أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-1-2020
10130
التاريخ: 3-1-2020
1993
التاريخ: 1-12-2016
1686
التاريخ: 7-6-2021
2654
|
دوافع قتل أمير المؤمنين
يمتلك أمير المؤمنين عليه السلام تراثا إسلاميا ضخما فهو الرجل الرسالي الأول في الإسلام والذي حمله من يوم الثلاثاء([1]) حين أسلم إلى يوم الجمعة حيث قتل مجاهداً ومقاتلاً ومعلماً وهذا التراث بحسب انعكاساته على المسلمين بما له من مزايا وإيجابيات عظيمة إلا إن له سلبيات أيضاً عند آخرين [كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك فالمؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله والذين ساروا على نهج الحق والصراط المستقيم وكانوا حتى النهاية مخلصين ومخلصين لأمير المؤمنين عليه السلام كسلمان وأبي ذر وعمار وآخرين هم الذين أشرقت أنوار أمير المؤمنين عليه السلام على ألواح عقولهم وقلوبهم ورشح ما طفح منه عليهم فكان ذلك الإنعكاس إيجابيا وكانت أوعيتهم واسعة لماء السماء .
وأما المنافقون الذين كان في قلوبهم مرض من ولاية أمير المؤمنين وجهاده في الإسلام وبلائه وعلمه وسابقته فبعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله زادهم الله مرضاً ولهم عذاب عظيم فكانوا زراع بذرات الفتن وحملة السيوف في وجه أمير المؤمنين وبين هاتين الفئتين نشأت الدوافع الخاصة لقتل أمير المؤمنين ، والتي منها:
أولاً : الحسد : إن الجوانب العظيمة المتكاملة في شخصية أمير المؤمنين عليه السلام في السبق إلى الإسلام والشجاعة والطاعة لله والقرابة من رسول الله دعت الكثير إلى حسده وقد أكد أهل البيت عليهم السلام هذا الجانب ليس في حياة أمير المؤمنين عليه السلام فقط بل في حياة جميع الأئمة فهم الناس المحسودون وقديماً قيل ومن الحسد ما قتل وقد نوه رسول الله صلى الله عليه وآله ([2]) في أحاديثه من انه عليه السلام سوف يحسد ونهى الناس عن حسد علي عليه السلام فهل نوه رسول الله صلى الله عليه وآله عن أمر غير حاصل أو لن يحصل وقد شكى أمير المؤمنين عليه السلام لابن عمه الحسد فهل شكي أمرا لم يبتل به حاشى لرسول الله ولوصية ذلك .
ثانياً: تراكم الدماء: إن تراكم الدماء من سيف علي عليه السلام أصبح من أشد الذرائع التي اتخذها الخوارج وأعداء علي عليه السلام عامة ، فعائشة تطلب بدم عثمان ومعاوية بدم عثمان والخوارج بدماء أصحابهم وقطام تريد قتله براس أبيها وأخيها [ إن علياً قتل أبى ] [ إن علياً قتل إخواننا في النهروان ] الخ من مثل هذه الذرائع . فوقائع مثل بدر واحد وحنين وخيبر والخندق والجمل وصفين و النهروان خلفت له قتلى كثيرين وراءهم أرحام يطلبون ثأرهم وورائهم خصوم يتذرعون بهم .
ثالثاً : سياسة الحزم :ومن أهم هذه العوامل أيضاً سياسة أمير المؤمنين عليه السلام الحازمة وعدم غض البصر عن الهفوات من أي مسلم كان وترك الاتجار بالدين ولذلك شواهد عديدة نذكر أمثلة منها :
رفضه إبقاء معاوية في ولاية الشام ولو للحظة واحدة حين طلب المغيرة منه ذلك تحايلاً ، ورفضه طلب عائشة بعد الجمل للقتال معه بعد هزيمتها ، وإرجاعه القطائع التي وزعها عثمان على الصحابة بما فيها قطائع عمار بن ياسر ، ومساواة القوم جميعاً في العطاء الأمر الذي دعى قائد قواته مالك الأشتر أن يطلب منه عدم المساواة تأليفاً للعامة وهذه أمثلة لا تحتاج إلى أي تعليق ، إن سياسة الحزم هذه ولدت انشقاقاً واسعاً في صفوف أصحابه وأخذوا بالتمرد والعصيان حتى إن بعضهم كان حين ينهاه عليه السلام عن بدعة ينادي واسنة عمراه وقصة صلاة التراويح خير مثال على ذلك([3]).
رابعاً : اختلاف أصحابه :ومن الدوافع التي جعلت المتآمرين يقدمون على تنفيذ جريمتهم هو كثرة اختلاف أصحابه أولاً فيما بينهم وثانياً فيما بينه وبينهم وقد حسب عليه أصحاب أمثال الخوارج والأشعث بن قيس وأبي موسى الأشعري فإنهم بهذا الاختلاف هيئوا لانتصار معاوية في صفين ومهدوا الأرض التي نشأت فيها بذرة جريمة القتل والتي أثمرت في التاسع عشر من رمضان([4]).
خامساً : سياسة عفى الله عما سلف : سياسة أمير المؤمنين في العفو المطلق وعدم أخذ المجرمين بالعقوبات الخارجة عن الحدود والذي تمليها عليه سيرته في العدل حيث انه عليه السلام لا يأخذ بالظنة ولا يعاقب حتى ترتكب الجريمة حتى وإن أشارت الدلائل جميعاً إلى بوادر وقوعها وانما الحدود عنده وضعت عند تجاوز الشريعة ليس على الظنون والشبهات وهذا هو منهجه في العدل المطلق (سلام الله عليه ) فضلاً عن سيرته في نفسه وأكثر من كل هذا انه لم يسترجع فدك بعد إن استلم الخلافة الظاهرية وأسترجع قطائع عثمان لجميع الصحابة.
في ظل هذا الجو المتناهي في العدل كان يعيش أمير المؤمنين والأمة الإسلامية تعج فيها الاغتيالات والمؤامرات من قبل الشام ومصر والحجاز حتى إن المجرمين كانوا يعرفون كما سيمر عليك ـ بأن اغتياله عليه السلام سهل هين وانه لا يتخذ له حرساً .
هذه أبرز الدوافع الخاصة التي مهدت للقتلة تنفيذ جريمتهم في قتل الإمام أمير المؤمنين عليه السلام .
لماذا اختار الامام علي الخروج للمسجد رغم علمه بوقوع الجريمة
من الشبهات التي تطرح دائما كسؤال عند الحديث حول مقتل أمير المؤمنين عليه السلام هي علة إقدامه على القتل رغم علمه بذلك ؟
وقد اجاب علماء الشيعة رضوان الله عليهم عن هذه الشبهة بعدة اجوبة نذكرها مع ذكر المجيبين
الوجه الأول: جواب الشيخ المفيد
وهو الذي أجاب به [عليه السلام] عندما سئل في المسائل العكبرية إنه لا يمتنع أن يتعبد الله تعالى بالصبر على الشهادة والاستسلام للقتل ليبلغه بذلك علو الدرجات ما لا يبلغه إلا به ولعلمه إنه يطيعه في ذلك طاعة لو كلفها سواه لم يردها ([5]).
الوجه الثاني : جواب العلامة الحلي
إن تكليف الإمام غير تكليفنا كما أجاب به العلامة الحلي في سؤال مهنا بن سنان : إن تكليفه عليه السلام مغاير لتكليفنا فجاز أن يكون بذل مهجته الشريفة في ذات الله تعالى كما يجب على المجاهد الثابت وإن كان ثباته يفضي إلى القتل ([6]).
ويؤيد هذا الراي مارواه علي بن رئاب عن ضريس الكناسي قال سمعت ابا جعفر عليه السلام يقول وعنده اناس من اصحابه وهم حوله اني لا عجب من قوم يتولونا ويجعلونا ائمة ويصفون بان طاعتنا مفترضة عليهم كطاعة الله تعالى ثم ينكرون حجتهم ويخصمون انفسهم لضعف قلوبهم فينقصونا حقنا ويعيبون ذلك على من اعطاه الله برهان حق معرفتنا والتسليم لأمرنا اترون ان الله افترض طاعة اولياءه على عباده ثم يخفي عنهم اخبار السماوات والارض ويقطع عنهم مواد العلم فيما يرد عليهم مما فيه قوام دينهم .
فقال له حمران : يابن رسول الله ارأيت ما كان من قيام امير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام وخروجهم وقيامهم بدين الله وما اصيبوا به من قبل الطواغيت والظفر بهم حتى قتلوا وغلبوا ولو انهم حين نزل بهم ما نزل من ذلك سألوا الله تعالى ان يرفع عنهم ذلك والحوا عليه في ازالة الطواغيت عنهم وذهاب ملكهم لكان ذلك اسرع من سلك منظوم انقطع وتبدد وما كان الذي اصابهم لذنب اقترفوه ولا لعقوبة موجبة خالفوه فيها ولكن لمنازل وكرامة من الله تعالى اراد ان يبلغوها فلا تذهب بك المذاهب ([7]).
الوجه الثالث: اختار الأولى تعبدا وفرارا من المعصية
إنه عليه السلام اختار الأولى على علم منه بالقتل لأنه لو لم يختر القتل لكان عاصيا والعياذ بالله ونظيره قول الله سبحانه وتعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام [يا بني إني أرى في النام إني أذبحك ] ([8]) وهل رأيت والدا يذبح ولده بل إن الحكم الظاهر حرمة ذبح الوالد لولده إلا أنه لما كان فيه تعبدا لله جاز وهو تكليف خاص بالمعصومين عليهم السلام فيصح فيه الوجه الثاني وهذا الوجه هو الأنسب بمقام أمير المؤمنين عليه السلام لأن الأنبياء والأوصياء لما ثبتت عصمتهم عندنا ما كانوا ولا كان الله ينسب إليهم عصيانا إلا بترك الأولى كما قال تعالى [ وعصى آدم ربه فغوى ]([9]) وقوله تعالى [ وذا النون إذ ذهب مغاضبا ]([10]) فإن جميع هذه المعاصي المنسوبة إليهم من باب ترك الأولى والتي هي بالمعنى الأخص التردد في الولاية .ولما كان أمير المؤمنين عليه السلام معصوما وبأشد درجات العصمة رقيا ما كان يترك حتى الأولى وهو القتل .
الإمام يعلم بساعة قتله
أما من نفى عن الإمام عليه السلام علمه بساعة القتل فليس له دليل على مدعاة بل العكس من ذلك إن الدليل دل على خلاف ما يدعي فإن الإمام عليه السلام يعلم ساعة ومكان مقتله ومن يقتله .
عن الحسن بن الجهم قال : قلت للرضا عليه السلام :
ـ إن أمير المؤمنين قد عرف قاتله والليلة التي يقتل فيها والموضع
الذي يقتل فيه وقوله لما سمع صياح الإوز في الدار صوائح تتبعها نوائح وقول أم كلثوم : لو صليت الليلة داخل الدار وأمرت غيرك يصلي بالناس فأبى عليها وكثر دخوله وخروجه تلك الليلة بلا سلاح وقد عرف بن ملجم [ لعنه الله ] قاتله بالسيف كان هذا مما لم يجز تعرضه .
فقال عليه السلام : ذلك كان ولكنه خير في تلك الليلة لتمضي مقادير الله ([11]).
بيان الوجوه الثلاثة
وبيان هذه الوجوه الأربعة بشكل مجمل ذوقي كالآتي: لما كان عليه السلام لا يجري فيه الحديث القدسي: ما ترددت في شيء أنا فاعله كترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته .
إذ كيف يجري فيه ما هو أجراه لأنه عليه السلام آنس بالموت من الطفل الرضيع بثدي أمه وهو سيد العارفين المتشوق للقاء ربه فلما خير ـ كما مر بنا ـ بين بقاءه في دار الفساد ولقاء الله اختار لقاء الله فورا وبلا تردد منه أو من خالقه لأن خالقه ما احتاج ترددا فيه إذ هو تعالى غاية في الكمال والنقاء كما اختار إبن عمه صلى الله عليه واله وأخوه رسول الله صلى الله عليه واله الفقر على الغنى تعبدا لله وانقطاعا له وطلب رؤية ذل العبودية كما هي في قوله صلى الله عليه واله: اللهم أرني الأشياء كما هي. وأما ما ينقل من إنه ورد في بعض الأخبار إنه غاب عنه المحدث فجواب هذا الإشكال يرد علينا عند الإطلاع على علوم أهل البيت عليهم السلام بحقائق الأشياء وليس المقام بيان ذلك.
_______________
([1]) قال أمير المؤمنين عليه السلام كما في ذخائر العقبى ص 56 بعث النبي صلى الله عليه وآله يوم الاثنين وآمنت به يوم الثلاثاء أ . هـ هذا إذا تنزلنا وقلنا إنه لم يكن مسلماً فأسلم وإلا فإنه رجل الإسلام لا الإسلام نفسه .
([2]) ذكر الصبان في إسعاف الراغبين ص 109 إن أبا جعفر الباقر عليه السلام كان يقول في قوله تعالى ( أم يحسدون الناس على ما أتاهم الله من فضله ) نحن الناس المحسودون وفي أصول الكافي ج1 أكثر من رواية في ذلك.
([3]) ذكر الشيخ الكليني في روضه الكافي ص 52 عن سليم بن قيس الهلالي قال : خطب أمير المؤمنين عليه السلام إلى أن قال عليه السلام : والله لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان في فريضة وأعلمتهم إن اجتماعهم في النوافل بدعة فتنادى بعض أهل معسكري ممن يقاتل معي : يا أهل الإسلام غيرت سنة عمر نهينا عن الصلاة في شهر رمضان تطوعاً ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري ، ما لقيت من هذه الأمة من الفرقة وطاعة أئمة الضلالة والدعاة إلى النار. ا.هـ
([4]) قال الجاحظ في البيان والتبيين 2/271 : قال معاوية : اعنت على علي بثلاث خصال : كان رجلاً يظهر أمرة وكنت كتوماً لسري وكان في أخبث جند وأشد اختلافاً وكنت في أطوع جند وأقله خلافاً، وخلا بأصحاب الجمل فقلت:
إن ظفر بهم اعتددت بهم عليه وهناً في دينه وإن ضفروا به كانوا أهون عليه شوكة منه وكنت أحب إلى قريش منه فكم شئت من جامع لي ومفرقة عنه أ.هـ..
([5]) بحار الأنوار 42/259 .
([6]) بحار الأنوار 42/259 .
([7]) مختصر البصائر /121
([8]) الصافات 102
([9]) طه 121
([10]) الأنبياء 187
([11]) أصول الكافي ج1 ص 259
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|