أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-03-2015
17451
التاريخ: 6-2-2022
3368
التاريخ: 5-2-2020
10016
التاريخ: 26-03-2015
13897
|
الاستعارة نقل العبارة عن موضع استعمالها في أصل اللغة إلى غيره لغرض وذلك الغرض إما أن يكون شرح المعنى وفضل الإبانة عنه أو تأكيده والمبالغة فيه أو الإشارة إليه بالقليل من اللفظ أو تحسين المعرض الذي يبرز فيه وهذه الأوصاف موجودة في الاستعارة المصيبة ولولا أن الاستعارة المصيبة تتضمن ما لا تتضمنه الحقيقة من زيادة فائدة لكانت الحقيقة أولى منها استعمالا والشاهد على أن للاستعارة المصيبة من الموقع ما ليس للحقيقة أن قول الله تعالى! (يوم يكشف عن ساق)! أبلغ وأحسن وأدخل مما قصد له من قوله لو قال يوم يكشف عن شدة الأمر وإن كان المعنيان واحدا ألا ترى أنك تقول لمن تحتاج إلى الجدة في أمره شمر عن ساقك فيه واشدد حيازيمك له فيكون هذا القول منك أوكد في نفسه من قولك جد في أمرك وقول دريد بن الصمة ( كَمِيشُ الإزارِ خارجٌ نصفُ ساقه ** صبورٌ على العزَّاء طَلاَّعُ أنجدِ) وقال الهذلي (وكَنتُ إذا جارِي دعا لِمضُوفَةٍ ** أشمِّر حتى ينصُفَ الساقَ مئزَرِي ) ومن ذلك قوله تعالى ! (ولا يظلمون نقيرا)! ! (ولا يظلمون فتيلا)! وهذا أبلغ من قوله سبحانه! (ولا يظلمون شيئا)! وإن كان في قوله ولا يظلمون شيئا أنفى لقليل الظلم وكثيره في الظاهر وكذا قوله تعالى! (ما يملكون من قطمير)!
أبلغ من قوله تعالى ( ما يملكون شيئا ) وإن كان هذا أنفى لجميع ما يملك في الظاهر وتقول العرب ما رزأته زبالا والزبال ما تحمله النحلة بفيها يريدون ما نقصته شيئا وقال النابغة ( يجمع الجيشَ ذَا الألوفِ ويَعْدو ** ثُمَّ لا يرزأُ العدوَّ فتيلا ) ولو قلت أيضا ما يملك شيئا البتة وما يظلمون شيئا لما عمل قولك ما يملكون قطميرا ولا يظلمون نقيرا وإن كان في الأول ما يؤكده من قولك البتة وأصلا كذا حكاه لي أبو أحمد عن أبيه عن عسل بن ذكوان وليس يقتضي هذا أنهم يظلمون دون النقير أو يملكون دون القطمير بل هو نفى لجميع الملك والظلم لا يشك في ذلك من يسمعه وفضل هذه الاستعارة وما شاكلها على الحقيقة أنها تفعل في نفس السامع مالا تفعل الحقيقة ومن غير هذا النوع قوله تعالى ! (سنفرغ لكم أيها الثقلان)! معناه سنقصد لأن القصد لا يكون إلا مع الفراغ ثم في الفراغ هاهنا معنى ليس في القصد وهو التوعد والتهديد ألا ترى قولك سأفرغ لك يتضمن من الإيعاد مالا يتضمنه قولك سأقصد لك وهكذا قوله تعالى! (وأفئدتهم هواء)! أي لا تعي شيئا لأن المكان إذا كان خاليا فهو هواء حتى يشغله شيء وقولك هذا أوجز من قولك لا تعي شيئا فلإيجازه فضل الحقيقة وكذلك قوله تعالى! (أعثرنا عليهم)! معناه أطلعنا عليهم والاستعارة أبلغ لأنها تتضمن غفلة القوم عنهم حتى اطلعوا عليهم وأصله أن من عثر بشيء وهو غافل نظر إليه حتى يعرفه فاستعير الإعثار مكان التبيين والإظهار ومنه قول الناس ما عثرت من فلان على سوء قط أي ما ظهرت على ذلك منه
ومنه قوله عز اسمه! (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها)! فاستعمل النور مكان الهدى لأنه أبين والظلمة مكان الكفر لأنها أشهر وكذلك قوله تعالى! (ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك)! واصل الوزر ما حمله الإنسان على ظهره ومن ذلك قوله عز وجل! (ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها)! أي أحمالا من حليهم فذكر الحمل وأراد الإثم لما في وضع الحمل عن الظهر من فضل الاستراحة وحسن ذكر إنقاض الظهر وهو صوته لذكر الحمل لأن حامل الحمل الثقيل جدير بإنقاض الظهر والأوزار أيضا السلاح ومنه قوله تعالى! (حتى تضع الحرب أوزارها ) ! وقال الشاعر ( وأعدَدْتُ للحرب أوزراها ** رِماحاً طوالاً وخيلاً ذُكورا ) وقوله تعالى ! (ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه) ! أي ترخصوا والاستعارة أبلغ لأن قولك أغمض عن الشيء أدعى إلى ترك الاستقصاء فيه من قولك رخص فيه وكذلك قوله تعالى! (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن)! معناه فإنه يماس المرأة وزوجها يماسها والاستعارة أبلغ لأنها أدل على اللصوق وشدة المماسة ويحتمل أن يقال إنهما يتجردان ويجتمعان في ثوب واحد ويتضامان فيكون كل واحد منهما للآخر بمنزلة اللباس فيجعل ذلك تشبيها بغير أداة التشبيه ولا بد لكل استعارة ومجاز من حقيقة وهي أصل الدلالة على المعنى في اللغة كقول امرئ القيس ( وقد أغتدِي والطيرُ في وكُنَاتِها ** بمنجَردٍ قِيدِ الأوابدِ هَيْكَلِ )
والحقيقة مانع الأوابد من الذهاب والإفلات والاستعارة أبلغ لأن القيد من أعلى مراتب المنع عن التصرف لأنك تشاهد ما في القيد من المنع فلست تشك فيه وكذلك قولهم هذا ميزان القياس حقيقته تعديل القياس والاستعارة أبلغ لأن الميزان يصور لك التعديل حتى تعاينه وللعيان فضل على ما سواه وكذلك العروض ميزان الشعر حقيقته تقويمه ولا بد أيضا من معنى مشترك بين المستعار والمستعار منه والمعنى المشترك بين قيد الأوابد ومانع الأوابد هو الحبس وعدم الإفلات وبين ميزان القياس وتعديله حصول الاستقامة وارتفاع الحيف والميل إلى أحد الجانبين وهكذا جميع الاستعارات والمجازات ومن ذلك قوله تعالى ! (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا) ! حقيقته عمدنا وقدمنا أبلغ لأنه دل فيه على ما كان من إمهاله لهم حتى كأنه كان غائبا عنهم ثم قدم فاطلع منهم على غير ما ينبغي فجازاهم بحسبه والمعنى الجامع بينهما العدل في شدة النكير لأن العمد إلى إبطال الفاسد عدل وأما قوله ! ( هباء منثورا ) ! فحقيقته أبطلناه حتى لم يحصل منه شيء والاستعارة أبلغ لأنه إخراج ما لا يرى إلى ما يرى والشاهد أيضا على أن الاستعارة أبلغ من الحقيقة أن قوله تعالى ! ( إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية ) ! حقيقته علا وطما والاستعارة أبلغ لأن فيها دلالة القهر وذلك أن الطغيان علو فيه غلبة وقهر وكذلك قوله تعالى ! ( بريح صرصر عاتية ) ! حقيقة شديدة والاستعارة أبلغ لأن العتو شدة فيها تمرد وقوله تعالى ! ( سمعوا لها شهيقا وهي تفور تكاد تميز من الغيظ ) ! حقيقة الشهيق هاهنا الصوت الفظيع وهما لفظتان والشهيق لفظة واحدة فهو أوجز على ما فيه من زيادة البيان وتميز حقيقته تنشق من غير تباين والاستعارة ابلغ لأن التميز في الشيء هو أن يكون كل نوع منه مباينا لغيره وصائرا على حدته وهو أبلغ من الانشقاق لأن الانشقاق قد يحصل في الشيء من غير تباين والغيظ
حقيقته شدة الغليان وإنما ذكر الغيظ لأن مقدار شدته على النفس مدرك محسوس ولأن الانتقام منا يقع على قدره ففيه بيان عجيب وزجر شديد لا تقوم مقامه الحقيقة البتة وقوله تعالى ! ( ولما سكت عن موسى الغضب ) ! معناه ذهب وسكت أبلغ لأن فيه دليلا على موقع العودة في الغضب إذا تؤمل الحال ونظر فيما يعود به عبادة العجل من الضرر في الدين كما أن الساكت يتوقع كلامه وقوله تعالى ! ( ذرني ومن خلقت وحيدا ) ! وحقيقته ذر بأسي وعذابي إلا أن الأول أبلغ في التهدد كما تقول إذا أردت المبالغة والإيعاد ذرني وإياه ولو قال ذر ضربي له وإنكاري عليه لم يسد ذلك المسد ولعله لم يكن حسنا مقبولا وقوله عز وجل ! ( فمحونا آية الليل ) ! معناه كشفنا الظلمة والأول أبلغ لأنك إذا قلت محوت الشيء فقد بينت انك لم تبق له أثرا وإذا قلت كشفت الشيء مثل الستر وغيره لم تبن أنك أذهبته حتى لم تبق له أثرا وقوله سبحانه ! ( وجعلنا آية النهار مبصرة ) ! حقيقته مضيئة والاستعارة أبلغ لأنها تكشف عن وجه المنفعة وتظهر موقع النعمة في الإبصار وقوله تعالى ! ( واشتعل الرأس شيبا ) ! حقيقته كثر الشيب في الرأس وظهر والاستعارة أبلغ لفضل ضياء النار على ضياء الشيب فهو إخراج الظاهر إلى ما هو أظهر منه ولأنه لا يتلافى انتشاره في الرأس كما لا يتلافى اشتعال النار وقوله تعالى ! ( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه ) ! حقيقته بل نورد الحق على الباطل فيذهبه والقذف أبلغ من الإيراد لأن فيه بيان شدة الوقع وفي شدة الوقع بيان القهر وفي القهر هاهنا بيان إزالة الباطل على جهة الحجة لا على جهة الشك والارتياب والدمغ أشد من الإذهاب لأن في الدمغ من شدة التأثير وقوة النكاية ما ليس في الإذهاب وقوله تعالى ! ( عذاب يوم عقيم ) ! وقوله عز اسمه ! ( إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ) ! فالعقيم التي لا تجيء بولد والولد من أعظم النعم وأجسم الخيرات ولهذا قالت العرب شوهاء ولود خير من حسناء عقيم
فلما كان ذلك اليوم لم يأت بمنفعة حين جاء ولم يبق خيرا حين مر سمي عقيما ويمكن أن يقال إنما سمي عقيما لأنه لم يبق أحدا من القوم كما أن العقيم لا يخلف نسلا وسمي الريح عقيما لأنها لم تأت بمطر ينتفع به ويبقى له أثر من نبات وغيره كما أن العقيم من النساء لا تأتي بولد يرجى وفضل الاستعارة على الحقيقة في هذا أن حال العقيم في هذا أظهر قبحا من حال الريح التي لا تأتي بمطر لأن العقيم كانت عند العرب أكره وأشنع من ريح لا تأتي بمطر لأن العادة في أكثر الرياح ألا تأتي بمطر وليست العادة في النساء أن يكون أكثرهن عقيما وقوله تعالى ! ( وآية لهم الليل نسلخ منه النهار ) ! وهذا الوصف إنما هو على ما يتلوح للعين لا على حقيقة المعنى لأن الليل والنهار اسمان يقعان على هذا الجو عند إظلامه لغروب الشمس وإضاءته لطلوعها وليسا على الحقيقة شيئين يسلخ أحدهما من الآخر إلا أنهما في رأي العين كأنهما ذلك والسلخ يكون في الشيء الملتحم بعضه ببعض فلما كانت هوادي الصبح عند طلوعه كالملتحمة بأعجاز الليل أجرى عليها اسم السلخ فكان أفصح من قوله يخرج لأن السلخ أدل على الالتحام المتوهم فيهما من الإخراج وقوله تعالى ! ( فأنشرنا به بلدة ميتا ) ! من قولهم أنشر الله الموتى فنشروا وحقيقته أظهرنا به النبات إلا أن إحياء الميت أعجب فعبر عن إظهار النبات به فصار أحسن من الحقيقة وقوله تعالى ! ( وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ) ! يعني الحرب فنبه على ماله تخاف الحرب وهو شوكة السلاح وهي حده فصار أحسن من الحقيقة لإنبائه عن نفس المحذور ألا ترى أن قولك لصاحبك لأوردنك على حد السيف أشد موقعا من قولك له لأحاربنك وقوله تعالى ! ( وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض ) ! أي كثير والاستعارة أبلغ لأن معنى العرض في مثل هذا الموضع التمام قال كثير ( أنتَ ابنُ فَرْعَيْ قُرَيْشٍ لو تُقَايسها ** في الْمَجْدِ صَارَ إليكَ العَرْضُ والطولُ )
أي صار إليك المجد بتمامه وقد يكون كثيرا غير تام وقوله تعالى ! ( والصبح إذا تنفس ) ! حقيقته إذا انتشر وتنفس أبلغ لما فيه من بيان الروح عن النفس عند إضاءة الصبح لأن لليل كربا وللصبح تفرجا قال الطرماح ( على أنّ للعينيْنِ في الصُّبْح رَاحةً ** بطرحِهِما طرفيْهما كلَّ مَطْرحِ ) والراحة التي يجدها الإنسان عند التنفس محسوسة وقوله تعالى ! ( مستهم البأساء والضراء وزلزلوا ) ! حقيقته أزعجوا والزلزلة أبلغ لأنها أشد من الإزعاج ومن كل لفظة يعبر بها عنه أيضا وقوله تعالى ! ( أفرغ علينا صبرا ) ! حقيقته صبرنا والاستعارة أبلغ لأن الإفراغ يدل على العموم معناه ارزقنا صبرا يعم جميعنا كإفراغك الماء على الشيء فيعمه وقوله سبحانه ! ( ضربت عليهم الذلة ) ! حقيقته حصلت إلا أن للضرب تبيينا ليس للحصول وقالوا ضرب على فلان البعث أي أوجب واثبت عليه والشيء يثبت بالضرب ولا يثبت بالحصول والضرب أيضا ينبيء عن الإذلال والنقص وفي ذلك الزجر وشدة النقير عن حالهم وقوله تعالى ! ( فنبذوه وراء ظهورهم ) ! حقيقته غفلوا عنه والاستعارة أبلغ لأن فيه إخراج ما لا يرى إلى ما يرى ولأن ما حصل وراء ظهر الإنسان فهو أحرى بالغفلة عنه مما حصل قدامه وقوله تعالى ! ( أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا ) ! حقيقته ذات سرور والاستعارة أبلغ لأن العادة جرت في الأعياد بتوفير السرور عند الصغير والكبير فتضمن من معنى السرور ما لا تتضمنه الحقيقة وكذلك قوله عز اسمه ! ( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا ) ! وقوله تعالى ! ( فدلاهما بغرور ) ! أخرج ما لا يرى من تنقصهم بآيات القرآن إلى الخوض الذي يرى وعبر عن فعل إبليس الذي لا يشاهد بالتدلي من العلو إلى سفل وهو مشاهد ولما كانوا يتكلمون في آيات القرآن ويتنقصونها بغير بصيرة شبه ذلك بالخوض لأن الخائض يطأ على غير بصيرة وكذلك قوله تعالى ! ( ويبغونها عوجا ) ! حقيقته خطأ لأن الاعوجاج مشاهد والخطأ غير مشاهد وكذلك قوله سبحانه ( أو آوي إلى ركن شديد ) أي إلى معين والاستعارة أبلغ لأن الركن مشاهد والمعين لا يشاهد من حيث أنه معين وكذلك قوله تعالى ! ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ) ! حقيقته لا تكونن ممسكا والاستعارة أبلغ لأن الغل مشاهد والإمساك غير مشاهد فصور له قبح صورة المغلول ليستدل به على قبح الإمساك وقوله تعالى ! ( ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر ) ! حقيقته لنرينهم والاستعارة أبلغ لأن حس الذائق لإدراك ما يذوقه قوي وللذوق فضل على غيره من الحواس ألا ترى أن الإنسان إذا رأى شيئا ولم يعرفه شمه فإن عرفه وإلا ذاقه لما يعلم أن للذوق فضلا في تبين الأشياء وقوله تعالى ! ( فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا ) ! حقيقته منعناهم بآذانهم من غير صمم يبطل آلة السمع كالضرب على الكتاب يمنع من قراءته ولا يبطله والاستعارة أبلغ لإيجازه وإخراج ما لا يرى إلى ما يرى وقوله عز اسمه ! ( وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال ) ! ليس في جميع القرآن أبلغ ولا أفصح من هذا وحقيقة القرض هاهنا أن الشمس تمسهم وقتا يسيرا ثم تغيب عنهم والاستعارة أبلغ لأن القرض أقل في اللفظ من كل ما يستعمل بدله من الألفاظ وهو دال على سرعة الارتجاع والفائدة أن الشمس لو طاولتهم بحرها لصهرتهم وإنما كانت تمسهم قليلا بقدر ما يصلح الهواء الذي هم فيه لأن الشمس إذا لم تقع في مكان أصلا فسد فهذه جملة مما في كتاب الله عز وجل من الاستعارة ولا وجه لاستقصاء جميعه لأن الكتاب يخرج عن حده وأما ما جاء في كلام العرب منه فمثل قولهم هذا رأس الأمر ووجهه وهذا الأمر في جنب غيره يسير ويقولون هذا جناح الحرب وقلبها وهؤلاء رؤوس القوم وجماجمهم وعيونهم وفلان ظهر فلان ولسان قومه ونابهم وعضدهم وهذا كلام له ظهر وبطن وفي العرب الجماجم والقبائل والأفخاذ والبطون وخرج علينا عنق من الناس وله عندي يد بيضاء وهذه سرة الوادي وبابل عين الأقاليم وهذا أنف الجبل وبطن الوادي ويسمون النبات نوءا قال ( وجف أنواءُ السَّحاب المرتَزقْ ** ) أي جف البقل ويقولون للمطر سماء قال الشاعر ( إذا سقطَ السماءُ بأرض قومٍ ** رعيناهُ وإن كانوا غِضابا ) ويقولون ضحكت الأرض إذا أنبتت لأنها تبدي عن حسن النبات كما يفتر الضاحك عن الثغر ويقال ضحكت الطلعة والنور يضاحك الشمس قال الأعشى ( يُضاحك الشمسَ منها كوكب شرقٌ ** مؤزّر بعميم النبتِ مُكتهلُ ) ويقولون ضحك السحاب بالبرق وحن بالرعد وبكى بالقطر ويقولون لقيت من فلان عرق القربة أي شدة ومشقة وأصل هذا أن حامل القربة يتعب من نقلها حتى يعرق ويقولون أيضا لقيت منه عرق الجبين والعرب تقول بأرض فلان شجر قد صاح وذلك إذا أطال فتبين للناظر بطوله ودل على نفسه لأن الصائح يدل على نفسه ويقولون هذا شجر واعد إذا أقبل بماء ونضرة كأنه يعد بالثمر قال سويد بن أبي كاهل ( لُعاعٌ تهاداهُ الدكادك واعِدُ ** )
ومثله قول الشاعر ( يريد الرمحُ صدرَ أبي بَراءٍ ** ويرغبُ عن دماءِ بني عَقِيل ) ومثله قوله تعالى ! ( جدارا يريد أن ينقض ) ! وأنشد الفراء ( إنَّ دهراً يلُفّ شمْلي بسَلْمى ** لزمانٌ يَهُمُّ بالإِحسانِ ) ومما في كلام النبي & والصحابة رضي الله عنهم ونثر الأعراب وفصول الكتاب من الاستعارة قوله & ( ( الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة ) ) وقال طفيل ( وللخيلِ أيامٌ فمن يصطِبرْ لها ** ويعرفْ لها أيامَها الخيرَ تُعْقِبِ ) وقول النبي & ( ( كلما سمع هيعة طار إليها ) ) وقوله & ( ( أكثروا من ذكر هادم اللذات ) ) وقال عليه الصلاة والسلام ( ( البلاء موكل بالمنطق ) ) ورأى عليا مع فاطمة رضي الله عنهما في بيت فرد عليهما الباب وقال ( ( جدع الحلال أنف الغيرة ) ) وقال على رضي الله عنه السفر ميزان القوم وقوله فأما وقد اتسع نطاق الإسلام فكل امرئ وما يختار وقوله لابن عباس رضي الله عنه أرغب راغبهم واحلل عقدة الخوف عنهم وقوله العلم قفل ومفتاحه المسألة وقولة الحلم والأناة توأمان نتيجتهما علو الهمة وقوله لبعض الخوارج والله ما عرفته حتى فغر الباطل فمه فنجمت نجوم قرن الماعزة وقال في بعض خطبه يصف الدنيا إن أمرأ لم يكن منها في فرحة إلا أعقبته بعدها ترحه ولم يلق من سرائها بطنا إلا منحته من ضرائها ظهرا ولم تظله فيها غيابه رخاء إلا هبت عليه مزنة بلاء ولم يمس منها في جناح أمن إلا أصبح منها على قوادم خوف وقال أبو بكر رضي الله عنه إن الملك إذا ملك زهده الله في ماله ورغبة فيما في يدي غيره وأشرب قلبه الإشفاق فهو يحسد على القليل ويسخط الكثير جذل الظاهر حزين الباطن فإذا وجبت نفسه ونضب عمره وضحا ظله حاسبه الله عز وجل فأشد حسابه واقل عفوه وكتب خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى مرازبة فارس الحمد لله الذي فض خدمتكم وفرق كلمتكم وقالت عائشة رضي الله عنها كان عمل رسول & ديمة وقال الحجاج دلوني على رجل سمين الأمانة أعجف الخيانة وقال عبد الله بن وهب الراسبي لأصحابه لا خير في الرأي الفطير والكلام العضيب فلما بايعوه قال دعوا الرأي يغب فإن غبوبه يكشف لكم عن محضه و قيل لأعرابي إنك لحسن الكدنة قال ذاك عنوان نعمة الله عندي وقال أكثم بن صيفي الحلم دعامة العقل وسئل عن البلاغة فقال دنو المأخذ وقرع الحجة وقليل من كثير وقال خالد بن صفوان لرجل رحم الله أباك فإنه كان يقري العين جمالا والأذن بيانا وقيل لأعرابية أين بلغت قدرك قالت حين قام خطيبها وقيل لأعرابية كم أهلك قالت أب وأم وثلاثة أولاد أنا سبيل عيشهم وقيل لرؤبة كيف تركت ما وراك قال التراب يابس والمال عابس وقال المنصور لبعضهم بلغني أنك بخيل فقال ما أجمد في حق ولا أذوب في باطل وقال إبراهيم الموصلي قلت للعباس بن الحسن إني لأحبك قال رائد ذاك عندي وقال بعضهم الاستطالة لسان الجهالة وقال يحيى بن خالد الشكر كفء النعمة وقال أعرابي خرجت في ليلة حندس ألقت على الأرض أكارعها فمحت صورة الأبدان فما كنا نتعارف إلا بالآذان وقال أعرابي لآخر يسار النفس خير من يسار المال ورب شبعان من النعم غرثان من الكرم وغزت نميرا حنيفة فاتبعتهم نمير فأتوا عليهم فقيل لرجل كيف كان القوم فقال اتبعوهم والله رفدا حقبوا كل جمالية خيفانة فما زالوا يحصفون آثار المطي بحوافر الخيل فلما لقوهم جعلوا المران أرشية الموت فاستقوا بها أرواحهم وقال آخر فلان أملس ليس فيه مستقر لخير ولا لشر وقال أحمد بن يوسف وقد شتمه رجل بين يدي المأمون رأيته يستملي ما يلقاني به من عينيك وقيل لأعرابي أي الطعام أطيب قال الجوع أبصر ومدح أعرابي رجلا فقال كان يفتح من الرأي أبوابا منسدة ويغسل من العار وجوها مسودة ومدح أعرابي رجلا فقال كان والله إذا عرضت له زينة الدنيا هجنتها زينة الحمد عنده وإن للصنائع لغارة على أمواله كغارة سيوفه على أعدائه ومدح أعرابي قوما فقال أولئك غرر تضيء من ظلم الأمور المشكلة قد صغت آذان المجد إليهم وقال أعرابي يمدح رجلا إنه ليعطي عطاء من يعلم أن الله مادته ومدح أعرابي رجلا فقال لسانه أحلى من الشهد وقلبه سجن للحقد ومدح أعرابي رجلا فقال إن أسأت إليه أحسن وكأنه المسيء وإن أجرمت إليه غفر وكأنه المجرم اشترى بالمعروف عرضه من الأذى فهو وإن كانت له الدنيا بأسرها فوهبها رأى بعد ذلك عليه حقوقا لا يستعذب الخنا ولا يستحسن غير الوفا وذم أعرابي رجلا فقال يقطع نهاره بالمنى ويتوسد ذراع الهم إذا أمسى وذم أعرابي رجلا فقال إن فلانا ليقدم على الذنوب إقدام رجل قدم فيها نذرا أو يرى أن في إتيانها عذرا وقال أعرابي لرجل لا تدنس شعرك بعرض فلان فإنه سمين المال مهزول المعروف قصير عمر المنى طويل حيات الفقر وسأل أعرابي فقيل له عليك بالصيارف فقال هناك قرارة اللؤم وذكر أعرابي قوما فقال أولئك قوم قد سلخت أقفاؤهم بالهجاء ودبغت جلودهم باللؤم فلباسهم في الدنيا الملامة وزادهم في الآخرة الندامة وذم أعرابي قوما فقال هم أقل دنوا إلى أعدائهم وأكثر تجرما على أصدقائهم يصومون عن المعروف ويفطرون على الفحشاء وذم أعرابي رجلا فقال ذاك رجل تعدو إليه مواكب الضلالة ويرجع من عنده ببدر الآثام معدم مما يحب مثر مما يكره وقال أعرابي ما أشد جولة الهوى وفطام النفس عن الصبا ولقد تصدعت نفسي للعاشقين لوم العاذلين قرطة في آذانهم ولوعات الحب نيران في أبدانهم وقال أعرابي ما رأيت دمعة ترقرق في عين وتجري على خد أحسن من عبرة أمطرتها عينها فأعشب لها قلبي وقال أعرابي وذكر قوما زهادا فاز قوم أدبتهم الحكمة وأحكمتهم التجارب ولم تغررهم السلامة المنطوية على الهلكة ورحل عنهم التسويف الذي قطع به الناس مسافة آجالهم فأحسنوا المقال وشفعوه بالفعال تركوا النعيم ليتنعموا لهم عبرات متدافعة لا تراهم إلا في وجه عند الله وجيها ووصف أعرابي واليا فقال كان إذا ولى طابق من جفونه وأرسل العيون على عيونه فهو شاهد معهم غائب عنهم فالمحسن آمن والمسيء خالف ووصف أعرابي دارا فقال هي والله معتصرة الدموع جرت بها الرياح أذيالها وحلت بها السحاب أثقالها وذكر أعرابي رجلا فقال كان الفهم منه ذا أذنين والجواب منه ذا لسانين لم أر أحدا كان أرتق لخلل الرأي منه كان والله بعيد مسافة الرأي يرمي بطرفه حيث أشار الكرم يتحسى مرارة الإخوان ويسيغهم العذب ووصف أعرابي قومه فقال كانوا والله إذا اصطفوا تحت القتام سفرت بينهم السهام بوقوف الحمام وإذا تصافحوا بالسيوف فغرت المنايا أفواهها فكم من يوم عارم قد أحسنوا أدبه وحرب عبوس قد ضاحكتها أسنتهم وخطب شين قد ذللوا مناكبه إنما كانوا كالبحر الذي لا ينكش غماره ولا ينهنه تياره وقيل لأعرابي يزعم فلان أنه كساك ثوبا فقال إن المعروف إذ أمر كدر وإذا محض أمر ومن ضاق قلبه اتسع لسانه وذكر أعرابي رجلا فقال كلامه منقوض آثار القطا وهو مع ذا رث عقال المودة مسود وجه الصداقة ولئن كان لبني الآدميين سباخ إنه لمن سباخ بني آدم وقيل لأعرابي لم لا تشرب النبيذ فقال لا أشرب ما يشرب عقلي وقال معاوية العيال أرضة المال وقال خالد بن صفوان إياكم ومجانيق الضعفاء وقال لا تضع معروفك عند فاجر ولا أحمق ولا لئيم فإن الفاجر يرى ذلك ضعفا والأحمق لا يعرف ما أوتي إليه فيشكره على مقدار عقله واللئيم سبخة لا ينبت شيئا ولا يثمر ولكن إذا رأيت الثرى فازرع المعروف تحصد الشكر وأنا الضامن وأهدت امرأة من العجم إلى هوى لها في يوم نوروز وردا وكتبت إليها هذا اليوم أحد فتيان الدهر وشاب أقسامه والقصف فيه عروس والورد في البرد كالدر في النحر وقد بعثت إليك منه مهرا ليومك فزوج السرور من النفس والطرب من القلب ولا تستقل برا فإنا لا نستكثر على قبوله شكرا وقال آخر في رجل ماذا تثير الخبرة من دفائن كرمه وقال أعرابي لخصمه أما والله لئن هملجت إلى الباطل إنك عن الحق لقطوف ولئن أبطأت عنه لتسرعن إليه فاعلم أنه إن لم يعدلك الحق عدلك الباطل والآخرة من ورائك وقال آخر الخط مركب البيان وقال آخر القلم لسان اليد وسمعت بعض الأطباء يقول الماء مطية الطعام وقال الحسن بن وهب لكاتبه لا ترق ماء معروفي بالمن فإن اعتدادك بالعرف بعقل لسان الشكر وأمثال هذا كثير في منثور الكلام وفيما أوردته كفاية إن شاء الله فأما الاستعارة من أشعار المتقدمين فمثل قول امرئ القيس ( وليلٍ كموج البحر مُرْخٍ سُدُولَه ** عليَّ بأنواع الهموم لِيَبْتَلِي ) ( فقلت له لما تمطَّى بصلبِه ** وأردف أعجازاً وناءَ بكلكلِ ) وقال زهير ( صحا القلبُ عن ليلى وأقصر باطله ** وعُرِّى أفراسُ الصِّبا ورواحُلهْ ) وقول امرئ القيس ( فبات عليه سرْجُه ولجامه ** وباتَ بعيني قائما غير مُرْسَلِ ) أي كنت أراه وأحفظه وعلى هذا مجاز قوله عز وجل ! ( تجري بأعيننا ) ! وقال زهير ( إذا سدَّتْ به لَهَواتُ ثَغرٍ ** يُشار إليه جانُبه سَقِيمُ ) وقال النابغة ( وصَدْرٍ أراحَ الليلُ عازبَ همِه ** تضاعفَ فيه الحزنُ من كلِّ جَانِبِ ) وفي هذا البيت ماء وطلاوة ليس مثله في بيت زهير وقال عنترة ( جادَتْ عليهِ كلُّ بِكْرٍ حُرَّةٍ ** فترَكْنَ كلَّ قرارةٍ كالدِّرْهَمِ ) وقال مهلهل ( تلقى فوارسَ تغلبَ ابنةِ وائلٍ ** يستطعمونَ الموت كل هُمَامِ )
وقال زهير ( إذا لَقِحَتْ حَرْبٌ عَوَانٌ مٌ ضِرَّةٌ ** ضَرُوسٌ تُهرُّ الناسَ أَنْيَابُها عُصْلُ ) أخذه من قول أوس بن حجر ( وإني امرؤ أعْدَدْتُ للحربِ بعدَما ** رأيتُ لها ناباً من الشَّرِّ أَعْصَلاَ ) وقال المسيب بن علس ( وإنهم قد دعوا دعوَةً ** سيتبعها ذنَبٌ أهلب ) أراد جيشا كثيفا وقال الأسود بن يعفر ( فأدِّ حقوقَ قومك واجتنبهم ** ولا يَطْمح بك العز الفطير ) أراد عزا ليس بالمحكم كفطير العجين والفطير من الجلد ما لم يدبغ وقال طفيل الغنوي ( وجعلتُ كورِي فوقَ ناجيةٍ ** يقتاتُ شحم سنامها الرَّحْلُ ) وقال الحرث بن حلزة ( حتى إذا التفع الظباءُ بأطراف ** الظِّلالِ وقِلْنَ في الكُنَّس ) الالتفاع لبس اللفاع وهو اللحاف ومثله قول الشماخ ( إذا الأرْطى تَوَسَّدَ أبرَدَيْهِ ** خُدُودُ جَوازِئ بالرملِ عينِ )
أبرداه ظل الغداة والعشي توسدته جعلته بمنزلة الوسادة وقال آخر ( ومَهْمهٍ فيه السرابُ يَسْبَحُ ** يدأب فيه القومُ حتى يَطْلَحوا ) ( ثم يبيتونَ كأن لم يَبْرحوا ** كأنما أمْسوا بحيث أصْبَحوا ) وقال عمرو بن كلثوم ( ألا أبلغِ النُّعمان عَنِّي رسالةً ** فمجدُك حَوْلِيُّ ولؤمُك قَارِحُ ) وقال الحطيئة ( ألا يالقلبٍ عَارِم النظراتِ ** ) وقال الجعدي ( فإن يَطْفُ أصحابُه يَرسبُ ** ) وقال ابو ذؤيب ( وإذا المنيةُ أَنْشَبَتْ أظفارَها ** ) وقال أبو خراش الهذلي ( أردّ شجاعَ البطنِ لو تعلمينهُ ** وأوثر غيري من عيالِكِ بالطعم ) وقال لبيد ( فَبِتِلْكَ إذ رَقصَ اللوامِعُ بالضُّحَى ** واجتاب أرْديَةَ السرابِ إكامُها )
وقال أيضا ( وغداة ريحٍ قَدْ كشفتُ وقِرَّةٍ ** إذ أصبحتْ بيد الشَّمالِ زِمامُها ) وقال أوس بن مغراء ( يَشيبُ على لُؤْمِ الفِعال كبيرُها ** ويُغذى بثدي اللؤم منها وليدُها ) وقال الأخطل ( وأهجر هِجْرانا جميلا وينْتَحي ** لنا من ليالينا العوازِم أولُ ) وقال آخر ( قوم إذا الشر أبدى ناجذَيه لهم ** طاروا إليه زَرَافات ووحدانا ) وقال ( هم ساعدُ الدهرِ الَّذي يُتَّقى به ** وما خيرُ كَفٍّ لا تَنُوء بِساعِدِ ) وقال آخر ( سأبكيكَ للدُّنيا وللدِّين إنني ** رأيتُ يدَ المعروف بعدك شَلَّتِ ) وقال المقنع ( أَسُدّ به ما قد أخلُّوا وضيعوا ** ثغورَ حقوق ما أطاقوا لها سدَّا ) وقال آخر ( وذَابَ للشمس لُعاب فنزلْ ** ) أخذه من قول النابغة ( إذا الشَّمْسُ مَجَّتْ ريقَها بالكلاكل )
وقال آخر ( جاءَ الشِّتاء واجثألَّ القُبَّرُ ** وطلعتْ شمسٌ عليها مِغْفَرُ ) جعل قطعة السحاب إلى جانب الشمس مغفرا لها واجثأل انتفش وقال الحطيئة ( وما خِلتُ سَلْمى قبلها ذاتَ رحلةٍ ** إذا قسوريُّ الليل جيبت سرابِلُهْ ) وقال أيضا ( ولّوْ وأعطوْنا الذي سُئِلوا ** من بعد موتِ ساقطٍ أزره ) ( إنا لنكسوهم وإنْ كَرُموا ** ضرباً يطير خلاله شرره ) وقال أبو داود ( وقد اغتذى في بياض الصّباح ** وأعجازِ لَيْلٍ مولّى الذَّنَبْ ) وقال الأفوه ( عافوا الإتاوةَ واستقتْ أسلافُهم ** حتى ارتووا عَللا بأذنبة الردَى ) وقال ابن مناذر ( بأرشيةٍ أطرافها في الكواكبِ ** ) وقال الأخطل ( حتى إذا افتض ماءُ المزن عُذْرَتها ** راحَ الزجاجُ وفي ألوانَه صَهَبُ ) وقال غيره ( جيش يَظلّ البُلْق في حجراتِه ** ترى الأكم فيه سجداً للحوافِر )
وقال ذي الرمة ( سقاه الكَرى كأس النعاسِ فرأسُه ** لدينِ الكَرى من آخر الليل ساجِد ) قوله ( ( سقاه الكرى ) ) جيد وقوله ( ( لدين الكرى ) ) بعيد عندي وقال مضرس ابن ربعي ( أذود سوامَ الطرف عنك وماله ** على أحدٍ إلاّ عليك طريق ) وقال تأبط شرا ( ويسبقُ وفدَ الرِّيح من حيثُ تَنْتَحِي ** بمنخرقٍ من شَدِّه المُتدارِكِ ) ( إذا حاصَ عينيه كَرى النوم لمْ يزلْ ** له كالئٌ من قَلْب شَيْحَانَ فَاتِكِ ) ( ويجعلُ عينيه ربيئةَ قَلْبِه ** إلى سَلَّةٍ من صارم الغرب باتِكِ ) ( إذا هزَّه في عَظْم قرن تهللتْ ** نواجذُ أفواه المنايا الضواحكِ ) في كل بيت من هذه الأبيات استعارة بديعة وقد أخذ رؤبة قوله ( ( ويسبق وفد الريح ) ) فقال ( يسبقُ وفدَ الريح من حيثُ انخرَقْ ** ) وقال الراعي ( يدعو أميرَ المؤمنين ودونَهُ ** خَرْقٌ تجرُّ به الرياحُ ذُيولا ) وقال أوس ( ليسَ الحديثُ يُنْهَى بَيْنَهُنَّ ولا ** سِرٌّ يُحَدِّثْنه في الحيِّ مَنْشورُ )
ومما جاء في كلام المحدثين قول أبي تمام ( لياليَ نحن في غفلاتِ عيش ** كأنّ الدهرَ عَنْها وَثاقِ ) ( وأيام لنا ولهم لِدانٌ ** عرينا من حواشِيها الرّقاقِ ) وقال العباس بن الأحنف أو الخليع ( قد سحبَ الناسُ أذيال الظُّنون بنا ** وفرّق الناسُ فينا قولَهُمْ فرقا ) ( فكاذبٌ قد رَمى بالظنِّ غَيْرَكُمُ ** وصادقٌ ليس يدري أنّه صدَقا ) وقال مسلم ( شججتُها بلعاب المزْن فاغتزلتْ ** نَسْجَين من بين محلولٍ ومعقودِ ) وقوله ( كأنهُ أجلٌ يسعى إلى أملِ ** ) وقوله ( يكسو السيوفَ نفوسَ الناكثين به ** ويجعلُ الهامَ تيجانَ القَنَا الذُّبُلِ ) وقوله ( إذا ما نكحنا الحربَ بالبيِض والقنا ** جعلنا المنايا عندَ ذاك طَلاقَها ) وقوله ( والدهرُ آخذ ما أعطى مكدِّر ما ** أصفى ومفسِدُ ما أهوى له بيدِ ) ( فلا يغرَّنك من دهر عطيتهُ ** فليس يتركُ ما أعطى على أحدٍ )
وقوله ( ولم ينطقْ بأسرارِها الحِجْلُ ** ) وقوله ( ولما تلاقينا قضى الليلُ نَحبهُ ** بوجهٍ كأنّ الشمس من مائِه مثلُ ) ( وماءٍ كعين الشمس لا تقبلُ القَذَى ** إذا درجتْ فيه الصَّبا خِلْتَهُ يَعْلُو ) ( من الضُّحَّكِ الغُرِّ اللَّواتي إذا التقتْ ** تحدِّثُ عن أسراها السَّبلُ الهَطْلُ ) ( صدعْنا به حَدَّ الشَّمول وقد طَغت ** فألبسها حِلْماً وفي حِلْمها جهلُ ) ( تُساقِط يُمناهُ النّدى وشِماله الرَدى ** وعيون القول منطقه الفَصْلُ ) ( حُبًى لا يطيرُ الجهلُ من عذباتها ** إذا هي حُلّتْ لم يفتْ حلها ذَحلُ ) ( بكفِّ أبي العَبَّاسِ يُسْتَمْطَرُ الغِنَى ** وتُسْتَنْزَلُ النُّعْمَى ويُسْتَرعَفُ النَّصْلُ ) ( متى شئتَ رفَّعتَ الستور عن الغنى ** إذا أنت زُرْتَ الفضل أو أذِنَ الفضلُ ) وقال أيضا ( كأنها ولسانُ الماء يقلبها ** عقيقة ضَحِكَتْ في عارِضٍ بردِ ) ( دارتْ عليه فزادتْ في شمائله ** لين القضيب ولحظ الشادِنِ الغَرِدِ ) وقال أيضا ( فأقْسَمْتُ أنسى الدَّاعياتِ إلى الصِّبَا ** وقدْ فاجأتْها العينُ والسِّتْرُ واقعُ ) ( فغطّت بأيديها ثمار نُحورِها ** كأيدي الأسارى ثَقَّلتْها الجوامعُ )
وقال أيضا ( نَفَضتْ بك الأحلاَسُ نفضَ إقامةٍ ** واسترجعتْ نُزاعَها الأمصارُ ) ( أجلٌ ينافسه الحِمام وحُفرةٌ ** نَفِسَتْ عليها وجهَك الأحفارُ ) ( فاذهبْ كما ذهبتْ غوادِي مُزْنٍ ة ** أثنى عليها السهلُ والأوْعارُ ) أخذ ( ( نفست عليها وجهك الأحفار ) ) بعضهم فقال ( لو علم القبر ما يُواري ** تاه على كلِّ ما يَليِهِ ) وقال ( ويخطئ عُذْرِي وَجْهَ جُرْمِيَ عِندها ** فأجني إليها الذَّنْبَ من حيث لا أدرِي ) ( إذَا أذنبتْ أعْدَدْت عذراً لذنبها ** وإنْ سَخِطتْ كان اعتذاري من العذرِ ) وقال ( يذكِّرُنيكَ اليأسُ في خَطْرَة المُنى ** وإن كنتُ لم أذكرْك إلاّ على ذكري ) وقال ( تجري الرياحُ بها حَسْرى مُولهةً ** حين تَلُوذ بأطرافِ الجلاميدِ ) وقال أبو الشيص ( خلع الصِّبا عنْ منكبيه مَشِيب ) وقال أبو العتاهية ( أتته الخلافة منقادةً ** إليه تجرّر أذيالها ) وقال أبو نواس ( فاسقني البِكْرَ التي اختمرتْ ** بخمار الشَّيبِ في الرَّحِم )
( ثمتَ انصاتَ الشبابُ لها ** بعد أنْ جازَتْ مدَى الهرَمِ ) ( فهي لليَوْمِ الَّذِي نَزَلتْ ** وهي تِلْو الدَّهرِ في القدَمِ ) ومنها قوله ( فتمشتْ في مفاصلهمْ ** كتمشِّي البرءِ في السقمِ ) ( صَنَعتْ في البيتِ إذْ مُزجتْ ** كصنيع الصُّبح في الظُّلَمِ ) قوله انصات الشباب لها كأنها صوتت به فانصات لها أي اجابها وقوله ( أَعْتَطْكَ رَيْحَانَهَا الْعُقَارُ ** وحانَ مِنْ لَيْلِكَ انْسِفَارُ ) أي شربتها فتحول طيبها إليك وقوله ( لنا روامِشُ يُنْتَخَبْنَ لنا ** تَظَلّ آذانُنا مَطاياها ) الرامشة ورقة آس لها رأسان وقال ( حتى تّخيرت بنتَ دَسكرة ** قد عاجَمَتْها السنون والحِقبُ ) وقوله ( حتى إذا ما علا ماءُ الشباب بها ** وأفعَمتْ في تمام الجسم والقَصَب ) ( وجُمِّشتْ بخَفِيّ اللحظِ فانْجشمتْ ** وجرَّت الوعدَ بين الصِّدق والكذب ) وقوله في السحاب ( وجرّتْ على الرُّبا ذَنَبا ** ) وقال ( فراحَ لا عطَّلَتْه عافيةٌ ** وباتَ طرفي من طرفه جُنُبا )
وقال ( دَعِ الألبانَ يشربها رجال ** رقيقُ العيش بينهم غَريبُ ) وقوله ( ولا عجيبٌ إن جفَتْ دِمنةٌ ** عن مستهامٍ نومه قوتُ ) وقوله ( فقمتُ والليل يجلُوه الصباح كما ** جلا التبسّم عن غُرِّ الثّنِياتِ ) وقوله ( من قهوةٍ جاءتْك قبل مِزاجها ** عُطُلا فألبسها المِزاجُ وِشَاحا ) وقوله منها ( شكَّ البُزَالُ فؤادَك فكأنما ** أهدتْ إليك بريحها التفَّاحا ) ( صفراء تفترس النفوسَ فلا ترى ** منها بهنّ سوى السِّباب جراحَا ) ( عَمِرَتْ يُكاتمك الزمانُ حديثَها ** حتى إذا بلغ السآمةَ باحا ) وقوله ( جريتُ مع الصِّبا طلْق الجَموحِ ** وهانَ عليَّ مأثورُ القبيحِ ) ( وجدت ألذّ عاريةِ الليالي ** قران النَّغْم بالوتَر الفصيحِ ) وقوله منها ( تمتعْ من شَبابٍ لَيْسَ يَبْقى ** وصِلْ بعرى الغَبُوقِ عُرى الصَّبوح ) ( وخُذْها من مُشعشعٍ ة كُمَيْتٍ ** تُنزِّل دِرَّةَ الرجل الشَّحِيحِ ) ( فإني عالم أن سَوْف يَنْأَى ** مسافةَ بين جُثْماني ورُوحِي ) وقوله ( فاستنطقِ العودَ قد طَال السُّكُوت به ** لن ينطقَ اللّهوُ حتى ينطقّ العود )
وقوله ( صفراء تَعْنِق بين الماء والزبَدِ ** ) وقوله ( وقد لاحت الجوزاء وانْغمس النَّسْرُ ** ) وقوله ( تجرر أذيال الفُجور ولا فُجْرُ ** ) وقوله ( لا ينزلُ الليلُ حَيْثُ حلّتْ ** فدَهْرُ شَرَّابِها نَهَارُ ) وقوله ( ورَيّان من ماء الشباب كأنما ** يُظْمَّأُ من صُمّ الحَشَا ويجاعُ ) وقوله ( وتنحّ عن طَرَبٍ وعن قَصْفٍ ** ) وقوله ( عين الخليفةِ بي موكَّلَةٌ ** عَقَد الحذَارُ بطرْفها طَرْفي ) ( صحَّتْ عَلانيتي له وأَرى ** دينَ الضَّميرِ له على حَرْفِ ) وقوله ( سَلَبُوا قِناع الطِّينِ عَنْ رَمَقٍ ** حَيّ الحياة مُشَارِف الحتْفِ ) ( فتنفستْ في البيت إذ مُزِجَتْ ** كتنفُّسِ الريحان في الأَنْفِ ) وقوله ( نتيجةُ مُزْنَةٍ من عُودِ كَرْمٍ ** تضيء الليل مضروب الرِّواقِ )
وقوله ( حلبت لأصحابي بها درّة الصِّبَا ** بصفراء من ماء الكُرومَ شَمولِ ) وقوله ( دَعَا همُّه من صدْرِه برحيل ** ) وقوله ( ولما توفى الليل جُنْحا من الدُّجَى ** ) وقوله ( وقام وزْنُ الزمانِ فاعتَدلا ** ) وقوله ( فقد أصبح وجه الزمان مقتبلا ** ) وقوله ( كان الشباب مطيّةُ الجهلِ ) وهو من قول النابغة ( فإن مَطِيَّةَ الجهل الشَّبابُ ** ) وقوله ( وحططتُ عن ظهر الصِّبا رَحْلي ** ) وقوله ( ومتَّصلٍ بأسباب المعالي ** له في كل مكرُمةٍ حميمُ )
( رَفَعْتُ له النداء ( ( بقمْ ) ) فخُذْها ** فقد أخذتْ مطالعَها النُّجُومُ ) وقوله ( ألاَ لا تَرى مثلي امْتَرى اليوم في رَسْمٍ ** تَغَصُّ به عيني ويلفِظُه وَهْمِي ) وقوله ( ( تغص به ) ) أي تمتلئ بالدموع ( ( وبلفظه وهمي ) ) أي ينكره وقوله ( وكأنما يتلو طرائدها ** نجمٌ تَواتَر في قَفا نَجْمِ ) وقوله ( شمولاً تخطتْه المنون وقد أتتْ ** سنونٌ لها في دَنّها وسُنُونُ ) وقوله ( فتقربْتُ بِصِرْف عُقَار ** نشأتْ في حِجْر أمِّ الزّمانِ ) وقوله ( ترى العينَ تستعفيك من لمعانِها ** وتحسر حتى ما تقلّ جفونها ) وقوله ( في مجلس ضَحِك السرورُ به ** عن ناجِذَيْهِ وحَلَّت الخمرُ ) وقول أبي تمام ( وحسنُ منقلب تبدو عواقبه ** جاءت بشاشتُه في سُوء مُنْقَلَبِ ) وقوله ( رخصت لها المهجاتُ وهي غَوالِ ** ) وقوله ( وتنظَّري خَبَبَ الركاب ينصُّها ** مُحْي القريضِ إلى مميتِ المالِ )
وقوله ( تطلُّ الطلولُ الدمعَ في كلِّ منزلٍ ** وتمثلُ بالصَّبر الديارُ المواثِلُ ) ( دوارس لم يَجْفُ الربيعُ ربوعَها ** ولا مَرَّ في أغفالها وهو غافِلُ ) ( فقد سحبتْ فيها السحابُ ذيولَها ** وقد أخْمِلَتْ بالنَّور فيها الخمائلُ ) ( لياليَ أضللت العزاءَ وخَزَّلَتْ ** بعقلك أرآمُ الخدور العقائلُ ) وقوله ( بسقيم الجفون غير سقيمِ ** ومُريب الألحاظ غير مريبِ ) وقوله ( غَليلي على خالد خالدٌ ** وضيف همومي طويلُ الثَّواءِ ) ( ألا أيّها الموتُ فجعتَنا ** بماءِ الحياةِ وماءِ الحياءِ ) ( أصبنا بكنز الغني والإمام ** أمسى مصاباً بكنز الفناء ) وقوله ( ثوى في الثرى من كان يحيا به الثرى ** ويَغْمُر صرفَ الدهرِ نائلُه الغَمْرُ ) وقوله ( سَعِدَتْ غربةُ النوى بسُعادِ ** ) وقوله ( إذا سيفُهُ أضحى على الهام حاكماً ** غدا العفوُ منه وهو في السّيف حاكمُ ) وقوله ( لئن أصبحت ميدانَ السَّوافِي ** لقد أصبحتُ مَيدانَ الهُموم )
( أظُنَّ الدمعَ في خدي سيبقى ** رسوماً من بكائي في الرُّسومِ ) ( وليلٍ بتُّ أكلؤُه كأني ** سليمٌ أو سَهِدت على سَلِيم ) ( أرَاعِى من كواكبه هِجاناً ** سوَاماً لا تزيغ إلى المًسِيم ) ( يكاد نداه يتركُه عَدِيماُ ** إذا هطلتْ يداه على عَدِيمِ ) ( سفيه الرمح جاهلُه إذا ما ** بدا فضلُ السَّفِيه على الحليم ) وقوله ( عهدي بهم تستنيرُ الأرضُ إنْ نَزَلوا ** فيها وتجتمِع الدُّنيا إذا اجتمعُوا ) ( ويضحكُ الدَّهر منهم عن غَطارفةٍ ** كأن أيامهمْ من أُنسها جُمَع ) وقوله ( وضلَّ بك المرتادُ من حيث يَهْتدي ** وضرتْ بك الأيامُ من حيث تَنْفَع ) وقوله ( تردُ الظنون به على تَصْدِيقها ** وتُحَكِّمُ الآمال في الأموال ) وقوله ( إذا أحْسَنَ الأقوامُ أن يتطاولوا ** بلا مِنَّةٍ أَحْسَنْتَ أنْ تَتَطَّولا ) ( تَعظّمتَ عن ذاك التعظّم منهمُ ** وأوْصاك نُبْلُ القدر أنْ تَتَنَّبَلا ) وقوله ( فاطلبْ هُدوًّا في التقلْقُل واسْتَثِرْ ** بالعيِس من تحت السُّهاد هجودا ) وقوله ( أيامنا مصقولةٌ أطرافُها ** بك والليالي كلُّها أسحار )
وقال البحتري ( بيضاءُ يعطيك القضيبُ قوامَها ** ويريكَ عينيْها الغَزَالُ الأحْوَرُ ) وقوله ( فحاجبُ الشمسِ أحياناً يُضَاحِكُها ** ورَيّقُ الغَيْثِ أحياناً يَباكيِها ) وقوله ( وللقضيب نَصِيبٌ من تثنِّيها ** ) وقوله ( أصبابةً برسوم رَامةَ بعدما ** عرفت معارفَها الصَّبا والشَّمألُ ) وقوله ( صفتْ مثلَ ما تصفُو المُدامُ خلالَه ** ورَّقتْ كما رقَّ النسيمُ شمائله ) وقوله ( نثرتْ وردها عليه الخدود ** ) أخذه آخر فقال ( وحياءٌ نثر الردَ على الخدِّ الأَسِيل ** ) وقوله ( سحابُ خَطَاني جودُه وهو مُسْبلٌ ** وبَحْرُ عَدَانِي فَيْضُه وهو مُفْعَمُ ) وقوله ( أرجْنَ عليَّ الليلَ وهو مُمَسَّكٌ ** وَصَبَحْنَنا بالصُّبْحِ وهو مُخَلَّقُ )
وقوله ( في مَقَامٍ تخِرّ فِي ضَنْكِه الْبِيض ** على البِيِض رُكَّعًا وسجُودا ) وقوله ( جَارَى الجيادَ فطار عَنْ أوْهَامِها ** سَبْقاً وكادَ يَطِيرُ عن أَوْهَامِهِ ) وقوله ( فَطَواهُنَّ طَيْهُنَّ الفَيَافِي ** واكتَسَيْنَ الوَجِيفَ حتى عَرينا ) وقوله ( فأَضْلَلْتُ حِلْمي والتفَتُّ إلى الصِّبَا ** سَفاهًا وقد جُزْتُ الشبابَ مَرَاحِلاَ ) وقوله ( إذا سَرَايا عطاياه سَرَتْ أَسَرَتْ ** ) وقوله ( ليلٌ يبيتُ الليلُ فيه غَرِيبا ** ) وقول ابن الرومي ( وما تَعْتَرِيهَا آفَةٌ بَشَرِيَّةٌ ** من النَّوْمِ إِلاَّ أنها تَتَخَثَّرُ ) ( كذلك أنفاسُ الرياح بسُحْرَةِ ** تَطِيبُ وأنْفاسُ الأنامِ تَغَيَّرُ ) وقوله ( يا رُبَّ رِيقٍ باتَ بَدْرُ الدُّجَى ** يَمُجُّه بَيْن ثَنَاياكا ) ( يُروى ولا يَنْهاك عن شَرْبِه ** والخمرُ يُرْوِيك ويَنْهَاكا )
وقول العتابي ( وأَشعثَ مُشتاقٍ رَمَى في جُفونِه ** غَريبَ الكَرى بين الفِجَاجِ السَّبَاسِبِ ) ( أماتَ اللياليِ شَوْقه غيرَ زَفْرَةٍ ** تردَّدُ ما بين الحشَى والتَّرَائِبِ ) ( سَحَبْتُ له ذَيْل السُّرى وهو لابِسُ ** دُجَى اللَّيل حتى مجَّ ضوءَ الكَواكِبِ ) ( ومن فوقِ أَكْوَارِ المطايا لُبانَةٌ ** أُحِلَّ لَها أَكْلُ الذُرَى والغَوَارِبِ ) ( إذا ادَّرَعَ الليل انجلَى وكأنَّه ** بقيةُ هِنْدِيّ حُسامِ المضَارِبِ ) ( برَكْبٍ تَرَى كسْر الكَرى في جُفونهم ** وعَهْدَ الفَيافِي في وجوهٍ شَواحِبِ ) وقول أبي العتاهية ( أسْرى إليه الرَّدى في حَلْبَةِ الْقَدَرِ ** ) ومن رديء الاستعارة قول علقمة الفحل ( وكلُّ قَوْمِ وإنْ عَزُّوا وإن كَرُموا ** عَرِيفُهمْ بأَثَافِي الدَّهْرِ مَرْجُومُ ) أثافي الدهر بعيد جدا وقول ذي الرمة ( تَيَمَّمْنَ يافوخَ الدُّجَى فصدَعْنَهُ ** وجَوْز الفَلاَ صَدْعَ السيوفِ القواطعِ ) وقال تأبط شرا ( نحزّ رِقَابَهم حتَّى نَزَعْنَا ** وَأَنفُ الموتِ مَنْخَرُهُ رَثِيمُ )
وقول الحطيئة ( سَقوْا جَارَك العَيْمان لمّا جَفَوْتَهُ ** وقَلَّص عَنْ بَرْدِ الشَّرابِ مَشَافِرُه ) وقول الآخر ( فما رَقدَ الوِلْدان حتى رأيتَهُ ** على البَكْرِ يَمْرِيه بساقٍ وحَافِرِ ) وقول الآخر ( قد أفنى أنامِلَه أَزْمُه ** فأَضْحَى يعضّ علىّ الوَظِيفَا ) وإذا أريد بذلك الذم والهجاء كان أقرب إلى الصواب وأما القبيح الذي لا يشك في قباحته فقول الآخر ( سأمنعها أَوْ سوف أَجْعَلُ أمرَها ** إلى مَلكٍ أَظْلاَفُه لم تُشَقّقِ ) وقول ذي الرمة ( يُعِزُّ ضِعَافَ القوم عِزةُ نَفْسِه ** ويَقْطَع أَنْفَ الكِبْرياء من الكِبْرِ ) وقول خويلد الهذلي أو غيره ( تُخاصِم قوْماً لا تَلقَّى جَوَابَهم ** وقد أَخَذَتْ من أَنْفِ لحَيِتك اليَدُ ) أي قبضت بيدك على مقدم لحيتك كما يفعل النادم أو المهموم وأنف كل شيء مقدمه وأنوف القوم سادتهم والأنف في هذا البيت هجين الموقع كما ترى وقد وقع في غيره أحسن موقع وهو قول الشاعر
( إذا شمَّ أَنْفَ الضيفِ ألحق بَطنه ** مراس الأوَاسي وامتحان الْكَرَائِم ) ويقولون أنف الريح وأنف النهار ورعينا أنف الربيع أي أوله قال امرؤ القيس ( قد غَدَا يَحْمِلُني في أَنْفِه ** لاحقُ الإطْلَيْنَ مَحْبُوك مُمَرّ ) وروى بعض الشيوخ الثقات في أنفه مضموم الألف قال هو من قوله كأس أنف وروضة أنف وقال أعرابي يصف البرق ( إذا شِيمَ أَنفُ الليل أَوْمَضَ وَسْطه ** سناً كابتسام العَامِريّة شَاغِفُ ) أراد أول الليل ومن بعيد الاستعارة قول أعرابي ( ما زال مجنوناً على اسْتِ الدّهر ** ذا جسَدٍ ينمى وعَقْلٍ يَجْرِي ) أي ينقص وسئل مسلم بن الوليد عن قول أبي نواس ( رُسُم الكَرَى بين الجفون مَحيل ** عَفَّى عليه بُكاً عَلَيْكَ طَوِيلُ ) قال إن كان قول أبي العذافر ( باضَ الهوَى في فُؤَادِي وفرَّخ التّذْكار ** ) حسنا كان هذا حسنا ومن عجيب هذا الباب قول بعض شعراء عبد القيس ( ولما رأيتُ الدهرَ وَعْرًا سبيله ** وأَبْدَى لنا ظَهْرًا أَجَبَّ مُسَلَّمَا ) ( وجبهة قرد كالشراك ضئيلة ** وصعّر خَدَّيْه وأنفاً مجدّعا ) ( ومعرَفةً حَصَّاء غير مُفَاضةٍ ** عليه ولَوْنًا ذا عَثَانِينَ أنْزَعا ) وما أعرف متى رأي هذا للدهر جبهة كالشراك مع هذا الذي عدده فجاء بما يضحك الثكلى وقال الكميت ( ولما رأيتُ الدهرَ يَقْلِبُ بَطْنَه ** على ظَهْرِه فِعْلَ المُمَعّكِ في الرَّمْلِ ) ( كما ظَعَنَت عنا قُضَاعةُ ظَعْنَةً ** هي الجِدّ مَأْدُومَ النَّحِيزَةِ بالهَزْلِ ) ومن ذلك قول الأخطل ( إكسير هذا الخَلْقِ يُلْقَى وَاحِدٌ ** منه على أَلْفٍ فيكرم خِيْمه ) وقول أبي تمام ( حتى اتَّقَتْهُ بكيميَاءِ السُّودَدِ ** ) فلا ترى شيئا أبعد من إكسير الخلق وكيمياء السودد وقد أكثر أبو تمام من هذا الجنس اغترارا بما سبق منه في كلام القدماء مما تقدم ذكره فأسرف فنعى عليه ذلك وعيب به وتلك عاقبة الإسراف فمن ذلك قوله ( يا دَهْرُ قَوِّم مِنْ أَخْدَعَيْكَ فقدْ ** أَضْجَجتَ هَذا الأَنامَ مِنْ خَرَقِك ) وقوله ( كانوا رِدَاءَ زمانِهم فتَصَدَّعُوا ** فكأنما لَبس الزَّمَانُ الصُّوفَا )
وقوله ( نَزَحْتُ بِه رَكِيَّ العَيْنِ إنِّي ** رأيتُ الدَّمْعَ من خَيْرِ الْعتَادِ ) وقوله ( ولينَ أَخَادِع الزَّمَنِ الأبيّ ** ) وقوله ( فضَرَبت الشِّتاءَ في أَخْدَعيه ** ضَرْبةً غَادَرَتْه عَوْدًا رَكُوبا ) وقوله ( تروحُ علينا كلَّ يومٍ وليلةٍ ** خُطُوبٌ كأنَّ الدَّهر مِنْهنَّ يُصْرَعُ ) وقوله ( ألاَ لاَ يَمُدُّ الدَّهرُ كَفًّا بسْيء ** إلى مجتدى نَصْرٍ فتقطَع للزّنْدِ ) وقوله ( والدَّهر أَلأَمُ مَنْ شَرِقْتَ بلؤمِه ** إِلاَّ إذا أَشرقْته بكَرِيمِ ) وقوله ( تحملتُ ما لو حُمِّل الدَّهر شطَرُه ** لفكَّر دَهْرًا أيُّ عِبْأَيْه أَثْقَلُ ) وقوله يصف قصيدة ( تحلُّ بِقَاعَ المجْد حتى كأنَّها ** على كلِّ رَأْس من يد المجدِ مِغْفَرُ ) ( لها بين أبواب الملوك مَزامِرٌ ** مِنَ الذكر لم تنفخ ولا هي تَزْمُر ) وقوله ( به أَسْلَم المعروفُ بالشَّام بَعْدما ** ثَوَى مُنْذُ أَوْدَى خَالدٌ وهو مُرْتَدِ )
وقوله ( كأنَّ المجدَ قد خَرِفا ** ) وقوله ( إلى ملكٍ في أيْكَةِ المجدِ لم يَزَلْ ** على كِبد المعروف من نيله بَرْدُ ) وقوله ( في غفلةٍ أوقدتْ على كبد النائل ** ناراً أخْنَتْ على كبْدهْ ) وقوله ( حتى إذا اسودَّ الزمان توضّحوا ** فيه فَغُودِرَ وهو منهم أبْلَقُ ) وقوله ( وكَمْ مَلَكَتْ مِنّا على قُبْحِ قَدِّها ** صُروفُ النَّوى من مُرْهَفٍ حَسن القَدِّ ) وقوله ( إذا الغيثُ غَادىَ نسجه خِلْتَ أنه ** مضَتْ حِقْبَةُ حَرْس له وهو حائك ) وقوله يرثي غلاما ( أنْزَلَتْهُ الأيامُ عَنْ ظهرِها مِنْ ** بعد إثباتِ رِجْله في الرّكاب ) وقوله ( وكأنَّ فارِسَه يصرّف إِذْ غَدَا ** في متنه ابنا للصباح الأبْلَقِ ) وقوله ( لمَّا مَخضْتَ الأمانيّ التي احْتُلِبَتْ ** عادَتْ هُمُومًا وكانت قبلها هِمَما )
وقوله ( كُلوا الصَّبْرَ مُرًّا واشربوه فإنكم ** أَثَرْتُم بعيرَ الظُّلْمِ والظلمُ بارِك ) وقد جنى أبو تمام على نفسه بالإكثار من هذه الاستعارات وأطلق لسان عائبه وأكد له الحجة على نفسه واختيارات الناس مختلفة بحسب اختلاف صورهم وألوانهم ومن رديء الاستعارة أيضا قول بعضهم ( أَنَا ناقة وليس في ركبتي دِماغ ** ) وأنشد أبو العنبس ( ضرامُ الحبِّ عَشَّشَ في فُؤادي ** وحَضَّنَ فوقَه طيرُ البِعادِ ) ( وقد نبذَ الهَوى في دَنّ قلْبي ** فعرْبَدَتِ الهمُومُ على فُؤَادِي ) ومثله كثير ولا وجه لاستيعابه لأن قليله دل على كثيره وجمله مبينة عن تفسيره إن شاء الله
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
قسم الشؤون الفكرية والثقافية يجري اختبارات مسابقة حفظ دعاء أهل الثغور
|
|
|