أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-12-2018
939
التاريخ: 9-11-2017
887
التاريخ: 31-3-2017
771
التاريخ: 24-12-2017
624
|
إن نبيّنا صلى الله عليه وآله وسلم أفضل الأنبياء والمرسلين ، بل أفضل المخلوقين حتّى الملائكة المقرّبين وله لهذا إذن شفاعة العاصين في يوم الدين كما يستفاد من الكتاب المبين.
اعلم أنّ مذهبنا أفضليّة الأنبياء ـ بل الأئمّة كما هو ظاهر
بعض الأخبار ـ على الملائكة ، وعن بعض الأشاعرة وجمهور المعتزلة القول بالعكس (1).
والحقّ هو الأوّل ، سواء قلنا بكون الملائكة أجساما لطيفة ،
أو جواهر مجرّدة متعلّقة بالأجسام أو غير متعلّقة ؛ لأنّ النفوس الناطقة إذا صارت
مهذّبة وكملت في قوّتيها العلميّة والعمليّة مع وجود ما يضادّ ، والقوّة العقليّة
من الشهويّة والغضبيّة وشواغل الحواسّ الظاهرة والباطنة مع كونها بالذات مجرّدة ،
حصلت لها المراتب العالية بسبب الرياضات البدنيّة والمجاهدات النفسانيّة ، فتكون
أشدّ استحقاقا للمدح بالنسبة إلى من يكون علمه فطريّا وليس له داع إلى المخالفة ،
وليس له تلك الرياضات والمجاهدات أضعافا مضاعفة بحسب كثرة المجاهدات في كسب العلم
والعمل ، وقلّتها ، وهو المعني من الأفضليّة ، وكون العقول المجرّدة غير المتعلّقة
بالأجسام أقرب إلى المبدإ من حيث الوجود والوساطة في الغلبة.
وكونها أشرف من هذه الجهة لا ينافي ما ذكرنا ؛ إذ الفضل غير
الشرف ، مضافا إلى أنّ النفس الناطقة لمّا كانت بحسب الفطرة قابلة للترقّيات يمكن
أن يحصل لها شرف أعلى من شرفهم فتجمع بين الكمال الشرفي والفضلي ، وتصير قابلة
لإفاضته الفيض بلا واسطة كما روي أنّه صلى الله عليه وآله قال : « لي مع الله وقت
لا يسعني فيه ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل » (2).
فنقول : إنّ للأنبياء مع وجود المانع كمالا يكون للملائكة مع
عدمه ، وكلّ من كان له مع المانع كمال يكون للآخر بلا مانع ، يكون أفضل من ذلك الآخر ، فيكون
الأنبياء أفضل من الملائكة.
ويدلّ عليه أمر الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام وتعليم
آدم لهم ، وما يكون مقتضاه اصطفاء الأنبياء على العالمين الذين يكون الملائكة منهم
لأفضليّة المسجود له من الساجدين ـ وإلاّ يلزم القبح ـ وأفضليّة المعلّم من
المتعلّم والمصطفى من غيره.
وأقوى الأدلّة المنقول عن المخالف أنّ العقول المجرّدة
فيّاضة للعلوم والكمال على النفوس الناطقة ، والمفيض أفضل من المستفيض بالضرورة ،
وقوله تعالى : {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم: 5] ؛ إذ المراد منه جبرئيل عليه
السلام فإذا كان جبرئيل معلّما لنبيّنا صلى الله عليه وآله يكون أفضل منه.
والجواب عن الأوّل : منع كونها مفيضة ، بل هي واسطة لإفاضة
الله تعالى ـ على تقدير تسليم وجودها ـ وأفضليّة الواسطة من المستفيض ممنوعة.
وعن الثاني : أنّ المراد من التعليم هو التبليغ ، لصراحة
الآيات الأخرى أنّ روح الأمين كان منزّلا للقرآن على قلب رسول الله صلى الله عليه
وآله ، وأفضليّة المبلّغ من المبلّغ إليه ممنوعة ؛ إذ الأمر كثيرا ما يكون بالعكس
، بخلاف تعليم آدم فإنّه على حقيقته الموجبة لظهور استحقاق آدم لكونه خليفة في
الأرض ؛ إذ لا يظهر ذلك إلاّ على تقدير كونه كذلك كما لا يخفى ؛ ولهذا ورد في
الخبر في بيان قوله تعالى : {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى } [الضحى: 5].
« والله هي الشفاعة » (3). إلى غير ذلك من الآيات والأخبار الدالّة على تحقّق إذن
الشفاعة والعفو بها ؛ لقوله تعالى : {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا
بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255]. ونحوه ، خلافا للوعيديّة القائلين بلزوم الوعيد على
الله تعالى وعدم تحقّق العفو في مقابل النصّ.
وإلى مثل ما ذكرنا أشار المصنّف ; مع بيان الشارح القوشجي
بقوله : ( وهو أفضل من الملائكة ، وكذا غيره من الأنبياء ؛ لوجود المضادّ للقوّة
العقليّة وقهره على الانقياد عليها ).
ذهب جمهور الأشاعرة (4) إلى أنّ الأنبياء أفضل من الملائكة ،
خلافا للحكماء والمعتزلة والقاضي أبي بكر وأبو عبد الله الحليمي منهم ، وصرّح
بعضهم بأنّ عوامّ البشر من المؤمنين أفضل من عوامّ الملائكة ، وخواصّ الملائكة
أفضل من عوامّ البشر ، واختار المصنّف مذهب الأشاعرة ؛ تمسّكا بأنّ للبشر أمورا متضادّة
للقوّة العقليّة ، وشواغل عن الطاعات العلميّة والعلميّة كالشهوة والغضب ، وسائر
الحاجات الشاغلة والموانع الخارجة والداخلة. والمواظبة على العبادات وتحصيل
الكمالات بالقهر والغلبة على ما يضادّ القوّة العقليّة تكون أشقّ وأبلغ في استحقاق
الثواب ، ولا معنى للأفضليّة سوى زيادة استحقاق الثواب والكرامة.
وقد يتمسّك بوجوه نقليّة :
منها : أنّ الله تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم عليه
السلام والحكيم لا يأمر بسجود الأفضل للأدنى ، وإباء إبليس معلّلا بأنّه خير من
آدم ؛ لكونه من نار وآدم من طين (5) يدلّ على أنّ المأمور به كان سجود تكرمة
وتعظيم لا سجود تحيّة وزيارة.
ومنها : أنّ آدم عليه السلام علّمهم الأسماء ، والمعلّم أفضل
من المتعلّم ، وسوق الآية ينادي على أنّ الغرض إظهار ما خفي عليهم من أفضليّة آدم
؛ ولذا قال : {إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [البقرة: 33]
وبهذا يندفع ما يقال : إنّ لهم أيضا علوما جمّة أضعاف العلم بالأسماء ؛ لما شاهدوا
من اللوح المحفوظ وحصّلوا في الأزمنة المتطاولة بالتجارب والأنظار المتوالية.
ومنها : قوله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ
وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 33].
وقد خصّ من آل إبراهيم وآل عمران غير الأنبياء بدليل الإجماع ، فيكون آدم ونوح
وجميع الأنبياء مصطفين على العالمين الذين منهم الملائكة ؛ إذ لا مخصّص للملائكة
من العالمين ، ولا جهة لتفسيره بالكثير من المخلوقات.
واحتجّ المخالفون أيضا بوجوه نقليّة وعقليّة :
أمّا النقليّات :
فمنها : قوله تعالى : {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي
السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا
يَسْتَكْبِرُونَ * يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ
} [النحل: 49، 50] خصّصهم بالتواضع وترك الاستكبار في السجود ، وفيه إشارة إلى أنّ
غيرهم لا يكون كذلك ؛ لأنّ أسباب التكبير والتعظيم حاصلة لهم ، ووصفهم باستمرار
الخوف وامتثال الأوامر ، ومن جملتها اجتناب المنهيّات.
ومنها : قوله تعالى : {وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ
عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ
لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 19، 20] ، وصفهم بالقرب والشرف عنده بالتواضع ،
والمواظبة على الطاعة والتسبيح.
ومنها : قوله تعالى : {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا
يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء: 26، 27] إلى
أن قال : {وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: 28]، وصفهم بالكرامة
المطلقة ، والامتثال ، والخشية ، وهذه الأمور أساس كافّة الخيرات.
والجواب : أنّ جميع ذلك إنّما يدلّ على فضيلتهم لا على
أفضليّتهم سيّما على الأنبياء.
ومنها : قوله تعالى : {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي
خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ}
[الأنعام: 50] ؛ فإنّ مثل هذا الكلام إنّما يحسن إذا كان الملك أفضل ، فكأنّه قال
: لا أثبت لنفسي مرتبة فوق البشريّة كالملكيّة.
والجواب : أنّه لمّا نزل قوله تعالى : {وَالَّذِينَ
كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}
[الأنعام: 49]. والمراد قريش استعجلوه بالعذاب تهكّما به وتكذيبا له فنزلت بيانا ؛
لأنّه ليس له إنزال العذاب من خزائن الله يفتحها ، ولا يعلم أيضا متى نزل بهم
العذاب منها ، ولا هو ملك فيقدر على إنزال العذاب عليهم كما يحكى أنّ جبرئيل قلّب
بأحد جناحيه المؤتفكات ، فقد دلّت الآية على أنّ الملك أقدر وأقوى لا على أنّه
أفضل من البشر.
ومنها : قوله تعالى : {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ
هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ } [الأعراف: 20]، أي إلاّ
لكراهة أن تكونا ملكين [ أو تكونا من الخالدين ] (6) يعني أنّ الملكيّة بالمرتبة
الأعلى وفي الأكل من الشجرة ارتقاء إليها.
والجواب : أنّهما رأيا الملائكة أحسن صورة وأعظم خلقا وأكمل
قوّة فمنّاهما مثل ذلك وخيّل إليهما أنّه الكمال الحقيقي والفضيلة المطلوبة ، ولو
سلّم فغايته التفضيل على آدم قبل النبوّة.
ومنها : قوله : {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ
عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ } [النساء: 172]، أي لا
يترفّع عيسى عليه السلام عن العبوديّة ولا من هو أرفع منه درجة ، كقولك : لا
يستنكف من هذا الأمر الوزير ولا السلطان ولو عكست لأخللت.
والجواب : أنّ الكلام سيق لردّ مقالة النصارى وغلوّهم في
المسيح ، وادّعائهم فيه مع النبوّة البنوّة ، بل الألوهيّة والترفّع [ عن
العبوديّة لكونه روح الله ولد بلا أب ، ولكونه يبرئ الأكمه والأبرص ، ولا يترفّع ]
(7) عيسى عن العبوديّة ، ولا من هو فوقه في هذا المعنى وهم الملائكة الذين لا أب
لهم ولا أمّ يقدرون على ما لا يقدر عليه عيسى ، ولا دلالة على الأفضليّة بمعنى
كثرة الثواب وسائر الكمالات.
ومنها : اطّراد تقديم ذكر الملائكة على ذكر الأنبياء والرسل
، ولا تعقل له جهة سوى الأفضليّة.
والجواب : أنّه يجوز أن يكون لجهة تقدّمهم في الوجود ، أو في
قوّة الإيمان بهم ، فإنّ وجود الملائكة أخفى فالإيمان بهم أقوى ، فيكون تقديم
ذكرهم أولى.
وأمّا العقليّات :
فمنها : أنّ الملائكة روحانيّة مجرّدة في ذواتها متعلّقة
بالهياكل العلويّة ، مبرّأة عن الشهوة والغضب اللذين هما مبدأ الشرور والقبائح ،
متّصفة بالكمالات العلميّة والعمليّة بالفعل من غير شوائب الجهل والنقص ، والخروج
من القوّة إلى الفعل على التدريج ومن احتمال الغلط ، قويّة على الأفعال العجيبة
وإحداث السحب الزلازل وأمثال ذلك ، مطّلعة على أسرار الغيب ، سابقة إلى أنواع
الخيرات ، ولا كذلك حال البشر.
والجواب : أنّ ذلك مبنيّ على قواعد الفلسفة دون الملّة.
ومنها : أنّ أعمالهم المستوجبة للمثوبات أكثر ؛ لطول الزمان
، وأدوم ؛ لعدم تخلّل الشواغل ، وأقوم ؛ لسلامتها عن مخالطة المعاصي المنقّصة للثواب.
والجواب : أنّ هذا لا يمنع كون الأنبياء أفضل وأكثر ثوابا
بجهات أخر كقهر المضادّ والمنافي ، وتحمّل المتاعب والمشاقّ ونحو ذلك على ما مرّ »
(8).
وصل : هذا الاعتقاد من أصول المذهب الجعفريّ ، ومنكره ـ
كالوعيديّة القائلين بلزوم الوعيد وعدم العفو بنحو الشفاعة (9) ـ خارج عن المذهب.
__________________
(1) انظر « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 363.
(2)
« بحار الأنوار » 79 : 243 باب علل الصلاة ... ح 1.
(3)
أورده الطبرسي في « مجمع البيان » 10 : 505 ذيل الآية 5 من سورة الضحى.
(4)
لمعرفة التفاصيل حول هذا المبحث راجع « اللوامع الإلهيّة » : 297 ، اللامع العاشر
في النبوّة.
(5)
إشارة إلى قوله تعالى : ( قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ
وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ). الأعراف (7): 11.
(6) هذه العبارة لم ترد في « شرح القوشجي ».
(7)
الزيادة أضفناها من « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 264.
(8) «
شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 363 ـ 365.
(9)
انظر « الملل والنحل » 1 : 114.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|