع اليه الكتاب . فجعل يتأمله ويضحك .
ثم جمع الناس .. وصعد المنبر .. وقال : لقد نظرت في امور الناس منذ قتل عثمان .. فوجدتهم كالأضاحي في كل عيد يذبحون .
وكتب كتاب الجواب الى معاوية :
الحمد لله الذي عرفك الحق وردك الى الصلة . ولست ممن يجهل معروفاً ولا يغفل حسباً ..
وروى المدائني قال : لم اراد معاوية استلحاق زياد وقد قدم عليه من الشام جمع من الناس وصعد المنبر واصعد زياداً معه .
ثم قال : إني قد عرفت نسبنا أهل البيت في زياد ، فمن كان عنده شهادة فليقم بها .. فقام ابو مريم السلولي وكان خماراً في الجاهلية فقال :
إن أبا سفيان قدم علينا بالطائف ، فأتاني فاشتريت له لحماً وخمراً وطعاماً ، فلما أكل قال : يا أبا مريم اصب لي بغياً . فخرجت فأتيت بسمية .. تجر ذيلها فدخلت معه .
وروى شيخنا ابو عثمان: أن زياداً مر وهو والي البصرة بأبى العريان العدوى وكان شيخاً مكفوفاً ذا لسن وعارضة شديدة. فقال ابو العريان ما هذه الجلبة؟ قالوا : ، زياد ابن ابي سفيان . قال : والله م اترك ابو سفيان الا يزيد ومعاوية وعتبة وعنبسة وحنظلة ومحمداً ، فمن أين جاء زياد : فبلغ الكلام زياداً .
وقال قائل له: لو سددت عنك فم هذا الكلب فأرسل إليه بمائتي دينار! فقال له رسول زياد : إن ابن عمك زياداً الامير قد ارسل إليك مائتي دينار .. ثم مر به زياد من الغد في موكبه . فوقف عليه وسلم . وبكى ابو العريان . فقال ما يبكيك ؟ قال : عرفت صوت ابي سفيان في صوت زياد . فبلغ ذلك معاوية فكتب الى ابي العريان :
ما ألبثتك الدنانيـر التـي بعثـت *** أن لونتـك أبــا العـريان ألوانا
أمسى إليك زيـاد فـي أرومتـه *** نكراً فأصبح ما أنكـرت عرفانـا
لله در زيـــــاد لـــو تعجلهــــا *** كانت له دون ما يخشــاه قربانا
فلما قرىء كتاب معاوية على ابي العريان قال : أكتب جوابه يا غلام :
أحدث لنا صلة تحيــا النفوس بها *** قد كدت يا ابن أبي سفيـان تنسانا
أما زياد فقد صـحت مـناسبـه *** عندي فلا أبتغى في الحـق بهتانا
من يسد خيراً يصبه حين يفعلـه *** أو يسد شراً يصبه حيثما كـان (9)
وقد تم ذلك سنة 56 هـ أي قبل ان ينتصف القرن [ الاول ] على وفاة النبي ورحم الله الحسن البصري فقد كان يقول فيما يروى الطبري : « أربع خصال كن في معاوية لو لم يكن فيه منهن إلا واحدة لكانت موبقة : انتزاؤه على هذه الامة بالسفهاء حتى ابتزها امرها بغير مشورة منهم وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة ؛ واستخلافه ابنه بعده سكيراً وخميراً يلبس الحرير ويضرب بالطنابير ، وادعاؤه زياداً ، وقد قال رسول الله :
الولد للفراش وللعاهر الحجر؛ وقتله حجر بن عدي » (10) .
أقواله المأثورة
1 ـ ذكر أبن الأثير (11):
لما مرض معاوية مرضه الذي مات فيه دعا ابنه يزيد فقال : يابني إني كفيتك الشد والترحال ، ووطأت لك الامور ، وذللت لك الاعداء ، واخضعت لك رقاب العرب ، وجمعت لك مالم يجمعه أحد .
وإني لست أخاف عليك ان ينازعك في هذا الامر الا اربعة نفر من قريش : الحسين بن علي ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الرحمن بن ابي بكر .
فأما ابن عمر فإنه رجل قد وقدته العبادة . فإذا لم يبق أحد غيره بايعك .
وأما الحسين بن علي فإنه رجل خفيف ولن يتركه أهل العراق حتى يخرجوه ..
وأما ابن أبي بكر فإنه رأى أصحابه صنعوا شيئاً صنع مثله ، وليس همه الا في النساء واللهو .
وأما الذي يجثم لك جثوم الاسد ويراوغك مراوغة الثعلب فإن امكنته فرصة وثب فذاك ابن الزبير .
فإن هو فعلها بك فظفرت به فقطعه إرباً إرباً » (12) .
2 ـ قال معاوية لما حضرته الوفاة : إن رسول الله كساني قميصاً فحفظته ، وقلم أظفاره فأخذت قلامة فجعلتها في قارورة . فإذا مت فألبسوني ذلك القميص واسحقوا تلك القلامة وذروها في عيني وفمي فعسى الله ان يرحمني ببركتها (13) .
3 ـ ذكر الطبري بأسانيده المختلفة عن أبي مسعدة الفزاري قال :
قال لي معاوية : يا ابن مسعدة رحم الله ابا بكر لم يرد الدنيا ولم ترده .
وأما ابن حنتمة ـ اي عمر ـ فأرادته الدنيا ولم يردها .
وأما عثمان فأصاب من الدنيا واصابت منه ، وأما نحن فتمرغنا فيها (14) .
4 ـ أغلظ رجل لمعاوية فأكثر ، فقيل له : أتحلم عن هذا ؟
فقال: إني لا احول بين الناس والسنتهم مالم يحولوا بيننا وبين ملكنا (15) .
5 ـ لام معاوية (16) عبد الله بن جعفر على الغناء (17) . فدخل يوما ومعه بديح ومعاوية واضع رجلا على رجل ، فقال عبد الله لبديح إيهاً ! فتغنى فحرك معاوية رجليه وقال: إن الكريم طروب .
6 ـ قام معاوية خطيباً ـ بعد أن دس السم للأشتر ـ فقال : أما بعد فإنه كانت لعلي يمينان فقطعت إحداهما بصفين وقطعت الاخرى اليوم (18)
7 ـ سأل معاوية عمرو بن العاص : ما بلغ من عقلك ؟ قال : ما دخلت في شيء قط الا خرجت منه ، قال معاوية : لكنني ما دخلت في شيء قط واردت الخروج منه (19) .
8 ـ لو ان بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت :
إذا شدوها أرخيتها وإذا أرخوها شددتها (20) .
9 ـ جاء في الطبري ان معاوية كان يأكل في اليوم سبع مرات ويقول : والله ما اشبع وإنما اعيا (21) .
10 ـ روى الوافدي ان عمرو بن العاص دخل يوما على معاوية بعد ما كبر .
فقال له : ما بقى مما تستلذه ؟ فقال : أما النساء فلا إرب لي فيهن .
وأما الثياب فقد لبست من لينها وجيدها حتى وهى بها جلدي ، فما ادري ايها الين .
وأما الطعام فقد اكلت من لذيذه وطيبه حتى ما ادري ايه الذ واطيب .
فما شيء الذ عندي من شراب بارد في يوم صائف ومن ان انظر الى بنيّ وبني بنيّ يدورن حولي (22) .
____________
(1) الكامل في التاريخ 3 / 233 ـ 239 .
(2) تاريخ الامم والملوك 6 / 149 ـ 155 .
(3) تاريخ الامم والملوك 6 / 155 .
(4) الفتنة الكبرى . علي وبنوه ص 243 .
(5) مروج الذهب ومعادن الجوهر 2 / 303 .
(6) المصدر نفسه 2 / 307 .
(7) مروج الذهب ومعادن الجوهر 2 / 310 ـ 312 .
(8) شرح نهج البلاغة 4 / 68 ـ 72 .
(9) ابن ابي الحديد « شرح نهج البلاغة » 4 / 68 ـ 70 .
(10) الدكتور طه حسين « الفتنة الكبرى ، علي وبنوه » ص 248 .
(11) الكامل في التاريخ 3 / 259 ، 260 .
(12) يذكر بعض الرواة ـ ومنهم ابن الأثير نفسه ـ أن عبد الرحمن بن ابي بكر كان قد مات قبل معاوية . وقيل : إن يزيد كان غائباً من مرض ابيه وموته ، وإن معاوية احضر الضحاك بن قيس ، ومسلم بن عقبة المرى فأمرهما أن يؤديا عنه رسالته التي ذكرناها في المتن الى يزيد ابنه .
(13) الكامل في التاريخ 3 / 260 . ومما يلفت النظر حقا أن يحتفظ معاوية بقلامة ظفر النبي ولا يحافظ على سنته ! !
(14) الطبري : « تاريخ الامم والملوك » 6 / 186 . وفي رواية اخرى « اما انا فقد تضجعتها ظهراً لبطن وانقطعت إليها فانقطعت لي » .
(15) الطبري ، « تاريخ الامم والملوك » 6 / 187 .
(16) المصدر نفسه 6 / 187 ، 188 .
(17) هذا الحديث مخالف لما عليه المؤرخون من قداسة عبد الله بن جعفر لما ذكروه من جلالة قدره وتوثيقه . راجع تاريخ الطبري ، والاستيعاب لابن عبد البر واسد الغابة لابن الأثير وغيرها . « الناشر »
(18) العقاد « معاوية بن ابي سفيان » ص 74 . ويقصد بذلك عمار بن ياسر والاشتر .
(19) المصدر نفسه ص 77 .
(20) المصدر نفسه ص 82 .
(21) المصدر نفسه ص 126 .
(22) المصدر نفسه ص 132 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|