أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-11-2016
2106
التاريخ: 5-11-2018
2810
التاريخ: 16-11-2016
2110
التاريخ: 3-7-2019
3371
|
أدت سياسة عثمان التي ارتكزت على محاباة بني أمية، وسوء توزيع الثروة في الدولة، ورفع أسوأ الناس على رقاب المؤمنين، وارتكاب المخالفات القانونية، وتركيز السلطة في يد عائلة بعينها دون إعتبار للأهلية والكفاءة ـ كما هو مفصل في تاريخنا ـ الى تمرد عامة الشعب، وتذمر كبار الصحابة، حتى انتهى الأمر بمقتل الخليفة، وسقوط الدولة الإسلامية الناشئة في دوامة صراع سياسي خطير.
وأخذت الأخطاء التي بدأت قبل سنوات بدرجة واحدة، تتسع على مر الأيام، ويزداد انفراجها، حتى وصلت الأمور الى تحول معاكس للخط الذي تأسست عليه الدولة.
ولأن الثورة على نظام الحكم ـ أي نظام ـ حرام لا تجوز في اعتقاد مؤرخينا الذين نشأوا وتربوا في ظل نظم غير شرعية، كان لابد من البحث عن تبرير خارج عن العقل والمنطق ـ كالعادة ـ لإقناعنا بأنه ما أسقط الدولة وأشاع الفتنة إلا العناصر الخارجية
فهم لم يربطوا بين المسببات وأسبابها، ولم يرجعوا المعلولات الى عللها، ولم يفتشوا عن أسباب ثورة أهل مصر على عثمان لأن هذا المنهج ـ رغم علميته وإسلاميته ـ سيؤدي الى تخطئة بعض الشخصيات التي يريدون من كل مسلم تقديسها مهما فعلت.
من أجل هذا اخترعوا شخصية خيالية لم توجد في التاريخ أصلاً إلا في أوهامهم، وسموها عبدالله بن سبأ أو ابن السوداء، وأطلقوا لخيالهم العنان تحت تخدير العواطف، فتخيلوا أنه لابد وأن يكون يهودياً، ونسبوا إليه كل الفساد، ووضعوا على رأسه مسؤولية الثورة والتذمر.
فتعيين الخليفة مجلس شوراه من أقربائه وممن لعنهم أو نفاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كمروان بن الحكم، وسعيد بن العاص، وعبدالله بن عامر، وعبدالله بن سعد بن أبي سرح، مع وجود أجلة الصحابة، ثم إطلاق يد العائلة المالكة وعلى رأسها هؤلاء في تغيير الدولة والتلاعب بشئونها، وإشاعة الفوضى السياسية والقانونية وتعطيل أحكام الشرع، ثم حماية الخليفة لهم.
ووعده بإصلاح الأمور مرات، واخلافه لهذا الوعد، واصراره على صحة سياسته التي احتج عليها كل الصحابة إلا المستفيدين، لم يكن من أسباب التذمر.
كما أن تعيين الخليفة لمرتد أباح الرسول دمه في فتح مكة كعبدالله بن سعد بن أبي سرح والياً على مصر في وجود أجلاء كعمار بن ياسر، ومحمد بن أبي بكر، ومحمد بن أبي حذيفة، وغيرهم، ثم قيام هذا الوالي بتعطيل الشرع ونهب خزانة الدولة واضطهاد النصارى، وإذلال الناس، لم يكن سبباً كافياً لتذمر أهل مصر، بل لابد وأن يكون السبب وراء ذلك عبدالله بن سبأ اليهودي، ولابد وأن يكون الصحابة الذين ثاروا على فساد نظام الدولة من أتباع هذا اليهودي.
تماماً كما تقول الأنظمة المعاصرة عمن ثار عليها، لأن الثورة على النظم الفاسدة حرام وفتنة وإراقة دم.
ونظرية ابن سبأ التي ساقها مشايخنا في تبرير الكارثة، يستحي منها كل طفل مسلم به مسكة من عقل، لأنها تعني أن الخلافة الراشدة والدولة المحمدية كانت من الضعف بمكان بحيث أن يهودياً واحداً استطاع أن يقلبها بغير عناء.
كما أنها تعنى أن كبار الصحابة الذين لم يوافقوا على سياسة عثمان، لم يكونوا يعرفون دينهم، فانساقوا وراء مقولة يهودي ودمروا دولة الإسلام.
ثم ليت مؤرخينا استطاعوا أن يثبتوا دور ابن سبأ في الأحداث، لأنك تراهم يذكرون اسمه في البداية فقط، ثم تجري الأحداث مجراها الطبيعي محكومة بقوانين العمران والسياسة المنطقية ووفق عللها الطبيعية من تنافس بين الصحابة، وسوء إدارة الدولة، وفساد الشورى، وضغائن القبائل، وما اليها.
ولأن العلة التي ذكرها المؤرخون ـ أي ابن سبأ ـ علة وهمية، تراهم على غير يقين منها، فمرة قالوا وراءها عبدالله بن سبأ، ومرات قالوا أن عمرو بن العاص هو محركها، لأنه كان يؤلب الناس على عثمان حتى رعاة الغنم المتفرقين في الصحراء، ومرة يعلقون المسؤولية في عنق محمد بن أبي بكر، وأخرى يضعونها على رأس مروان بن الحكم(1).
وكثير من المؤرخين يقولون أن الأسباب التي نقمها الناس على عثمان كثيرة وخطيرة، وأنهم رأوا الإعراض عن ذكرها أفضل، ولم يذكروا إلا ما سمحت به أنفسهم وجادت به وجهات نظرهم.
فنحن إذن لا نقرأ إلا ما سمحوا لنا بقراءته والإطلاع عليه، لا ما وقع كله، وما يدريك لعل فيما لم يذكروه مفاتيح معضلات كثيرة، أو ربما فيه من الحقائق التاريخية ما يكشف كثيراً مما لم يزل عندنا طلاسم غير مفهومة ؟
إن أحداث المأساة السياسية التي وقعت في عهد عثمان لم يكن وراءها يهودي ولا نصراني، بل كانت لها أسبابها وعللها السياسية والإقتصادية والإدارية والإجتماعية والنفسية والفكرية التي اجتمعت وسارت وفق قوانين التاريخ وسنة الله في خلقه.
ومن الأدلة على ذلك أن الصحابة لم يذكروا ابن سبأ قط، بل منهم من تنبأ بما وقع من الأحداث الجليلة، فانقلاب معاوية على الخليفة الشرعي وتأمره على الناس بالسيف تنبأ به كعب وغيره من الصحابة(2)
وإنعكاس حال الدولة استشفه علي (عليه السلام) (3) كما تنبأ به عثمان نفسه حين ثار عليه أهل مصر فقال (والله لئن فارقتهم ليتمنون أن عمري كان طال عليهم مكان كل يوم بسنة مما يرون من الدماء المسفوكة والإحن والأثرة الظاهرة والأحكام المغيرة) (4)
ذلك أن أحوال الدولة وخط سيرها كان واضحاً أمامهم جميعاً، ومن ثم استطاعوا أن يروا المصير قبل وقوعه، لأنه كان أمراً مفهوماً، إذ كيف يتوقع ذو عقل السلامة لدولة يديرها مجلس شورى من الملاعين والمطرودين ؟
لقد كانت الدولة في عهد عثمان دخلت مرحلة وسطاً بين الخلافة والملك، وكانت تسير بخطى واضحة في طريقها الى نظام سياسي غير الذي أراده لها مؤسسها، وكانت هذه حقيقة سياسية يعرفها الكثير.
أنظر الى مروان بن الحكم ـ مثلاً ـ وقد حاصر الناس عثمان فخرج عليهم ليقول لهم (جئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا ؟ إرجعوا عنا)(5)
إن طريقة تفكير الصحابة ومن عاش خلال تلك الأحداث كانت مختلفة عن طريقة تفكيرنا التي ورثناها عن مشايخنا ومؤرخينا، ومن هنا لم يؤثر عن أحدهم أنه قال أن سياسة الدولة كانت مضبوطة وأن سبب الفساد كان هذا أو ذاك من اليهود أو النصارى.
وكيف كان من الممكن توقع غير ما آلت إليه الخلافة في الوقت الذي كان يعتبرها مروان بن الحكم ـ كما مر قبل سطور قليلة ـ ملكاً له وعائلته والخليفة حي بين الناس ؟
___________
(1) أنظر تفصيل ذلك على سبيل المثال في الطبري: 3/378 حتى 398.
(2) الطبري: 3/381.
(3) الطبري: 3/456.
(4) الطبري: 3/393 وانظر كذلك 3/425.
(5) الطبري: 3/379.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|