المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
ماشية اللحم في الولايات المتحدة الأمريكية
2024-11-05
أوجه الاستعانة بالخبير
2024-11-05
زكاة البقر
2024-11-05
الحالات التي لا يقبل فيها الإثبات بشهادة الشهود
2024-11-05
إجراءات المعاينة
2024-11-05
آثار القرائن القضائية
2024-11-05



الإسناد في الرواية الأدبية (بين الحديث والأدب)  
  
4068   01:54 صباحاً   التاريخ: 5-12-2019
المؤلف : ناصر الدين الأسد
الكتاب أو المصدر : مصادر الشعر الجاهلي
الجزء والصفحة : ص :255-283ج1
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / الشعر / العصر الجاهلي /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-03-2015 20778
التاريخ: 22-03-2015 4931
التاريخ: 22-03-2015 9452
التاريخ: 23-03-2015 3373

 الإسناد في الرواية الأدبية (بين الحديث والأدب)  
-1-
لا يملك الباحث، حين يتعرض للحديث عن الإسناد في الرواية الأدبية، إلا أن يشير إلى الإسناد في رواية الحديث النبوي. وقد أشار أكثر الباحثين من المحدثين الذين أرخوا الأدب العربي إلى العلاقة في الإسناد وطريقة الحمل بين الروايتين(1). وقد ذهبوا إلى أن رواة الأدب قد تأثروا رواة الحديث في طريقة الإسناد، ونسجوا على منوالهم. ولا نحب هنا أن نعيد أقوالهم ولا أن نشقق القول في هذا الأمر بعينه، ولكننا مع ذلك نكاد نذهب مذهبًا يخالف ما ذهبوا إليه، فنحن نرى، فيما يبدو لنا، أن الرواية الأدبية أصل قائم بذاته، وقد وجدت عند العرب منذ الجاهلية، فكان علماء النسب الجاهليون ومن أدرك منهم الإسلام يأخذون علمهم بالنسب عن شيوخ هذا العلم ممن تقدمهم أو عاصرهم، وكذلك كان رواة الشعر والأخبار الجاهلية.
وقد مرت بنا بعض الأمثلة على النسابين ورواة الأخبار والأشعار، وستمر بعد صفحات أمثلة أخرى، وربما كان أوضح ما يمثل تلقي الشعر وأخذه ما يروى من أن عمر بن الخطاب تمثل بشعر ثم قال لفرات بن زيد الليثي(2):
(1/255)

أتدري من يقوله؟ فقال فرات: لا أدري. قال عمر: هذا شعر أخيك قسامة بن زيد. قال: ما علمته. قال بلى، هو أنشدنيه وعنه أخذته.
والرواية سبيل طبيعية في كل عصر وعند كل أمة، حتى حين تنتشر الكتابة وتذيع. بينما كانت رواية الحديث أمرًا طرأ على العرب بعد الإسلام. فإن لم تكن رواية الحديث من حيث الطور الزمني متأثرة برواية الأدب وفرعًا منها، فالروايتان أصلان انبثقا عن الحاجة الملحة انبثاقًا طبيعيًّا.
وتفصيل ذلك أننا لا نعرف -على وجه الضبط واليقين- متى بدأ الإسناد في رواية الحديث، فنحن نرى مثلًا أن بعض التابعين لم يكن يسند الحديث حين يحدث.
فقد روى عاصم الأحول "المتوفى سنة 142هـ" عن ابن سيرين "المتوفى سنة 110هـ" قال: لم يكونوا يسألون عن الإسناد، حتى وقعت الفتنة؛ فلما وقعت الفتنة نظروا مَنْ كان من أهل السنة أخذوا حديثه، ومن كان من أهل البدع تركوا حديثه(3).
وقال حماد بن سلمة(4): كنا نأتي قتادة "هو قتادة بن دعامة السدوسي المتوفى سنة 117" فيقول: بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبلغنا عن عمر، وبلغنا عن علي، ولا يكاد يسند. فلما قدم حماد بن أبي سليمان البصرة جعل يقول: حدثنا إبراهيم وفلان وفلان، فبلغ قتادة ذلك فجعل يقول: سألت مطرفًا، وسألت سعيد بن المسيب، وحدثنا أنس بن مالك، فأخبر بالإسناد.
وقال ابن جريج(5): إن عطاء حدث بحديث فقلت له: أتعزيه إلى أحد؟ أي أتسنده؟
(1/256)

ولكننا نرى أن علماء القرن الثاني كانوا يسندون الحديث: يرفعون بعضه، ويرسلون بعضه. ومما تجدر الإشارة إليه أن كثيرًا من رواة الأدب كانوا كذلك من رواة الحديث، وإن كانت شهرتهم بالرواية الأدبية قد طغت على شهرتهم برواية الحديث وغطت عليها. فالرواية عند هؤلاء العلماء في القرن الثاني، سواء أكانت رواية حديث أم رواية أدب وأخبار، كانت ذات إسناد يرتفع حينًا إلى الصحابي وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث، ويرتفع إلى من تدور عنه في الجاهلية أو إلى رجال يروونها ممن شهدوا الجاهلية وشهدوا ما يروون بخاصة في الأدب والأخبار، وكثيرًا ما يكون الإسناد مرسلًا منقطعًا في الروايتين كلتيهما.
ولكن ذلك لا يمنعنا من أن نقول إن المتأخرين الذين كتبوا في علوم اللغة والأدب قد احتذوا مناهج المحدثين والفقهاء، وقلدوا علوم الحديث والفقه، وذلك بعد أن نضجت علوم الحديث والفقه وأرسيت أصولهما وقواعدهما، وعبدت سبلهما وطرائقهما، وذهب فيهما في التحقيق والتدقيق -في السند والمتن- مذاهب بعيدة(6) ونجد مثال ذلك عند أبي البركات ابن الأنباري "المتوفى سنة 575هـ" حين يقول في كتابه "الإنصاف في مسائل الخلاف"(7): "فإن جماعة من الفقهاء المتأدبين، والأدباء المتفقهين المشتغلين عليه بعلم العربية بالمدرسة النظامية ... سألوني أن ألخص لهم كتابًا لطيفًا، يشتمل على مشاهير المسائل الخلافية بين نحويي البصرة والكوفة، على ترتيب المسائل الخلافية بين الشافعي وأبي حنيفة".
وعند رجل كالسيوطي الذي يقول عن علم الأدب وتأليفه فيه(8): "هذا
(1/257)

علم شريف ... حاكيت به علوم الحديث في التقاسيم والأنواع". ويقول كذلك(9): "واعلم أن السبب الحامل لي على تأليف ذلك الكتاب الأول أني قصدت أن أسلك بالعربية سبيل الفقه فيما صنفه المتأخرون فيه وألفوه من كتب الأشباه والنظائر".
فإذا كان الأمر على ما ذهبنا إليه، فلم التزمت رواية الحديث الإسناد في الغالب الأعم، ولم تلتزمه الرواية الأدبية إلا في القليل النادر؟ ونحن نقصد بهذا التساؤل الإسناد المتصل المرفوع، لا الإسناد المرسل المنقطع، إذ إن هذا الضرب الثاني من الإسناد يكاد يكون ملتزمًا في رواية الأدب التزامًا لا إخلال فيه.
فجميع ما يرويه علماء اللغة والأدب في القرن الثالث والرابع ذو إسناد مرفوع إلى علماء القرن الثاني من أمثال أبي عمرو بن العلاء وحماد الراوية وخلف الأحمر والمفضل وأبي عمرو الشيباني وابن الكلبي والأصمعي وأبي عبيدة وأبي زيد، أو الأعراب الذين عاصرهم هؤلاء العلماء وأخذوا عنهم، ولكن هذا الإسناد المرفوع إلى هؤلاء لا يكاد يصل إليهم حتى يقف عندهم ثم لا يعدوهم إلا في القليل النادر مما سنعرضه في هذا الفصل بعد صفحات. ومن هنا كان هذا الإسناد الملتزم في الرواية الأدبية إسنادًا مرسلًا أو منقطعًا لأنه، في أكثره رُوي عن علماء لم يشهدوا العصر الجاهلي، ولم يأخذوا الشعر من الشعراء الجاهليين أنفسهم.
ويبدو لنا أن مرد التزام الإسناد المتصل في رواية الحديث إلى أمرين: أمر داخلي، وآخر خارجي. أما الداخلي فمبعثه من نفس الراوي، ومصدره شعوره بالتحرج الديني، وذلك أنه ينقل كلامًا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي قال في حديثه المشهور: "من كذب عليَّ فليتبوأ مقعده من النار" (10).
في الإسناد المتصل ما يجعل المحدث يطمئن إلى أن غيره من شيوخه وشيوخ
(1/258)

شيوخه ثم التابعين والصحابة يشتركون معه في تحمل تبعة هذا الحديث ونقله، وأنه لا يستقل وحده بحمل هذا العبء، وأن تبعته لا تعدو النقل الأمين لما سمعه عن شيخ ثقة ثبت.
وأما الأمر الخارجي فمرجعه إلى سامعي الحديث من المحدث، وذلك أن الحديث يتضمن جزءًا كبيرًا من السنة، أو هو السنة كلها، وهو من أجل ذلك مصدر من مصادر التشريع الإسلامي، بل إنه هو المصدر الثاني الذي يتلو في القيمة كتاب الله، ولذلك كان من التدقيق والتحقيق، ومما يبعث الطمأنينة في نفوس السامعين ويوحي إليهم بالثقة في حديث المحدث أن يصل بين عصره وعصر الرسول الكريم بسلسلة متصلة من الرواة المحدثين كلهم يشهد أنه سمعه ممن قبله حتى يصل الإسناد إلى الصحابي فالرسول.
ومن أجل هذا كله رأينا كثيرًا من الصحابة ومن التابعين يتحرجون من رواية الحديث، بل لقد ورد عنهم نهي صريح عن التحديث والإكثار منه. فقد شيع عمر بن الخطاب جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا ذاهبين إلى الكوفة، ثم أوصاهم بقوله(11): "إنكم تأتون أهل قرية لهم دويٌّ بالقرآن كدوي النحل، فلا تصدوهم بالأحاديث فتشغلوهم، جردوا القرآن، وأقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، امضوا وأنا شريككم". وقال شعبة بن الحجاج "توفي سنة 160 وله 75 سنة"(12) "ما أنا مغتم على شيء أخاف أن يدخلني النار غيره" يعني الحديث. ومن أجل هذا أيضًا كان كثير من المحدثين من الصحابة والتابعين يتخففون من أعباء هذا الحرج وقسوته باللجوء إلى الشعر وإنشاده. قال مطرف(13): "خرجت مع عمران بن حصين "صحابي توفي سنة 52" من الكوفة إلى البصرة فما أتى علينا يوم إلا ينشدنا فيه شعرًا، ويقول:
(1/259)

إن لكم في المعاريض لمندوحة عن الكذب".(14) وقال روح بن عبادة(15): كنت عند شعبة، فضجر من الحديث، فرمى بطرفه، فرأى أبا زيد سعيد بن أوس في أخريات الناس فقال: يا أبا زيد:
واستعجمت دار مي ما تكلمنا ... والدار لو كلمتنا ذات أخبار
إلي يا أبا زيد. فجعلا يتناشدان الأشعار. فقال بعض أصحاب الحديث لشعبة: يا أبا بسطام نقطع إليك ظهور الإبل لنسمع منك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فتدعنا وتقبل على الأشعار!! قال: فرأيت شعبة قد غضب غضبًا شديدًا ثم قال: يا هؤلاء، أنا أعلم بالأصلح لي، أنا والذي لا إله إلا هو في هذا أسلم مني في ذاك.
ومن أجل هذا أيضًا كان الأصمعي يتحرج في تفسير شيء ورد في القرآن الكريم أو الحديث ولذلك "لم يرفع من الحديث إلا أحاديث يسيرة"(16).
ونحن نرى من هذه الأخبار الثلاثة الأخيرة أن القوم آنذاك لم يكونوا يرون في رواية الشعر ما يرونه في رواية الحديث، فالشعر آخر الأمر شأن من شئون هذه الدنيا لا يتصل بالدين ولا بشخص الرسول ولا يمت بسبب إلى التشريع. فهم إذن في حل إذا وجدوا فيه سعة يستريحون فيها من عناء التضييق الذي كانوا يأخذون به أنفسهم في الحديث.
فهل نحن إذن على صواب إذا ذهبنا إلى أنه ليس في الرواية الأدبية للشعر الجاهلي والأخبار الجاهلية إسناد متصل؟ لعلنا لا نستطيع أن نقطع في هذا السؤال
(1/260)

بجواب حاسم قبل أن نعرض بعض ما لدينا من أخبار وروايات فيها إسناد متصل إلى الجاهلية وسنكتفي الآن بالعرض المجرد ثم نعقب على ذلك بما يبدو لنا من رأي.
وهذه الأخبار والروايات قسمان كبيران؛ أولهما: يتصل بالشاعر الجاهلي نفسه، وثانيهما: يتصل بهؤلاء العلماء الرواة الذين عاشوا في القرن الثاني وأخذ عنهم العلماء بعد ذلك شعر الجاهلية وأخبارها.
-2-
أم القسم الأول فهي أخبار مسندة يرتفع إسنادها إلى الشاعر الجاهلي نفسه, وأكثر الشعراء الجاهليين حظًّا من هذا الضرب من الروايات المسندة هو حسان بن ثابت، وربما كان مرد ذلك إلى صلة حسان برسول الله صلى الله عليه وسلم، فروى بعض الصحابة شعره وأخباره. ونحن نجد مثل هذا الضرب من الأسانيد المرفوعة إلى الصحابة عن حسان في ترجمته في الأغاني(17)، كالذي ترويه أم المؤمنين عائشة(18)، وأختها أسماء بنت أبي بكر(19). أما الأحاديث المرفوعة في إسناد متصل إلى حسان نفسه فهي أقل من ذلك عددًا. ومن أمثلتها ما جاء في إسناد متصل أوله أبو الفرج الأصفهاني وآخره سعيد بن زرارة عن حسان بن ثابت، حيث يذكر ما يدل على أنه ولد قبل الهجرة بنحو من ستين سنة وأنه كان غلامًا يفعة ابن سبع سنين أو ثمان حينما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم(20).
وثمة أخبار أخرى ذات إسناد منقطع ولكنها تنتهي بحسان يروي فيها خبرًا عن
(1/261)

نفسه وعن غيره من شعراء الجاهلية. ومن أمثلة ذلك " ... حدثنا الزبير بن بكار قال، قال أبو غزية، قال حسان بن ثابت: قدم النابغة المدينة فدخل السوق فنزل عن راحلته ثم جثا على ركبتيه، ثم اعتمد على عصاه، ثم أنشأ يقول:
عرفت منازلًا بعريتنات ... فأعلى الجزع للحي المبن
فقلت: هلك الشيخ، ورأيته قد تبع قافية منكرة.... فما زال ينشد حتى أتى على آخرها، ثم قال: ألا رجل ينشد؟ فتقدم قيس بن الخطيم فجلس بين يديه وأنشد:
أتعرف رسمًا كاطراد المذاهب
حتى فرغ منها، فقال: أنت أشعر الناس يابن أخي. قال حسان: فدخلني منه. وإني في ذلك لأجد القوة في نفسي عليهما، ثم تقدمت فجلست بين يديه،
فقال: أنشد فو الله إنك لشاعر قبل أن تتكلم. قال: وكان يعرفني قبل ذلك، فأنشدته. فقال: أنت أشعر الناس"(21).
ومن أمثلته أيضًا " ... يوسف بن الماجشون عن أبيه قال، قال حسان بن ثابت: أتيت جبلة بن الأيهم الغساني وقد مدحته ... " ثم يذكر لقياه النابغة الذبياني وعلقمة بن عبدة هناك وإنشادهما شعرًا لهما ثم إنشاد حسان شعرًا مدح فيه الغساسنة(22).
وثاني هؤلاء الشعراء هو الأعشى، فقد عثرنا على ثلاثة روايات مرفوعة كلها إليه، الأولى: قدمنا الإشارة إليها حين تحدثنا عن رواة الشعر، فقد مر بنا أن للأعشى ثلاثة رواة أو لعله راوية واحد اختلفوا في اسمه فأوردوا له ثلاثة أسماء فهو حينًا: عبيد، وحينًا: يحيى بن متى، وحينًا ثالثًا: يونس بن متى. وقد كان
(1/262)

هذا الراوية من المعمرين، فروى عنه جميع الأخبار التي رواها عن الأعشى راوية واحد بعينه هو سماك بن حرب. ثم روى عن سماك عدة رواة(23).
فعبيد هذا يروي عن الأعشى خبر قدومه على النعمان وإنشاده بين يديه قصيدته(24):
إليك أبيت اللعن كان كلالها ... تروح مع الليل التمام وتغتدي
وهو أيضًا يروي عن الأعشى أنه سأله تفسير كلمات في أحد أبياته وذلك قوله(25):
ومدامة مما تعتق بابل ... كدم الذبيح سلبتها جريالها
فلما سأله: ماذا أردت بقولك؟ قال: شربتها حمراء وبلتها بيضاء.
وهو كذلك يوازن بين الأعشى ولبيد فيقول(26): كان الأعشى قدريًّا وكان لبيد مثبتًا. قال لبيد:
من هداه سبل الخير اهتدى ... ناعم البال ومن شاء أضل
وقال الأعشى:
استأثر الله بالوفاء وبالـ ... عدل وولى الملامة الرجلا
فلما سئل: من أين أخذ الأعشى مذهبه؟ قال: من قبل العباديين نصارى الحيرة، كان يأتيهم يشتري منهم الخمر فلقنوه ذلك.
(1/263)

والرواية الثانية ما جاء في شرح ديوان الأعشى للآمدي(27): "قال أبو الحر: وجدت على ظهر كتاب المجاز لأبي عبيدة بخط أبي عسان رفيع بن سلمة المعروف بدماذ(28) صاحب أبي عبيدة، وحدثنا به السكري يعد حديثًا يرفع إلى الأعشى أنه قال ... خرجت أريد قيس بن معد يكرب بحضرموت، فأضللت في أوائل أرض اليمن لأنني لم أكن سلكت ذلك الطريق، فلما أضللت أصابني مطر، فرميت ببصري كل مرمى أطلب لنفسي مكانًا ألجأ إليه، فوقعت عيني على خباء من شعر فقصدت نحوه فإذا أنا بشيخ ... " ثم يمضي في قصة طويلة خلاصتها أنه أنشد هذا الشيخ مطلعي قصيدتين من قصائده فإذا بالشيخ ينادي ابنتين له فتنشدان القصيدتين كاملتين لا تخرمان منهما حرفًا، فلما سقط في يده وتحير وغشته رعدة قال له ذلك الشيخ: "ليفرخ روعك أبا بصير أنا هاجسك مسحل بن أثاثة الذي ألقي على لسانك الشعر". فسكنت نفسه(29)!
والرواية الثالثة حدث بها أبو اليقظان قال(30): حدثني جويرية عن يشكر
(1/264)

بن وائل اليشكري -وكان من علماء بكر بن وائل وولد أيام مسيلمة فجيء به إليه فمسح على رأسه فعمي- قال جويرية: فحدثني يشكر هذا قال: حدثني جرير بن عبد الله البجلي "صحابي" قال: سافرت في الجاهلية، فأقبلت على بعيري ... فإذا قوم مشوهون عند الماء فقعدت. فبينا أنا عندهم إذ أتاهم رجل أشد تشويهًا منهم فقالوا: هذا شاعرهم. فقالوا له: يا فلان أنشد هذا فإنه ضيف. فأنشد "ودع هريرة إن الركب مرتحل". فلا والله ما خرم منها بيتًا واحدًا حتى انتهى إلى هذا البيت.
تسمع للحلي وسواسًا إذا انصرفت ... كما استعان بريحٍ عشرق زجل(31)
فأعجبت به. فقلت: من يقول هذه القصيدة؟ قال: أنا قلت: لولا ما تقول لأخبرتك أن أعشى بني ثعلبة أنشدنيها عام أول بنجران. قال. فإنك صادق، أنا الذي ألقيتها على لسانه وأنا مسحل صاحبه، ما ضاع شعر شاعر وضعه عند ميمون بن قيس(32)!!
وشاعر ثالث جاهلي خالص، هو امرؤ القيس، رُوي عنه أيضًا بإسناد متصل، فقد سئل رؤبة بن العجاج عن هذا البيت(33):
نطعنهم سلكى ومخلوجة ... كرك لأمين على نابل
فقال رؤبة: حدثني أبي عن أبيه قال: حدثني عمتي -وكانت في بني دارم- قالت: سألت امرأ القيس، وهو يشرب طلاء له مع علقمة بن عبدة: ما
(1/265)

معنى قولك: كرك لأمين على نابل؟ فقال: مررت بنابل وصاحبه يناوله الريش لوامًا وظهارًا، فما رأيت أسرع منه ولا أحسن، فشبهت به(34)!
وشاعر رابع، جاهلي أدرك الإسلام، وهو سعية بن غريض، وغريض هو السموءل المشهور. ورواية سعية هذه تختلف عن الروايات التي قدمناها من حيث إنها لا تروي خبرًا عن الشاعر نفسه، وإنما يروي فيها الشاعر خبرًا من أخبار الجاهلية لا صلة له به. قال الهيثم بن عدي: حدثني حماد الراوية عن سعيد بن عمرو بن سعيد عن سعية بن غريض -من يهود تيماء- قال(35): لما قتل الحارث بن أبي شمر الغساني عمرو بن حجر ملك بعده ابنه الحارث بن عمرو، ... فلما تفاسدت القبائل من نزار أتاه أشرافهم فقالوا ... "إلى آخر الخبر".
ورُوي عن الحطيئة خبر يفضل فيه نفسه، وراويه هو عبد الرحمن بن أبي بكرة عن الحطيئة، قال عبد الرحمن(36): رأيت الحطيئة بذات عرق، فقلت له:
(1/266)

يا أبا مليكة أي الناس أشعر؟ فأخرج لسانًا دقيقًا كأنه لسان حية فقال: هذا إذا طمع.
وشاعر سادس رُوي عنه في إسناد متصل، هو النابغة الجعدي. والجعدي ممن عُمِّر عمرًا طويلًا في الجاهلية والإسلام، " ... إسماعيل بن عبد الله السكري قال: حدثنا يعلى بن الأشدق، قال: حدثني نابغة بني جعدة، قال(37):
أنشدت النبي صلى الله عليه وسلم هذا الشعر فأعجب به:
بلغنا السماء مجدنا وجدودنا ... وإنا لنبغي فوق ذلك مظهرًا
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فأين المظهر يا أبا ليلى؟ فقلت: الجنة. فقال: إن شاء الله. فقلت: إن شاء الله.
ولا خير في حلم إذا لم يكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدرا
ولا خير في جهلٍ إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أجدت، لا يفضض الله فاك".
-3-
وأما القسم الثاني من هذا البحث عن الإسناد فمتصل بهؤلاء العلماء الرواة الذين عاشوا في القرن الثاني ومطلع الثالث، وأخذ عنهم العلماء بعد ذلك شعر الجاهلية وأخبارها. فقد ذكرنا من قبل أن العلماء في القرون التالية للقرن الثاني، وخاصة علماء القرنين الثالث والرابع، كانوا يوردون جل أخبار الجاهلية وأشعارها مسندة إلى هؤلاء الرواة الأعلام من علماء القرن الثاني، ثم يقفون عندهم
(1/267)

لا يعدونهم في الغالب الأعم. وذكرنا أن هؤلاء العلماء الذين تنتهي عندهم الرواية الأدبية للجاهلية طبقتان، الطبقة الأولى هم: أبو عمرو بن العلاء وحماد الراوية ثم خلف الأحمر والمفضل الظبي ومن في طبقتهم. وأما الطبقة الثانية فهم تلامذة هذه الطبقة الأولى، وأشهرهم: الأصمعي وأبو زيد وأبو عبيدة وأبو عمرو الشيباني، ثم ابن الأعرابي ومحمد بن حبيب وأبو حاتم السجستاني ومحمد بن سلام ومن في طبقتهم. ولكن انقطاع الإسناد عند هؤلاء الرواة وانتهاءه إليهم يحفزنا إلى أن نستقصي في البحث عما وراءه لعلنا نستطيع أن ننبش الجذور الأولى التي قامت عليها رواية هؤلاء العلماء، فنستبين مدى امتداد هذه الجذور واتصالها بالجاهلية.
وأول ما يستوقفنا في سبيلنا روايات قليلة متفرقة مبثوثة -على تباعد بينها- في ما بين أيدينا من مصادر. وفيها يروي هؤلاء العلماء عن شيخ عالم راوية كثيرًا ما يكون من الأعراب الذين كانوا يأخذون منهم اللغة والشعر والأخبار، وقد يمتد بهم الإسناد فيرفعونه في أحوال نادرة إلى جاهلي شهد ما يروون عنه. فمن هذه الروايات التي يذكر فيها هؤلاء العلماء راويةً سابقًا عليهم يأخذون عنه ما نورده فيما يأتي:
يروي الأصمعي تحقيق اسم تأبط شرًّا وبيتًا له عن ابن أبي طرفة الهذلي ويقول(38): كان ابن أبي طرفة الهذلي أعلمهم بتأبط شرًّا وأمره.
ويروي الأصمعي كذلك عن أبي طفيلة، قال(39): حدثني من رأى مساور بن هند أنه ولد في حرب داحس قبل الإسلام بخمسين عامًا.
ويروي أبو عبيدة في سند متصل إلى الجاهلية (40) : "قال أبو عبيدة،
(1/268)

حدثني عبد الحميد بن عبد الواحد بن عاصم بن عبد الله ... قال، حدثني أبي عبد الواحد، وعمي صفوان، عن أبيهما عاصم بن عبد الله، عمن أدرك شأس بن زهير قال ... " "ثم يورد خبرًا عن شأس".
ويروي أبو عبيدة كذلك في سند آخر متصل إلى الجاهلية(41).
" ... أبو عبيدة قال، حدثنا أبو المختار فراس بن خندق القيسي: قيس ثعلبة، وعدة من علماء العرب قد سماهم فراس بن خندق". وفي سياق الحديث -وهو عن يوم ذي قار- يسمي بعضهم فيقول(42): "قال سليط بن سعد بن معدان ... بن ثعلبة: فحدثنا أسراؤنا الذين كانوا فيهم يومئذ -يوم ذي قار- قالوا: فلما التقى الناس ... "
وروى المفضل خبرًا عن امرئ القيس وعلقمة بن عبدة وشعرًا لهما حدثه به أبو الغول النهشلي عن أبو الغول الأكبر(43).
ويروي المفضل كذلك خبرًا جاهليًّا ذا إسناد متصل؛ جاء في النقائض(44): "وكان من قصة هذا اليوم -يوم أعشاش- ما حكاه الكلبي عن المفضل بن محمد عن زياد بن علاقة التغلبي أن أسماء بن خارجة الفزاري حدثه بذلك قال: أغار بسطام ... " إلى آخر الخبر، وبسطام هذا أخذ أم أسماء بن خارجة، وأسماء يومئذ غلام شاب يذكر ذلك. فرواية أسماء إذن رواية من شاهد الخبر المروي، وإسنادها متصل.
ويروي ابن الكلبي في سند متصل إلى أشياخ أدركوا الجاهلية شعرًا لشعراء جاهليين كامرئ القيس وعنترة فيه ذكر أسماء أماكن "قال أبو زيد عمر بن شبة عن هشام قال: حدثني محمد بن عبد الرحمن الأنصاري، عن عمرو بن
(1/269)

الصامت بن شداد بن يزيد بن مرداس السلمي، عن أشياخ من بني تميم أدركوا الجاهلية، قالوا ... "(45).
وروى حماد الراوية خبرًا يتصل بالحطيئة عن أبي نصر الأعرابي. وروى حماد كذلك خبرين عن الأعشى، أحدهما: عن معقل عن أبي بكر الهلالي(46) والثاني: عن سماك بن حرب(47).
وروى أبو عمرو بن العلاء شعرًا لامرئ القيس بن عابس، وذكر منه ستة أبيات ثم قال(48) "وزادني فيها الجمحي" وذكر ثلاثة أخرى. وروى أبو عمرو أيضًا(49) "عن شيخ من أهل نجد كان أسنهم".
وكان أبو عمرو بن العلاء يجتمع هو وشعبة عند أبي نوفل بن أبي عقرب، قال شعبة(50): فأسأله عن الحديث خاصةً، ويسأله أبو عمرو عن الشعر خاصةً، فلا أكتب شيئًا مما يسأله عنه أبو عمرو، ولا يكتب أبو عمرو شيئًا مما أسأله أنا عنه(51).
ومن اليسير أن يتتبع الباحث شيوخ هؤلاء العلماء الرواة، ويعرف بعضهم بأسمائهم، غير أن من العسير أن يرجع، إلا في القليل النادر، مفردات هذه الروايات التي يروونها سواء أكانت شعرًا أم خبرًا إلى الشيوخ الذين أخذها عنهم هؤلاء العلماء الرواة.
ومن هؤلاء الشيوخ: الأعراب الفصحاء الذين كانوا يفدون إلى الحواضر
(1/270)

فيأخذ عنهم هؤلاء العلماء اللغة والشعر والأخبار(52). ويعنينا من أمر هؤلاء الأعراب ثلاثة أخبار لها قيمتها وخطرها، أولها: ما أورده أبو علي القالي قال(53): "حدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال: كان أبو حاتم يضن بهذا الحديث ويقول: ما حدثني به أبو عبيدة حتى اختلفت إليه مدة، وتحملت عليه بأصدقائه من الثقفيين، وكان لهم مؤاخيًا، قال: حدثنا أبو حاتم قال: حدثني أبو عبيدة قال: حدثني غير واحد من هوازن من أولي العلم وبعضهم قد أدرك أبوه الجاهلية أو جده قال: اجتمع عامر بن الظرب العدواني ... " إلى آخر الخبر.
فأبو عبيدة إذن كان يروي بعض ما يرويه عن أعراب أدرك آباؤهم الجاهلية وقد مر بنا قبل قليل في الصفحة السابقة أن المفضل يروي عن رجل يروي عمن أدرك الجاهلية.
وثاني هذه الأخبار الثلاثة ما أورده الشريف المرتضى من حديث لبيد والنعمان، فقد ذكر إسنادًا في نهايته "عن الكلبي عن عبد الله بن مسلم البكائي، وكان قد أدرك الجاهلية"(54).
ومما يكمل هذا ويوصلنا إلى ما نرمي إليه من هدف الخبر الثالث الذي يرويه أبو عبيدة، ولكنه يرويه هذه المرة ويقصد به شيخه بل شيخ الرواة جميعًا: أبا عمرو بن العلاء. قال أبو عبيدة يشير إلى أبي عمرو(55) "وكانت عامة أخباره عن أعراب قد أدركوا الجاهلية".
(1/271)

فإذا مضينا نحن وراء هذا القول لنحقق صدقه، وجدنا في بعض ما سنورده ما يغنينا عن الإطالة:
قال ابن سعد(56) "أخبرنا عبد الملك بن قريب قال: أخبرنا أبو عمرو بن العلاء قال: قلت لأبي رجاء العطاردي: ما تذكر؟ قال: قتل بسطام بن قيس، ثم أنشد بيتًا رُثي به:
فخر على الألاءة لم يوسد ... كأن جبينه سيف صقيل
وقد ولد أبو رجاء هذا في الجاهلية ثم أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وهو شاب(57)، وأسلم بعد الفتح(58)، وتوفي في نحو(59) سنة 117.
وقد مر بنا قبل قليل أن أبا طفيلة يروي عمن أدرك الجاهلية، وقد كان أبو طفيلة هذا نحو أبي عمرو بن العلاء في السن(60).
وهذا مسعر بن كدام "المتوفى سنة 152 أو 155 -وهو معاصر لأبي عمرو بن العلاء-" يروي عمن أدرك الجاهلية أيضًا. قال عمير بن الحباب، وروى ذلك عنه مسعر، ما أغرت على حي في الجاهلية أحزم امرأةً ولا أعجز رجلًا من كلب، ولا أحزم رجلًا ولا أعجز امرأة من تغلب(61)".
وهذا شيخ معمر حضر الجاهلية، ومع ذلك فقد كان ممن استمع إلى جرير وهو ينشد، وجرير عاصر أبا عمرو نصف قرن "مات جرير سنة 110".
كان جرير ينشد أبياته(62):
(1/272)

فما شهدت يوم النقا خيل هاجر ... ولا السيد إذ يبطحن بالأسل السمر
ولا شهدت يوم الغبيط مجاشع ... ولا نقلان الحي من قنتي نسر
قال: وشيخ من بني ثعلبة يقال له: النخار بن العقار، كبير قد شد حاجباه وقد سقطا على عينيه، فقال: ولا كليب والأجل ما شهدت، ولا كنا إلا سبعة فوارس من بني ثعلبة.
ومن اليسير أن نجمع أسماء كثيرين من المعمرين الذين أدركوا الجاهلية وماتوا في نهاية القرن الأول أو مطلع الثاني، فمن ذلك:
عرام بن المنذر بن زبيد ... أدرك الجاهلية وأدرك عمر بن عبد العزيز(63) وحيدة من ولد كعب بن ربيعة أدرك الجاهلية وأدرك بشر بن مروان(64). وشريح بن هانئ عاش في الجاهلية دهرًا وقتل في ولاية الحجاج(65).
بل إن من هؤلاء المعمرين شعراء مشهورين من مثل:
أرطاة بن سهية: أدرك الجاهلية ووفد على عبد الملك بن مروان فسأله عما بقي من شعره، وكان عمره آنذاك مائة وثلاثين سنة(66). وأيمن بن خريم: أسلم هو وأبوه يوم الفتح وأدرك عبد العزيز بن مروان(67). وعمرو بن أحمر بن العمرد: كان من شعراء الجاهلية المعدودين وقال في الجاهلية والإسلام شعرًا كثيرًا، وأدرك عبد الملك بن مروان(68).
والأمثلة على ذلك كثيرة، ولكن المغالاة في أعمار المعمرين كثيرة كذلك،
(1/273)

وبعضها لا يكاد يصدق. قال الجاحظ(69) "وإن في الأعراب لا أعمارًا أطول، على أن لهم في ذلك كذبًا كثيرًا".
وقد أوردنا من الأسماء والأخبار ما يصح في الفهم ويقبله العقل، فليس من الغريب أن يكون في الأمة نفر يبلغون من العمر ما يزيد قليلًا على مائة سنة، وذلك شيء مألوف في كل زمان وعند كل أمة، وما زلنا نحن نسمع في زماننا هذا عمن يتخطى المائة وقد يبلغ العشرين والمائة أو الخمسين والمائة، وخاصة في القرى وبين البدو. ومن المشهور المتداول في الأعمار كانت في الماضي أطول مما هي الآن، ومرد ذلك إلى أمور لا مجال لسردها.
وقد رجحنا في غير هذا الموطن أن أبا عمرو بن العلاء بدأ يأخذ عن الرواة والعلماء والأعراب، بل كان يتصدر للرواية والتدريس، في نحو سنة 80 للهجرة أو بعدها قليلًا(70). ومن أجل ذلك ليس بمستغرب أن يكون في زمنه أعراب عاشوا في الجاهلية بين عشر سنوات وسبعين سنة، فتكون سنهم عام روى عنهم أبو عمرو ومن في طبقته تتراوح بين تسعين سنة ومائة وخمسين سنة(71).
-4-
غير أن هذه الروايات المسندة التي يرتفع إسنادها إلى ما قبل علماء القرن الثاني قليلة نادرة، لا تعدو ما أوردناه، وقد يضم إليها مثلها مما تجاوزنا عن ذكره أو لم نعثر عليه. وهي كلها لا تكاد تقيم لنا ما نستطيع أن نبحث فيه لأن
(1/274)

بعضها قائم على الجهل برواته في مثل "عمن أدرك فلانًا" أو "حدثني من رأى فلانًا" أو "عن أشياخ من بني فلان" أو "عن رجال أدركوا الجاهلية". ولأن بعضها منقطع لا يذكر فيه إلا راوية واحد قبل هؤلاء العلماء، كثيرًا ما يكون من الأعراب الفصحاء. والثقة بمثل هذه الأسانيد لا سبيل إلى تحقيقها، وإنما تكون الثقة بمعرفتنا العالم الراوية الذي أوردها، فإما أن نوثقه فنقبل منه ما يروي مع إسناده، وإما أن نجرحه ونضعفه فلا سبيل إلى قبول روايته مهما يكن إسنادها عاليًا. وتوثيق هؤلاء العلماء أو تضعيفهم هو موضوع حديثنا في القسم التالي من هذا البحث.
غير أن الأمر الذي يكاد البحث العلمي الدقيق ينتهي إلى ترجيحه أن الإسناد في الرواية الأدبية والشعر خاصةً، شيء قد كان، وأن العلماء الرواة من رجال الطبقة الأولى أخذوا الشعر الجاهلي بالرواية عمن قبلهم، وإن كان تلامذتهم من بعدهم قد أغفلوا النص على الإسناد قبل هذه الطبقة الأولى، وبين أيدينا نصان ناطقان بينا الدلالة:
أولهما: أن الأصمعي يورد شعرًا هذليًّا ثم يقول(72): "سألت ابن أبي طرفة عن هذا فلم يعرفه، ولم يكن عند أبي عمرو فيها إسناد".
وثانيهما: أن الأصمعي نفسه يورد قصيدة النابغة:
أمن آل مية رائح أو معتد ... عجلان ذا زادٍ وغير مزود
ثم يقول(73): "ليس عندي فيها إسناد، وهي له حقًّا".
فقد كان إذن عند أبي عمرو بن العلاء وعند الأصمعي أسانيد للشعر الجاهلي الذي روياه، ولكنها لم يلتزما ذكرها دائمًا، واكتفيا بالنص على عدم وجودها حين لم يكن عندهما إسناد.
(1/275)

ولنا، بعد هذا، أن نتساءل عما وقف بهذه الأسانيد عند هؤلاء العلماء فلم تتجاوزهم إلا في هذا القليل النادر الذي لا غناء فيه والذي ضربنا له الأمثلة؟ والجواب على ذلك قائم فيما يبدو لنا على أمرين، الأول: هو أن رواية الجاهلية بأخبارها وأشعارها وإن كانت ظلت متصلة منذ الجاهلية نفسها إلى زمن هؤلاء العلماء على ما بيناه في الفصول السابقة إلا أنها كانت، قبل القرن الثاني، من الثقافة العامة التي لا يختص بها أحد، ومع ذلك لا يتجرد منها أحد. فقد كان المفسر والمحدث والفقيه والقاص يروون شعر الجاهلية وأخبارها؛ وكانت هذه الأخبار والأشعار آلة من آلاتهم يتوسلون بها لتفسير لفظ في كتاب الله أو حديث رسوله، ويسوقونها ليفصلوا بها مجمل ما ورد في القرآن من القصص وأخبار الأمم، أو ليزينوا بهذا الشعر ما يقصونه على الخلفاء في القصور وعلى العامة في المساجد من قصص تاريخية أو دينية. وكانت ثمة طائفة أخرى تحفظ أخبار الجاهلية وأشعارها غير هذه الطائفة من العلماء المفسرين أو المحدثين أو الفقهاء: فكان الخلفاء. والأمراء والولاة وأبناؤهم يتعلمون الشعر الجاهلي ويرويهم إياه مؤدبوهم، وكان أبناء الشاعر وسلالته وأفراد قبيلته يحفظون شعره وينشدونه في مجالسهم ومحافلهم، ولكن هؤلاء جميعًا لم يكونوا من العلماء المختصين بهذا الضرب من العلم، المنصرفين إليه، المشتغلين به، كما صار شأن العلماء في القرن الثاني. ومع ذلك فإننا نجد، في مثل الأسانيد القليلة التي ذكرناها، أن بعض الشعر الجاهلي يرويه علماء القرن الثاني عن بعض من ذكرناها، من المفسرين والمحدثين والفقهاء، أو أبناء الشاعر وأفراد قبيلته.
فالرواية الأدبية بمعناها العلمي الذي عرفه القرن الثاني لم تكن موجودة -إذا صح ما ذهبنا إليه- قبل زمن أبي عمرو بن العلاء وحماد الراوية ومن عاصرهما.
ومن هنا كان هؤلاء هم -في الغالب الأعم- نهاية الإسناد في الرواية الأدبية، يأخذها من جاء بعدهم -على مر العصور- على أنها، في جملتها، صحيحة

(1/276)

موثقة(74) لا يسأل عمن أخذها هؤلاء، ولا يجد في انقطاع الإسناد عندهم ما يضعف من هذه الرواية. ومن هنا كان الإسناد في الرواية الأدبية هو القاعدة العامة في القرنين الثالث والرابع، يرتفع حتى يصل إلى هذه الطبقة الأولى من العلماء ثم يقف عندها لا يتجاوزها.
والأمر الثاني منبثق من هذا الأمر الأول. وذلك ما أشرنا إليه فيما تقدم من أن أمر الشعر الجاهلي كان عرضًا من أعراض هذه الدنيا، يرتزقون بروايته وذكر أخباره حينًا، وينتشون بما فيه من إمتاع فني حينًا آخر، يتحلون به في ثقافتهم العامة حينًا ثالثًا، ويتناولونه في جميع هذه الأحوال تناولًا فيه يسر وإسماح.
فلم يكن يتصل بأمور دينهم كما كان يتصل الحديث أو التفسير، ولم يكن يترتب عليه شأن من شئون التشريع أو الفقه، ولذلك وجدنا بعض المحدثين أنفسهم يضيقون بما يأخذون به أنفسهم وما يأخذهم به الناس من أمر الإسناد، والتشدد في رواية الحديث، والتحرج من الإكثار منها وتحري الضبط والدقة لئلا يقولوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل فيتبوؤوا مقعدهم من النار.
ولا يجد هؤلاء لأنفسهم متنفسًا يتنفسون فيه أرحب وأوسع من رواية الشعر وإنشاده حيث لا حرج ولا إثم. ومن هنا كان التزام الإسناد المرفوع في رواية الحديث، وانقطاع الإسناد في رواية الأدب والشعر.
ومع أننا ذكرنا أن الإسناد في الرواية الأدبية لم يصبح قاعدة ملتزمة إلا في القرنين الثالث والرابع حيث يرتفع الإسناد إلى رجال الطبقة الأولى من علماء القرن الثاني، فإننا مع ذلك، نجد بعض علماء هذين القرنين يضيقون بهذا الإسناد الثاني -على قصره- فالمبرد مثلًا كان يهمل الإسناد حينما يتحدث أو يملي، ويبدو أنه كان مشهورًا بحذف الإسناد حتى قال نفطويه(75): "ما رأيت أحفظ لأخبار
(1/277)

بغير أسانيد من المبرد ومن أبي العباس بن الفرات". ولو رجعنا إلى كتب المبرد أو إلى بعض من نقل عن المبرد لوجدنا أن هذه الصفة واضحة فيه وإن لم تكن عامة ولا غالبة، ففي كتبه إسناد متصل حينًا، ومنقطع حينًا آخر، وفيها حذف للإسناد ونص على هذا الحذف. فإذا ما أخذنا كتابه "الفاضل" مثلًا وجدناه، حينما يحذف الإسناد، يكثر من استعمال صيغة البناء للمفعول من مثل "يُروى(76)" و"يُروى من غير وجه"(77)، و"قيل"(78) و"ذُكر"(79) و"حُدِّثت"(80) وهو أحيانًا يذكر شيخه الذي يروي عنه ثم ينص على حذف الإسناد بعده مثل "وحدثني ابن عائشة عن بعض أشياخه"(81) و"حدثني مسعود بن بشر في إسناد متصل"(82) و"حدثني مسعود بن بشر في إسناد ذكره"(83) و"حدثني الرياشي في إسناد ذكره"(84) و"حدثني الرياشي -ولا أحفظ عمن حدثنيه-"(85).
وهو لا يهمل الإسناد في الأخبار والشعر حسب، وإنما يفعل ذلك أيضًا في الحديث، فهو يقول مثلًا(86) "يُروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" وكذلك "حدثني الرياشي قال: روى لنا أشياخنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... "(87) ومن هنا أورد المرزباني عن المبرد قوله(88): "حدثت في إسناد
(1/278)

متصل أن أبا النجم العجلي أنشد هشامًا ... "
وكان لحذف الإسناد أحيانًا علة يذكرها المؤلف، فمن ذلك أن الصولي حذف الإسناد في "أدب الكتاب" وقال(89) "قد ذكرت أن أختصر جميع ما أذكره وألقي أسانيده ليقرب على طالبه ومستفيده إلا ما لا بد منه من ذكر نسبته وإسناده".
وكذلك فعل ابن قتيبة -وإن لم يكن صنيعه هذا في الرواية الأدبية الخالصة- فقد نص على حذف الإسناد في كتابه "تأويل مشكل القرآن" وذكر علة ذلك فقال(90) "ولم يجز لي أن أنص بالإسناد إلى من له أصل التفسير إذ كنت لم أقتصر على وحي القوم حتى كشفته، وعلى إيمائهم حتى أوضحته، وزدت في الألفاظ ونقصت، وقدمت وأخرت، وضربت لبعض ذلك الأمثال والأشكال حتى يستوي في فهمه السامعون".
وممن حذف الإسناد أيضًا واكتفى بالنص على آخر من روى عنه: أبو علي القالي، فقد ألف كتاب "البارع" في اللغة "فبناه على حروف المعجم، وجمع فيه كتب اللغة، وعزا كل كلمة إلى ناقلها من العلماء، واختصر بالإسناد عنهم"(91).
ولعلنا لا نعدو بالصواب حينما نخلص من كل ذلك إلى أن الإسناد لم يكن حتى في القرنين الثالث والرابع حين شاع وغلب أصلًا ثابتًا من أصول الرواية الأدبية، ولم يكن أساسًا من الأسس التي يُحتكم إليها في الاستشهاد على صحة هذه الرواية كما كان شأنه في رواية الحديث النبوي. فنحن نرى أن العلماء والرواة، في اللغة والشعر والأخبار، كانوا يقدمون بين يدي ما يروون بإسناد متصل إلى الطبقة الأولى من العلماء الرواة حينًا، وبإسناد منقطع حينًا آخر
(1/279)

يكتفون فيه بذكر شيخهم الذي أخذوا عنه هذا العلم، أو يتجاوزون شيخهم وربما شيخ شيخهم، ويقنعون بذكر أول من رُوي عنه هذا الشعر أو ذلك الخبر، مختصرين الإسناد اختصارًا إلى نهايته، ونراهم حينًا ثالثًا يحذفون الإسناد ويهملونه إهمالًا ويلقون بالخبر أو الشعر قائمًا مجردًا. وكان العلماء الرواة من معاصريهم وتلاميذهم يقبلون منهم كل ذلك ويوثقونه: يقبلون إسنادهم المتصل، ويقبلون إسنادهم المنقطع حين يقف عند شيخهم، وحين يهمل حلقة أو حلقتين من هذه السلسلة ويكتفي بأول حلقاتها، ثم يقبلون منهم الخبر وحده من غير إسناد.
فإذا كان ذلك كذلك فما معنى الإسناد إذن؟ والجواب على ذلك مفصل فيما قدمناه عن مجالس العلم وعن التصحيف في فصل سابق. فقد كان العلماء يضعفون من يقتصر في علمه على الأخذ من الصحف من غير أن يلقى العلماء ويأخذ عنهم في مجالس علمهم، ويسمونه صحفيًّا، ومن هنا اشتقوا "التصحيف" وأصله "أن يأخذ الرجل اللفظ من قراءته في صحيفة ولم يكن سمعه من الرجال فيغيره عن الصواب". فالإسناد في الرواية الأدبية لم يكن، فيما نرى، إلا دفعًا لهذه التهمة، وإلا حجة يقدمها العالم على أنه أخذ علمه من أفواه الشيوخ في مجالس العلم. فإذا ما بلغ هذا العالم من العلم شأوًا بعيدًا، وعرفت منزلته بين العلماء، واشتهر أمر شيوخه وأنه أخذ العلم عن فلان وفلان في مجالسهم وحلقات درسهم فلا عليه بعد ذلك أن يهمل الإسناد، فهو يسند حينًا إسنادًا متصلًا أو إسنادًا منقطعًا، وهو يحذف الإسناد حينًا آخر واثقًا مطمئنًا إلى أن ذلك لن يضيره.
أما إذا كان أمر العالم على غير هذا الوجه، وكان متهمًا بأنه يمنح من ذات نفسه، وأنه لم يأخذ ما يروي عن عالم من شيوخ العلم قبله، فحينذاك يتصدى

(1/280)

له أهل العلم والرواية يطالبونه بالإسناد. حدث المازني قال(92) "روى برزخ بن محمد العروضي -وكان معاصرًا لحماد الراوية وجناد وكان متهمًا بالكذب- شعرًا لامرئ القيس، فقال له جناد: عمن رويت هذا؟ قال: عني، وحسبك بي!
فقال له جناد: من هذا أتيت يا غافل".
ولو كان الإسناد أصلًا من أصول الرواية الأدبية -كما هو في رواية الحديث- إذن لوجدنا بين يدي كل خبر وكل بيت من الشعر أو مجموعة من الأبيات إسنادًا ملتزمًا كالإسناد الذي يلتزم بين يدي كل حديث نبوي، ولكان كل سند من هذه الأسانيد الأدبية متصلًا مرفوعًا في الشعر إلى الشاعر الجاهلي أو إلى راويته، وفي الخبر إلى من شهده في الجاهلية، ولوجدنا بعد ذلك كتبًا يعنى فيها أصحابها بتخريج الشعر الجاهلي من طرقه المختلفة، ثم لوجدنا كتبًا في تعديل رواة الأدب وتجريحهم كما هو الشأن عند أصحاب الحديث.
ولك ذلك لا نجده فيما بين أيدينا، فأكثر الشعر الجاهلي في كتب الأدب العامة وبعض الدواوين غير مسند، وأما المسند منه فأقصى ما يصل إليه إسناده هم الطبقة الأولى من العلماء الرواة في منتصف القرن الثاني، وبعضه لا يرقى إلا إلى الطبقة الثانية، وأحيانًا إلى الطبقة الثالثة من علماء مطلع القرن الثالث ونهايته. وليس بين أيدينا كتاب واحد لتخريج الشعر الجاهلي من طرقه المختلفة، ولا كتاب واحد للجرح والتعديل في رواة الأدب، ولا ينقض هذا القول ما نجده في بعض معاجم الرجال وطبقات الأدباء واللغويين والنحويين، فهي كتب في التاريخ الأدبي العام، تترجم للعالِم أو الراوية ترجمة عمادها السرد والقصص من غير توجيه لهذا السرد أو لتلك القصص لتدل على حكم خاص في توثيق المترجم له أو تضعيفه، إلا في القليل النادر حيث نجد الاتهام بالكذب أو الوضع يلقى إلقاءً مجردًا من البينة والدليل، بل لا يكاد ينتهي المؤلف من إلقاء اتهامه حتى
(1/281)

يتبعه بقصة أخرى أو رأي آخر فيهما توثيق وتعديل. وسنبين في فصل مقبل -عند حديثنا عن النحل- أن كثيرًا من التجريح والتضعيف والاتهام بالكذب والوضع إنما كان مصدره خصومات شخصية أو خلافات مدرسية ومذهبية لا نصيب لها من التحقيق العلمي الذي يطمأن إليه. وقد يكون أمر الجرح والتعديل في رجال الحديث قد جرى على ما بيناه من أمر الجرح والتعديل في رواة الأدب، غير أننا نقصر حديثنا هنا على الرواية الأدبية وحدها ولا سبيل إلى توسيع البحث في الحديث عن غيرها.
فليس للرواية الأدبية إذن علم للسند ونقده، بل ليس للرواية الأدبية سند كالسند الذي عرفه الحديث النبوي، وقصارى السند في الأدب -حين يوجد- أن يكون دليلًا على أن الراوية قد لقي العلماء وأخذ علمه من أفواههم في مجالس العلم ولم ينقله من صحيفة.
غير أن لكل إطلاق تقييدًا، وتقييد هذا الإطلاق، الذي قدمناه، في بعض دواوين الشعر. ولكنه تقييد لا يكاد يقيد، بل إنه ليزيدنا اطمئنانًا إلى ما قدمنا من إطلاق. وتفصيل ذلك أن حديثنا السابق كان منصبًّا على ما في كتب الأدب العامة من أدب الجاهلية: شعرها وأخبارها. ولكن ثمة دواوين للشعر الجاهلي جمعها بعض علماء الطبقة الأولى من الرواة ودونوها، ثم أخذها عنهم تلاميذهم من علماء الطبقة الثانية ودونوها رواية عنهم، وأضافوا إليها بعض ما سمعوه من هؤلاء الشيوخ: من تفسير لغريبها، أو شرح لأبياتها، أو ذكر مفصل لما تعرض له من حوادث وإشارات تاريخية. ثم جاء رجال الطبقة الثالثة من العلماء والرواة فأخذوا هذه الدواوين -التي جمعها رجال الطبقة الأولى- عن علماء الطبقة الثانية، وأضافوا إليها أيضًا ما سمعوه من هؤلاء العلماء من شرح وتفسير وبيان تاريخي. وقد بقيت بعض هذه الدواوين حتى وصلت إلينا، وفي صدر بعضها سند يبدأ بعالم راوية في القرن الرابع أو أواخر القرن الثالث وينتهي بعالم من رجال الطبقة الأولى. وقد يكون الديوان خليطًًا من روايات عدة

(1/282)

جمعها لنا العالم الأخير بعد أن رواها عن شيوخ مختلفين، كل شيخ منهم رواها عن شيخ أو شيوخ سابقين، أو قد يكون الديوان كله رواية واحدة من حيث الشعر ولكن شرحه وتفسير غريبه مروي عن شيوخ متعددين، ويكون العالم الراوية الذي جمع لنا كل ذلك حريصًا على أن يسند كل قصيدة إلى راويها الأصلي، وأحيانًا ينص على ما فيها من أبيات تفرد بروايتها راوٍ دون آخر..

(1/283)

 

 

__________
 انظر مثلًا: مصطفى صادق الرافعي، تاريخ آداب العرب1: 295-298. (1)
 الإصابة 5: 216. (2)

 (3)ابن حجر، لسان الميزان "الهند" 1: 7. وراجع رأي كايتاني، المستشرق الإيطالي الذي ضمنه في كتابه: السنويات الإسلامية، Annale Dell Islam وانظر كتاب الأستاذ أمين الخولي عن مالك 3: 558-567.
 ابن سعد 7/ 2: 2.(4)
 الزمخشري، الفائق 2: 147.(5)

 (6)قال الزركشي في أول قواعده: كان بعض المشايخ يقول: العلوم ثلاثة: علم نضج وما احترق وهو علم النحو والأصول، وعلم لا نضج ولا احترق وهو علم البيان والتفسير، وعلم نضج واحترق وهو علم الفقه والحديث. انظر: السيوطي، الأشباه والنظائر في النحو 1: 5.
 ص3.(7)
 السيوطي، المزهر 1: 1.(8)

 السيوطي: الأشباه والنظائر في النحو 1: 3.(9)
 (10)انظر نص الحديث كاملًا وطرقه وتخريجه في: الخطيب البغدادي "تقييد العلم ص29-32"وهوامش الصفحات.

 ابن سعد 6: 2.(11)
 ابن سعد 7/ 2: 38.(12)
 المصدر السابق 4/ 2: 26.(13)

 (14)عمران بن حصين هذا هو الذي يقول: والله إن كنت لأرى أني لو شئت لحدثت عن

رسول الله صلى الله عليه وسلم يومين متتابعين، ولكن بطأني عن ذلك أن رجالًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعوا كما سمعت، وشهدوا كما شهدت، ويحدثون أحاديث ما هي كما يقولون، وأخاف أن يشبه لي كما شبه لهم.
 نزهة الألباء: 89-90، وانظر أيضًا ابن سعد 7/ 2: 38.(15)
 أبو الطيب اللغوي، مراتب النحويين ورقة: 74.(16)

 ج4، ص134-170.(17)
 المصدر السابق: 143, 146.(18)
 المصدر السابق: 144.(19)
 المصدر السابق: 135.(20)

 الأغاني 3: 8-9.(21)
 الأغاني "ساسي" 14: 2-7.(22)

 انظر ما تقدم عن رواة الشاعر في الفصل الثاني من هذا الباب.(23)
 ابن قتيبة. الشعر والشعراء 1: 215.(24)
 (25)الشعر والشعراء 1: 215-216، وانظر أيضًا الجواليقي: المعرب ص46، والبغدادي: الخزانة 4: 197.
 الأغاني 9: 112.(26)

. انظر السيوطي، شرح شواهد المغني: 327.(27)
 (28)  في الأصل: "ديار" مكان "دماذ" وهو خطأ، انظر الزبيدي، طبقات اللغويين ص198        
 (29)حديثنا هنا مقصورًا على الإسناد وحده، وأسطورية المتن واستحالته في هذه الرواية والرواية التالية لا تنفي صحة الإسناد. فلقد كانوا في الجاهلية يعتقدون بالرئي وبشيطان الشاعر، وذكر الأعشى نفسه شيطانه مسحلا في شعره "انظر الجاحظ، الحيوان 6: 225-227، وجمهرة أشعار العرب: 49، والموشح للمرزباني: 49" وجعلوا لكل شاعر صاحبًا من الجن سموه "جمهرة أشعار العرب: 33-45" ولم يكتفوا بشعراء

الجاهلية بل ذهبوا إلى أن شعراء الإسلام كانوا كذلك. فهذا جرير يهتف به صاحبه من الجن من زاوية البيت ويحدثه ويلقي إليه شعرًا "الأغاني 8: 69"، والفرزدق يأتي جبلًا بالمدينة وينادي بأعلى صوته: أجيبوا أخاكم أبا لبيني "النقائص: 547"، وهؤلاء الجن يجاوبون ذا الرمة ونصيبًا وجريرًا "الموشح: 169-170" وانظر أخبار بعض الصحابة والجن في ابن سعد 7/ 1: 48، 7/ 2: 116، والفائق 3: 181 ثم انظر أخبار الجن ومناقشة هذه الأخبار في الجاحظ، الحيوان6: 164-242.
 الأغاني 9: 156.(30)

 (31)العشرق: شجيرة مقدار ذراع، فيها حب صغار، إذ جفت فمرت بها الريح تحرك الحيب فسمع له شخشخة على الحصى.
 انظر التعليقة رقم: 3، في الصفحة السابقة.(32)
 البصري: التنبيهات على أغلاط الرواة: 4.(33)

 (34)وامرؤ القيس هو أقدم الفحول من شعراء الجاهلية، ومع ذلك فإن بعض شعراء الجاهلية الذين عمروا وأدركوا كذلك امرأ القيس فيما يزعمون. فمنهم مثلًا: ربيع بن ضبع، فهو القائل: "المعمرين: 6-7"
ها أنذا آمل الخلود وقد ... أدرك عقلي ومولدي حجرًا
أبا امرئ القيس هل سمعت به ... هيهات هيهات طال ذا عمرا
ومنهم أيضًا عمرو بن مسبح الطائي، وهو المشهور بإجادة الرمي، ذكره امرؤ القيس في شعره، قال:
رب رامٍ من بني ثعلٍ ... متلجٍ كفيه في قتره
وعمر عمرو بن مسبح حتى مات في زمن عثمان بن عفان!! "المعمرين 77-78".
 الأغاني 9: 81.(35)
 الشعر والشعراء 1: 283.(36)

 الأغاني 5: 8.(37)

 الشعر والشعراء 1: 271.(38)
 (39)الإصابة 6: 171، وأبو طفيلة هذا أحد ثقات الأعراب وعلمائهم الذين أخذ عنهم الأصمعي وأبو عبيدة وأبو زيد ومن في طبقتهم "انظر مراتب النحويين لأبي الطيب اللغوي ورقة 64-65".
 الأغاني "دار الكتب" 11: 75.(40)

 النقائض: 639.(41)
 النقائض: 644.(42)
 المرزباني، الموشح: 30.(43)
 ص: 75.(44)

 البكري، معجم ما استعجم 1: 324-326.(45)
 الأغاني 9: 117.(46)
 الأغاني 9: 124.(47)
 السيرافي، أخبار النحويين البصريين: 29.(48)
 المصدر السابق: 30.(49)
 السيوطي، المزهر 2: 304 نقلًا عن فوائد النجيرمي.(50)
 (51)انظر هذه الرواية أيضًا في طبقات الزبيدي ص25 وص30 وفيها "الفقه" بدل "الحديث" و"اللغة" بدل "الشعر".

 (52)ذكرت بعض المصادر أسماء بعض هؤلاء الأعراب: انظر الفهرست لابن النديم ص65 وما بعدها، وطبقات الزبيدي: 175.
 الأمالي 2: 276.(53)
 أمالي السيد المرتضى 1: 137.(54)
 (55)البيان والتبيين 1: 321، وانظر كذلك ديوان زهير "دار الكتب" ص339 هامش: 4، حيث ذكر خبرًا يشبه هذا من نسختين من نسخ الديوان الخطية.

2 ابن سعد 7: 100.(57)

1 الطبقات 7: 100، وانظر المعارف لابن قتيبة: 189.(56)
3 خلاصة التهذيب "عمران بن طحان".(58)
4 الزمخشري، الفائق 1: 260.(59)
7 المرزباني، الموشح: 125. (62)

6 البيان والتبيين 1: 400-401. (61)
5 الإصابة 6: 171. (60)
 أبو حاتم السجستاني، كتاب المعمرين: 71، وأبو علي القالي، الأمالي 3: 70.(63)
 المعمرين: 86.(64)
 المصدر السابق: 38.(65)
 الشعر والشعراء 1: 504، والموشح: 242.(66)
 الشعر والشعراء 1: 526.(67)
 الأغاني 8: 234، وفي معجم الشعراء المرزباني أنه مات في عهد عثمان!!(68)

 الحيوان: 1: 157.(69)
 انظر ص156 من هذا البحث.(70)
 (71)ومع ذلك فقد قال المرحوم الأستاذ مصطفى صادق الرافعي "تاريخ آداب العرب ج1 ص297 هامش 1" "رأينا في كثير من الكتب أن أبا عمرو بن العلاء روى عامة أخباره عن أعراب قد أدركوا الجاهلية، ولك خطأ ركبه النساخ، والصواب أنه روى عن أعراب قد أدركوا أعراب الجاهلية". ولا حاجة بنا إلى الرد على هذا التخريج فقد ذكرنا ما فيه غناء.

 ديوان الهذليين "دار الكتب" 1: 159. (72)
 ديوان النابغة "شرح الأعلم، خمسة دواوين العرب" ص27. (73)

 (74)يستثنى من ذلك ما سنذكره من أمر الخصومات التي قامت بين المدارس المختلفة أو بين أفراد المدرسة الواحدة.
 نزهة الألباء: 148، وانظر ياقوت، إرشاد 19: 112. (75)

 ص5. (76)
 ص1، 29، 32. (77)
 ص7. (78)
 ص5. (79)
 ص50. (80)
 ص42. (81)
 ص50. (82)
 ص52. (83)
 ص12, ص62. (84)
 ص72. (85)
 ص1، 3، 4، 15. (86)
ص9. (87)
 الموشح: 213-214. (88)

 أدب الكتاب: 28. (89)
 المشكل: 18. (90)
 الزبيدي، طبقات النحويين واللغويين: 203. (91)

 ياقوت، إرشاد 7: 73. (92)

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.